الأربعاء ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم محمد سعيد الريحاني

حديقتي، مملكتي

أرى ما أريد من الروح: وجه الحجر

وقد حكه البرق، خضراء يا أرض... خضراء يا أرض روحي

أما كنت طفلا على حافة البئر يلعب؟

ما زلت ألعب.... هذا المدى ساحتي، والحجارة ريحي

أرى ما أريد من السلم... إني أرى

غزالا وعشبا، وجدول ماء... فأغمض عيني:

هذا الغزال ينام على ساعدي

وصياده نائم، قرب أولاده في مكان قصي

شعر: محمود درويش

"أرى ما أريد"

لا شيء يمكنه النيل مني.

لا شيء يمكنه هدمي أو تقويضي.

لا شيء على الإطلاق ما دام لي ملاذي. ما دام لي حديقتي، مملكتي، خزاني من السعادة المتجددة وذخيرتي من القوة على الوجود والخلود.

في حديقتي لا يتطلب الامر جهدا. فأنا فوق الزمان والمكان، فوق الطاعة والعصيان، فوق الربح والخسران...

في حديقتي، لا شيء يحدني، فانا فوق الحدود.

في حديقتي، كل شيء في المتناول...

من هذا العلو الشاهق، أطل على حديقتي: من شرفة "باب الريح"، فتبدو لي كل القمم الجبلية تحتي راكعة ككثبان رملية طيعة في يد الريح...

وحين أنشد السكينة، أنزل إلى أسوار "سقالة" واقرفص فوق أبراجها، أحاور أسراب النوارس وهي تحلق ثابتة في مكانها مباشرة فوق رأسي، دون خفق جناح، تحميني بأجنحتها المشرعة من ضربة شمس محتملة. حتى إذا ما اشتد بي الحر، سعيت لظلال شجرة "الأركانة" أو للاستحمام تحت الدفق الأبدي لشلالات "أوزود" الفردوسية. وإذا ما عطشت، عرضت فمي لغدائر "راس الماء" أو غرفت الماء بكفي من "عين اسردون" ، أذوق هذا وأقارنه بذاك وأختم بأحلاهما...

وحين يبلى جلدي ويهترئ، أتجدد في مياه "مولاي يعقوب". وإذا ما نفذت ذخيرتي من الطاقة والحرارة، تعيدني كثبان "مرزوكة" الرملية الحارقة إلى شبابي وحرارتي ونشاطي...

وحين ترتفع درجة انانيتي، انزل إلى ساحة "جامع الفنا" حيث تقفز القردة على رؤوس المتفرجين وتلتوي الأفاعي على أعناق من لم يجرب الخوف بعد وينسج الحكواتي نكته الجديدة وطرائفه المرتجلة على مقاس شخصيات زبنائه المتفرجين الواقفين أمامه فيطهرهم من تقوقعهم وانكماشهم وخوفهم من الفضيحة والافتضاح...

حتى إذا ما اردت العودة إلى ذاتي ثانية، قصدت "مغارة الريح"، فريواطو. فأنزل من الفوهة إلى داخل الجبل أعد السبعمئة درجة نزولا. مع كل درجة اسفل المغارة في قلب الجبل، أنزل درجة اسفل المغارة في أعماقي. مع كل درجة أسفل المغارة في اعماقي واعماق الجبل، يزداد إحساسي بلسع البرودة. ومع كل إصرار على التوغل في اعماقي واعماق الجبل ، يزداد شعوري بالخفة، بالسعادة...

لكنني لا انام إلا بعد حوار مع إيقاع تنفسي ، أستحضر معه كل الإيقاعات:
"العرفة" و"الهيت" و"الكناوي" و"احواش" و"أحيدوس" و"الكدرة" و"العيطات"... فلا انتبه إلا وقد أخذني النوم على بساط سحري إلى حيث كنت دائما وأبدا: في حديقتي، مملكتي.

تازة 2004


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى