الثلاثاء ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم مهند النابلسي

القيادة الفاعلة وإدارة المعرفة

لقد تبين عملياً أن فشل وإخفاق معظمم الشركات والمؤسسات يعزى لعدم كفاءة القيادة، وكذلك فقد لوحظ أن إدارة المعرفة لم تأخذ الدور المطلوب لتعزيز قدرة الشركات على مواكبة التحديات المعرفية !

والشئ الذي أود التركيز عليه في هذه المقالة هو طرح بعض الأفكار العملية التي تساعد على رفع كفاءة الشركات وتحسين مستوى القيادة وابدأ بقانون العشر ثواني الذي ينص على تخصيص 10 ثواني مرتين يومياً للتفكير الإبداعي، فالقيادة فن ومزيج من المهارات القادرة على مزج التوازن والمرونة معاً لتحقيق الأهداف.

أذكر أنه في حالة أحدى الشركات الكبرى كانت تصدر عشر تقارير خاصة بقسم التعبئة وحيث كافة البيانات مكررة ولا يقرأها أحد، لذا فالمطلوب تحديد القيمة المضافة في أي تقرير مكتوب، وما الذي سنفعله بالبيانات المكتوبة؟ وهل هناك طريقة أسهل للحصول على الحقائق؟ وأخيراً هل تعكس هذه البيانات حاجات قصيرة الأمد أم طويلة الأمد؟

كما لا حظت وجود إرباك شديد يتعلق بالقياسات، فالمطلوب أولاً تعريفها وإيجاد بيانات وقياسات عملية موضوعية. هناك ضعف عام يتعلق بمفهوم الفرضية، حيث يجب تجريبها عملياً ووضع خطط طوارئ وإدارة مخاطر ملائمة بغرض تحقيق نتائج مفيدة. كما أن السرعة في الإنجاز لا تعني عدم التروي أو التمعن لضمان النجاح، حيث يتحول مفهوم السرعة لفعل انضباطي مبرمج: تخيل ميكانيكي يحاول بسرعة إصلاح عطب ما بدون عدة ملائمة، وبدلاً من مفاهيم الإدارة التقليدية أصبح هناك مفاهيم الإدارة الرشيقة التي تركز على القيم والإنسياب والسحب والكمال مع أهمية التركيز على عمل الفريق وفوائده الجمة، والتي يمكن تلخيصها في الحماس الجماعي والمعرفة التجميعية وحسن استخدام الحقائق والبيانات وسرعة التجاوب مع التحديات والفرص.

بدأ التركيز في السنوات الأخيرة على عنصر المخاطرة ( التي كانت مغيبة في معظم الأحيان!) وحيث يجب التركيز على التأثيرات المحتملة والدعم المتوقع والموارد الموجودة، علماً بأن الكثير من المشاريع تخفق لعدم كفاية دراسة المخاطر وعدم واقعيتها، ومن أهم ادوار القيادة الفاعلة التركيز على دراسة المخاطر بشكل عملي ووضع خطط الطوارئ والبدائل والإستعداد لتفعيلها عند مواجهة العراقيل والصعوبات.

هناك ضعف معرفي وتطبيقات عملية تفتقد لأهم مبادئ إدارة التغيير، وحيث يعتقد البعض أن مجرد تكرار هذا الاصطلاح يكفي لإقناع أنفسهم بأنه مطبق ومقال، وقد لاحظت فشل بعض المشاريع لعدم الخبرة الكافية في مجال إدارة التغيير، وهناك ثلاثة مراحل هامة لتطبيق استراتيجيات التغيير هي التحسين والتصميم والإدارة وتعالج تباعاً الفجوات التنظيمية، وتسعى للتركيز على العناصر الإبداعية وعلى توازن الإجراءات والقياسات والفعاليات التصحيحية.

مازالت حلقة ديمنغ الشهيرة المكونة من اربعة فعاليات هي خطط- اعمل- فتش ونفذ هي أساس معظم الإنجازات الناجحة، وقد ظهرت في العقدين الماضيين ديناميكيات جديدة فاعله منها " حدث التحسين" الذي يحقق انجازات ملموسة خلال خمسة إلى عشر أيام، وظهر مفهوم دوميك الذي يركز على عناصر القياس والتحليل والتحسين وغيرها من المفاهيم الكفوءة، ومن العبث تجاهل كل هذه التقنيات ومحاولة تبسيط الأمور بسذاجة مما يجعلنا نعجز عن ضبط آلية الإنجاز، فالمطلوب هنا هو اتقان مهارة استخدام هذه الأدوات والتقنيات وبشكل حرفي وضمن جدول زمني صارم.

هناك مفهوم خاطئ دارج يتعلق بأهمية رأي الزبائن أو المستخدمين أو متلقي الخدمة، والحقيقة أنه ثبت أحياناً جهل الزبائن فيما يتعلق بطريقة استخدام المنتج أو الخدمة المقدمة، حيث إنهم قد لا يملكون المعرفة الكافية ويعانون من تشتت الأولويات وحيث أنهم كثيراً ما يجهلون متطلباتهم وحتى فهم قد يكونوا خاطئين في اعتقاداتهم الخاصة بطريقة استخدام المنتج أو الخدمة، ويترتب على ذلك تغيير طريقة تفكير قادة المؤسسات واسلوب تواصلهم مع المستهلكين وبرامج التوعية المطلوبة، وهناك أمثلة عملية كثيرة فمعظم الأفكار التسويقية الإبداعية هي وليدة أفكار المصنعين والمنتجين! ولنأخذ صناعة السيارات والحواسيب كأمثلة معبرة.

يجب أن يتحلى القادة بمجموعة من الصفات والمزايا منها الوضوح، التباين، النزاهة، المرونة، الانفتاح، الثقة، الإهتمام، التوجه للأهداف، التعاون ، الانضباط، التفهم ، التواصل والتوازن، ونادراً ما نجد كل هذه الصفات موجودة في قائد واحد بل إن بعضهم يفتقر لمعظمها وتجده يمارس القيادة بثقة وقوة، ثم إنه قد يخفق في تحقيق النجاحات والاختراقات لمؤسسته ويحاول أن يخفي ضعفه وقلة كفاءته بالتحامل على مرؤوسيه واتهامهم بالكسل والتردد وقلة الكفاءة والمسؤولية وتراجع الحماس...الخ، وذلك يستدعي التدقيق في اختيار القادة والمسؤولين الكبار وتجنب الأساليب القديمة الفاشلة المرتبطة بالواسطة والمحسوبية والتجاوز الوظيفي والتي ما زالت مهيمنة بشكل مستمر وكامن في الكثير من المؤسسات!

هناك معادلة رياضية تنص على أن النتائج هي حاصل ضرب الجودة بالتقبل، حيث الجودة هي العنصر التقني بينما التقبل هو العنصر الثقافي الاجتماعي، ونلاحظ أنه مهما ارتفع معيار عنصر الجودة فإن التقبل المنخفض سيؤدي لفشل النتائج، لذا من الضروري التركيز على العناصر الثقافية في إدارة التغيير إذا ما أردنا تحقيق نتائج جيدة لمشروع ما، وحيث كثيراً ما فشلت مشاريع بالرغم من توفر الموارد والتقنيات بسبب ضعف الحماس والتحفيز مما أدي للإخفاق.

وحتى نكون عمليين علينا تحديد عناصر القبول الواقعية ومنها تطوير خطة عمل واضحة، تعريف الأهداف واللاعبين، التسويق الناجح المباشر للمنتجات والخدمات، ضمان الإجماع والتوافق، معالجة مقاومة التغيير، إعطاء الوقت الكافي لإنضاج المشروع وعدم التسرع.

إن المدير الفعال يمارس التفهم والاتصات والتوازن والإحترام وباسلوب متماسك تلقائي، بعيداً عن التصنع والإدعاء، وبروح عالية من تحمل المسؤولية وممارسة الإدارة بالقدوة والنموذج.

يمارس المدير الناجح جملة فعاليات تشبه العلاج الطبي الفعال وتشمل مجموعة طرائق كفوءة تبدأ من اختيار القيمة الإبداعية والتي تركز على الزبائن، وتمر خلال منهجية واضحة كالهندرة أو الكايزن، وتمارس نموذجاً معتمداً كحلقة ديمنغ(خطط، اعمل، فتش ونفذ) ، وتستخدم عدة أدوات مثل الإحصاء أو بطاقات التوازن الرقمي، ضمن برنامج شامل كالحيود السداسي، الجودة الشاملة أو الرشيقة، وتنتقل لمنهج تطبيقي ناجح مثل تخطيط الموارد أو إدارة علاقات الزبائن..الخ، وقد لاحظت تخبط الكثير من مؤسساتنا في بحر الجودة الواسع بحيث تنطلق السفينة من ميناء ما ثم تفقد بوصلة الإتجاه وتتوه في المحيط وتعجز عن الوصول لوجهه الإبحار وميناء الرسو، ويحدث هذا في اعتقادي لضعف المعرفة المتخصصة وسوء اختيار المرشدين والمستشارين!.

وإذا ما أردت تلخيص عناصر القيادة الشخصية والتنفيذية فسأركز على عشرة عناصر: تطبيق قانون العشر ثواني، فحص الأولويات، وضع الفرضيات، معايرة السرعة، الصورة الشاملة، فهم ما يحصل، تشجيع المشاركة، تأسيس رؤيا، تطوير نظم الأداء وربط التحسين مع النتائج.

هناك فهم دارج خاطئ لإدارة المعرفة، حيث يتم التركيز على التكنولوجيا والعمليات، بينما ثبت أن العناصر البشرية تمثل حوالي 70% من مكونات إدارة المعرفة وتشمل التوجهات والابداع، المهارات والعمل الجماعي، الرؤيا والأهداف والإتصالات، وحيث ترتبط هذه بفعالية إدارة التغيير والبيئة الثقافية السائدة والسؤال هو كيف نحفز العنصر الثقافي في إدارة المعرفة والجواب هو في إطلاق حملة مبادرات منها الوعي والتدريب، إعطاء الوقت الكافي، وتطوير التفكير الابداعي، تعلم مهارات جديدة، تقبل الأخطاء، وجود منهجية لحل المشاكل، تشجيع الاتصالات، التنسيق والتعاون والعمل الجماعي، السماح بالحيود ومعالجتة....الخ.

كثيراً ما نغفل نحن تطبيق عناصر إدارة المعرفة وهي : المشاركة بالمعلومات، رسم خرائط المعرفة، المشاركة بالأفكار، تفعيل أجواء التعلم والتدريب، حل المشاكل، تحسين كفاءة استخبارات الأعمال...الخ، فالعملاء يقدمون للمؤسسة أشياء أكثر من مجرد العائد المالي مثل أفكار تطوير المنتجات، التغذية الراجعة، كذلك من الضروري قيام الشركات بنشر النجاحات بواسطة الشبكة الإلكترونية بغرض التفاعل مع الجمهور والبيئة المحلية. وتلعب بطاقات التوازن الرقمي هنا دوراً في سد الحاجة لقياس جملة العناصر المؤثرة على استراتيجية المؤسسة. وترتبط إدارة المعرفة مع إدارة التغيير من حيث الدور التحفيزي الذي يقوم بنشر الحيوية والتجديد في كافة مفاصل المؤسسة عن طريق نشر المعرفة المتخصصة، وهنا أنصح الشركات والمؤسسات بعدم تشكيل دائرة خاصة بإدارة المعرفة لأنها تفقد عندئذ دورها المتداخل والمتكامل، وهذا خطأ ترتكبه معظم المؤسسات، فالكل هنا مسؤول عن تقاسم المعرفة، ويكفي وجود ضابط إرتباط معرفي يعمل بالتنسيق مع ثلاث وحدات هي الجودة وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية.

وبغرض نجاح دور إدارة المعرفة يجب التركيز على ثلاثة عناصر وهي العاملون والعمليات والتكنولوجيا، وهي قادرة على تسليح العاملين بالمعلومات الصحيحة وتؤهلهم لاتخاذ القرارات الصائبة وتخلق أجواء من التجديد والإبداع لمصلحة تزويد العملاء بالمنتجات والخدمات المميزة. اخيراً فإن إدارة المعرفة تسهل التحول والعناصر الثقافية لإدارة التغيير.

ارجو أن أكون قد وفقت في ربط عناصر القيادة الفاعلة مع كل من إدارة التغيير والمعرفة بغرض تنوير المؤسسات العربية للسمو والإرتقاء.

والله من وراء القصد


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى