الأربعاء ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤

أنا أفهم الكتابة بأنها صدى كاتبها

سندس حمدان

الأستاذ فراس حج محمد من الأشخاص الذين أحب متابعة ما يكتبون فحين صدر مؤخرا كتابه "دوائر العطش" طلبت منه أن يرسل لي مادة الكتاب، وبالفعل أصبح الكتاب بين يدي، فعكفت علی قراءته بشغف شديد، وقد أثار الكتاب لدي تساؤلات عديدة فما كان مني إلا إن اقتحمت إحدی مساءاته مبينة له أني أريد أن أساله عن الكتاب، لكن ما أثار دهشتي أني قرات وسألت بدافع التعرف علی جديد الأستاذ ومعرفة بعض الخفايا التي يحملها نص الكتاب.
وبدأ الحوار بدافع أخوي بحت، فأنا لست من المتمرسين بالكتابة، لكنه كما دأب في تشجيع الكتابة، والأخذ بيد كل من يحاول أبی إلا أن يكون كالحوار الرسمي مع رفضي الشديد لذلك، فهو يستحق أن يكون الحوار رسميا مع أناس متخصصين لا هواة كتابة وقراءة، ومن هنا فإن أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه نعم الأخ الصديق الكاتب الناقد. وإليكم الآن ما كان في هذا الحوار:

معروف بأن الإنسان بشكل عام تؤثر عليه نفسيته، فما مدی تأثّر كتابتك بحالتك المزاجية؟

ربما يحدثُ العكس؛ فقد تؤثر الحالة المزاجيّة في الكتابة، فكل كتابة هي مزيج من أمرين المعرفة المجبولة بنفسية كاتبها.
إذن هل من يقرأ كتاباتك يستطيع أن يتعرف على مزاجك ونفسيتك. فأنت في أيام كثيرة تكون كتابتك سوداوية؟
في كثير من الحالات نعم، فأنا أفهم الكتابة بأنها صدى كاتبها؛ أفكاره، ونفسيته ومعارفه ووجهة نظره. ولا أستطيع أن أكتب إلا من خلال الحالة النفسية التي أكون فيها.

هل ذلك يؤثر علی كتابتك لنصوص "أميرة الصباح"؛ فقد أصبحت لا تكتبها بشكل يومي؟

بكل تأكيد فأنا لا أكتب لأميرة الصباح إلا في حالة كوني أتمتع بنفسية ومزاجية مرتاحتين؛ فلا أريد أن أعكر مزاجها أو مزاج قارئنا المنتظر ربما ماذا سأقول للأميرة كل صباح.

أميرة الصباح، وإن كانت جميلة، لكنها لم تصل لهمسات الصباح. ما رأيكُ في ذلك، وهل الهمسات بقالبها الذي وجدت فيه تعتبر من السهل الممتنع الذي لا يكرر؟ أم أنك كنت تحاول التجديد؟

الكتابة لأميرة الصباح مكثفة قصيرة مركزة الفكرة أحاول أن أكون فيها خاصا وعاشقا مختلفا، أما "همسات الصباح" فقد كتبت بمزاج مختلف، لم أستطع الرجوع للكتابة فيها، كانت علامة بارزة في مسيرة الكتابة، ولكنها للأسف توقفت، لا أدري إن كانت من السهل الممتنع أم لا، لكنها حققت نجاحا كبيرا، عندما كنت أنشرها على صفحة الفيس بوك، كنت أقرأ كثيرا من التعليقات، التي أوحت لي بنصوص جديدة، حتى تخلقت تلك السلسلة نصا وراء نص حتى شكلت مجموعة مترابطة من النصوص. أما هل كنت أحاول التجديد؟ ربما لا أبحث عن تقليد أو تجديد أو أي تصنيف آخر، ما كنت معنيا به ليس إلا أن أكتب للأميرة كل صباح، لتقرأ فقط، ولم يكن يبلغ علمي بها أن تلك النصوص ستفعل فعلها!

"دوائر العطش" هل يعتبر لك أيضا علامة فارقة؟

جاء كتاب "دوائر العطش" ليضيف شيئا جديدا في الأسلوب الذي أكتب فيه، فما بدأت به في كتاب "من طقوس القهوة المرة" من نصوص قصيرة على اختلاف مسمياتها خصصت له بنصوص جديدة كتابا خاصا؛ ولذلك وضعته تحت فن سرديات قصيرة.

القصص الموجودة في "دوائر العطش" هل هي من وحي خيالك أم حقيقية؟

عطفا على سؤالك السابق، فإنها في مجملها حقيقية ربما اضطررت أحيانا لتعديل بعض المواقف لأستخرج من اللحظة فنية معينة لتتوفر فيها الناحية القصصية التي أبحث عنها، لاسيما وأن هذا الفن صعب للغاية، ويمكن أن يوقع الكاتب في المباشرة والتسطيح، وربما كانت بعض النصوص بسيطة وطازجة، ولم أرد العبث بها وتعديلها، تركتها كما هي لأنها ذات دلالة خاصة عندي!!

لفت نظري قصة "النص الكاذب". فماذا تقول عنها؟

قصة "النص الكاذب" ربما يحمل معاناة خاصة أو فكرة خاصة تنطلق من نظرة فلسفية أكثر من كونها نصا أو قصة، فهل يمكن أن يوصف النص بالكذب، وإن كان النص كاذبا هل شخصياته كاذبة إن كان قصة؟ وهل الكاتب كاذبا؟ لاحظي العلاقة مثلا بين الكاتب والكاذب، بينهما حرف فقط، هل الكاتب مجرد كاذب جميل؟! وهل يمكن أن يكون الكاتب كاذبا جميلاً؟

بعض قصصك كانت تحت اسم "الكتابة في صفيح داكن". من أين استوحيت هذه التسمية؟

بالنسبة للصفيح الداكن، فإن الكتابة في هذا الزمن الذي تتراجع فيه الكتابة وأهميتها تراجعا بينا عن إحداث التغيير، لأن الواقع داكن (رماد محترق) فكيف ستكون الكتابة على صفيح محترق؟ سيقع الكاتب في دائرة من الوهم والعطش! كما وقعت أنا هنا في دائرة أخرى لولبية من عطش للتغيير، ولكنه بعيد المنال، فمن ذلك الاحتراق اليومي في انتظار القادم الذي نمنّي به أنفسنا يوميا تكون الكتابة المنطلقة من هذا الواقع كأنها تُخطّ على صفيح محترق لم يبق منه إلا الرماد، ولك أن تتصوري مدى الخيبة التي يعانيها الكاتب وهو يحاول أن يكتب من دائرة العطش والوهم الأبدي!!

في "دوائر العطش" تكثر الجمل المحصورة بين أقواس، فهل يعني أنها منقولة؟ أو أنها أقوال مقتطعة من سياق ما؟
أشكرك جدا على هذا السؤال، وهذه الملاحظة السياقية المهمة. اعتدت فيما أكتب من نصوص شعرية أو نثرية أن أوظف كثيرا من الجمل لحوارات كثيرين وكثيرات معي، وإن لم تكن القصة عنهن أو عنهم لكنني أقتطع شيئا من الكلام أراه مناسبا للموقف أو الحدث.

وهنا اسمح لي أن أعيد السؤال مرة أخرى، هل إذن الشخصيات في هذه القصص واقعية؟

نعم هي حقيقية إلى حد كبير، ولكن تدخلت فيها الأمور الفنية، لتصنع من تلك المواقف أو الحوارت نصوصا تصلح أن تكون قصة، كما سبق وقلت لك فيما سبق.

هذا يقودني إلى سؤال آخر وأخير، أراه مهما، ألا وهو: المرأة في كتاب "دوائر العطش"، من هي؟ هل هي أميرة الوجد أم أن هناك أميرات شاركنها هذا التجلي الإبداعي؟

تشكل المرأة بوصفها كيانا عاطفيا فكريا بعدا من أبعاد الكتاب، بل إنه أهم بُعْدٍ، وتحتل المرأة دائرة كبيرة من تلك الدوائر الموصوفة بالعطش، وتتخذ المرأة أبعادا وجودية وروحية، أو فكرية مجردة في كثير من النصوص، ولم تقف عند حدود من أعرف من النساء أو ممن حضرن في هذه القصص، فربما تحدثت عن امرأة تخيلتها ذات ليلة في حلم قصير، فباغتتني برحيلها، نعم، لقد حضرت نساء كثيرات في "دوائر العطش"، ولكن لم يحضرن بصيغة العلاقة العاطفية بين حبيبين؛ وإنما كان منهن القارئة والمعجبة والصديقة والمنتقدة، وربما الحاقدة أو الحسودة، بالإضافة إلى الحبيبة الغائبة الحاضرة كوهج إبداعي لن يغيب عن أفق كل نصّ من تلك النصوص.

سندس حمدان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى