الاثنين ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم مادونا عسكر

حتّى لا نصبح أداة في المنظومة الإعلاميّة

يفتقد الإعلام العربي بشكل عام إلى الأدب والموضوعيّة في النّقاش وإدارة الحوارات وفي النّقد السياسي والدّيني والاجتماعي، ويعتبر الشّتائم والإهانات حرّيّة رأي وتعبير. كما أنّه يستقطب نسبة مشاهدة عالية لهذه الحوارات والمناقشات السّياسيّة لأنّ الإعلاميين جزء من المجتمع وبالتّالي فهم يمثّلون بأغلبهم مجتمعاً لا يعي أنّ حرّيّة الرّأي والتّعبير لها أصولها وتتّسم بالأخلاق الرّفيعة وحسن الكلام وأدب الحوار واحترام إنسانيّة الآخر.
بعيداً عن التّعميم، ومع الاحترام لقلّة قليلة من الإعلاميين المحترمين الّذين يحترفون مهنتهم برقيّ وأدب، ويعرفون جيّداً أنّ للكلام معاييرَ وأصولاً لا يمكن تخطّيها وأنّ الاحترام واجب للقارئ أو المشاهد أو المستمع. ينبغي أن نسلّط الضّوء على أولئك الّذين تخطّوا حدود الاحترام وحوّلوا الإعلام إلى منابر تحرّك غرائز النّاس العنصريّة والطّائفيّة وتنحدر بالإنسان إلى ما دون إنسانيّته.
لعلّ السّلطة الأولى اليوم هي للإعلام الّذي يخترع شتّى الأساليب ليسجن الإنسان في سياساته ومناهجه الفكريّة والدّينيّة. وعلى الرّغم من أنّ للإنسان الحرّيّة الكاملة في انتقاء ما يشاهد أو ما يقرأ إلّا أنّ سحر الإعلام يستدرجه إلى هذا السجن المقيت ويسلب منه مفاتيح الحرّيّة الفكريّة وحسن اختيار البرامج أو المواضيع، هذا إن وُجِدت. والإعلاميّون، عامّة، يتنافسون في عصر الانحطاط الإعلامي والفكري على تشويه الرّوح الإنسانيّة ويفرضون عليها بلطف أفكاراً تدمّر عقلها وتشوّش على روحها بحجّة حرّيّة الرّأي والتّعبير. ويخرجون علينا إمّا بالتّحريض المذهبي والدّيني وإمّا بإشعال التّناحر السّياسي والحزبي وإمّا بالتّطاول على المؤسّسات العسكريّة، وقد يصل بهم الأمر إلى المسّ بكرامة الأوطان. وبالتّالي أصبح إنسان اليوم في مجتمعاتنا العربيّة أسير الإعلام الموجّه والمسيّس والمتحزّب، وبات رهينة السّلوك غير اللّائق والأفكار المسيئة إلى إنسانيّته، وبات لكلّ مجموعة إعلامها ومحرّضها.
كما أنّ الإعلاميين وباستحداثهم مشاركة النّاس في وسائل التّواصل الاجتماعيّة ببرامجهم وأفكارهم، بات التّناحر مضموناً ويسيراً. ولعلّه تاه عن النّاس أنّهم بتناحرهم الكلامي واستخدام الشّتائم والكلمات النّابية، يستهلكون الوقت كمخدّر لعقولهم لأنّهم لن يحرّكوا ساكناً بهذا السّلوك. فالثرثرات والإهانات لا تبني المجتمعات والأوطان ولا تساهم في تطويرها. ما يبني الأوطان وينمّي الإنسان هي الأقلام الّتي ترتقي بالقارئ والبرامج الّتي تحترم المشاهد وتستفزّ ملكاته الفكريّة وطاقاته الإبداعيّة وبالفكر الحرّ الّذي يحترم فكر الآخر أيّاً كان.
إذا كان الإعلام منبراً للحرّيّة ورسالة تدلّ الإنسان على الحقيقة، وجب على الإعلاميّين أن يتحلّوا بقدر عال من المسؤوليّة والاحترام غير مستخفّين بالنّاس، محترمين لعقولهم وكراماتهم ومشاركين في نموّهم الفكري والنّفسي والرّوحي.
إعلاميّو اليوم بأغلبهم يسرقون الحقيقة ويستبدلون بها الكذب والنّفاق، ولا ينقلون الواقع بصدق وأمانة. كما أنّهم مستعبدون للمنهج الإعلامي ولسياسته ولعلّهم يعتبرون ذلك مصالح شخصيّة أو دافعاً للشّهرة. فرجاء محبّة من أؤلئك الّذين يفتخرون بأنّهم إعلاميون متمرّسون ومحترفون، غيّروا من سلوكيّاتكم وانتهجوا الحقيقة ولا تقبلوا إلّا بالحقيقة، فالأسياد لا يثقون بالعبيد ولا يحترمونهم ويستغنون عنهم عندما ينتهون من المهام الموكلة إليهم. ومن له أذنان سامعتان فليسمع!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى