الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

دور المصريين في تمويل المشروعات الكبرى

مثلت التبرعات العينية دوراً هاماً بمرحلة البناء أيضاً والتي كان أبرزها تبرعات الأميرة فاطمة أبنه الخديوي إسماعيل التي اشتملت علي "وقف" - أرض زراعية- تم تخصيص عائده للجامعة، كما تبرعت بمجوهرات وأرض خُصصت لبناء الجامعة إلا أن وفاتها عام 1920 حالت دون رؤية هذا الصرح التعليمي الكبير الذي تم تصنيفه عالمياً عام 2004 ضمن قائمة أكبر 500 جامعة علي مستوي العالم ويتخرج منها سنوياً ما يزيد على 155 ألف طالب. كما يأتي بنك مصر كأحد أهم المشروعات الاقتصادية التي تبناها طلعت حرب باشا وساهم في بناءه أبناء الوطن خلال فترة العقد الثاني من القرن الماضي حيث استطاع طلعت حرب أن يحصل علي ثمانون ألف جنيه، تُمثل عشرين ألف سهم لنحو مائة وستة وعشرين من المصريين المكتتبين في عملية إنشاء البنك لتبلغ قيمة السهم أربعة جنيهات ليتم تأسيس البنك عام 1920. ويُعتبر بنك مصر أول كيان مالي برأسمال مصري وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية خلال فترة الاحتلال، ليكون بمثابة تحويل تنموي للاقتصاد القومي من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار الصناعي وإثبات القدرات العقلية للإنسان المصري.

أفكار المصريين التنموية لم تتوقف على مر التاريخ فمشروع " القرش " كان أحد أبرزها الذي تبناه كلاً من أحمد حسين وفتحي رضوان الطالبان بالفرقة الثانية بكلية الحقوق وذلك نتيجة لانخفاض أسعار القطن في الأسواق ومعركة الطربوش الشهيرة نتيجة استيراده من الخارج حيث حثت الحملة دعوة كل مواطن مصري بالتبرع بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي كان يعاني آنذاك، ليُمثل ذلك بداية للفكر الاشتراكي، الذي يقوم علي إنشاء صناعات قومية يساهم فيها الشعب بنفسه، وتكون مملوكة له.

ولاقي المشروع دعماً من قبل الحكومة في ذلك الوقت وهي حكومة صدقي باشا لتحقيق قدر من الشعبية بين المصريين، وربما لتوظيف فكرة المشروع في إطار صراعه السياسي مع حزب الوفد آنذاك، وهو ما جعل المشروع يحصل علي كافة التسهيلات. ونجح مشروع "القرش" في جمع 17 ألف جنيه خلال عامه الأول و13 ألف جنيه بعامه الثاني، وهو مبلغ ضخم خلال تلك الفترة كما اسفر عن إنشاء مصنع بمنطقة العباسية لانتاج الطرابيش بالتعاقد مع شركة هاريتمان الألمانية خلال عام 1933. سيناريو الاعتماد على أبناء هذا الوطن فى تمويل مشروعاتهم التنموية ظهر ولأول مرة منذ تبني البلاد نظم الاقتصاد الرأسمالى والذي تتلاشي فيه دور الحكومة وذلك من خلال دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي المصريين دون غيرهم للاكتتاب بشهادات استثمار قناة السويس والتي سيتم توجيه حصيلتها إلى حفر قناة موازية لقناة السويس بهدف تقليص فترة عبور السفن لمجري القناة والسماح باستيعاب القناة للسفن العملاقة بغاطس 65 قدم أبهر المصريون العالم من جديد بجمعهم نحو 64 مليار جنيه فى ثمانية أيام فقط.

أن ما حدث من قبل المصريين يُعد حدثاً تاريخياً علي المستويين القومي والاقتصادي خاصة وأن الاكتتاب بشهادات الاستثمار بـ"قناة السويس" فاق كافة التوقعات،ومثل الوازع الوطني المُحرك الأول بعمليات شراء الشهادات.ان الاكتتاب بالشهادة الاستثمارية الخاصة بـ "قناة السويس" بـ "الحدث التاريخي" في ظل فترة الاكتتاب التي لم تتجاوز 8 أيام فضلاً عن حجم الاكتتاب الذي فاق الـ 60 مليار جنيه. أن تغطية الاكتتاب بشهادة استثمار قناة السويس تحمل رسالة قوية مفادها أن الشعب المصري قادر على تمويل المشروعات الكبري مع وجود سيولة جيدة خارج القطاع المصرفي يُمكن الاعتماد عليها في تمويل المشروعات الهامة والعاجلة والتي ستعود بالنفع علي المواطن والمؤشرات الاقتصادية للدولة. أن المشروع سيعود بالنفع علي القطاعات الاقتصادية المختلفة في ظل استهداف الدولة تنمية محور القناة عقب الإنتهاء من أعمال الحفر وبالتالي سيخدم المشروع شريحة قطاعية كبيرة مع بدء أعمال التنمية كما سيوفر الآلاف من فرص العمل التي ستقلص معدلات البطالة بالدولة، فضلاً دخول أموال جديدة للحسابات البنكية من خلال شهادات القناة التي تم الاستثمار بها من قبل شريحة كبيرة من الافراد غير المتعاملين مع البنوك.

ان إمتلاك كافة المصريين الفرص للمشاركة بالمشروع عقب الإنتهاء من مرحلة الحفر وذلك من خلال تمويل الاستثمارات الجديدة التي سيتم تدشينها علي جانبي القناة أن المصريون قادرون على وضع النواة الأولى للمشروعات القومية موضحا أن الوازع الوطني لدي المواطنين نظراً لأهمية مشروع قناة السويس ساهم في التوجه نحو الاستثمار بشهادات القناة الجديدة مما أدي إلى تغطية التمويل المطلوب خلال ثمانية أيام عمل. أن عدد كبير من المواطنين الذين استهدفوا المشاركة بالمشروع الجديد لم يستثمروا أموالهم بعد وهو ما يؤكد امكانية نجاح التجربة مرة اخري في حاله تكرارها بالرغم من أن الحاله الأولي ستكون الاكثر نجاحاً في ظل فترة الاكتتاب الوجيزة نسبياً لان وجود عدد من المشروعات الكبري ذات الأهمية التي من الممكن أن يتم استخدام الشهادات بها كأداة تمويلية.

أن قرار المركزي باتاحه الاستثمار لكافة المواطنين دون التقيد بامتلاك حسابات بنكية، فتح المجال أمام البنوك الاربعة المُصدرة للشهادات من الوصول إلى عدد أكبر من العملاء المرتقبين مما سيكون له اثر ايجابي في نشر الثقافة البنكية لدي شريحة اكبر من المواطنين في ظل عدم تجاوز المتعاملين مع البنوك الـ 10 ملايين مواطن وفقاً لاقصي تقدير.
أن سعر الفائدة البالغ 12% علي شهادات استثمار قناة السويس لا يمثل عبئًا كبيرًا على الجهة المقترضة طالما توافرت لها الموارد المالية الكافية للسداد، لان الجهات المُختصة قامت باجراء دراسات الجدوي اللازمة للمشروع قبل طرحه للاكتتاب من خلال شهادات الاستثمار علي المواطنين. أن تجربة إصدار شهادات إدخارية لتمويل المشروعات القومية أثبتت نجاحها خلال الطرح الذى أشرف عليه البنك المركزى وجمع ما يزيد عن 60 مليار جنيه لتمويل شق قناة السويس الثانية. أن النجاح الذي شهده الطرح الخاص بشهادات استثمار قناة السويس يجعل من الشهادات أداة تمويلية ناجحة لتمويل المشروعات القومية خاصة فى ظل كثرة المشروعات التى أعلنت عنها الحكومة خلال الفترة الماضية، لانة طالما توافرت دراسة الجدوى الواضحة للمشروع والتي تُثبت عائده الاقتصادي وقدرته على توفير تدفقاته النقدية التي تتناسب مع نفقاته وتؤكد علي استمرارية، فلا مانع من استخدام الشهادات مرة أخرى. عملية الاكتتاب بشهادات قناة السويس أظهرت الموارد الداخلية الحقيقية للدولة والتي يُمكن الاعتماد عليها بمخططات التنمية كمورد تمويلي من الممكن الاستفادة منه في تجارب أخري. أن نجاح الاكتتاب بشهادات قناة السويس لن يؤثر بشكل مباشر في تقييمات مؤسسات التصنيف الائتماني للدولة إلا أنه سيؤدي إلى زيادة الموارد السيادية الدولارية جراء التوسعات بقناة السويس الحالية،


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى