الثلاثاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

الفساد والوطنية لا يجتمعان أبدا

إن الأمن الوطني لا يتحقَّق إلا بوجود الأمن الفكري بحماية الأجيال الناشئة، وشباب الأمة، وتحصين أفكارهم من التيارات المشبوهة التي تسمِّم العقول، وتحرف السلوك؛ من دعوات التغريب، ودعايات الفساد والإفساد؛ كتحرير المرأة ومساواتها بالرجال، والاختلاط في الندوات وحفلات التخرج وغيرها. إن من الحكمة الواجبة أن نتجنَّب العاطفة الهوجاء، وردود الأفعال المتهوِّرة، متسلِّحين بالعلم والحلم والصبر، مشتغلين ببناء النفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وألاَّ نقحم أنفسنا في أمورٍ لا تُحمَد عقباها، ولا تعلم شرعيتها وجدواها.

بخصوص البيروقراطية المحلية او القطاعية فهي مكونة من كتاب الاتحادات المحلية والجهوية وكتاب وطنيين لجامعات ونقابات واتحادات نقابية قطاعية وأعضاء مكاتب وطنية ومسئولين على قطاعات محلية... بانتماءات سياسية متنوعة يسارية ويمنية، تستفيد هذه الفئة من بعض الامتيازات التي توفرها النقابة من قبيل مداخيل البطائق و رشاوى تقدمها الباطرونة مقابل ضمان الاستقرار داخل الشركة او بعض الإدارات تجنبا للمشاكل والإضرابات وهذه الفئة تعيد إنتاج كل قيم وثقافة البيروقراطية محليا أو في القطاعات التي تسيرها وتعمل بكل الوسائل لحماية مصالحها، غير أنها ضعيفة لأنها مرتبطة برضا البيروقراطية المركزية وهي تشتغل لوحدها بدون قواعد بسبب نفور الإجراء منها لكونها تعتمد تغييب الديمقراطية كليا، فاجتماعات الأجهزة المسيرة لا تتم والمؤتمرات تنعقد بعد عشرات السنين وهي مصابة بالتكلس وتفتقد لأي روح نضالية وأسلوبها في حل المشاكل هي المساومة أو التواطؤ و القاعدة العمالية التي تستخدم تتحكم فيها بنفس أسلوب البيروقراطية المركزية أي إفساد مسؤولي المكاتب القطاعية المحلية بدفعهم إلى الارتباط بالباطرونة عبر مصالح شخصية.و قد خضعت هذه الفئة لترويض طويل من طرف البيروقراطية المركزية الفاسدة المتحكمة في الاتحاد المغربي للشغل، لتجعلها تقبل بجميع أشكال الاهانة وتنزع منها أي إرادة للمقاومة، وقد شكل تاريخيا فضاء الاتحاد المغربي للشغل مدرسة متميزة لزرع الخنوع وإضعاف الوعي السياسي وتحويل الممارسة السياسية إلى أهواء تنقلب حسب رغبات القيادة المتحكمة في المركزية وتحولت السياسية بالنسبة لهذه الفئة تعادل الدسائس والمؤامرات ـ فمواقفهم وانتماءاتهم السياسية تتغير حسب الجو العام السائد داخل النقابة.

غير أن ما يجب الانتباه اليه في طبيعة هذا الصنف من البيروقراطية ان لها لحظات معينة تنفصل فيها عن البيروقراطية المركزية المتحكمة في الاتحاد وتتحول الى مناهض لها وتتبنى مواقف ديمقراطية، ويحدث هذا عندما تمس مصالحها من طرف البيروقراطية المركزية او عندما تفشل في صفقة مع الباطرونة او الإدارة ولا تجد سندا لها، لكن يتم جرها الى الصف من جديد بسهولة، وهذه الفئة تشكل القاعدة العريضة للبيروقراطية المركزية الفاسدة، فهي تقوم بدور البلطجة عند الضرورة، لأنها في غالبتها منحلة فاسدة موزعة بين صورة المتدين الذي تختبئ فيه بحثا عن توازن نفسي و الانتهازي العديم الأخلاق الذي لا يتورع في ارتكاب جميع أنواع الجرائم، السرقة، الوشاية، التآمر...

اما البيروقراطية المركزية الفاسدة فهي مندمجة ضمن تحالف كبير مكون من المخزن والباطرونة وهي تستفيد من امتيازات هائلة سواء داخل القطاعات التي تسيطر عليها بحيث تكون جزء من منظومة الفساد التي تتحكم في القطاع ( الابناك، الطاقة، التكوين المهني، السكك الحديدية...) و في علاقتها بالمخزن من حيث الدعم المادي والسياسي وتسهيل استحواذها على أملاك وعقارات بسبب الخدمة السياسية التي تقدمها للتحالف المسيطر سياسيا واقتصاديا والمتمثلة في تحييد الطبقة العامة من الصراع وتدجينها واستعمالها في خدمة المشروع المخزني لتأبيد الاستغلال المتوحش، وهذا الصنف من البيروقراطية استئصالي شرس خصوصا عندما تتهدد المصالح المشتركة بينه وبين المخزن، وهذا هو حال الصراع الحالي.

على الإنسان أن يتحمّل هذه المسؤوليّة، وهذا لا يتنافى على الإطلاق مع المساهمة في التحدّيات والمسؤوليّات الجهاديّة والسياسيّة والثوريّة. الحقيقة أنّ المرض السائد الآن في الأمّة هو أنّ الكثير من طلّاب الجامعات وخرّيجي الجامعات في عالمنا العربيّ والإسلاميّ ينكفئون للاهتمام بحياتهم الشخصيّة، وبالتالي، لا تجدهم في المواجهات العامّة وفي المراحل الخطيرة. عِلماً أنّ الطاقة الحقيقيّة في الأمّة هي في أجيال الشباب، في شبابها بالدرجة الأولى، الشباب الّذين يملكون الصحّة، العنفوان، والطاقة، الشباب الّذين يملكون الأمل، وبالتالي هؤلاء الشباب يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة في مواجهة التحدّيات، ونحن بحاجة إلى حضور كبير لأجيال الشباب ولطلّاب الجامعات في ساحات المواجهة والتحدّي. ولا بدّ من التأكيد على أنّ هذا العلم وهذه المعرفة تبقى مفيدة للإنسانيّة إذا بقيت قائمة على قاعدة الإيمان بالله والتسليم له والاعتقاد بعظمته وقدرته وجبروته، وإلّا فكما قالت الآيات الّتي تتحدّث عن العلم: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾

إنّ العلم يعيش في حضن الإيمان، الإيمان الّذي يعني أنّ: "الله حاضرٌ وحافظٌ ومراقبٌ لهذا الوجود"، وعليه فينبغي للإنسان أن يبقي هذه الفكرة حيّة وقائمة في وجدانه كلّ لحظة. الإيمان إلى جانب هذا العلم يحفظ التواضع ويحفظ القيم الأخلاقيّة ويحفظ روح خدمة البشريّة ويمنع من العتوّ والغلوّ والعلوّ والطغيان والتجبّر والاستكبار والفساد والإفساد. أمّا العلم بعيداً عن هذا الإيمان، فهو من أخطر الأسلحة الّتي هدّدت البشريّة وعرّضت البشريّة للمخاطر. العلم هنا يُصبح من أخطر الأسلحة الّتي تدمّر البشريّة وتسحق الناس في مشارق الأرض ومغاربها. ولذلك، فإنّ عظمة الإسلام تكمن في هذه النقطة أيضاً الّتي تدعو إلى العلم وتحثّ على العلم وترفع من درجة العلماء، ولكنّها تضع العلم بعد الإيمان، وفي حضن الإيمان ثقافة الفساد تتمثل في منظومة القيم السلبية التي تسوِّغ الفساد وتفرز ثقافة الاستبداد نمطاً يطابق طبيعتها وهو تحقيق مصالحها الفئوية الخاصة على حساب المصالح العامة، وهي بذلك تحدث انشقاقاً كبيراً في المجتمع يكرس حالة الفساد ويحول ساحة المجتمع إلى ساحة حرب بين مختلف الأفكار والاتجاهات، دون وجود لتعايش وتفاهم يضمن حالة التكافل والتعاون، وهي عقلية يسميها البعض بعقلية (الجُزُر المنعزلة) حيث لا تهتم كثيراً بخلق عمل جماعي ناجح ولا تعبأ أساساً بالصالح العام، بل كل الاهتمامات موجهة في اتجاه صالحها الفردي. وتعمل الدولة المستبدة على أن تبقي على الفساد نهجاً ومذهباً ونمطاً معيشياً، لأنه حين يعم الفساد لا يعود بوسع أحد التحدث عنه أو الاعتراض عليه طالما أن دائرته اتسعت فشملت شبكة واسعة من مصلحتها غض النظر أو السكوت عما يدور، إذ يلجأ المفسدون إلى إشاعة نهجهم الخاص على أوسع نطاق ممكن بين ضعاف النفوس، عملاً بالقاعدة القائلة أنه إذا أراد الفاسد حماية نفسه فإن عليه أن يفسد سواه أيضا، فما أن يعم الفساد و يتورط فيه الكل حتى تتكون آلية تضامنية تلقائية بين المفسدين يتستر فيها الكل على الكل فلا ترى بعدها من هم عناصر الفساد أو الفساد نفسه. وبذلك لا يصبح أمر الفساد محصوراً في بضعة أشخاص فاسدين إنما يتحول إلى منهج متكامل يوفر أصحابه البيئة المناسبة لتعميمه وتحويله إلى وضع أليف يصبح معها مجرد النقاش حول الفساد ضرب من العبث، حينها يفقد الفرد قدرته على المقاومة بالتدريج وتعلو لديه نوازع الأنانية ويتخلى عن مبادئه وقيمه كما يتخلى عن احترامه للقانون والنظام ثم ينتهي به الحال إلى التخلي عن إنسانيته واحترامه لذاته وللآخرين، ومع انتشار الفساد والمفسدين واتساع نطاق الأرباح الخفية الناجمة عنه، فإن العمل الشريف الجاد يفقد قيمته بل إن القانون نفسه يفقد هيبته واحترامه.
هذا فضلاً عن أن للفساد تكلفته الاجتماعية التي تتمثل في انخفاض معدلات الكفاءة في تخصيص الموارد الاقتصادية، وهو ما يؤدى إلى تخفيض معدلات التنمية الاقتصادية وعدالة التوزيع للدخل القومي.ومن ملامح ثقافة الاستبداد إن تطفو المراسم الشكلية ومظاهر الأبهة والسلطان بهدف فرض الهيبة التي تتحول إلى تقديس وخوف. وبالطبع فلا مكان هنا للمساءلة أو المحاسبة أو المطالبة فقط السماح بالتماس الرضا أو تجنب الظلم أو تحصيل بعض نعم السلطان و يذعن الناس للسلطة بسبب التسلط وبسبب أجهزة العنف التي تملكها السلطة وأساليب القهر والقمع وتهديد مصادر الرزق. وتبرز هنا مظاهر الرشوة والمحسوبية والتي تشكل خطورة بالغة على سلامة الجسم الاجتماعي، ذلك أنّها تؤجّجُ الشعور بالظلم والقهر، وتُنهك الفئات الفقيرة ومتوسّطي الحال، وتجعلُ حقوق المُواطن كالشغل والسفر والاستشفاء والسكن قابلة للبيع والشراء، وتفتحُ الأبواب أمام الانتهازيين الذين لا همّ لهم سوى الإثراء على حساب غيرهم من المُستحقّين، ويُداسُ على سائر قيم التراحم والتضامن والتعاون، وتُنتهكُ أبسطُ حقوق الإنسان ويسودُ قانونُ الغاب وتزدهرُ نزعاتُ الانتهازية والوصولية والابتزاز والطمع والجشع، وتتغذّى الأنانيّةُ المُفرطةُ عند الكثيرين إلى درجة إلغاء الآخر.وتحتضن حالة الاستبداد السياسي الذي تعيشه الأمم والمجتمعات والجماعات استبداداً ثقافياً واجتماعياً يختمر في نفوس البشر، ويتحول إلى حالة تطبع أساسي في السلوك وتعود على التمسك بالأحادية، ورفض الاستماع للرأي الآخر وقطع الطريق أمام الحوار والتفاهم ففي حالات ترسخ روح الاستبداد والتسلط يصبح الحوار منعدماً وإذا كان فعلى الأغلب يكون عقيماً ذلك أن الوضع ليس إلا سيطرة شمولية للرأي الواحد، متمثلاً بالسيطرة المطلقة للأحادية المنفردة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى