الثلاثاء ١١ آذار (مارس) ٢٠١٤
بقلم عبد الجبار الحمدي

ستائر النسيان...

وقفت أمام نافذتها الحمراء الداكنة طويلا، سارعت رغبة في اماطة اللثام عن شعاع أمل، دعى يديها نحو الحبل لكي تحرك ستائر نافذتها التي طالما كانت سببا في حبها ... لكنها شعرت بحسحسة نفس تهمس إليها قائلة: كيف لك أن تنسي الماضي؟؟؟ أجننت؟!!

فجأة تراجعت الى الوراء وهي تعض على أصابع يدها كأنها تؤنبها على فعلتها التي ارادت ان تقوم بها وقالت لها... هل يمكنك فعلا ان تقومي بفتح ستائر ظلمتي الموحشة وهتك ستر وحدتي التي اخترت؟ لعلك نسيتِ!؟ فإن كنتِ كذلك دعيني أقص عليك مرة أخرى ما حدث..

توجهت الى زاوية قريبة من فسحة أريكتها المفضلة، جلست ومدت يدها لتتحسس المكان الذي بقربها وقالت: هنا كان يجلس معي دوما في كل مناسبة او حين تسنح الفرصة لنا لنكون معا سواء في الصباح او المساء رغم اننا جلسنا هنا في الكثير من المساءات بل لا يخلو يوم إلا وكنا فيه معا.... كثيرة هي ذكرياتنا على هذه الاريكة التي بحنا فيها لبعضنا البعض عن أسرار وعن حب احدنا الى الآخر

وكثيرا ما عبق بنا الوجد والهيام والرغبة الى مطارحة الغرام عليها لا لشيء إلا كونها تمل خشبة لمسرح قصة الحب بيننا وكانت تلك الستارة هي الشاهد على ذلك، ولا أظنني ابالغ اذا قلت كانت اسدالها هو الاشارة بالرغبة الى بعضنا البعض ...ودعيني اهمس لك عن ذلك اليوم الذي أردت ان أرى الشمس وهي تخرق روحي ونفسي لأستمد الحياة منها في يوم جديد من حياتي بعد أن رمتُ الوحدة كثيرا خاصة بعد تجربتي المريرة مع من كان رفيق درب خطف ممن لا سلطان لي عليه أو إرادة...

كان ذلك منذ خمس سنوات كنت فيها قد أغلقت كل نوافذ حياتي عن دخول ضياء الشمس إليها كوني أرملة، لم ارزق بأطفال، لم نعش مع بعضنا البعض طويلا، لقد مات مبكرا في العالم الأول من ارتباطنا، عشت مرارة تظرات المجتمع الذي يرميني بالعديد من المسميات، وللعديد من الرجال فريسة سهلة النيل، لكي أثبت لنفسي اولا أني إمرأة لا تحب مصنفات مجتمع ينزوي تحت شعار العادات والتقاليد وإن المرأة عورة ويزيد من كشف عورتها إنها أرملة... ويخفى عن الجهلاء سؤال: هل كان الأمر بيدي؟ لماذا أعاب ولا يعاب الرجل الارمل؟ أو حتى المطلق؟ لماذا لا يكون عورة؟
يا لغباء المجتمع وقاذورات التصقت في عقول أن الحياة هي عالم الرجال فقط... تنهدت وقد ضربت بقبضة يدها حافة الأريكة ... اللعنة على الموروثات التي لن ولم تتغير عن نظرة بأن المرأة يمكنها ان تكون كالرجل بل أفضل منه حين تسنح لها الفرصة وتواتيها قدرة الوعي والتعايش مع المحيط المفترض أن يكون متحضرا.. لا اخفيك احس ان نظراتهم لي كمخرز يثقبني حد النخاع وابتلع حموضة تصرفاتهم مثلما امتص حبة من ثمر الليمون، برغم حموضتها إلا انها تخفض من ضغط الدم الذي يرتفع عندي...

حتى ذلك الصباح قررت ان أفتح ستار مسرح نافذتي فدنوت الى تلك الخيوط لألاعب ستارتي تماما كالعرائس التي ما ان حركتها حتى اصدرت صوت عن حركة تثاءبها الطويل فابتسمت للصوت والتشبيه، دلفت لأفتح نافذتي التي اغمضت عيني لأني لم استطع ان اقاوم اشعة شمس الصباح، وما ان فتحتهما حتى رأيته جالسا أمامي على شرفة بيته المقابل لبيتي... قشعريرة امتدت في جسمي من رأسي حتى اخمص قدمي فارتجفت كان أحساسا غريبا اعرفه جيدا! لكنه فارقني منذ زمن بعيد...حتى هو شعرت بوجومه وقد اخفض الصحيفة من يده مبعدا فنجان القهوة عن شفاهه، كأني سمعته يقول لي حين حركها صباح الخير سديتي الجميلة, لحظتها ركنت الى الوراء بنفسي مسرعة حتى لا يراني او بالأحرى لا اراه، اختلست النظر من وراء ستارتي فوجده يبحث عني من وقوف ... ضحكت راودني ذلك الشعور بالحياة أحسست أني لازلت حية واحاسيسي لم تمت او تتجمد، ثم أغلقتها، ذهبت الى غرفة نومي، ووقفت امام المرآة ونظرت الى نفسي كأني أراها أول مرة، سعدت ان الفتاة المراهقة لا زالت بداخلي، وكالعادة خرجت الى مكان عملي أحمل الحياة طفح جلدي وقد احمر كل جسدي منها، حتى زميلاتي قالن إنكِ اليوم مفعمة بالحياة والأمل، بل إنك جميلة جدا... لا أدري!! اجبتهن ربما لأني فتحت ستائر نافذتي التي اغلقتها منذ سنين، لم يفهمن معنا لقولي، لكنهن سلمن بما سمعن، كان يومي خفيف الظل حتى ثقال الظل لم أشعر بوجودهم.. قد اكون استغربت!! لكن هذا ما احسسته.

عدت أدراجي مسرعة لهفة على غير عادتي كأن شيئا ما بانتظاري، وما ان دخلت ذهبت مسرعة نحو ستائري فأمسكت بحبالها واخذت اسحبها ببطء كأن هناك من يراقبني، لم افتحها على مصراعيها بل على النصف فقط مختبئة بالنصف الآخر مختلسة النظر... شهقت قائلة: يا إلهي!! إنه هناك يقف وهو يتطلع نحو نافذتي، إني أراه يحرك رأسه ذات اليمين وذات اليسار.. يعني أنه يبحث عني صَفَقْت كأني استعدت ايام مراهقتي، رميت بنفسي على اريكتي هاته التي ما ان لا مستني حتى عادت كل ذكرياتي مع رفيق عمري، خجلت من نفسي، أنبتها على تصرفات رعونة بقية فتاة مراهقة بداخلي، ودون تردد اغلقت ستار النافذة... عدت الى نفس نمط حياتي اجهز الطعام، إلملم ما لم يحتاج الى لملمته، استمع الى موسيقى بعيد عنك حياتي عذاب، أدندنها بصوتي حتى ارمي بنفسي على فراشي وانا ابكي حرقة الوحدة الطويلة، شكيت لوسادتي عذابي متسائلة، لم لا يحق لي الارتباط برجل آخر؟ أليس لي الحق في الحياة كإنسانة؟ لمَ يُلقى اللوم عليَ في اني عورة او عار أو حتى فريسة سهل اصطيادها، لم لا أخوض تجربة الحب مرة أخرى كوني انسانة لها الحق في ان تعيش كبيقة البشر؟ اما ما يقوله المجتمع والناس فذلك سهل طيه متى ما أغلق باب داري وتحت سقفه من يكون حليلا وشريك حياة؟ لا شك أن ذلك سيخرس كل الألسنة والعيون الفارغة أدبا ومليئة بخبث النميمة.

شغلت الحوارات ليلتي لم يدنو منها النوم خوفا من قطع حبل افكاري، نظرت الى الساعة وإذا بها قد نال الزمن منها فدلفت حتى ادخلت الصباح، كنت متكاسلة مرهقة من كثرة حديثي ونفسي أظنكِ كنت شاهدة على ذلك فقد عصرتِ وسادتي ومسحتِ دموع عيوني التي اوجعتني أظنها محمرة!؟ فنهضتُ الى المرآة فوجدها كذلك فقررت عدم الذهاب الى العمل... كان الحمام الساخن علاجا لي ولكل عضلات جسمي المتشنج داعبتني قطرات الماء حتى شعرت بملاطفتها لي في كل انحائه حتى خجلت من نفسي لكني احببت ذلك.. خرجت للتنزه بعد ان ارتديت ما احبه دوما، تأنقت كأني على موعد لقاء... حملت حقيبة يدي ونظارتي السوداء وهممت خارجة، قبلها تطلعت الى ستائري فوجدها كالعادة مسدلة حزينة... تبرمت ولكن!!؟؟

فتحت الباب متجهة الى باب مركبتي، ادرت المفتاح لكي افتحه وإذا بوردة جورية حمراء ملفوفة بقصاصة ورق تحت ماسحة الزجاج!! اخذت اجول برأسي ابحث عن تاركها، مددتكِ بتردد اخذتِها ودون ادراك شممتها مبتسمة فرحت انتِ حين سارعتِ لفتح قصاصة الورق المعطرة المكتوب فيها ... لك يا صاحبة الستارة الحمراء وردة جورية حمراء تحمل اليك مشاعري بصدق واسمحي لي ان أقول: كان ذلك آخر العبارة فلم افهم شيئا، كأن كل شيء قد توقف حولي حتى أنا... لم اشعر إلا وصوت دافيء يقول : اسمحي لي ان ادخل عالمك ودون مقدمات كشريك لحياتك....

صعقت لدرجة أني دفعت به الى الوراء وأنا اصرخ فيه إنك رجل مجنون لاشك.. اتذكرين ذلك؟؟

ولكن الغريب أنه صار فعلا شريكا لحياتي حين تعرفت عليه، وأنا وإياه الآن تحت سقف واحد نحيا بسلام وهدوء فبرغم غرابة الموقف وتصاريف القدر إلا ان شيئا ما جعلني لا أكذبه حين صارحني بكل مشاعره التي هو الآخر كمكم عليها حتى شاء القدر ان يربطنا برباط مقدس، كثيرة هي محنه وجنونه لكن تلك هي تصاريفه... نجمعها ذكريات حزينة ومفرحة، بكل مسوغاتها التي نرغب ولا نرغب...

لكني ورغم سعادتي في حياتي معه لم افرط بأريكتي هذه ولا زلت احتفظ بستائري الحمراء تلك التي يحبها. ودوما أسأل نفسي حين اريد فتحها.. هل أكون خائنة لشريك حياتي الجديد كوني لا زلت احتفظ بأريكتي؟
وهل أكون خائنة لشريك حياتي الأول حين فتحت ستائري في تلك المرة؟
لا أدري فلا زلت احمل هذا السؤال بداخلي يؤرقني نعم..

لكني ادرك بأن الحياة يجب ان تستمر بعطر زهرة الجوري وستائر النسيان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى