الجمعة ٣١ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بمناسبة تسميتها عاصمة الثّقافة الإسلاميّة
بقلم محمد خير الدين اسبير

حلب الشّهباء في عيون شاعرها

وافته المنيّة سنة 1390 هـ 1971 م

خلال وجودي في بلاد الغربة في العام 1343 هجري ، أثارتْ عواطفي وأشواقي
ذكريات مدينتي الغالية وساكنيها التي أنجبت الكثير من العظماء والعلماء والأدباء ،
فنظمت هذه القصيدة :

يا نســـمة الشهــــباء حــــين هبوبها
 
مّري بروحي فالفؤادُ هوَى بهـــا
 
وهواؤكِ الصّافي يصيب به الهوى
والنفس ذابت في هوَى محبوبها
 
و (الجوشن) العــــالي به راق الصفا
ورياضه فاحـــت بــنشر عبيرها
 
(حلب) حوت أبهى الصفات فكلّ من
قد زارها يثني عــــلى أوصــافها
 
هي أمّ أرباب المعالي والــنــــّـهى
كـم غـذَّتِ الألـــــباب من ألــبانها
 
كم أنشأت قوماً تســـــــامى فضلهم
والمكرمات تُـــشامُ بين ربوعـها
 
والعامــــلون بعِــــلمهمْ كم علّــموا والنابغون رُقيــــّــُـهم بنبوغـهــــا
 
تلك المعــــــالم لــــــــــم تزل آثارها
في الذكريات تُشــــاد في أبنائهــا
 
شـــــجعانها أسـْــــــدٌ قَضَوا لكنّــها
كم خلّفتْ بالمجد مـــــن أشـبالهـا
 
كم من جهــــــــابذة وأعـــــــلام لقد
فاقوا على الدنيا برفـــعة شــأنهـا
 
كم من أديب نابـــــغ كـــــــم شاعر
نظم القلائد في جــمان مديحــها
 
كم من بــليــغ في بديـــــع بــيانــــهِ
هزّ المنابر في معـــاهد علمهـــا
 
كم قد أثارت أنفـُــساً نحــــوَ العــلا
كمْ من ضلال قد أُزيلَ بِهديهــــا
 
كم من فتىً فيها ترعرع وارتقـى
وجنى علوماً من رياض علومها
 
هي بلدتي وطـــــني وفيها مُنيـتي
حاشا فـــؤادي أن يميل لغيــرها
 
بركاتها دَرّت لكـــلّ مواطــــــنٍ
والخيرعمَّ الــكلَّ مـــن بركاتها
 
كرَمُ القِرى فيها ارتقى أوْج الـعلا
ومكارمُ الأخــــلاق في آفاقهــــا
 
شرف الحميّة في رؤوس رجالها
نور الطهارة في قــــلوب نسائها
 
ومعاهد الــــعرفان كم هي خرّجت
فأقرأ سطور الــنّور في تاريخها
 
وبدائع العمــــــــران شيْدتْ بهجةً
وقصورُ حظ المرء في عمرانها
 
فربيع عيشي يغتنــــي بربوعهــا
وربوع أنسي تزدهي بربيعهــــا
 
وأريج أزهار الريــــاض بفَوْحِهِ
قد فاح مسكاً طـــاب في أرجائها
 
ماء الفرات روى القـــلوب بفيضهِ
وعذوبة الشــّـهد الشــهيِّ بمائهــا
 
و (قوبق) قد جفّت مآقـــيه جَــوىً
لما قَضَتْ جَوْراً به جيــرانهـــــا
 
عَبراتـــهُ تجــري بأيـــام الشتـــا
يا ليتها تجــري بكل فــصولهـــا
 
لو أنصفوها رحمــــةً فـيها لَمــــا
منعوا (لعمر الحـقّ) ماءَ حــياتها
 
فالحقّ عوّضَها وأطــــفأ رأفــــةً
بعذوبة الماء الطــهور غـــليلهـا
 
فهي العزيزة بالعـــروبة واليهــا
وهي الأنيســة في لــقاء مُحــبّهـا
 
فاسأل عن (الشهباء) تَعلمْ أنّمــــــا
تلك المكانة فـــي شوامـخ قدْرهـا
 
فــ(ابو عبيدة) والبواســـــل بدّدوا شجعان(قيصرَ)في معارك فتحها
 
ويدُ العناية مهّدتْ لأُولي العــــلا
رُشْــداً لهمْ عند اســتلام زمامـها
 
والدِّين فيــــها لا يزال بأوجـــــه
ومباديء الشـرع الحنيفِ بأهلـها
 
فشهامة الشهباء عالــــــية الـثنـــا
وهي القوية في صيانة عِرضـها
 
شرف المروءة والامانة رأسُـها
والقلب منها فهْوَ قـــلعة مــجدها
 
من وجهها شُمتُ الحــياة لذيـــــذةً
وشممتُ طيبَ حُنوّها في صدرها
 
فالعيش كيف يطيب لي من بعدها
إن الحـــياة لــفي جمـال حياتها
 
فيها نــشأتُ وسوف أنشأ ثانيـــــاً
فتراب جسمي من عبــير ترابها

 مدرسة ومسجد السّلطانيــــة الأثرية الواقعة قبالة مدخل قلعة حلــــب ،
كانت بُنيت في عهد الملك الظّاهر ، وكان مسجدها ذا محراب فـي غايـــــــة
الرّوعة والجمال ، لكنّها كانت مهملة في حينها كباقي المواقع الأثريّة.

قام الشّاعر بمساعيه الشّخصيّة وبمساعدة الأوقاف الإسلاميّـة بإزالة ما كان
يحيط تلك المدرسة من تلالٍ ترابية ، وترميم ما خرب بداخلها .

في العام 1344هجري افتتح الشّاعر مدرسةً نموذجيّة سمّاها (دار الفلاح)،
وقد عمد في تلك المدرسة إلى تدريس : علوم القرآن الكريم ، وقواعد اللغــة
العربية في صفوفها الثلاثة التي جلب لها أساتذة علماء .

وأضاف إلى الصفوف الثلاثة صفّاً رابعاً خصّصه للطلبة الّذين أنهَــــــــــوا
صفوفهم الثلاثة ، لتعليم وتدريب أصول المحاسبة وإمساك الدفاتر التجاريّة
الّتي اشتهرَ بها في زمانه ، ليتخرّج الطالب بعدئذ وهو مؤهّل للعمــــــــــل
كمحاسب (أي كاتب دوبيا) كما كان يوصف في ذلك الزّمن ،

وكان قد تخرّج العديد من الطلبة الّذين أصبح أغلبهم في مواقع علميــــــــة
وعمليّة رفيعة .وظلّت مدرسته قائمة حتّى العام 1388 هجري .

وقد عُهد إلى (الشيخ إسبير) الّذي ذاع صيته بهذا الإسم حينها ،بإمامــــــــة
المسجد الإثريّ المجدّد ، حتّى الوفاة في العام 1390هجري يرحمه الله ،

كما كان نظمَ العديد من دواوين الشّعر الإسلامــي التّوجيهــــي التربـــوي
التي مازالت تُنشرُ في بعض الصحف والمواقع الإليكترونيّة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى