الثلاثاء ١٧ شباط (فبراير) ٢٠١٥
بقلم ياسمين مجدي

أصوات الجرار القديمة تبعث الراحلين في الذاكرة

التاريخ الذي يرحل سريعًا يواجه الحاضر، لكنه قبل أن يمضي يبوح بالكثير من الحكايات، تكون الجدة فيها نموذجًا على الحكمة وعلى الحياة والموت وكذلك تكون دليلاً على التفاصيل اليومية البسيطة والكبرى في مجموعة "أصوات الجرار القديمة" للكاتب المصري مصطفى البلكي الصادرة مؤخرًا. وتبدو مفاجأة القصص حين تكون الأشياء المختفية مختبئة وكامنة في بعض الغرف السرية.

الذين ذهبوا يحضرون بسرعة من ذاكرة الكاتب إلى الورق، ويعيد ذلك بحميمية أفراد عائلاتنا الخاصة، تدخل الجدة غرفة علوية بالبيت وتغلق على نفسها الباب، تمنع حفيدها من دخول المكان بعد موتها، لكنه يسمع نداءً متواصلاً من المكان، يستجمع قواه للدخول. لايبدو مهمًا أن يجد شبحًا للجدة أو يواجه بعض الحكايات المخيفة. المهم أن هذه الحكاية هي دعوة مصطفى البلكي لكل قارئ بأن يفتح الغرفة المغلقة، يقول:"مددت يدي، كممت فمي، أكتم الصرخات، خوفًا من لحظة وهن قد تفلح وتتسلل إلى نفسي". هذه هي مغامرة المجموعة لمواجهه المسكوت عنه في ذاكرة الحزن، التي نخبئ فيها كل الذين نحبهم وذهبوا.

الميراث
فتح الغرفة المغلقة سيعيد بسرعة لكل من يقرأ ألبوم الصور، شوارالجدات، مريلة المدرسة، الميراث الصغير الذي نحصل عليه من العائلة. وفي بعض الأحيان يكون الميراث عبارة عن أشخاص، حين تموت الأم وتصبح الجدة هي الميراث الذي يحصل عليه البطل، تسأله الجدة: "أمك فين؟"، يقول "ربنا خدها عنده".هزت رأسها، وقالت:" وماله، كلنا هنروحله".حتى القسوة تبدو يومية وعادية، وذلك يجعلها مؤلمة.

تحرك المجموعة مشاعر عميقة تجاه الذين شكلوا طفولتنا، فيحضر الجد أيضًا، الذي غالبا ما يكون صديق أول، يرحل أولاً ثم تتبعه الجدة. ربما يبدو حضور الجد والجدة الأقوى بسبب أن الكاتب مصطفى البلكي من أصول ريفية، بقرية عرب الأطاولة بأسيوط في صعيد مصر حيث تزيد من قيمة كبار العائلة. الكاتب أيضًا بذلك يستحضر عالم مضى عليه ما يقرب من أربعين عامًا، عالم طفولته، هو الذي ولد عام 1972.

تعكس القصص أيضًا هذه المنطقة الصعيدية، بمقاهيها برائحة الزرع والشجر والمفردات الآتية من ذلك العالم: "النار في حد ذاتها لا تشتعل إلا إذا زحفت على ملامح جدتي، المطوقة بطرحة سوداء، تفشل في إخفاء قرطها بدلياته، وحتى إذا قدر لها أن تحترق، فهي تحترق، وهى تنظر نفس النظرة للرجل الذي التقط لها الصورة، عليها لمساته، وتفاصيل جاهد لوضعها على وجهها، ابتداء من النظرة الثابتة، الموجهة لسبابته المشرعة لأعلى، انتهاء بشرارات الغضب التى وجهتها له، حينما سمعته، يستهين بها، بقوله: (بقى صور علشان معاش السادات)".

المشروع
إلى جوار المجموعة القصصية يقوم الكاتب مصطفى البلكي بجمع بقايا تراث قريته، ويؤرخ للأماكن التي رحل أصحابها وبقت دليلاً على تاريخ مر على عرب الأطاولة. فيصور البلكي فوتوغرافيًا البيوت، المحلات والشبابيك. وينشر تلك الصور على موقعه للتواصل الاجتماعي مع تعليقه عن حكاية المكان.

هي بوابة للحنين يصعب إغلاقها منذ تم افتتاحها في الإهداء بمجموعة مصطفى البلكي "أصوات الجرار القديمة"، الذي يقول فيه: "إليـــهــــا.. مــــن قــــالــــت: (الذكرى أقمار تشق ستار ليالي النسيان، تهمس بصوت خفيض.. رغم خفوت الضوء باقية.. من فيض محبتك جمعت الحكايات وسأكمل)".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى