الاثنين ٥ أيار (مايو) ٢٠١٤
بقلم فتحي العابد

الأمل

أخذت ترقب البخار المتاصعد من قصعة الكسكسي أمامهم.. كم من السنين مرت وهي تنتظر أن يجتمعوا عليها هكذا...
كان يقينها في الله كبير.. وكانت دائما متمسكة بذلك الأمل الذي قادها وأضاء طريق الصبر أمامها إلى أن فرجت، ورجع إليها إبنها بعد هجر قسري فاق العشرين عاما..

الحرمان من رؤيته وقهر العباد غير ملامحها، وحتى الزمن لم يرحم ضعفها، فجلدها بسياط المرض..
"متى سيعود لأراه قبل أن يأخذ الله وديعته؟" كانت تسأل أخواته دائما.. أو تهمس لنفسها بتلك الجملة بعدد لم يتمكن علماء الرياضيات التوصل إليه.

لاينقصها سوى وجود من أرضعتهم بجانبها، لأنها أوقفت حياتها لأبنائها، وشيّدت حلمها وأملها على وعودهم..
كانت كل هاته السنون متجلدة بصبرها الذي مل الصبر كما كانت تردد، تحاصرها ذكرياته، فتعود بالذاكرة لسنوات خلت! وفي يدها صورته بالأسود والأبيض وهو صغير في حضنها.. وأباه بجانبها، يبدو فيها وكأنه محرج من العدسة.
لم يلتفت هو للوم أمه في البدء، ولم يلق بالا لنظرات الشفقة التي تقذفها أعينها.. لما رأت السنين تركت بياضها في شعره، وهي قائلة له: "لقد هجرتني وحليب أمك بين أسنانك، ورجعت لي وقد نقر الشيب رأسك"!

كانت تنظر إليه بشرود، وكأن هناك مساحة كونية تفصلها عنه، ثم تساءلت: "مابال اليوم كل مافيه يختلف، هل تغير الزمن"؟..

أطبقت يديها بسرعة على فـيهـا خوفا من تسلل كلماتها لآذان الحاضرين، عندما لحظها ابنها.. ضمته إليها، وأخذت تبكي وتدعو الله وتبتهل إليه، أن لا يبعده عنها أبدا بعد ذلك اليوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى