الأحد ٥ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
سأحاولكِ مرة أخرى....

أنا جنونك ريتا عودة

محمد عمر يوسف القراعين

ريتا عودة قاصة وشاعرة صادقة في مشاعرها، تتناول في قصصها القصيرة أحاسيس المرأة في مختلف حالاتها، عاطلة عن العمل يقتلها الفراغ، عاملة دخلها لا يلبي تطلعاتها، تعيش التمييز في وطن مغتصب، ولكنها تحلم وتصل بحلمها إلى السماء، وأحيانا تشدها الوساوس لقارئة الفنجان. هي قوية لتدوس من يلسعها كأنّه صرصار، وتعطي الأمل للمحكومين بالألم، فإذا مات بلبل واحد لا بد أن يولد من رحم الأرض ألفُ ألفِ بلبل، وإذا سقط خالد فهناك من يرتدي السروال الأبيض من بعد خالد، جيّاشة في مشاعرها نحو الفقراء والمظلومين، حتى أنها أنطقت قطرة المطر، موضوعها القلوب مهما اختلفت الأديان، إلا أن سكّين شرف العائلة كانت أقوى من أحاسيسها، فما عليها إلا انتظار نيسان. ولتقديم العذر لأنّها لم تقدّم الحلّ لهموم حواء، تحجّجت بأنّ هذا ليس من وظيفتها التي هي أن تلقي حجرا في بئر راكدة، وهذه هي الدّنيا، أحيانا بالمقلوب، "تيجي تِصيده يْصيدك". كل هذا وذاك، تعبر عنه ريتا بأسلوب أدبي شاعري جميل، حافل بتخيلات ثرية وتشابيه غنية، قصصها كأنّها قصائد نثر، والشّعر في ديوانها حدوثة، فيختلط الشعر مع القصة بلغة ليست بالبسيطة ولا بالمعقدة ولكنها ملونة، كما قال محمد حلمي الريشة، لتثبت أنها تملك زمام اللغة، وتلجأ في خيالها إلى رمزية مناسبة للموضوع، لا تتعدى ربات الحب والخصب، بحيث يبقى المعنى في متناول القارئ.

تناولت حدوتتها الشعرية قصّة البقاء في الحياة في ومضات جميلة، تبدأ في أولاها " السنونوّة المجبولة من طين الحنين...المنسوجَ حلمها من حرير الحب "، ولكنها تحتاج إلى جناح ثان مع جناحها لتتمكن من التصفيق. كأنثى تبحث عن فارس كما دون كيشوت، يحارب طواحين الهواء لتحرير حبيبته، فليحارب فارسها طواحين كبريائه حتى " ترخي له جديلتها ليصعد إلى قلبها.. يحتاجها لبؤة وقطة وديعة، تحتاجه رعدا وبرقا ومطرا بديعا". لا تنسى ضيفتنا المساواة والحرية. "أكون له سنونوّة .. حين لا يكون ليَ القفص"، وجزيرة يحيط بها البحر، فيفيض عليها بالنسيم.
وفي الومضات الرابعة، تبلغ قمة التعبير عن حالتهما في الجوى والهوى، تُطوّف بهما الجهات الأربعة " ال..تتجاوز مدًا وجزرًا.. شوقًا وشرقًا..جنوبًا وجنونًا".

لها الحق أن تحلم "سقطت تفاحة فوق رأسي، ورأيت فارسا فوق الغيم يراقصني، وفي البحر قوارب تمنيت لو إليك تحملني، وبساطا انتظرت أن يأتي بك إلي".

لجأت إلى عشتار وهيرا وإيزيس وشهرزاد، فلم تجد حلا، " فسقط الحب في جب الحكاية، وظل للآنَ أحجية".
الحياة كما تعلمون مدّ وجزر، فبعد أن آمنت بأقانيمه الثلاثة، عمدها بالأرق مع الفجر، وأسلمها للنهر، " ووحده الموج حن على أشلائها، ومنحها حق الغرق". نعم قهرها الموج مرارا، ولكنها "كالعنقاء من بين الركام تقوم".

وفي إحدى الومضات، تشعر بيأس لأنهما تباعدا " كخطين متوازين، لا أحد يود أن ينكسر..كالنهر الذي فقد مجراه أنت.. كالسكة التي غادرها قطارها أنا "، فأصبحت وحيدة "، وحيدة، حتى أنني لم أعد أعرفني". كل شيءٍ هائم، أما الحب فقد قرفص، "وكل شيء عائم، إلى أن أعثر..على من تعشقه الأذن قبل العين"، فنفتتح مهرجان العودة.
مع كل هذا، لم تردعها الحسرة، والذكريات المدمرة عن أن تعلن "أن قلبها وطن"، وهي مدمنة، فكلما وأدت حبا ولد اثنان، "فقد آن الأوان أن أحاولك مرّة أخرى.. لأحاور شهر ياري ..من الليلة الألف للحكاية"...
وفي نهاية الومضات تهتف...في الشعر ما خفي كان أعذب

الكتابة فعل بقاء
سأمضي لأفضح الصمت"

ملاحظة: ثمة خطأ نحوي في ومضات (9)، حيث تعتبر" لو" أداة جزم، ( لي قلب عصفورة... لو رق تذب من عذوبته الصخور )، والحقيقة أنها لا تجزم مطلقا

محمد عمر يوسف القراعين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى