الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم محمد محمد علي جنيدي

حديث الصالحين

أسرع الشاب الخطى إلى المسجد فجرا، فقد كادت السماء أن تجود بأمطارها، وبعد جلوسه وجد وجوها غريبة عن رواد المسجد في انتظار الصلاة، يبدو عليها أثار السفر، قدّم إمام المسجد كبيرهم ليصلي بالناس لاحظه الشاب وألفته عينه، هو شيخٌ بلغ من العمر عتيا وغزا الشيب لحيته ورأسه تماما، ولكنه نشطا تشع من وجهه الحيوية والذكاء، وتجتذبك دعته وسماحته وما يبدو عليه من جمال روح، وبعد أن أتم الشيخ صلاته بالناس عرّف نفسه قائلا أنا الدكتور فلان من القاهرة، قضيت من عمري أكثر من ستين عاما مهتما بتحصيل علم الطب فقط، وله أنفقت أسفاري وجهدي إلى أن جاءني إخواني هؤلاء الذين أصطحبهم معي من حينها إلى ما يشاء الله، وأيقظوني على دعوة إلى الله، ما أحسنها، رقت لها قلبي، واشتعلت في نفسي بها طاقة التوبة إلى الله، ثم أردف وهو ينظر إلى الشاب قائلا: لي أبناء في سن شبابكم هذا، ولكنهم تنكروا عليّ إطلاق لحيتي وفتح عيادتي لفقراء الناس واهتمامي بإرضاء ربي بعد أن تبعثر عمري كله في عمل أكاد أترك ثماره لغيري وأنا لا أدري حاله مع الله، تركوني وشأني وقاطعوني، هداهم الله، ولكنني أصررت أن أنفق ما بقي من عمري في سبيل الله.

لم تغادر عين الشيخ الشاب، وكأن الحديث له وحده، وقال اسألوا الله حسن الخاتمة فلا يدري المرء بأي عمل يلقى ربه، ولقد كنا ذات يوم في سفر إلى الله، فاستقرت أقدامنا أمام باب خمارة، فقال أحدنا لعلنا ننقذ أحدهم من الغرق، فدخلنا ونحن في منعة الله مستعينون به، تفحصنا وجوه الناس حتى وقع نظرنا على شاب اعتراه الحزن والهم الثقيل، لكنه كان ما يزال يقظ العقل، فتبادلنا أطراف الحديث معه حتى رق قلبه وفاضت عيناه بالدمع وأخذناه خارج الخمارة إلى مسجد من مساجد الله فاستحم وتوضأ وصلى صلاة العشاء، وذهب بنا نحو بيته، وأوصانا بالمجيئ إليه عند آذان الفجر، فربما يغلبه النوم وكذلك أوصى أهله معنا، وعند الفجر عدنا إليه، فلم يفتح الباب، ذهبت زوجته إلى فراشه، ولم يستجب لها، فاستدعتنا، فدخلنا، وقمت بالكشف عليه، فإذا به قد فارق الحياة على توبة واستغفارٍ ودموع رجاء لله بعد أن صلى العشاء عازما إقامة صلاة الصبح، نسأل الله له الرحمة ونسأله لنا ولكم حسن الخاتمة.

انتهى حديث الرجل الصالح وانصرف الناس وبقي الشاب في موضعه مستغرقا في الدعاء الى الله بحسن الخاتمة، وعندما هم بالإنصراف من المسجد تصافح مع الشيخ الذي أبدى اهتماما خاصا به قائلا له.. يا بني إني أرى نورا في وجهك، فاحرص عليه حتى تلقى الله به.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى