الجمعة ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

هذه حقيقة داعش

أنه من المعلوم أن من هدر كيانه على هذا الغرار مهيئاً لهدر كيان كل ما حوله من عمران ومن استبيحت إنسانيته سوف يستبيح كل شيء حين تتاح له الفرص, كل شيء يصبح فاقد للقيمة والحصانة حين يفقد الإنسان قيمته وحصانته .
أما بعد بدء الثورة و ازدياد ترهل وتراخي القبضة الأمنية فقد اتخذت العلاقة العدائية شكلاً أكثر عنفاً في تدمير مؤسسات الدولة التي لم يرَ المواطن السوري منها إلا الظلم والتمييز والهدر والتمييز لكرامته وإنسانيته خصوصاً أن جل الأعمال الواعية متفرعة من جوهر لا واعي . أن تغيب الكلمة الملكة بعينها عن أي نص يعني أن يتحول النص اللاهوتي أو الأدبي أو السياسي من دونها الى قطيع من الكلام لاراعي له يدهسك بحوافر الثرثرة وبحوافر السأم بدل أن يجر عربة عقلك الى قلب الحقيقة .. النص الذي لاتذكر فيه الكلمة السحرية وملكة النص يشبه سربا كبيرا من الطيور المهاجرة التي قصت أجنحتها فسقطت في البحر لتأكلها أسماك القرش .. الكلمة الملكة هي السر الدفين والكنز المخبوء في أرض الكلام .
. وهي ملكة النحل في مملكتها التي تحفظ سلالة النحل.. ولذلك ماذا يعني أن يحدثك المحدثون والثرثارون ولصوص النصوص عن الشرق الأوسط وعن الحرب على الارهاب وداعش من دون ذكر "دور سورية المحوري فيه" ..
وسورية ملكة من ملكات الكلام السياسي وملكة من ملكات علم التاريخ وقصة الحضارة .. لايستوي بغيابها نص في السياسة أو العروبة أو الاسلام او الحضارة .. ولايستوي بغيابها كلام عن عدالة لفلسطين ولا نص عن الحرب ولا نص عن السلام ولا نص عن مواجهة الارهاب؟؟ لصوص النصوص عندما يكتبون الكلام يسرقون منه الكلمات المقدسة التي تحكم النص وتضبط ايقاعه .. وفي غيابها تتحول النصوص الى نعوش مرصوفة لكلام ميت مثل بيانات الجامعة العربية أو بيانات مجلس بان كيمون او خطابات السلاجقة الجدد .. ولذلك لايزال العالم لايعرف الا الثرثرة في السياسة والأزمات الكبرى والحرب على الارهاب .. وكل قراراته اقتلعت منها عيون الكلمات واجتثت منها القلب النابض .

الثرثرة ليست كما في تعريف القواميس بأنها كثرة انتاج الكلام في مبالغة من غير جدوى بل الثرثرة هي في تجريد النصوص من أسرارها ومن ملوكها وملكاتها ونهب مفرداتها الثمينة ودررها وياقوتها الأحمر .. بل واحلال أشباه الكلام مكان الكلام .. حيث تحل "من" محل "على" عندما يقال ان أميريكا "قلقة من داعش"

ولمعرفة ذلك تعالوا معي الى زيارة نصوص سياسية سرق منها اللصوص كل عروق ذهبها وسبوا كل أميراتها كما يسبي الداعشي نساء سهل نينوى . كل الكلام والجعجعة الأمريكية والغربية عن الحرب على الارهاب لامعنى له على الاطلاق وكلام ثرثرة .. ومن يصدقه فسيستحق لقبا من الألقاب الفخمة التي تسبغ على الملوك الأميين مثل "حكيم العرب" الذي منحه السيسي (لأبو متعب) .. ومثل "شيخ العرب" الذي منحه له خالد مشعل القطري .. ومثل "حمار العرب" الذي استحقه أبو متعب بجدارة برأي الشعب السوري .. فمن الكلام المنقوص والمشرد الذي سرقت منه الملكة وطار بلا أجنحة فسقط، تصريح ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا من أن الغرب يحتاج الى التعاون مع دول المنطقة لحرب داعش .. لأن كاميرون عدّد وبشكل مقصود هذه الدول واحدة واحدة من دون أن يذكر أهم فقرة في الحرب على داعش والارهاب وهي "التعاون مع الدولة السورية" .. وتغييبه المتعمد لها بذكره وتعداده الدول التي ستساعده دون اسم سورية يدل على أن النية هي العكس وهي أن تتعاون هذه الدول مع الارهاب ضد سورية تحت ذريعة محاربة الارهاب .. لأن منطق الحال يقول: ماذا يعني أن تحارب الارهاب المولود في سورية من رحم الثورة السورية وصلب ربيع العرب من دون
وغذى النظام عبثه بلا وعي هذه الفئة بعد أن تعمد اعتقال الناشطين السلميين الأوائل وأطال في أمد توقيفهم أو تصفيتهم داخل المعتقلات لإتاحة الفرصة عن طريق بطشه وإجرامه الذي رآه وعاينه واكتوى بناره كل المعارضين له , ما دفع الثورة دفعاً باتجاه العسكرة دون استعداد ودون وجود قيادات واعية تمتلك شعوراً عال بالمسؤولية لأن النظام المستبد لم يسمح بإنشاء أحزاب أو جمعيات أو منظمات مدنية إن لم تكن دائرة في فلكه تسبح بمجده , ولاحق وقمع وقتل كل من يفكر بأن يكون مختلفاً عنه , فافتقد الثوار إلى القدوة التي كان من شأنها إن وجدت أن تلعب دور الواعية الناصحة , تتصدى لكل إرادة للنظام بالتلاعب بمسار الثورة . فكانت الثورة " شعبية " دفعت للعسكرة دون قيادة , تمتلك قدراً عالياً واستثنائياً من البطولة , تشابه السيل بقوته الجارفة العنيفة تتصف بردة فعل حرجة تسيّرها مؤثرات خارجية عاطفية ( يعبث بها النظام ) , لا تخضع للمحاكمات العقلية , و لا تشعر بالمسؤولية لغياب أو تعطيل قانون تتفق عليه الجماهير بمكوناتها المختلفة المشارب الفكرية والأيديولوجية , يقوم بآلية الرقابة والحساب

كما أدت العسكرة إلى نشوء ثوار على قدر عال من الشجاعة من جهة ومن المسؤولية من جهة أخرى , لكنها أدت أيضاً " كما أراد النظام " إلى فوضى سلاح خلقت ثواراً يفتقدون للتثقيف الكافي والانتماء السياسي في بعض الأحيان وعدم تحليهم بحس عال بالمسؤولية يدفعهم باتجاه الحفاظ على مؤسسات الدولة وملاحقة من يقومون بأعمال التخريب ضد المنشآت الحكومية . وفي بعض الأحيان شعر بعض هؤلاء الثوار بالجبروت والاستثناء في تصرفاتهم فصار في عرفهم كل شيء مسموحاً ومتاحاً حتى لو تقمصوا شخصية المستبد نفسه , لأن أي إنسان شعبي متمرد " منفرد "

حين تتاح له فرصة ممارسة السلطة على آخرين لا يجد مرجعية أخرى لهذه الممارسة سوى ممارسات" المستبد " لأنه المثال الأوحد الذي عايشه وإن كان قد تمرد عليه . فقد يكون بعض الثوار تمردوا على أمراضهم التي كان النظام مسؤولاً مباشراً عنها لكنهم اعتقدوا بنفس الوقت أنهم تعافوا منها بمجرد رفضهم الخضوع له , بل أخذ بعض منهم بعداً أكثر خطورة وهو " ثورنة " هذه الأمراض وقولبتها لتبدوا كمبادئٍ ثورية , فبقي شيءٌ من الاستبداد في إدارة المؤسسات التي حرروها وجعلوها تخضع مرة أخرى لعصبياتهم المناطقية أو العائلية أو " الكتائبية " أو الثورية .

ناسين أن الثورة لكل السوريين وليست فقط للثوريين منهم.لمن لا يعرف من هي داعش فهي دولة الإسلام في العراق والشام ويرمز لهم بمفردة ( داعش ) اختصارا للكلمات الأربعة وهم تنظيم القاعدة ( فرع إيران ) ومنتسبوا هذا التنظيم عراقيون وقسم منهم سوريون ، أغلب قادة هذا التنظيم البارزين كانوا في سجن أبو غريب وتم تهريبهم بطريقة ( أفلام الاكشن ) في شهر رمضان المنصرم بمساعدة حكومة المالكي وإيران وها هم في سوريا الأن يقاتلون الجيش الحر وباسناد من جيش بشار الأسد وهذا دليل راسخ على أن داعش هم تابعون لإيران أما جبهة النصرة فهم تنظيم القاعدة ولكنهم تابعون لغير إيران ففيهم كتائب تابعة إلى مرتزقة عرب بجناسي أميركية وبتمويل أميركي وفرنسي وبريطاني وخليجي ، تنظيم النصرة لا علاقة له بالقتال الدائر في سوريا ما بين الجيش الحر ولا مع جيش بشار ولا حتى مع داعش فكل تنظيم له هدف معين ، فالجيش الحر يريد تحرير سوريا من الأسد و( داعش ) تدافع عن بشار وإيران بأسم أهل السنة ، وجبهة النصرة تجمع لمجرمين من تنظيم القاعدة يعملون باجور وهم يتعاملون مع الهدف ربحيا أي إنهم يقاتلون كمرتزقة وبرواتب ويسرقون ويغتصبون أي قرية يدخلون فيها المقاتلون العراقيون هم حطب المعركة فهم يذهبون بحجة الدفاع عن السيدة زينب وللأسف لا يصلون حتى لمرقد السيدة لأن السيدة بحماية لواء من حزب الله على شكل ثلاثة اطواق دائرية وباشراف ضباط إيرانيون .

حزب الله يقاتل مع الشبيحة ضد الجيش الحر ولا علاقه له بـ ( داعش ) ولا بجبهة النصرة وواجب حزب الله هو الانتقام من أهل السنة كمدنيين سوريين وقتل الجيش الحر ، واجب المقاتلين العراقيين مجرد إنهم بيادق وكبوش فداء لأن لا قائد فيهم وافضل تدريبا هو من ذهب دورة لإيران ( 15 ) يوم على البندقية أو القاذفة أو بندقية القنص دراكانوف .
الشبيحة هو لصوص وقتلة وعصابات اغلبهم من العلوية واجبهم سرقة واغتصاب وقتل واسناد بشار في عملياته الإرهابية لترويع الاهالي . إذن الكل هنا يقاتل ضد الجيش الحر وهناك الكثير من عناصر الموساد عرب مأجورين تنفذ واجبات منها اغتيال أهداف وشخصيات وطنية سواء كانوا من النظام السوري أو من العلماء والضباط الكبار والطيارين المميزين وضباط المخابرات الكبار وعلماء الفيزياء والاطباء . أما استخدام العامل الكيمياوي اصبح الآن من صلاحيات فيلق القدس وتم نقل كميات كبيرة منه تقدر بـ ( طن ) إلى إيران ومنها سوف يتم ارساله إلى الحوثيين في خطة جديدة إيرانية لاشعال حربها على الحدود مع السعودية بارواح حوثية بريئة وبعقول عربية غبية تطرب على ان كل تقديرات المراقبين والمتابعين العقلاء كانت تتنبأ بأن النتيجة الحتمية لهذا السلوك البربري هو خلق ثقافة عنف ستخلق مجتمعا عنيفا متشددا دينيا ومنفصلا عن الواقع هو مايعرف اليوم بداعش .

. وهو يعيش نوستالجيا الزمن الراشدي والفتوحات المليئة بالفخر الروائي عن الشعوب التي وصلتها رسالة الفاتحين .. ووجد المجاهدون أنفسهم كمن كان يحلم بلعبة الخلافة واذا بهم في حقيقة أرض الخلافة الموعودة وأرض الأحلام حيث الجواري والسبايا وحكم الشريعة ويكاد أحدهم يقول لك انه يحس أنه يسير بجانب الرسول ويسمع أنفاسه ويسمع حوله الصحابة وخاصة في مشهد مقزز يصور اليزيديين يعلنون اسلامهم بالقوة .. من يرى البذرة يستطيع أن يعرف الثمرة التي ستعطيها هذه البذرة وسيعرف اي شجرة ستنهض منها .. ولكن الغرب كان يرى شجرة الشوك تنهض أمامه في سورية الا أنه سقاها وحماها لأنه يريد للشوك أن ينبت في أرضنا ويقتل كل الورد وكل القمح وكل اشجار الزيتون الاصرار على تغييب سورية من مكافحة الارهاب ورفض التعاون معها سببه بسيط وهو أن لانية لحرب داعش وأن سورية هي البلد الوحيد الذي يحارب الارهاب وأن كل الدول التي تدعو اليوم لمحاربة الارهاب ومواجهة داعش انما تريد اسعاف الارهاب الداعشي بتدخلاتها من أجل اطالة أمده في سورية والمساومة عليه .. ولكن الحقائق على الأرض هي أن خزائن الأسرار في دمشق .. في دمشق اسرار داعش التركية والسعودية .. وفي دمشق اسرار أبي بكر البغدادي .. فكل الكلام عن حرب أميريكا لداعش مثل الكلام عن حرب داعش لأميريكا .. وكل التهويلات من أن اميريكا تخشى من داعش هراء لأن الحقيقة هي أن أميريكا تخشى على داعش من ان تهزم في سورية والعراق .. اليوم تدور الكلمات الغربية وتدور وتناور تريد القفز فوق النهر الذي حدد مساره وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي .

. فمن يريد مكافحة الارهاب عليه أن يجفف منابعه المالية بمنع تمرير المال اليه ومنع شراء نفطه المسروق الى تركيا .. وبتجفيف منابعه الفكرية وبحيراته الدينية ومستنقعاته العقائدية في الفضائيات والمنابر الدينية الوهابية السعودية والقطرية .. وفي فكر الاخوان المسلمين وفكر حزب العدالة والتنمية .. على كل حال .. لقد جرب الأميريكيون نفس الخدعة فيما مضى وجربوا تجاهل الحقيقة وحاولوا بناء نصوص في العراق وفق نصائح لصوص النصوص .. وفشلت كل نصوصهم لانها خلت من اعتراف لدور سورية المحوري .. الى ان ظهر نص الحقيقة في تقرير بيكر- هاميلتون ..وفي قلبه تربعت سورية على عرش الوصاية على كل الكلام .. لاشك اننا جميعا نذكر تقرير بيكر هاميلتون الذي كانت فيه الوصفة السحرية لمشكلة اميريكا في العراق هو الاعتراف بدور سورية في الحل العراقي والتخلص من حالة الانكار لهذه الحقيقة .. التقرير قال ان على اميريكا التعاون مع سورية وايران للخروج من المأزق العراقي وان اللاعبين الرئيسيين في العراق المحتل هما الرئيسان بشار الأسد وأحمدي نجاد .. وعلى الغرب الاقرار بهذه الحقيقة وبناء خططه عليها .. وهذا ماكان .. ومهما راوغ الغرب والعرب على اطلاق نص لمكافحة داعش من دون التنسيق مع الدولة السورية سيبقى حبرا على ورق .. ولاقيمة له .

. وسننتظر تقرير بيكر هاميلتون الجديد الذي سيعترف من جديد أن لاحلول لقضايا الشرق الا بالتنسيق مع سورية .. فكل حلول المنطقة في خزائن دمشق .. وكل مصائر المنطقة تتقرر في دمشق .. عندها لكل حادث حديث ..
إن قيام حكومة عراقية تحظى بقبول جميع المكونات يعني ببساطة أن السياسة السابقة التي نهجتها النخب الشيعية الغالبة، ومن خلفها إيران، باتت من الماضي. وان هناك مقاربة مختلفة وسياسة عقلانية وواقعية. وهو ما سيسهل قيام تفاهم داخلي على مقارعة «داعش». سيشجع كل القوى، خصوصاً منها السنّية المترددة، على الانضمام إلى الكتل والعشائر التي قررت محاربة التنظيم. العامل الأساس في التفاهم المتوقع إذاً سياسي بامتياز، وليس عسكرياً. الخصم العنيد لأهل السنّة والذي حُمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في العراق خرج من مكتب رئاسة الوزراء. لكنه لا يزال رقماً في اللعبة السياسية لا يمكن تجاهله. وكان خروجه خطوة باركها جميع العراقيين وكل المعنيين إقليمياً ودولياً. حتى بادرت إيران إلى تغيير فريقها الذي كان يـــتولــى إدارة الشأن العراقي. وإذا سارت الأمور كـــما هو مقدر لها سيعني ذلك أن ثـــمة مجالاً للتـــفــاهم بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، كما حصل عشية الحرب الأميركية على أفغانستان ثم في الحرب على نظام الرئيس صدام حسين إذا… تــلاقت الأهــداف أو كانت المخاطر والتحديات مشتركة. وسيعني أيضاً ان ثمة مجالاً للتفاهم أيضاً بين طهران وجيرانها الذين تعاطفوا ويتعاطفون مع مطالب المحافظات والكتل السنية.

النموذج العراقي هذا يظل يتيماً، إذا قام وتوافرت له أسباب البقاء. وقد ينجح في تطويق انتشار «داعش» واحتواء خطره الداهم. لكنه لن يمهد للقضاء عليه. الإرهابيون سيجدون في مناطق نفوذهم السورية ملاذاً آمناً لإعادة تنظيم صفوفهم والإنطلاق مجدداً عبر الحدود المفتوحة بين البلدين. لذلك لا بد من إيجاد شريك سوري لخوض معركة مماثلة لتلك التي تخوضها «البيشمركة» وقوات النخبة العراقية وقد تنضم إليها مكونات أخرى. ولن يكون أمام التحالف الدولي والإقليمي سوى الاعتماد على الفصائل المعتدلة في المعارضة السورية التي خاضت معارك طويلة مع التنظيم. ولن تكون هذه قادرة على رفع التحدي ما لم تتلق تسليحاً نوعياً، ومدداً مالياً يمكنها به إغراء الملتحقين بـ «الدولة الإسلامية».
وهنا يطرح السؤال عن موقف إيران التي تبدي حماسة شديدة للمشاركة في هذه الحرب الكونية. لكنها من جهة ثانية تمد نظام الرئيس بشار الأسد بكل أسباب الصمود. وهو ما يعيق لقاءها مع المطالبين برحيل هذا النظام من قوى محلية وخارجية.

ليست هذه الإشكالية الوحيدة. فالتعويل على القوى السنية المعتدلة في سورية والمنطقة المتأهبة لمواجهة «دولة الخلافة» يستدعي شروطاً وتنازلات من الآخرين. أرجأ تحركها حتى الآن صمت الولايات المتحدة وأوروبا على ما تعرض له أهل السنة في كل من العراق وسورية ولبنان. وأغضبها «الكـــيل بمكيالين»

: الغرب لم يحرك ساكناً حيال ما يــــتعرض له السوريون من قتل وتهجير ليسا أقل فظاعة مما يجري على أيدي «الدواعش». بل لم يتحرك طوال شهرين بعد موقعة الموصل لمواجهة «الدولة الإسلامية»، إلا عندما شعر بتعرض مصالحه للخطر في كردستان. وهال هذه القوى أيضاً «تغول» طهران وسياسة «التمكين» عبر حضورها ونفوذها الثقيلين في قلب المنطقة العربية وضفافها.

الكرة في ملعب إيران أيضاً. فإذا كانت جادة في قتال «داعش» في سورية كما في العراق، لن يكون أمامها سوى تعميم النموذج العراقي. وترجمة رغبتها يكون باستجابة رغبات أساسية لأهل السنة في بلاد الشام.
ويمكن في هذا الإطار أن يكون الحوار الذي انطلق بينها وبين المملكة العربية السعودية عاملاً مساعداً. فهي تدرك مدى قدرة الرياض وتأثيرها في قسم واسع من القوى في سورية كما في العراق ولبنان، خصوصاً بعد التطورات في الفضاء المحيط بشبه الجزيرة. لقد تبدد جزء غير يسير من المخاوف التي استبدت بالسعوديين والخليجيين عموماً في السنوات الثلاث الماضية. أقلقتهم أحداث «الربيع العربي»

الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"

أولا: دولة العراق الإسلامية:

دولة العراق الإسلامية توصف بكونها الأشد بأسا وقوة بين الجماعات الأخرى، إن دولة العراق الإسلامية هي سليلة تنظيم القاعدة حتى لو اتخذت من الأسماء ما اتخذت ابتداء من جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها أحمد فضيل نزال الخلايلة الشهير بـ "أبي مصعب الزرقاوي" وظهرت عقب سقوط بغداد مباشرة مرورا بقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بعد مبايعة الزرقاوي لتنظيم قاعدة الجهاد بزعامة أسامة بن لادن (8/1/2004) و"مجلس شورى المجاهدين أكتوبر سنة 2005" وهو تنظيم مسلح، يتبنى الفكر السلفي الجهادي يهدف أعضاؤه إلى إعادة "الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة"، ثم أخذ يمتد في العراق وسوريا، بدأ بتكوين الدولة الإسلامية في العراق في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2006 إثر اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة حلف المطيبين وتم اختيار "أبا عمر البغدادي" زعيما له، وبعدها تبنت العديد من العمليات النوعية داخل العراق آنذاك, وبعد مقتل أبو عمر البغدادي في يوم الاثنين 19/4/2010 أصبح أبو بكر البغدادي- عراقي الجنسية ولد في سمراء العراق اسمه الحقيقي ابراهيم البدري وينحدر من عائلة متدينه منهم دعاة دين، وعمل البغدادي مدرسا في الفقه الشرعي و يحمل درجة الدكتوراة من الجامعة الاسلامية في بغداد- زعيما لهذا التنظيم، وشهد عهد أبي بكر توسعاً في العمليات النوعية المتزامنة (كعملية البنك المركزي، ووزارة العدل، واقتحام سجني أبو غريب والحوت), وبعد الأحداث الجاريه في سوريا واقتتال الجماعات الثورية والجيش الحر مع نظام بشار الأسد تم تشكيل جبهة النصرة لأهل الشام أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى المقاتلة في سوريا, وفي 2013/4/09 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام أعلن من خلالها أبو بكر البغدادي دمج فرع التنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأخذ نفوذ الدولة تتوسع في الداخل السوري يوماً بعد اليوم.

تشكيلة داعش: مجلس قيادة "داعش" يتألف من عراقيين بنسبة 100%، مشيراً إلى البغدادي أنه لا يقبل أي جنسية أخرى كونه لا يثق بأحد. ويشير الى أن عدد أعضاء المجلس العسكري يزيد وينقص، ويتراوح بين ثمانية و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها ثلاثة ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وهم تحت إمرة عقيد ركن سابق في الجيش العراقي أيضاً يُدعى حجي بكر، انضم إلى "دولة العراق الإسلامية" عندما كانت بقيادة "أبو عمر البغدادي" الذي قُتل عام 2010م.

بدأت دولة العراق الإسلامية التركيز على خطّين:

الأول: ضمان عدم تصدّع الدولة وحمايتها من الداخل عبر إنشاء مفارز أمنية تُصفّي أي جهة تُشكّل خطراً على الكيان، مع ضمان توفير الموارد المادية. وبالتوازي، اتفق البغدادي وحجي بكر على وقف لقاءات الأول بالقيادات الفرعية للتنظيم، وحصر تلقي تعليمات الأمير وتوجيهاته وأوامره عبر أعضاء مجلس الشورى الذي شكله العقيد.
الثانية: في بناء جهاز أمني لتنفيذ تصفيات واغتيالات سرية تشكّل في البداية من 20 شخصاً، ووصل خلال أشهر إلى 100 شخص، بإمرة ضابط سابق يُدعى "أبو صفوان الرفاعي"، ويتبع مباشرة لقيادة التنظيم. واقتصرت مهمة هذا الجهاز على تصفية من يبدو منه انشقاق او عصيان من رجالات "الدولة" او القادة الميدانيين أو القضاة الشرعيين. أما الشق المتعلق بالمورد المادي، فتواصل على ما كان عليه أبّان إمارة "أبو عمر البغدادي"، بمصادرة أموال الشيعة والمسيحيين وغير المسلمين، وعملاء النظام حتى لو كانوا من السنة، والاستيلاء على مصادر النفط ومحطات توليد الطاقة والوقود والمصانع الحكومية وأي مصادر مالية حكومية تُعدّ حكماً ملكاً لـ"دولة العراق". أمَّا ما لا يمكن الاستيلاء عليه بالكامل، فيُهدّد مالكه بالقتل أو تفجير الشركة إذا لم يدفع خوّة شهرية تحت مسمّى ضريبة، ثم تطور بعد الثورة السورية ليطال سوريا كذلك، ويضم هذا التنظيم أفرادًا مقاتلين من جنسيات مختلفة عربية وغيرها، وهدف هذه الجماعة الجهادية هو إقامة ما يسمونه "دولة الخلافة الإسلامية".

ظهور داعش في سوريا:

ظهرت جماعة "داعش" في سوريا عام ٢٠١٣م، وهي أبعد كل البعد عن أهداف الثورة السورية، أو الثوار السوريين الذين ابتدءوا ثورتهم بثورة غير مسلحة، وانتهى بهم المطاف إلى تأسيس الجيش السوري الحر، وأصبحت المعارضة السورية معارضة مسلحة تواجه النظام السوري وقوات جيش الأسد الصراع بين أبي بكر البغدادي وزعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني:

أما عن انخراط "الدولة الإسلامية" في سوريا، إنه بعدما بدأت الثورة السورية، اتجهت أنظار عناصر "دولة العراق الإسلامية" الى سوريا، ووقتها تخوّف العقيد حجي بكر من تسرب عناصر "دولة العراق" للجهاد في الشام مما قد يسبب تصدّعاً في "الدولة"، ويعطي بعض القيادات والأعضاء الذين يفكّرون في الانشقاق باباً لذلك عبر سوريا. لذلك حرّم أبو بكر البغدادي الذهاب إلى سوريا، واعتبر كل من يخالف التعليمات منشقاً، مبرراً ذلك بأنّ الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث. في هذه الأثناء، عرض العقيد بكر فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري، وبذلك يحال دون التحاق أي قيادي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق، وبالتالي يتم تأمين عدم انشقاق عراقيين عن "الدولة"، فيما يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تنجح في استقطاب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أُنشئت "جبهة النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني وسرعان ما طار اسمها عالمياً، وباتت قبلة لكثير من المجاهدين من الخليج وتونس وليبيا والمغرب والجزائر وأوروبا واليمن.

أخاف هذا الصعود السريع العقيد بكر، والبغدادي، كون الملتحقين الجدد بـ"جبهة النصرة" لا يدينون بالولاء لدولة العراق أو للبغدادي، هنا حثّ حجي بكر البغدادي على إعطاء أوامره للجولاني بأن يعلن عبر مقطع صوتي أن "جبهة النصرة" تابعة رسمياً لدولة العراق بقيادة البغدادي. وعد الجولاني بالتفكير في الأمر، لكن أياماً مضت من دون أن يصدر شيئاً، فأرسل البغدادي له توبيخاً وتقريعاً، فجدد الأخير الوعد بالتفكير واستشارة من حوله من مجاهدين وطلاب علم، قبل أن يبعث للبغدادي برسالة مفادها أن هذا الإعلان لا يصب في صالح الثورة، مستنداً إلى رأي مجلس شورى الجبهة هنا ثارت ثائرة البغدادي والعقيد بكر، وزاد الطين بلة إدراج الولايات المتحدة "جبهة النصرة" في قائمة الإرهاب، ليُصبح الجولاني المطلوب الأول في سوريا، الأمر الذي زاد من منسوب القلق لدى البغدادي والعقيد من منافسة "النصرة" لـ"الدولة".
كان أبو محمد الجولاني سياسياً عقلانياً يحاول إمساك العصا من الوسط، لكن خوف العقيد والبغدادي كان أكبر من تطمينات الجولاني، مما دعا العقيد حجي بكر الى التفكير بخطوات متقدمة لضم "جبهة النصرة" الى "الدولة". طلب البغدادي من الجولاني القيام بعمل عسكري ضد قيادات "الجيش الحر" أثناء أحد الاجتماعات في تركيا، مبرراً ذلك بأنه "استهداف لصحوات المستقبل العميلة لأمريكا قبل استفحالهم في الشام". عقد مجلس شورى "جبهة النصرة" اجتماعاً ورفض الأمر بالإجماع، فاعتبر البغدادي والعقيد حجي ذلك خروجاً صريحاً عن الطاعة، على إثرها أرسل البغدادي خطاباً شديد اللهجة يُخيّر الجولاني بين أمرين: تنفيذ الأوامر أو حلّ "النصرة" وتشكيل كيان جديد. طال انتظارهما لرد الجولاني الذي لم يصل، بعدها بعث البغدادي رسولًا لمقابلة الجولاني، لكن الأخير اعتذر عن عدم اللقاء، مما أشعر "أمير الدولة" بالخطر كون الجولاني بدأ يخرج عن السيطرة، بعدها أرسل قيادات عراقية من "الدولة" لمقابلة قيادات "الجبهة" لجس نبضهم حول تحقيق حلم بدولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة. وبالفعل تم تلمّس ميول مؤيدة لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين. لكن "جبهة النصرة" سرعان ما زجّت ببعض هؤلاء في السجن بتهمة إشاعة التكفير، وكان بينهم: أبو رتاج السوسي وأبو عمر العبادي (تونسيان) وأبو ضمضم الحسني وأبو الحجاج النواري (مغربيان) وأبو بكر عمر القحطاني (سعودي)، علماً أن الأخير عُيّن في ما بعد أميراً شرعياً لدولة البغدادي، وكان أول المنشقين عندما أعلن البغدادي حل "جبهة النصرة". هكذا عقد البغدادي العزم على إعلان الاندماج، واتّفق مجلس قيادة "الدولة" على ذهابه إلى سوريا لإعطاء زخم أكبر للإعلان، قابل الأمير العراقي القيادات المؤثرة في الجبهة موحياً بأن هدف الإعلان وحدة الصف الجهادي، وأرسل بطلب الجولاني لمقابلته، لكن الأخير اعتذر لدواعٍ أمنية. عندها أرسل البغدادي إلى الجولاني يُعلمه بضرورة إصدار بيان باسمه حرصاً على وحدة الصف يتولى فيه إعلان حل الجبهة والتوحّد في كيان جديد تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ردّ الجولاني معتبراً ذلك خطأ فادحاً سيُمزّق الشعبية التي بنتها "جبهة النصرة" بين أهل سوريا. هنا اقترح العقيد بكر على البغدادي إصدار بيان حل "النصرة" باسمه وعدم إصدار بيان بعزل الجولاني لعلّه يعود الى رشده بعد الحل. جرى التواصل مع قيادات "النصرة" لإخطارهم بموعد الإعلان وتهيئتهم لمبايعة البغدادي وجها لوجه كونه سيكون في سوريا. وبذلك لعب البغدادي على وتر أن الجولاني كان يحتجب عن كبار القياديين والشرعيين في الجبهة، وبالتالي فإن ذلك سيُشكّل جاذباً للمجاهدين الذي سيحظون بفرصة لقاء من هو أكبر منه. انقسمت "النصرة" إلى ثلاثة فرق: التحقت الأولى بالبغدادي، واختارت الثانية الجولاني، فيما نأت الثالثة بنفسها... هكذا بدأت حرب التكفير والاتهامات بشق الصف المسلم بين أُخوة الجهاد، هنا ظهر على الساحة ضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان، كان الأخير صلة الوصل بين البغدادي وقيادات "النصرة" التي بايعت لاحقاً البغدادي.

في هذه الأثناء، وصل الى سمع حجي بكر والبغدادي أن الجولاني لن ينصاع لدعوة حل "النصرة" وأنه يُحضّر لإصدار بيان برفض ذلك إعلامياً، فاقترح العقيد على أبي بكر البغدادي تشكيل فرق أمنية لتنفيذ مهمتين:الأولى: الاستيلاء على جميع مخازن الاسلحة التي في حوزة "الجبهة"، وتصفية كل من يرفض تسليم مخزنه فوراً، وبذلك لا يبقى لدى "جبهة النصرة" ذخيرة وأسلحة فينفر الناس منها ويتشتتون ويلتحقون بـ"دولة" البغدادي. والمهمة الثانية: تتمثّل بترصّد الجولاني لتصفيته، وتصفية القيادات التي معه، واتّفق على أن يتم ذلك بواسطة لواصق متفجّرة توضع في أسفل سياراتهم، هكذا استُهدف أبرز قيادات "النصرة"، ومنهم المهاجر القحطاني، الرجل الثاني بعد الجولاني، فقُتل معاوناه أبو حفص النجدي (عمر المحيسني) وابو عمر الجزراوي (عبد العزيز العثمان). عندها، لجأ الجولاني إلى زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري للبت في النزاع. وللحيولة دون إحراج "تنظيم القاعدة" استدعى الظواهري شخصيات جهادية من اليمن والسعودية للتوسط بين المتنازعين، إلا أن البغدادي تملّص من مقابلتهم. وزاد ذلك الأمور سوءاً في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد الجولاني، عندها عمد الأخير إلى إصدار بيان يُعلن رفض حل "جبهة النصرة"، واضعاً الأمر في عهدة الظواهري. ويكشف حساب "ويكي بغدادي" أن خطاب الفصل للشيخ أيمن الظواهري صبّ الزيت فوق نار أزمة البغدادي-الجولاني، لقد رفض أمير "الدولة" مشروع الحلّ، بتشجيع من كل من العقيد حجي بكر، والقيادي الشرعي السعودي أبو بكر القحطاني. وفي سياق السعي إلى التمكين لتنظيم "الدولة"، اتصل القحطاني بضابط سعودي سابق اسمه بندر الشعلان ليكون ممثلاً تنظيمياً لهم في السعودية وحلقة وصل لتكوين نواة شرعية مؤيدة للبغدادي في الخليج. وبالفعل تولى الشعلان المهمة آخذاً على عاتقه جمع مؤيدين للبغدادي، فكان أول بشرى أبلغها للدولة" وجود "شرعيّ" (مفتي) مؤيد للبغدادي يدعى ناصر الثقيل، كاشفاً أنه اجتمع معه مرات عدة للعمل على نصرة البغدادي.

وتوسّع عمل الشعلان إلى البحرين حيث تواصل مع تركي بنعلي الذي أبدى تأييده ومساندته لمشروع دولة البغدادي. وتكثّفت جهود المندوب السعودي حتى تمَّ تشكيل لجنة شرعية مناصرة لـ"الدولة" تتكون من عدة أشخاص، بعث بأسمائهم كمناصرين للبغدادي وهم: ناصر الثقيل، وتركي بنعلي، وعليوي الشمري، وحمود المطيري، وحمد الريس، وصالح الحضيف، وأيوب لال الحربي، وعبد العزيز العمر، وعلي الجبالي.

داعش والنظام السوري وجهان لعملة واحدة:

هذه الجملة يرددها أهل الثورة وأحرار سوريا ومجاهدوها منذ عدة أشهر، وهم صادقون، ويا له من تشبيه عميق دقيق! أخرجْ من جيبك ورقة نقدية وانظر إلى وجهيها، سترى تفصيلات متشابهة على هذا الوجه وذاك. والآن حاول أن تفصل أحدَ الوجهين عن الآخر. هل ينفصلان؟ إذا استطاع أحدٌ أن يفصل وجهَي ورقة نقد أحدهما عن الآخر فإنه يستطيع أن يفصل داعش عن النظام.

لذلك لم يعد لدى المجاهدين الصادقين في سوريا أدنى شك في أن قتال داعش ليس

أقلَّ ضرورةً ولا أقل أهميةً من قتال النظام، ولعل الخلاف الوحيد الذي بقي في الموضوع هو: أيّهما أَولى بالقتال؟ هذه مسألة يجتهد فيها المجتهدون، ورأيي الذي لا أتردد في التصريح به هو أن داعش أَولى بالقتال من النظام، لأنها عدو مستتر يفتك بالجسم من داخله، والنظام عدو ظاهر يأتينا من الخارج فنتنبّه إليه ونجتهد في اتقاء شرّه. نعم لقد بات عامة السوريين على يقين لا يداخله شك في أن النظام الحاكم وداعش حليفان يتكاملان في سعيهما إلى تدمير الثورة السورية والقضاء على جهاد أهل الشام، ولئن بدا بينهما شيءٌ من التنافس فإنما هو تنافس على الكفاءة في تنفيذ هذه المهمة القذرة: أيّهما أسرع من صاحبه فيها وأكثر دهاء وبراعة؟ لكنّ بعض الغافلين (أو المغفّلين) ما يزالون يشكّون في هذه الحقيقة التي باتت أسطعَ من شمس النهار، وهؤلاء يكاد المرء يفقد الثقةَ -بسبب انحيازهم الأعمى إلى داعش- في عقل الإنسان وإنسانية الإنسان. أليست لهم عيون فيبصرون بها؟ أمَا لهم عقول يتدبرون بها ويفكرون؟

عندما انتشرت داعش في دير الزور وإدلب وحماة وحلب والساحل واحتلت مساحات واسعة فيها -في الثلث الثالث من العام الماضي- ماتت تلك الجبهات وتوقف تقدم المجاهدين فيها وبدأ النظام بتحقيق الانتصارات، ومنذ انحسار المد الداعشي عنها اشتعلت تلك الجبهات كلها وعادت بركاناً يغلي بالنار وعاد المجاهدون إلى التقدم السريع فيها جميعاً. جبهة الرقة هي الوحيدة التي عاش النظام فيها في سلام بمعيّة داعش، الصديق الحميم، أفليس هذا وحدَه دليلاً على التواطؤ والانسجام بين الفريقين؟

الحقائق والبراهين على تحالف النظام السري مع داعش وتصادمها مع قوى الثورة في سوريا والعراق.؟!

1- استولت "داعش" على مدينة (الرقة) بعد أن قاتلت الجيش الحر..فلو كان وجود "داعش" لمقاتلة جيش النظام السوري، فلماذا تقاتل الجيش الحر؟

2- لماذا قاتلت "داعش" تنظيم "أحفاد الرسول" الذي يقاتل جيش النظام السوري جنباً إلى جنب مع الجيش الحر.؟
3- لماذا قاتلت "داعش" تنظيم "صقور الشمال" بسيارات مفخخه، وهو يقاتل مع الجيش الحر قوات النظام السوري؟!
4- لماذا هددت "داعش" تنظيمات أخرة مسلحة، وطالبتها بنزع سلاحها والإستيلاء على (غنائم الحرب)، كما ذكرت.؟
5- لماذا تؤسس "داعش" (محكمة شرعية) في كل مكان لها فيها موضع قدم، تعتقل وتحاكم من تشاء كل من له صوت وطني ضد الطائفية ونظام الإستبداد الطائفي، وكل من يطالب بنظام ديمقراطي وبالتغيير.؟
6- لماذا تسعى "داعش" إلى استضعاف الفصائل المقاتلة الأخرى، والعمل على تفكيكها بضم عناصرها إلى تنظيماتها بالترغيب والتهديد؟
7- لماذا تعمل "داعش" على تكفير تلك الفصائل؟
8- لماذا اصدرت "داعش" فتوى تكفر الجيش الحر، وتكفر الإتحاد الوطني السوري، والديمقراطي، وتكفر كل من يرفض أو يتحفض على فتاواها، وتهددهم بالقتل، وقتلت فعلاً بعضهم واعتقلت البعض الآخر، واختطفت من غير المسلمين (قسسه) من رجال الدين المسيحيين.؟
9- لماذا تدعم "داعش" كل من يتعاون مع النظام السوري بالمال والسلاح والمواد الغذائية؟
10- لماذا تعمل "داعش" على تفكيك الجيش الحر باستمالة عناصره واغرائهم بالمال والسلاح والمواد الغذائية؟
11- لماذا تستمر "داعش" في عمليات مطاردة الوطنيين والمثقفين والإعلاميين ورجال الفكر وأهل العلم، الذين تتم عملية اعتقالهم على وفق قوائم تستلمها "داعش" بالتنسيق مع مخابرات النظام السياسي؟!
12- هذا الواقع جاء على وفق تخطيط انتج تناقض لنقيض ميداني على الأرض.. قد أدى إلى إرباكات سياسية وشعبية وتصعيد طائفي.
13- لماذا لم يقم النظام السياسي في دمشق بمنع "داعش" ولا بمقاتلتها منذ تصنيعها ولحد الآن.. لماذا؟
14- لماذ تقاتل "داعش" أعداء النظام السياسي ومن ثاروا عليه، ولا تقاتل النظام، فيما تعلن وجودها المسلح لفرض أجندة النظام ومن يقف إلى جانب دعمه؟

15- استطاعت داعش أن تنقذ النظام من حصار المجاهدين في اثنين من المطارات، فضربت لواء رايات الشام الذي كان يحاصر مطار كويرس واستولت على أسلحته وفكّت الحصار عن المطار. أما في الرقة فقد استمر لواء أويس القرني في حصار مطار الطبقة لعدة أشهر، فلما احتلت داعش المحافظة ضربت اللواء وشتت شمله واعتقلت قادته فسلّمتهم للنظام، وحرّرَت عشرات من ضباط وعناصر النظام الذين كانوا في أسْر المجاهدين وأعادتهم إلى أهاليهم آمنين مكرَّمين! ثم فكّت الحصار عن المطار حتى صارت قوات النظام تخرج منه إلى البومانع التي تبعد عنه عشرة كيلومترات، فتعتقل من تشاء من الثوار والناشطين ثم تعود آمنة إلى المطار، فلا يتعرض لها أحد من عصابة البغدادي بطلقة لا في الذهاب ولا في الإياب! أما اللواء 93 الذي كان تحت حصار المجاهدين فقد فُكّ عنه الحصار بعد سيطرة داعش على الرقة، وتمددت مناطقُ سيطرته حتى وصلت إلى بلدة عين عيسى المحررة!

16- لماذا صار طيران بشار سلاحاً مسانداً لعصابة البغدادي، فما وقعت داعش في موقف حرج يوماً إلا وغطاها الطيران الأسدي من الجو وقصف خصومها بالقذائف والبراميل. بهذه الطريقة دخلت داعش إلى الباب في كانون الثاني الماضي، عندما قصف الطيران الأسدي الكتائب المدافعة عن المدينة ففتح الطريق لقوات الاقتحام الداعشية، وقبلها بأيام قصف طائرات النظام كتائب المجاهدين التي حاصرت داعش في رتيان. وقد تكرر ذلك الفعل الفاضح مرات لا تحصى، آخرها ما شاهدناه خلال الهجوم الداعشي الأخير على البوكمال.

مرّت أرتال داعش التي شاركت في الهجوم بالقرب من مواقع النظام في السخنة دون أن تتعرض إلى أدنى مضايقة، في حين قام طيران النظام الحربي بقصف أرتال المجاهدين التي توجهت من عدة مناطق في دير الزور إلى البوكمال لصد العدوان الداعشي الأثيم! وساند النظام حملة داعش على كباجب والشولا فقصف قوات المجاهدين التي هَبَّت لطرد الغزاة من البلدتين، وقصفت طائراته مجاهدي أحرار الشام وبشائر النصر في العشارة لمنعها من نجدة البوكمال، كما قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة الثوار الذين هاجموا عصابة داعش في قرية تل شعير.وقصف طيرانُ النظام السوري الثوارَ بالقرب من عين عيسى ليعوق هجومهم الجديد على داعش في ريف الرقة الغربي، وهذا هو أول قصف جوي على الرقة منذ سقوطها في يد داعش، فتأملوا يا عباد الله.

17- لم يستطع المجاهدون التقدم في جبهات حلب إلا بعد تخلصهم من العدو الأكبر الذي كان يطعن الثوار في الظهر ويحمي النظام من هجمات المجاهدين، داعش! ولعل الإنجازات الأخيرة على جبهة جمعية الزهراء وفرع المخابرات الجوية خير مثال، فقد بدأ هجوم الثوار لتحرير جبل معارّة الأرتيق الذي كان النظام يسيطر عليه ويتخذ منه موقعاً لقصف قرى الريف الغربي، وهو خط دفاعه الرئيسي عن أحياء حلب الغربية المحتلة.

وعندها حاولت داعش تعطيل الهجوم فغدرت بالمجاهدين وهاجمتهم في خطوطهم الخلفية فأوقعت فيهم عدداً من الإصابات، ثم لجأت إلى أسلوبها المفضل في الغدر والإجرام ففجّرت في القوات المهاجمة عدداً من المفخَّخات. واضطر المجاهدون إلى التفرغ لقتال داعش وطردها من مواقع القتال، فلما تم لهم ذلك التفتوا إلى عدوهم الآخر، النظام، فأنجزوا في بضعة أسابيع ما عجزوا عن إنجازه في الأشهر الطويلة لمّا كان خنجرُ داعش المسموم في ظهورهم وسيفُها الغدّار على الرقاب.

18- وماذا تفعل داعش في هذه الأيام؟ إنها تقوم بتسليم ريف حلب الشرقي للنظام، فهي تنسحب ببطء من المواقع التي احتلتها في شباط الماضي تاركةً المناطقَ التي تنسحب منها هدية لقوات النظام التي باتت تتقدم على وقع انسحابات داعش؛ هذا ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية في ريف الباب الغربي، فقد سلمت داعش للنظام منطقة المطاحن، ثم انسحبت من قرية شامر فدخلها النظام وصار على مشارف الباب في الشيخ زيات، ويبدو أن مدينة الباب نفسها صارت على وشك السقوط بيد حالش والنظام خلال أيام قليلة، ومعها منبج وكويرس، كلها معرَّضة لخطر السقوط ما لم تتحرك كتائب الريف الشرقي بالتنسيق مع غرفة عمليات أهل الشام لتدارك الكارثة.

بل إن الاستغاثات بدأت تتوارد تتراً من الحسكة والرقة تحذر من مؤامرة مشابهة توشك داعش أن تنفذها في بعض مناطق المحافظتين، فيما يبدو أنه اتفاق إستراتيجي بين عدوَّي الثورة الأكبرين والحليفَين والصديقن الحميمَين: داعش ونظام الأسد.

الخلاصة:

1- أن داعش ليست سوى اختراق مخابراتي يهدف إلى خنق الثورة وتدمير الجهاد السوري. ولئن نجح أعداؤنا في اختراق الغالبية العظمى من كتائب الجيش الحر والفصائل الجهادية والمؤسسات الإعلامية والإغاثية فإنها تبقى اختراقات فرديةً لا يمكن تجنبها والاحتراز منها إلا بتعطيل العمل الثوري بالكلّية، ولا يُعَدّ أي اختراق من هذا النوع تهديداً جوهرياً للثورة.

2- إنّ التهديدَ الجوهري للثورة والانتصارَ الحقيقي الكامل الوحيد لأعداء الشعب السوري، والاختراقَ الأكبر في تاريخ الثورة السورية هو مشروعُ داعش، فهو الاختراق الوحيد الذي زرع فينا جسماً كاملاً معادياً مدمراً الثورة السورية وجهاد شعبها، ونجح في حمايته ورعايته بأموال المسلمين المغفَّلين وأرواح الحمقى المغيَّبين من الشبان الأغرار.

3- إن الخطأ الأكبر الذي يرتكبه المدافعون عن داعش، أنهم يحسبونها فصيلاً من الفصائل التي تقاتل النظام لتحرير سوريا، وبسبب هذا الوهم فإنهم ما يزالون يرددون تلك الجملة التي حفظناها غيباً: يجب أن تتحدوا الآن لقتال النظام وتحرير سوريا، وبعدها لكل حادثة حديث... إن داعش لم تأت إلى سوريا لقتال النظام وتحرير سوريا، لقد جاءت داعش إلى سوريا بمشروع، ولئن بدا لكم أن مشروعها هو مشروع الثورة نفسه فإنكم واهمون، فإنها لا تبالي بالأسد ولا بنظامه ولا باستقلال سوريا وتحرير السوريين من الأسْر والعذاب. بل إن هذه المصطلحات ذاتها لا تعني لها أي شيء، فما معنى الكرامة والحرية وما قيمة الشعب السوري وأي أهمية لحريته واستقلاله؟

4- عود قليلاً إلى الوراء، إلى بداية الرواية. في التاسع من أبريل 2013م بثّت شبكة “شموخ الإسلام” رسالة صوتية أعلن فيها البغدادي جمع “جبهة النصرة” وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في تنظيم جديد باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (الذي عُرف بعد ذلك بالاسم المختصر داعش). وفي اليوم التالي أصدر أمير النصرة الجولاني بياناً صوتياً ردّ فيه على البغدادي وأصرّ على فصل “جهة النصرة” عن “دولة العراق” رافضاً الدمج المقترَح، أما الظواهري فقد كان رد فعله بطيئاً جداً ومتأخراً عن مواكبة الأحداث، فأصدر بياناً بعد شهرين (9/6) بحلّ الدولة وبقاء الأمور على ما كانت عليه. لم يكن البغدادي كالظواهري بل كان ردّه سريعاً، فقد أصدر بعد ستة أيام (15/6/2013) كلمة يقول فيها: “الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، ولن نساوم عنها حتى يظهرها الله تعالى أو نهلك دونها. إن كلمة البغدادي تلك هي “إعلان حرب” على السوريين ومسوَّدة “مشروع احتلال سوريا”.

6 - وقع الانشقاق المتوقع في صفوف النصرة، فانحاز نحو ثلثَي مقاتليها إلى التنظيم الجديد، ويبدو أن غالبية المقاتلين غير السوريين (الذين يُدعَون مجازاً “المهاجرين”) كانوا من ذلك الفريق، بالإضافة إلى العناصر الأكثر غُلوّاً من السوريين، وبدؤوا على الفور بمهاجمة مقرات ومستودعات جبهة النصرة فاستولوا على قسم كبير منها.

في الشهر التالي انتقل البغدادي إلى سوريا، فنشر دعاته في المعسكرات والجبهات وبدأ بتوسيع التنظيم وجمع البيعات وشراء وتكديس السلاح. كانت الأموال كثيرة، كثيرة جداً، ولم يسأل أحدٌ من أين تأتي، وراحت داعش تشتري كل سلاح في الأسواق مهما غلا الثمن، من “الروسيّة” إلى الدبّابة، مما تسبب في ندرة الأسلحة وارتفاع أسعارها، فعجزت كثير من الجماعات المقاتلة الأخرى عن شرائها وتعطل القتال في كثير من الجبهات.

تدفق المقاتلون من وراء الحدود فدخل آلاف منهم إلى سوريا قادمين من العراق أو منتقلين عبر الأراضي التركية، وفيما كان الثوار منشغلين بالمعركة الحاسمة مع النظام في عمق البلاد، من حلب شمالاً إلى درعا في الجنوب، كانت داعش منهمكة في بناء قاعدتها الصُّلبة في المحافظتين الشرقيتين البعيدتين، الرقة ودير الزور، فنجحت خلال ثلاثة أشهر في إنشاء قوة ضاربة تتكون من عدة آلاف من المقاتلين المزودين بكميات كبيرة من الأسلحة.

7- في أيلول 2013 كانت حمص قد دخلت في الشهر السادس عشر من شهور الحصار، وكان ينبغي على البغدادي أن يرسل جيشه من الدير والرقة باتجاه الغرب - إلى السخنة وتدمر وصولاً إلى ريف حمص الشرقي- لتحرير حمص وفك الحصار، ولكنه لم يفعل. وبدلاً من ذلك قامت داعش بغزو مدينتَي الرقة والطبقة واحتلتهما عَنوةً، ثم انتشرت في أكثر مناطق ريف الرقة فأعادت احتلال المناطق التي حررها الثوار قبل ذلك بستة أشهر.

والغريب أن داعش احتلت ما سبق تحريره من المدن والأرياف، ولكنها لم تقترب من المناطق الثلاث التي بقيت في يد النظام منذ تحرير الرقة: مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93. لماذا؟ ما أكثرَ الأسئلةَ التي تبحث عن جواب!
خلال أسابيع قليلة أحكمت داعش سيطرتها على محافظة الرقة التي صارت قاعدتَها الرئيسية في الشرق، ثم بدأت بالانتشار في الحسة ودير الزور، فخاضت مواجهات عنيفة مع الأكراد ومع كتائب الجيش الحر الكثيرة التي توجد في تلك المناطق واحتلت مساحات واسعة من أراضي المحافظتين، ولا سيما محافظة دير الزور التي صارت ولاية من ولايات “الدولة” المزعومة.

8- بعد ذلك بدأ اجتياح محافظتَي حلب وإدلب. استولت داعش على جرابلس والباب وعززت وجودها في منبج وإخترين وتل رفعت وحريتان ورتيان ودارة عزة، وحاولت احتلال مارع وعندان، ثم افتعلت حرباً مع عاصفة الشمال انتهت بالسيطرة على إعزاز.

وهكذا نجحت خلال عدة أشهر في احتلال أجزاء واسعة من الريف الشرقي والريف الشمالي لمدينة حلب، بالإضافة إلى سيطرتها على عدة أحياء في القسم المحرَّر من مدينة حلب نفسها. في الوقت نفسه كانت داعش تتمدد في الريف الإدلبي، فقد نجحت في احتلال الدانا وسلقين وسراقب وحارم وأورم، وهاجمت حزّانو وباتبو وعزّزت وجودها في بنّش وكللي، واتجهت أخيراً إلى واحد من أهم المعابر الحدودية وأكثرها حيوية للثورة، باب الهوى.

كيف استطاعت داعش احتلال مساحة واسعة من سوريا في وقت قصير:

هل هي من القوى الكبرى على الأرض؟ الجواب معروف: ليست كذلك، ولا يكاد مقاتلوها يبلغون نصفَ معشار عدد مقاتلي سائر الجماعات والكتائب التي تنتشر في أنحاء البلاد. فكيف إذن؟

الجواب: هو أن داعش حاربت بذكاء ودهاء، فأما الدهاء فإنه يذكّرنا بأساليب جيوش الاستعمار التي غزت بلادنا في القرن الماضي، وكان سلاحها الأمضى هو الكذب والغدر والمكر والخديعة، وكذلك صنعت داعش في سوريا. وأما الذكاء فإنه يظهر في الإستراتيجية العسكرية التي اتبعتها في القتال، فبما أن القوة التي تملكها ليست كبيرة مقارَنةً بما يملكه خصومُها من عدد وعدة فقد أنشأت إستراتيجيتها الحربية على تجنب إهدار مواردها البشرية والمادية، وذلك بالتوسع على حساب الأراضي المحررة وتجنب الصدام مع النظام.

وقد توسّلَت داعش إلى تحقيق تلك الإستراتيجية الخبيثة بعدد من الأساليب التي كان أهمها: التسلل عبر الثغرات الضعيفة وتجنب الاشتباك مع الأطراف القوية، واستغلال نفسيات المجاهدين المتسامحة ونفورهم من الاشتباك مع جماعة تدّعي الجهاد وتقاتل تحت راية التوحيد، واستثمار تقصير الكتائب الأخرى وعجزها عن محاربة لصوص الثورة، وأخيراً وقبل ذلك كله وبعده: استعمال أساليب يعجز خصومُها من المجاهدين عن الردّ بمثلها، أساليب تنطوي على كثير من الكذب والغدر والخيانة والخداع.

1- كانت الإستراتيجية العامة التي اتبعتها داعش لاحتلال سوريا هي التوسع على حساب المناطق المحرَّرة وتجنب الصدام مع النظام، لأن تلك هي أسهل وأسرع الطرق للحصول على الأرض التي تحتاج إليها لتقيم عليها مشروع الدولة الموهومة. لقد صار عُدوان داعش على سوريا و"احتلال المناطق المحررة" أمراً مشهوراً متواتراً يعرفه القاصي والداني، ولكن كثيرين من أنصارها المسحورين بباطلها ما يزالون يجادلون في الشق الثاني من المتلازمة المشؤومة، "تجنب الحرب مع النظام"، ويطلبون الدليل. لو شئتُ أن أبسط الدليل بالتفاصيل والأسماء والتواريخ لتضاعف حجم المقالة عشرة أضعاف، لذلك أكتفي بوصف إجمالي من شأنه أن يفضح أكبر خدعة خدعت بها داعش عامةَ السوريين، حينما أوهمتهم بأنها تقاتل نظام الاحتلال النصيري الأسدي وتساعد على تحرير الأرض السورية من الاحتلال.

عندما استكملت داعش بناء قوتها العسكرية كان الجزء الأهم من سوريا تحت سيطرة النظام (وما يزال): العاصمة والساحل، وأجزاء مهمة من محافظتَي حمص وحماة، ومطارات وقواعد عسكرية كثيرة منثورة في جميع المحافظات. كان ينبغي على داعش أن تستثمر قوتها العسكرية في تحرير تلك المناطق، ولكن العكس تماماً هو الذي حصل؛ تركت داعش المناطق المحتلة وبدأت باحتلال المناطق المحررة.

كانت في الرقة ثلاث "بؤر" للنظام (مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93) تركتها داعش واحتلت بقية مناطق المحافظة بمدنها وقراها جميعاً. وفي دير الزور تركت المطار الذي يسيطر عليه النظام وتجاهلت أحياءَ المدينة التي يحتلها وانشغلت باحتلال الجزء المحرَّر منها، كما انتشرت عبر مدن وريف المحافظة المحررة أصلاً. وفي حلب تركت داعش الريفَ الجنوبي الذي يسيطر النظامُ على الجزء الأكبر منه والذي يتيح له التحكم في طريق دمشق حلب الدولي، وهاجمت واحتلت الريف الشرقي، ثم الريف الشمالي، ثم بدأت أخيراً بغزو الريف الغربي، وكلها مناطق سبق للثوار تحريرُها منذ أواخر سنة الثورة الثانية. والغريب أنها حرصت على احتلال الريف الشمالي بأكمله، بما فيه المعابر الحدودية مع تركيا، ومع ذلك فقد تركت قريتَي الأعداء، نُبّل والزهراء، رغم أنهما تقعان بين اثنتين من قواعدها المهمة: مطار منّغ في الشمال وحريتان وعندان في الجنوب. تركتهما داعش وهما على بعد كيلومترات قليلة من قواعدها وساقت الأرتال من تلك القواعد لغزو الأتارب البعيدة في الغرب.

لماذا صنعت ذلك؟ ولماذا تركت كل ما سبق ذكره من مناطق محتلة واحتلت الأراضي المحررة؟ لو عثرنا على الجواب فسوف نحل قطعة مهمة من الأحجية.

2- نجحت داعش في تطبيق إستراتيجيتها القائمة على احتلال الأراضي المحررة باستعمال عدد من الأساليب (التكتيكات)، كان أهمّها اختراق "الخواصر الرخوة<


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى