الاثنين ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٥
حميد كشكولي بين دماءِ نهرِ

الوند وإكسيرِ الحياةِ في السويد(2).....

هاتف بشبوش

في الفجر ستصل أسماعنا ترنيمات الزيتون من وادي الكبير
وستهمد براثن الموت في عتمة المنغوليا

هذا مايشير الى إعدام لوركا فجرا أي مع تغريدة العصافير،وأنسام الصباح الدافئة . لكنهم مهما فعلوا فأن المستقبل مشرق لامحال وسوف يحلّق الأمل من خلال شرفات هذا الكون المظلم،ومن خلال الكثير من الكتب التي تتحدث عن الشاعر لوركا وإعدامه وعن الحرب الأسبانية،ومنهم الشاعر الكبير بابلو نيرودا في ديوانه (أسبانيا في القلب)،أنّ قسما من الجنود أثروا حمل نسخ من ديوان ( أسبانيا في القلب) على حمل أغذيتهم وملابسهم وهي مجازفة كبيرة بالنسبة اليهم وهم متجهون صوب فرنسا،وهذا الديوان موجود في الكونغرس الأمريكي وخلف واجهة الزجاج بأعتباره من الكتب المهمة والنادرة. فنرى الشاعر حميد لايمكن له الإنسلاخ عن مايمس البشرية من ظلمٍ وقتل،ولايمكن له الصمت (المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار... مارتن لوثر)،ولذلك نرى الشاعر حميد صارخا متماهيا مع ترابه الأصل،الذي نشأ وشاب عليه كما في نص( الجذور) أدناه الذي يبتدأ بالقسم ............

أقسم بلهب هذه النار بين خطى الفراشات
وبلزوجة هذا الطين في راحات الصفصاف
وببذورك التي لن تتناهى أبدا في الصغر
أنّ براعمك تفتقت في غربة هؤلاء الهائمين في برية اللانهائيات
وإنّ أمسكَ مراقُّ في سلال نبالة الشمس في وادي الذئاب

الشاعر حميد لايمكن له أنْ يقص جذور هواه من الأعماق ويجعلها في طي النسيان،أنه في حالة من الوئام مع الوطن،مع الطفولة التي تهيم اليوم بعد إنْ أصبحت في عمر الشقاء في أمكنة العالم المجهولة والتي كنا نحلم أنْ نراها،الطفولة التي كبرت تهيم اليوم في( برية اللانهائيات)،لكنّ أمس حميد يشكل له الأواصر الحيوية التي تنبض في دماءه وعروقه،أمسه الذي قضاه في العراق،لكنه ورغم كل ماحدث من تغيير في حياته فإن قلبه لايطاوعه في التنصل أو التناسي عن بقعة اللهو والنزق،ولذلك نرى النص أدناه ( قلبي يسبق خطاك) فيه من الصبابةِ التي تعطينا جوابا شافيا عن ذلك ....

قلبي يسبق خطاك
أغمس جراح الأزهار في بئر نظراتك
وفي راح النجمات أشم رطوبة التراب
وأطرق أبواب السماء
لعل حمامة من حمامات الغياب حفظت في ذاكرة البومة مفتاح الفؤاد

مثلما القول ( من علّم العين أنّ القلبّ يهواكِ)،أحيانا ومن شدة اللهفة نختبئ وراء اللقيا . ريتسوس في قصيدته بعنوان (معنى البساطة) يقول : أنا وراء الأشياء، أختبئ كي تجدني/ وإنْ لم تجدني، ستجد الأشياء/ ستلمس مالمستْ يداي/ ستتقارب مسالك أيدينا/الكلمة حقيقة عندما تصر على اللقاء . إذاً اللقيا،اي لقيا كانت،لحبيبٍ أو لشخص قد فارقناه،أم مكان قد اصبح من الصعوبة أنْ نطرقه ثانية،نجد قلوبنا داخل أضلاعها تزداد خفقانا،إيذانا لتلك اللهفة أنْ تأخذ مدارها قبل الخفوت،لعلّ الذاكرة تركد قليلا فتستريح مما كان يؤلمها من سوءات الماضي وحوادثه التي لاتطاق في نظر نفوسنا وقلوبنا الرهيفة من شدة إنسانيتها،قلوبنا تلك التي تمزّقت ألماَ وحرقة أيام الضنك والفاقة ولابد لها أنْ تركن بعد إنْ اصابها التشظي،وهذا مايؤكدهُ الشاعر حميد في نص ( شظايا) ......

تهشمت مرآة قلبي
غدا وجهي شظايا
أرث الأشياء ملطخة بدمي
الملمُ وجهي،أديرهُ صوب عالم لم أره بعد

(يجب أنْ لاتفكر بهذه الطريقة والأ أصابك الجنون.... ماكبث). هكذاحميد يرى الأشياء بمنظوره الأدبي الثاقب،المؤمن بقضية ما،حميد الذي يريد تغيير العالم الى الأفضل،لكنه كلما يغترب ويقلّب صفحاته يكون إنساناَ آخر،محضُ إنسان وليس حميد،يرى العالم ملئ بالدم وقتل الأخوّة لبعضها البعض،حروب لاتنتهي،وقيامة مدمرة من صنع الإنسان نفسه،الإنسان الذي لايكل من تهديم نفسه وما بناه بين الآونة والأخرى،ثم بعد ذلك يندم على مافعله من أخطاء لاتغتفر،وخطايا لاتعيد ما أفسده الدهر،أنه الصراع الدائمي والطبقي المستمر حتى هذا اليوم . ورغم ذلك حميد يوجه لنا رسالة مفادها هو أنّ مايحصل الآن هو قليلُّ مقارنة ً بما سوف نراه من دمارٍ وخراب،وبين هذي وتلك،الشاعر حميد يعطينا قليلاً من مصل الأمل،وعلى غرار رؤيا الشاعر الشيوعي الشهير الراحل ناظم حكمت الذي قال ( أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد). حميد بكل جروحه وآلامه وعطشه الى الحرية،قد تفتقت آماله هنا مع الغرباء،في السويد بلد المنفى،بلد الحلم اذي كان منشودا له في أيام الطاغية صدام . ولذلك نرى حميد دافئا متثائبا ومستريحا نوعا ما حسب مانراه في رائعته ( حلم الليلة القادمة)........

تثاؤب الرمان يتلقط نمل حيرتي بين أضلاعي
فيشهق جليد البحيرة أنفاسي الملتهبة
وتتدفأ خطى هيامي.
والأرنب البري يرتدي زيه الشتوي الأبيض،وحركات من وميض
تهطل الثلوج البهية على مالمو

صفة الهموم والحظوظ العاثرة ملاصقة للعراقيين منذ أزمانٍ سحيقة،مهما حلمنا،هناك من يتربص بنا وبأحلامنا كي ينقض عليها في المهد،وهذا المتربص هو الموت وبشتى أشكاله،الطبيعي أو ذلك الموت من جراء الطغيان والسجون والحروب الطائفية التي مازالت تحصد الأرواح بالجملة،وهذا ديدن الموت دائما وأبدا على الأرض العراقية العنيفة منذ الأزل،الموت المطارِد للعراقيين في أرض المنافي،و المختلِف عن الموت الذي يصيب سائر البشر،وهذا الموت هو الذي سرق( أسرين) الفتاة الكردية الشابة ومقدمة برنامج في أحد القنوات السويدية،هو موت إختياري بطعمٍ مرّ،كما في النص الحزين( موزاييك أىسرين)......

والموت كان جالسا على عتبة دارنا
نعم أنا مسلمة
أدين بدين العشق
النار قبلتي
سجادتي الماء
ووجنات الورد كعبتي

إحدى المنظمات السويدية المدافعة عن الروابط الأسرية إتخذت شعاراً( لن تندم وأنتَ على فراش الموت،لأنكَ لم تحصل على ترقية،بل لأنكَ لم تقضي الوقت الكافي مع مَن تحب). الموت الذي غّيّب آسرين بهذه الطريقة،ومن قبل العائلة نفسها،الموت الأختياري والقسري في نفس الوقت،هو السبب الرئيسي في أن يجعل آسرين لم تعش فترة طويلة مع ذويها وأهلها وناسها أو مع مَن تُحب لو شاءت الأقدار وبقيت حتى اليوم حيةُّ تّرزق . الى أنْ يقول الشاعر في نفس النص .....

والعشيرة تنصب بيوت الشعر فوق راحتي
وأنا شيعية
رأس شهيدي
ينثر فضته على سطوح بيوتنا
وسكينة أختي
حناء عرسنا كان دم قاسم

في النص أعلاه جسّد لنا المبدع حميد حقيقة مانعيشه من حلم في أرض الغربة حيث الطمأنينة واللجوء الإنساني مع سوء التصرف من قبل بعض العراقيين،الذين ظلّوا بتقاليدهم البالية والقاتلة التي أودت بحياة فتاة كردية في مقتبل عمرها العشريني ( آسرين)،الفتاة المتحضرة ومقدمة برامج في القناة السويدية،يطفح بها الكيل من الضغوطات وإتهامها بشرفها،فلاتصبر على ما أصابها من أهلها وذويها،بأعتبارها العورة التي يجب أن تستر نفسها وتظل ملازمة البيت . فتضطر هذه الفتاة لأنْ تجعل حداَ لحياتها بالإنتحار وتقتصر الطريق الى الموت وتختار العدم الذي جاءت منه،وبذلك تتخلّص من القيم الماردة التي لم تستطع الوقوف أمامها والصمود بوجهها . أنا أعتقد من المفروض على المرأة أن تكون حذرة في بعض الجوانب الحساسة التي من شأنها أن تريقْ الدم،أنْ تخفي بعض الشئ حفاظا على ماسعت من أجله وما سهرت عليه وما وصلت اليه من مستوى يليق بأهلها وناسها وأصدقاءها،أن تكون دائما متوجسة من التقاليد الجهنمية التي يتمسّك بها مجتمعنا،إذ كما قال جان ككتو (ينبغي للإسان إذا أراد أنْ يعيش أنْ يقول نصف الحقيقة ويخفي نصف الشعور.
حميد كشكولي هومن مناصري قضية المرأة،المرأة الكونية وليس العراقيه فحسب،ولما لا،فهو من خلال جميع إبداعه نراه متخم باللينينية والماركسية والشيوعية كما في النصوص الثلاث أدناه وعلى التوالي،نبدؤها بنص ( أحلام خضراء تخضبُ خطواتي).......

في هذا اليوم أحملُ نجوما الى البيت
وأستمع الى سمفونية المطارق والفؤوس والمناجل
وقهقهات الماء
وترانيم التر اب

في هذا النص يعترف الشاعر بأنّ الحانه المفضلة هي التي تشير الى النغمات الشيوعية والماركسية،تلك الألحان التي طربتْ لها الملايين من الناس في كافة أرجاء الفسيحة،تلك الأغاني التي خـُطّتْ باللون الأحمر،وتلك المعزوفات التي يتخلّلها رنين المطارق والمناجل،ذلك الصوت الذي ينعش قلب الشاعر ويزيل عنه الكثير من همومه السياسية والإجتماعية .

ثم نص( لينين مايسترو العزف الإنساني)........

أيها المفعم بالنور وعطر التراب
لن ننسى رسالتك في الإنسان والهاجعة في نسيم شجرتك الخضراء
ثم يقول في شذرةٍ أخرى من نفس النص .......

وحركات يديكَ طوفانُّ سيطهر الأرض من أدران رأس المال
فيا أيها القلب الكبير!
أضئ دربَ النضال لتنقذ الحديد من فم الذئاب
ثم نص( دماؤنا شيوعية ياسعدون).........

ليلنا رهيب حين يرسم الرصاص في صدورنا أحافير الخلود
وحين تغدو أحلامنا القديمة جسرا بين ضفاف الفجر
ويخضب السهوب بدم شمس الأصيل
وما أعمق ليلنا إنه مثل دربنا طويلُّ،طويل
حتى يقول في نهاية النص........
دماؤنا مطارق العمال وسواعد الفلاحين،ورياض الأزاهير وبساتين
ومن أنداء جبيننا ينبت القمح،وتسمو أيادي تزرع في السحاب
نجوم الليل الحنين
وترسم بسمات على الشجر،والصخر،تتدفق مثل روح العيون

النصوص أعلاه كلها ترتكز على قاعدة واحدة متينة،هي التي عامت فوقها أكبر الشامخات التي ترمز الى الشيوعية العالمية،والتي صعدت الى أعالي السماء كي تراها أعين الناس بكل وضوح،إرتفعت هناك وأصبحت سحبا تحت نجوم اللليالي الحالكة،وبدأت تمطر كي تشق الصخور وتعطي الأمل المتدفق لأنبات الشجر في تربة الصعوبات . الشاعر حميد هنا حاول أنْ يمزج بين الشعر ذو المعنى الكلاسيكي الذي تغلغل في أعماق الطبيعة والشعر الأنتمائي( الأراغوني) نسبة الى الشاعر الفرنسي الشيوعي أراغون،فجاءت النصوص كلها على إيقاعٍ نغمي رائع أحسسناه ونحن نقرأ الثيمات بأذن موسيقيةٍ . الشعر والطبيعة سيّان،الأثنان عبارة عن إيقاع ووزن،ولذلك حميد توفق في هذه النصوص الخالصة لأنتماءه الفكري مع وصف للطبيعة والسماء وماتحتويها . كما وإنّ حميد لايستطيع تجاوز الأسماء التي ظلّت بين ظهرانينا،تلك التي ضحّت بالغالي والنفيس في سبيل الراية الحمراء،ومنهم (وضاح عبد الأميرسعدون ) الذي إستشهد في 31 تشرين الثاني 2004 على أيدي الجبناء المتطرفين الأسلامويين. وبعد هذا الحزن والوقفة الباكية على شهداء راية المطارق والمناجل لابد للمبدع حميد من تطييبٍ للمشاعر والأحاسيس،فجاء نصه التالي ( إلتهاب الخواطر) دعماً لما نقول .......

يتبـــــــــــــــــــــــــــــع في الجــــزء الثالـــــــــــــــــــث

هاتف بشبوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى