الأربعاء ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥
بقلم مهند النابلسي

البعد السيكولوجي للتميز

لقد ثبت عمليا واحصائيا أهمية التركيز على عناصر التميز المهني والثقافي في المؤسسات الناجحة ، وبدونهما لا يمكن تخيل نجاح تطبيقات الجودة والتميز في مؤسساتنا. وربما يجب التحذير هنا من الخطأ الشائع الذي ترتكبة معظم المؤسسات من حيث بذل جهود كبيرة لتحسين الجودة دون أن يتواكب ذلك مع الاهتمام الجوهري بالثقافة السلوكية والتغيير المهني للعاملين. يعتقد بعض المدراء أن طاقات العاملين يمكن ان تبقى على وتيرة واحدة من الجهد والحماس ولكن الطبيعة البشرية لا تستطيع تحمل ضغوط العمل باستمرار، وثبت بأنة يحدث تراجع ملموس في مرحلة "الجودة الثالثة قد يعرض المؤسسات والعاملين للاحباط وتباطؤ الانجازات بل وتلاشيها أحيانا، لذا تنصب مهمة المدراء على ابقاء شعلة الحماس ومراعاة العومل البشرية وقدرة العاملين على تحمل الضغوط والاستمرار بالمحافظة على ألانجازات المحققة .

يمر قطار الجودة الشاملة باربعة مراحل هي القيادة ، المبادرة ، الانتكاس والتراجع وأخيرا اعادة النهوض والانطلاق ، وربما هاتين المرحلتين الأخيرتين هما الأكثر أهمية في هذة الرحلة الشاقة: فمرحلة التراجع تواجة انتكاسات سلوكية ترتبط بفقدان الحماس والاجماع اولا، ومن ثم الملل واللامبالاة ، وتتطلب صبرا وتفهما وتدخلا مباشرا من الادارة العليا للتحفيز واعادة احياء الحماس والممارسات السلوكية الايجابية والتركيز على الشغف والذكاء أكثر من التركيز على الجهود المضنية والعمل المتواصل الايقاعي ، فقد أثبتت الابحاث العملية أن العاملين يفقدون حوالي 50 بالمئة من قدراتهم الانتاجية عند تعرضهم للعمل المرهق الزائد لفترات طويلة ! وقد لاحظت ذلك بوضوح اثناء عملي الاستشاري في أحد المستشفيات الكبيرة الذي حقق الاعتمادية العالمية بعد جهود جماعية مضنية ، ولكن فريق العمل والادارة لم يكونا مستعدان بعد للدخول بتجربة التحضير لجائزة التميز ومتطلباتها الصعبة والمترابطة ، لذا فقد تعرضت مجمل الجهود على مدى أشهر للاخفاق اخيرا ، لغياب الزخم والحماس والتماسك ووحدة الهدف والقيادة والالهام والحس بالمسؤولية بالاضافة للأسباب المذكورة أعلاه !

يحبذ التركيز هنا على ما يسمى القوى الناعمة الذكية للجودة الشاملة وهي تنحصر تحديدا في كل من الممارسات السلوكية ، الثقافة ، معالجة المخاطر المفترضة ومن ثم الحوافز المختلفة وربط هذة العناصر الاربعة بتوازن وذكاء مع جهود وانجازات العمل ، وحيث تؤدي هذه الديناميكية لتحقيق رضا العاملين ولدفع العمل قدما للامام.......

وذلك عكس مايعتقد الكثير من المدراء من أنه يجب الاستمرار بالضغط على الموظفين سعيا لتحقيق المكاسب والارباح .

فقد ثبت في الواقع العملي حدوث تراجع ملموس لبعض المؤسسات التي سبق وحققت التميز نظرا لتجاهلها الغير مقصود للعناصر الآنفة الذكر والتي يمكن تسميتها "بالمراحل السيكلوجية للجودة الشاملة".

في الخلاصة فاني أنصح مؤسساتنا الناجحة أن تركز على ثلاثة عناصر حيوية للمحافظة على تميزها والانجازات المحققة وهي الاستمرار ببذل الجهود المتواصلة مع مراعاة قدرات العاملين وطاقاتهم، بناء نمطية منطقية ايجابية لانجاز العمل تركز على كل من القياس والتحليل والتكرار، والثالثة وهي الاهم اللجؤ لتطوير أنماط سلوكية وثقافية تنسجم مع قيم واهداف المؤسسات، وبدون ذلك يصعب تحقيق نتائج ايجابية طويلة الأمد مما قد يعيق تقدم المؤسسة وقد يؤدي ايضا لتعطل الطاقات الايجابية للعاملين .

ليست الجودة هدفا بحد ذاتة وانما هي رحلة تسعى للتحسين المستمر وتكمن الصعوبة في كون هذه الرحلة أبدية (لا تنتهي!) ما دامت هناك حياة مؤسسية ، وحيث لا مجال للبقاء والتنافس الا باستمرار التحسين والتقدم للأمام ! وهنا تكمن اشكالية كبرى تتلخص بشعور معظم المؤسسات بأن الجودة والتميز ما هما الا أهداف محددة ينبغي تحقيقها والاسترخاء بعد ذلك ، فالمحافظة على التميز والبقاء في القمة قد يكون احيانا أصعب من محاولات الوصول للذروة، وهذا باعتقادي ما يميز المؤسسات الرائدة ذات السمعة الطيبة والماركة التجارية المتميزة عن غيرها من المؤسسات العادية!

من ضمن أكثر من مئة تعريف عالمي معتمد للجودة الشاملة اعجبني التعريف المختصر التالي: "انها الممارسة السلوكية التي تحقق التمز المؤسسي" وربما كنت محقا !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى