الأربعاء ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم عبد المجيد العابد

رأي في علاقتنا بالمعرفة المستقبلية

إذا كان الإنسان في أصله يعيش ماضيا كيفما كانت طبيعته، فإنه يعيش حياته في حاضره؛ بينما يظل مستقبله شيئا مجهولا. إن هذا المغيب قد حير الإنسان منذ الأزل لارتباطه بضرورتين ملحتين: أولهنما كونه حاضرا مؤجلا، وثانيهما ارتباطه بالموت والفناء. ومن ثم ذهب الإنسان في اطلاعه إلى المستقبل مذهبين متضادين: الأول خرافي أسطوري مبني على التطير والشعوذة والسحر والتنجيم... باعتبارها آليات لكشف أسرار المستقبل من دون التخطيط له، وهي أساليب قائمة على العجز والخوف؛ بينما الموقف الثاني ينظر إلى المستقبل بوصفه حاضرا مؤجلا سيعيشه الفرد، ومنه لابد أن يبنيه بنفسه عن طريق التخطيط ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بالتفاعل معه.

إن المستقبل باعتباره حاضرا مؤجلا لابد أن يقوم على التخطيط مادام واقعا مأمولا، لذلك يبحث الإنسان عن أفضلية في المستقبل. يمكن أن نقسم المستقبل بحسب نظرة الناس إليه إلى قسمين: مستقبل دنيوي ومستقبل أخروي.
فالمستقبل الدنيوي هو ما نأمله في الدنيا فقط، بالرغم من مزاياه التي قد تعم الآخرة أيضا؛ أما المستقبل الأخروي فيتعلق بحياة ممتدة نرى من خلاله الحياة الدنيوية ماض وحاضرا فحسب. لذلك، يتجه أصحاب هذا الموقف إلى الزهد في الدنيا باعتبارها حاضرا لا قيمة له.

إذا ارتبطت معرفة المستقبل بالخرافة سقطت في الكهانة، بينما إذا تعلقت بالدراسة والتخطيط اعتبرت تنبؤا، بناء على حسابات منطقية عقلية، وهذا هو موضوع علم المستقبل أو الدراسات المستقبلية.

بدأت بوادر الدراسات المستقبلية منذ العصر اليوناني، حيث تنبأ أفلاطون بمدينة فاضلة تسود فيها قيم الفضيلة، بينما تنمحي فيها النزوعات الشرية في الإنسان. يحكم المدينة الحكماء والفلاسفة باعتبارهم يمجدون الصدق والعقل والحكمة والقادرون على القيادة؛ بينما طرد منها الشعراء لأنهم كذابون بعيدون عن قول الحقيقة، وهذا ما لا ينسجم مع فضيلة المدينة.
أما في التراث العربي الإسلامي فقد كانت هناك يوتوبيات عديدة أشهرها رسالة الغفران لأبي العلاء المعري الذي تنبأ بجنة ونار للشعراء والأدباء، حاكم فيها هؤلاء استنادا إلى شعرهم ومنتجهم (فقد أدخل امرؤ القيس الدرك الأسفل من ناره لما في شعره من فحش بائن، ووضع الحطيئة بين الجنة والنار لهجائه المقذع، وجعل زهير بن أبي سلمى المازني في أعلى عليين، وكذلك الأمر بالنسبة لعنترة بن شداد العبسي...).

أما في العصر الحديث فقد عرفنا اليوتوبيات انطلاقا من فرنسيس باكون في (أطلنطا الجديدة) وتوماس مالتوس في تصوره التشاؤمي للانفجار الديمغرافي في أوربا، الذي قد يؤدي إلى المجاعة إذا لم تصرفه أوروبا عن نفسها في مستعمرات لها.
يعد علم المستقبل أو الدراسات المستقبلية علما حديثا استفاد من الثورة العلمية والتقنية الحالية، ويعتمد هذا الحقل العلمي على أسس علمية مبنية على الإحصاء والتنبؤ للتعرف إلى حوادث ستقع لامحالة في المستقبل. يتحاقل هذا العلم مع العلوم السياسية وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد على الخصوص، حيث يفيد هذه العلوم في مواكبة التطورات وتجاوز الأزمات. يمكن القول إن الدراسات المستقبلية تنبني أساسا على الظروف العادية وليس على الظروف الطارئة، وإذا كان علم المستقبل معرفة علمية مسلما بها في الغرب، فإنه في الدول النامية خصوصا العربية الإسلامية منها يتجاذب المستقبل الغيب؛ وبالتالي لا يمكن التنبؤ به، وهذا لا يستقيم.

يمكن أن نخصص ضرورة الاعتماد على الدراسات المستقبلية في الوطن العربي في ما يلي:

اختصار الطرق والارتقاء بالإنسان؛

تنمية التفكير العقلاني والتوجهات الاستراتيجية؛

التغلب على الأزمات والتخطيط لها؛

إيجاد الحلول والبدائل المهمة؛

ويعتبر أدب الخيال العلمي جزءا من علم المستقبل ونوعا أدبيا جديدا، ارتبط بالثورة العلمية الحديثة وساهمت فيه المعرفة العلمية التي قلصت الهوة بين الخيال والواقع. يهتم هذا الأدب بالتنبؤ لحوادث في المستقبل بناء على معرفة علمية في صبغة خيالية.

ومن ثم، يتطلب هذا النوع من الإبداع معرفة كبيرة بالعلم تؤهل المبدع للكتابة في مثل هذا النوع الأدبي. وتجدر الإشارة إلى أن أدب الخيال العلمي لم يجد نفسه في البيئة العربية ما دامت بيئة غير علمية بالأساس، وحتى ما يكتب في الأدب العربي-في حدود المقروء- وينسب إلى أدب الخيال العلمي هو أقرب إلى الخرافة منه إلى هذا الأدب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى