الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم أحمد بلكاسم

كاتب رسائل فقط

ما خاب من استشار عملا بهذه الحكمة البليغة الدلالة والعظيمة الفائدة، استشرت عقلي في أن أجد شغلا أصارع به عوادي الزمن، ولأن العجلة من الشيطان، فلقد أخذ وقته الكافي ليرشدني على سبيل العمل الذي سيعفيني من أكل لحوم الآدميين موتى وأحياء في المقاهي وأنا كاره لها، لقد توصلت برده قبل موعد السوق الأسبوعي بيومين: اقترح عليّ أن أجمع عدّتي وأن أنصب خيمة في رحبة السوق، وهكذا سيأتيني الفرج باسما، ويهرول نحوي الحظ السعيد ضاحكا.

صبيحة يوم السوق استيقظت باكرا، وسرت أحمل خيمتي على كتفي متأبطا عدّتي، أستحث الخطى نشوان نحو غايتي، بخفة ومهارة نصبت خيمتي في مكان خال إلا من بضع خيام متهالكة، إن هي إلا لحظات حتى غطى القماش الرث كل البقع المجاورة، وأخذت الخيام بما فيها من بضاعة تصدح، إلا خيمتي ظلت واجمة متوجسة تنتظر أول الزبناء. صففت القصاصات على منضدة صغيرة مثقلا كاهلها بأقلام حبر جاف خوفا من عبث الرياح، كما بريت قلم الرصاص جيدا تحسبا لأي طارئ. في الوقت الذي هممت فيه بالخروج من الخيمة إذ بالفرج رفرف بجناحيه: امرأة مكتنزة في عقدها الخامس ترتدي جلابة ذات لون أزرق سماوي وتخفي محياها بلثام أسود، تنتعل حذاء يشبه أحذية الرجال بلون التراب، جعلتني أثبت في مقعدي، أخذت تنظر إلى القصاصات والقلم المبري طويلا و تهمهم بكلام غير مفهوم، ثم رفعت بصرها نحوي قائلة بصوت خفيض:

 سيدي أريدك أن تجعله لا يفكر فيها إطلاقا ولا حتى في أحلامه.
- سيدتي؛ يبدو أنك...
- دعني أكمل كلامي ونفس الشيء بالنسبة لها هي أيضا، لا أريدها أن تذكر اسمه البتة.
- سيدتي؛ يبدو أنك...
 ماذا؟
 ربما تسرعت.
 لا لا، لم أتسرع بل آن الأوان لتضع حدا لهذه المهزلة.
 سيدتي يبدوأن...
- يجب عليك أن تشتت شملهما، لا أريده أن يلتقي بها ولو طرفة عين بعد الآن.
- سيدتي يبدو.أ...
 وأن تجعل صورته ذرات رمل تدمي مقلتيها.
- سيدتي يبدو...
 وأن تجعل اسمه علقما في لسانها.
 سيدتي...
- أريد أن ينفصلا انفصالا أبديا، هذا كل ما أريده منك سيدي وقبل أن يشمت فينا الأعداء، أرجوك عجل بعملك.
- سيدتي؛ ما الخدمة التي تريدين أن أسديها إليك؟
- بكل وضوح، ثمة شاب تقدّم لطلب يد ابنتي وبعد أن تمت الخطوبة اكتشفنا أنه محتال، مراوغ ومخادع.
- كيف عرفت ذلك؟
 كيف لا أعرف وهو في أول الأمر قدّم نفسه لنا على أنه طالب وسيتخرج من الجامعة دكتورا.
- جميل..!
 كيف يكون جميلا وهو إنسان كذاب؟
- قبلنا به زوجا لابنتنا حين اعتقدنا أنه ستكون له عيادة، أو يشتغل طبيبا لدى الدولة ولكنه في الأخير انكشفت عورته.
 ربما يكون كذب كذبة بيضاء؟
- كذبة بيضاء؟!
- أجل ثمة كذبة يطلق عليها كذبة بيضاء، بمعنى أنها لا تفسد في الود قضية.
 يا سيدي كذبة من أشتكي إليك منه، كذبة سوداء،لاتنبت الشعر.
 أفصحي.
- زعم أنه في خلال سنتين سيصبح دكتورا، وأن ابنتي ستلقب بزوجة الدكتور.
- إذن لا عيب في هذا.
 لا بل ثمة عيب وعيب كبير ..
 ماذا تعنين؟
- أنه دكتور لا يعالج الناس ولا حتى نفسه...
- كيف!؟
 إنه دكتور في الكتب والكلام فقط، وليس دكتورا طبيبا كما سائر الدكاترة الذين يعملون في المستشفيات .
 آآآه فهمت.
 لذا أرجوك سيدي أن تكتب حرزا قويّ المفعول، يجعله يبتعد عنا ما بعدت السماء عن الأرض.
- عليك بالخيمة المجاورة.
- ......... !
- أنا كاتب رسائل فقط.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى