الأحد ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم كوكب دياب

"أللهْ... معَكْ"!

.
.
"أللهْ... معَكْ"!
تَهوَى إلى الأفقِ الرَّحيلْ
وأنا معَكْ؟
وإلى الزمانِ المستحيلْ؟
"أللهْ... معَكْ"!
لا أبْتغي أن أتبعَكْ
فأَشَدُّ ما أخشاهُ في
ذاك الرَّحيلْ
أن يَنثَنيْ قلبيْ الوَفيْ
عنْ حبِّهِ السّامي النّبيلْ
عن أحْرُفيْ
عن مَوقِفيْ
فَأودِّعَكْ
وأنا معَكْ...
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
قسمًا لإنْ ملَّكتَني شمسَ النهارْ
وشرعْتَ لي بابَ المَدارْ
لن أتبعَكْ
لن أتركَ الأرضَ التي
هي قطعةٌ من مُهجتي
أو أَهْجُرَ الجوَّ الفسيحْ
لأعيشَ عِيشةَ ميِّتِ...
مِن غيرِ رُوحْ
مدفونةً في جُثَّتي
بل إنّ لي جَوّي المُريحْ
في جنّتي
في دارتي وحديقتي...
لا يَا أخي، لن أتْبَعَكْ
لنْ أترُكَ العَرشَ الذي مُلِّكْتُ كي أتربَّعَكْ
مَنْ كانَ أكثرَ عاطفةْ...
وتعلّقًا في أرْضهِ
فَلْيُتَّبَعْ
إذ إنّه لم يَستَطِعْ
إنْ زَعْزَعَتْهُ العاصفَةْ،
مِنْ بعضِهِ
أن يُقْتَلَعْ،
ويَعِزُّهُ أن يَقْلَعَكْ...
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
هل تبْتَغي أن تأخذَ القلبَ السَّليمْ
رَهْنًا مَعَكْ؟
لا، يا أخي... قلبي مليءٌ بالهمومْ
لن ينفعَكْ
وهواهُ ما فوقَ النجومْ
لن أخدَعَكْ...
قُمْ رُدَّ لي قلبي الذي قد لوّعَكْ..
قَبلَ الرّحيلْ
لأودّعَكْ
مِن كلِّ قلبي...
ليس الفؤادُ لكَ الدَّليلْ
ليكونَ سَيّاحًا معكْ
هوَ نُورُ دَرْبي...
لا، لا تُصَدِّقْ ما أقولْ
ما عدْتُ أبغي مُهجَتي،
دَعْها معَكْ
فاللهُ أهداني البديلْ،
وهَديّتي:
صَبرٌ وسُلْوانٌ جميلْ...
"أللهْ... معَكْ"!
بلْ هاتِ فورًا مَسمَعي
قبلَ الرّحيلْ...
كي أَسْمَعَكْ
في ما تُهالِسُ أو تقولْ...
لم تُبقِ لي شَيْئًا معي
حتى ثُمالةُ أدمعي
باتتْ معَكْ...
فَأَعِرْ عيوني دَمعةً حرّاقةً
من أدمعي
لأودّعَكْ...
وأودّعَ الدُّنيا مَعكْ
وأقولَ لكْ
بلسانيَ المتقطِّعِ:
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!...
كم قُلْتُها، والصَّمتُ منّي واسعٌ
ويكادُ يُثْقِلُ مَسْمَعَكْ
بتأسّفي وتَوَجُّعِي!
وأقولُها، واليَأْسُ حَوْلكَ قابعٌ
ويكادُ يَشْغَلُ مَوضِعَكْ
في أضلعي
"أللهْ... معَكْ"!
قدْ وَدَّعَكْ
حلُمٌ جميلْ
فابْحَثْ لقلْبِكَ عن بديلْ..
يحيا معَكْ
أو عابرٍ معَكَ السَّبيلْ..
لن أمنعَكْ
ما دمتَ قد أزْمَعْتَ من قلبي الرحيلْ
إرحلْ معكْ
"أللهْ... معَكْ"!
قد باتَ حبُّكَ لي فُضولْ
وأنا معَكْ
فارْحَلْ إذا شئتَ الرَّحيلْ
وَاتركْ دموعَكَ جانبًا
أَخْفِ البُكاءْ
أخْفِ العَويلْ...
لا تلتفِتْ
نَحْوَ الوَراءْ،
فأمامَكَ الدّرْبُ الطويلْ،
لا، لا تَمُتْ
حتى تريدَ يدُ القضاءْ...
فَمَعَ الرَّحيلْ
لن تُهْدَمَ الدّنيا ولنْ
تنهارَ أبوابُ السَّماءْ...
فَلِمَ البقاءْ؟
مَنْ قالَ إنّ الحُبَّ ذا سرُّ البقاءْ
وقدِ احتوى داءً يُساويْ ألفَ داءْ؟!
فاسألْ إذا شئتَ السؤالْ
مَنْ كانَ يحسَبُ ذا وزالْ
فالكلّ يعرفُ أنّ أسباب الشفاءْ
هيَ في الرحيلْ
هي في الزوالْ
ما تنتظرْ؟!
ما طَرْقُ بابِ المستحيلْ
إلا كضربٍ مِنْ خيالْ
فانهضْ وسِرْ...
يكفي التَّعلُّلُ بالتَّأمُّلِ والدُّعاءْ
فالْحُبُّ والإخلاصُ لمْ
يَكُ بالتَّوَسّلِ والرّجاءْ...
فإلى الرّحيلْ...
لن تَستطيعْ..
أن تُمسِكَ الأحلامَ أوْ حَبْسَ الضياءْ
أو قلْبَ أسبابِ النزولْ
نحوَ العلاءْ
فإلى الرّحيلْ...
لنْ تَنْـزِلَنْ قبري معي
أو تَرتَقيْ بيَ ذا الفضاءْ...
لن تَستطيعْ..
فالحزنُ في قلبي الوَديعْ
حصْنٌ مَنيعْ،
لِشِراعهِ انْقادَ الهواءْ
في مركبِ الزمنِ السَّريعْ
وَلِبَحْرِه عُمْقُ السَّماءْ
لن تستطيعْ
صَبرًا معي
أو أستطيعْ..
صبرًا معَكْ...
"أللهْ... معَكْ"!
لا، لن أموتَ ولنْ أضيعْ
حتى ابتسامتيَ التي لمْ تَستَتِرْ
جَبَروتُها لن ينكَسِرْ
وشعاعُها لن يندَثِرْ...
لن تسْتطيعْ..
أن تَكسِفَ الشمسَ التي في مُقلتي
أو تُطفئَ النورَ الذي في مُهْجَتي
وتَشُقَّ في لَيليْ القمرْ
لن تستطيعْ..
أن تُخْمِدَ النارَ التي في بَسْمتي...
فوَراءَ بَسْمَتيَ اللّهيبُ المُستعِرْ
لم يَنْطفِئْ فيه الشّرَرْ...
فلمَ التّردّدُ والتّملْملُ والضَّجرْ؟
ما أنتَ لي ذاك الحبيبُ المنتظَرْ!
فاحمِلْ معَكْ
ما زادَ فيكَ تَفَجُّعَكْ
قلبًا على عُرْفِ التَّقَلِّبِ شجَّعَكْ
"أللهْ... مَعَكْ"!
******
أزفَ الرَّحيلْ...
ما تنتظرْ؟
فإلى متى تبقى القلوبُ مُعلَّقةْ..
تَصبو لذاكَ المستحيلْ؟
وإلى متى تبقى العقولُ مطوَّقةْ..
لا بابَ يهديْ للوصولْ؟
وإلى متى نَدَعُ المشاعرَ تُحْتَضَرْ؟
وإلى متى نبقى نقدِّمُ حُبَّنا للمحْرَقَةْ
ووريدَنا للمِشْنَقةْ،
وحياتُنا بِيَدِ البشرْ،
واليأسُ يطرُقُ بابَنا بالمطرقةْ..
كي يَنْكَسرْ؟!
ما تنتظرْ؟
إن كان ربّي خالقي
منذُ الصِّغَرْ...
فأنا لدَرْبي خالقةْ..
ليسَ القَدرْ...
هيّا اخْتَصِرْ
أمْحُ الرّسائلَ والقصائدَ والصُّوَرْ
أو ما نَقَشْتَ على الحَجرْ...
مَزّقْ كتاباتِ السَّهرْ
وَارْمِ الهواتفَ في الحُفَرْ
ولْتَحْذِفِ الرَّقَمَ الخَطِرْ..
أو ما استَقَرّْ..
في القلبِ أو في الذاكرةْ...
وَلْتَمْحُ مِنْ مَثواكَ آثارَ الخَطرْ
أو ما يُعَدُّ مُخاطَرةْ...
لا تُبقِ مِنْ حبّي أَثرْ
لا تُبقِ شيئًا... لا تَذَرْ،
ذِكرايَ... دَعْها في المَطرْ
كي تَندثِرْ
فكفاكَ مِنْ حُبٍّ ضَرَرْ!
ما تَنتَظِرْ؟
لا ينبغي للشّمسِ أن تَلقَى القمرْ..
دَخلَ الزّمانْ
ما بيننا
فصَلَ المَكانْ
أسوارَنا
أرْخَى الأسَى
أسْتارَنا
واليأسُ أغلقَ بابَنا
لم يَبقَ ثُقْبٌ بينَنا
كي أسمَعَكْ..
إنّ الفراقَ هوَ الرّفيقُ المستمرّْ
حتّى ولوْ ضيَّعْتَهُ ما ضيَّعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
ما تَنتظِرْ..
مِنْ بعدِ ما سَوّرْتُ قلبي بالخطرْ؟
هيّا إلى أقصى البلادْ
لا تَبقَ في مَرمَى النظرْ
وابحثْ هُناكَ عنِ المُرادْ...
وارحلْ إلى حيثُ القمرْ..
فإلى متى تدنو ولنْ
تجتاحَ أسْوارَ الفؤادْ؟
وإلى متى تَطوي المدى
بينَ التّردّدِ والبِعادْ؟
وإلى متى تُبْقي الهوى
تحتَ الرّمادْ
وتَهيمُ مِنْ أثَرِ الجَوَى
في كلِّ وادْ؟
فلْينقطِعْ حبْلُ الوِدادْ...
ما تنتظِرْ؟
فإلى متى أُخْفي بعُمْرِكَ عُمْرِيَهْ؟
لا تنتظرْ...
لن أَقْضِيَ الوَقتَ الثَّمينْ
مدفونةً في الذّكرياتِ الماضيَةْ
خلفَ السّنينْ...
خلفَ الليالي الداجيةْ..
أوقفتُ إبحاري على مَتْنِ السَّفينْ
ونزلتُ في برِّ الأمانِ على حُدودِ الياسَمينْ
لا، لن أَلينْ
لنْ آمَنَنَّ الغدرَ في بعضِ العيونْ
جفَّ الحَنينْ،
أحْرَقتَ منّي موضِعَكْ
دمّرتَهُ...
حطّمتَهُ...
بل كنتَ زلزالاً رهيبًا هَدَّهُ
لكنّه اسْتولى عليكَ فَصَدّعَكْ
هذا هو الحبُّ الذي قدْ زعزعَكْ..
هل كنتَ تبغي مَصرَعي
في الحبِّ ذا أم مصرَعَكْ!؟
لا تنتظرْ..
يَكفيكَ ما ضيَّعْتَ منْ أملٍ معي
وأنا معكْ..
يكفيكَ ما بُلِّغْتَ من بعْدِ المدى
وأنا معَكْ..
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحِبُّني
ومنَ الوعودْ
أهْديتَني
قلبًا يَئِنُّ بلا رَصيدْ
ومِن الهوى حُبًّا بليدْ؟
لا، لا أريدْ...
فالقلبُ ذا أنْفقْتَهُ في يومِ عيدْ
والحبُّ ذا أنهكْتَهُ بينَ العبيدْ
مُذْ غابَ عنْ عيني وَتاهْ
لا، لا أريدْ...
لا تُعْطني حُبًّا يزولْ
ويذوبُ كالأملاح في شِبْرَيْ مياهْ
لا تُهْدِني قلبًا عليلْ
وحثالةَ العمرِ الطويلْ
لا، لا أريدْ
مَيْتًا على قَيْدِ الحياةْ
لا تُعْطني ...
لا تُهْدِني...
لن يُعطيَ الحُبَّ الكبيرْ
مَنْ يَفْقِدُهْ
أو يُهْدِيَ الماءَ النَّمِيرْ
مَن يَجْحَدُهْ...
لا تُهْدِني شيئًا محالْ
لا تُعطِني مِمّا تشاءْ
ماسًا ومالْ
أوْ ما حَبَتْكَ بهِ السَّماءْ
فالمالُ عندي والرّمالْ..
باتا سَواءْ...
لا تُهْدِني مِنْ أرضِكَ..
منْ بعضِكَ..
أو ما يَصيرُ إلى الفناءْ..
لا تُغْرِني بعُلُوِّكَ..
بِسُمُوِّكَ..
لم أَهْوَ ثوبَ الكِبْرياءْ..
أتَجُرَّ ذيْلَ الإخْتِيالْ؟!
فالشَّمسُ والقمرُ المُضاءْ
أنقَى مثالْ
مهما عَلا مثواهُما كَبِدَ الفضاءْ
فإلى زوالْ...
لا تُهْدِني..
ما ليسَ يخْطُرُ لي بِبالْ
لا تُهْدِني ...
لا تُعطِني...
مَن يُعطِني مِن بعضهِ
لن أُعْطِيَهْ
مِن بَعْضِيَهْ..
مَن يُعطِني مِنْ كلِّهِ
فالكلُّ لَهْ
مَن عَدّني من أهلهِ
أو كنتُ أغلى ملكهِ،
فالملْكُ لَهْ
بل كان قلبي مَنزلَهْ...
منْ كنتُ بُؤبؤَ عينهِ
وأصابَني يومًا خطَرْ
سَأرى بِعينيهِ إذا فُقِدَ البَصَرْ
حتى ولو في ظلْمةٍ،
أبصرْتُ نارًا مُشْعَلةْ...!
******
أتحبُّني؟
وتريدُني؟!
وتَحوكُ لي في كلّ يومٍ مرَّ بيْ حُبًّا جديدْ؟
حلمًا جديدْ؟!
لا، لا أريدْ
حلمًا كأحلامِ العبيدْ
يَنهارُ في لمْحِ البصَرْ..
لا، لا أريدْ
وردَ النّعيمْ
تَسقيهِ ماءً من سَقَرْ،
أو عِقْدَ نُورٍ من نجومْ
يَبتزُّه ضوءُ السَّحَرْ
لا، لا أريدْ
فستانَ خزٍّ أو حريرْ
لم يُكْسَهُ جسْمُ البشرْ...
لا، لا أريدْ
لبنَ الطيورْ
أو جنّةً صُنعتْ منَ الحَجرِ الكريمْ
أو مقْعدًا مِن مَرمرٍ فوق الأثيرْ
أو منزلاً بين الكواكبِ والنّجومْ
ويضيئُهُ ضوءُ القمرْ...
لا، لا أريدْ
حُبًّا تُلبّدُهُ الغيومْ
مأواه قلبٌ مِن جَليدْ..
بلْ مِنْ هشيمْ..
يجتاحُهُ أدنى شَرَرْ..
أنا لا أريدْ
يا مالكًا "لا شيءَ" مِنْ تلكَ الوعودْ
لا تَشتَرِ الأحرارَ بالحبِّ الزّهيدْ
غُضَّ النظرْ..
ليسَ الملوكُ كما العبيدْ
أنا حُرَّةٌ.. فَدَعِ القيودْ
كم شئتَ قيدًا وانكسَرْ!
أنا حُرّةٌ في ما أريدْ
أو لا أريدْ
لا تَفْرِضَنَّ عَلَيَّ حُبًّا كي تَعودْ
أعِدِ النظرْ..
ما مات ماتَ ولنْ يَعودَ الميْتُ في ثوبِ الوليدْ
مهما انتظَرْ
أنا لا أريدْ
أيجوزُ بعدَ الصبرِ والجُهْدِ الجهيدْ
أن أُبْدِلَ المَلَلَ المؤبَّدَ باليسيرِ مِنَ الضَّجَرْ؟!
أنا لا أريدْ
أحدًا يُشاركُني حياتي منْ قريبٍ أوْ بعيدْ
فالبعْدُ عنْ حبِّ العَبيدْ
همّي الوَحيدْ
والقرْبُ عندي لا يقاسُ ولا يُلاحَظُ بالنَّظرْ
لا، لا أريدْ
أحدًا يُقاسِمُني المشاعرَ والمَحابرَ والنّشيدْ
إنْ لمْ يكنْ بيتَ القصيدْ
فيُسِيلَ مِنْ قَلَمي الدُّرَرْ
يا "صاحبَ الحُلمِ السعيدْ!"
أتُحِبُّني؟
وتذيقُني الموتَ الزُّؤامَ مِنَ الوَريدِ إلى الوَريدْ؟!
هلْ خلْتَ قلبيَ قدْ تأثَّرَ.. أوْ شَعَرْ؟
لا، لن أزيدْ...
فوق الهمومِ بِأضلعي
همًّا جديدْ
في القلبِ أشْياءٌ أُخَرْ
لا، لا أريدْ
بل ما أريدُ كَرامتي محفوظةً
عند الكرامِ منَ البشرْ..
يا ضائعًا بينَ البشرْ
هذا المفيدُ المختصرْ:
إنّي هنا لنْ أتبعَكْ
لو كان كلّ الخلْقِ في الدنيا معَكْ
فاللهُ في الدنيا وفي الأخرى معي
"أللهْ... معكْ"!
******
أحببتُ نفسي مرّةً
حتّى النخاعْ
وكتبتُ فيها صفحةً
قَيدَ الوداعْ
لكنّني
ما كنتُ أدْرِكُ لَحْظةً
أنْ فُقْتَ روحي رقّةً
ودخلتَ فكري خلسةً
مستوطنًا في أضلعي..!
والضَّعفُ يَغلِبُ قوّتي
فسَلبْتَ منّي مُهجتي
وإرادتي...
لم تُبقِ لي شيئًا معي
بكيانيَ المتقّطعِ
حتى غدوتُ بأَجْمَعي
كلّي معَكْ...
في الرّوحِ بِتَّ مُمَكّنًا
لن يَستطيعَ مُخدِّرٌ أن يَنْزِعَكْ
من مهجتي
من روحيَ المَخْفيّةِ
والذاكرَةْ
من ذكْريَاتي الحاضرةْ
أو يَقلعَكْ
مِن غربتي...
فجُذورُكَ الأرْزيّةُ
وغُصونُكَ الأبَديَّةُ
وأصولُ حُبِّكَ أعْمَقُ
بل أصْدَقُ
من كلّ حُبّْ
من أيِّ عاصفةٍ تَهُبّْ
لِتُزعْزِعَكْ...
ساعِدْ فؤادي مَرَّةً
أن يَخلعَكْ
عن عَرْشِكَ المتوهّجِ
في مُهْجتي،
أو يَنزِعَكْ
من تاجِكَ المتأجِّجِ
في مُقلتي...
أوْ فادْعُ ليْ اللهَ العَليْ
أن يزرعَكْ
في تُربَتي
فأراكَ مغروسًا معي
وأنا معكْ!
أوْ رُحْ فجَرِّبْ لوْعَتي
خُذْها معَكْ
وَأَرِحْ فؤادي مِن لَظاكْ
خُذْ مُقلَتي
جرِّبْ دموعي مَرّةً
خذْها معكْ
كي لا أراكْ
خُذْها معَكْ
كي لا أرى أحدًا سِواكْ
خذْ مُهْجتي
واحمِلْ جِراحي بُرْهةً
خُذْها مَعكْ
كي لا أعودَ إلى هَواكْ
وَخُذِ الأحاسيسَ التي
صارتْ طريقًا لِلْهَلاكْ
خُذْها معَكْ
كي لا أفَكّرَ في رضاكْ
وَخُذِ الأُذُنْ
كي لا أعودَ فَأسمعَكْ
فيعودَ لي طَيْفُ الحزنْ
خُذْها معكْ
وخُذِ الدِّماغْ
كي لا أُفكّرَ في سِواكْ
لا تُبقِ لي شيئًا معي إلاّ الفراغْ
لا تُبْقِ لي منّي مكانًا للألمْ
خُذْ كلَّ شيءٍ لي هناكْ
حتى القَدَمْ
كي لا أعودَ إلى لقاكْ
خُذْها معَكْ
كي لا تعودَ خُطايَ تَتْبعُها خُطاكْ
بل خُذْ حياتي كلَّها
خُذْ حُبَّكَ المزعومْ
خُذْ قلبَكَ المسمومْ
خُذْ طيبتي وتسامُحي
خُذْ وحْدَتي ..
خذْ غُرْبتي..
خذْ قَسْوَتي
وَقصائدي المتعاليَةْ
خذْها معَكْ
واحشرْ فؤادَكَ لحظةً في الزاويةْ
في آخرِ اللحظاتِ مِن ساعاتِكَ المتناهيةْ
والباقية...
لأوَدّعَكْ...
وإذا رَأيتَ القلبَ ذاعْ
عندَ الوَداعْ
من سِرِّهِ ما اسْتودَعَكْ
ما أوجَعَكْ...
فلأنّه مُتَوَجِّعٌ
ويَعِزُّهُ في بُعْدهِ أن يوجِعَكْ...
فاختارَ أن يبقى معكْ
ليُوَدِّعَكْ
ويودّعَ الدنيا معَكْ
******
كانَ الحُلُمْ
حُلمَ النهارْ
أنّى اتّجهْتُ وجدْتُهُ في الإنتظارْ
فإذا التَفتُّ إلى اليمينْ
فإلى اليمينْ
وإذا اتّجهتُ إلى اليسارْ
فإلى اليسارْ
وإذا رحلتُ إلى السماءْ
عند المساءْ
أو غُصْتُ في عرضِ البحارْ
ألفيتُهُ في الإنتظارْ
حتى ولو أسدلْتُ في وجهي الإزارْ
أو أُطفئَتْ شمسُ النهارْ
حتّى وَلو أطبقْتُ جَفْنيَ في المنامْ
ودخلْتُ مملكةَ الظلامْ
لوجدتُهُ في الإنتظارْ ...
كانَ القضاءَ بَلِ القَدرْ
بل كانَ من عَيني النَّظرْ
ومنَ العَددْ
كانَ الأُلوفْ
والناسُ عنديَ "واحدٌ"...
وبكلْمةٍ... نقَصَ العددْ
حتى نفَدْ
ما عادَ يُحْسَبُ واحدًا بين الألوفْ
هو لا أحَدْ...!
لكنّهُ حِسٌّ مُخيفْ
يضَعُ النِّقاطَ على الحروفْ
يَجتاحُني في وحدتي
حتى غدوتُ غريبةً في أخْوتي
ووحيدةً في عُصْبتي
والناسُ من حولي لَفيفْ...
لكنّهُ ما مِنْ أحدْ
ما من رفيقْ
للصّمتِ والجرْحِ العميقْ
إلا الزّمنْ
دقّاتِ قلبي يَسْرقُ
ودقائقَ العمرِ الطَّليقْ...
ما من طريقْ
في ظلمةِ الكونِ السحيقْ
إلا الحزنْ
والنارُ منهُ تُحْرقُ
قطراتِ حبّيَ في العروقْ
فإلى متى سَأظلُّ أَحْيا في الحريقْ
أُصْغي إلى الشِّعرِ الحَسنْ؟!
وإلى متى يبقى الحلمْ
طيفًا يميلُ عن الطريقْ
وأنا كمَنْ
لمْ يُصْغِ، لمْ يُبْصِرْ، ولمْ...
أتَقبَّلُ العذْرَ الرّقيقْ
بِتَسامُحٍ أو حُسْنِ ظَنّْ؟!
ما ذاكَ إلا ظلمُ جبَّارٍ بأسْلوبٍ أنيقْ
وأنا التي تأبى الظلُمْ
آن الأوانُ لكيْ أُفيقَ.. مِنَ الحُلمْ
مَنْ ذا يطيقْ
ما كانَ أو ما لمْ يكنْ
مِنْ ذا الحلُمْ؟!
فكفاهُ أنْ... قبلَ الشُّروقْ...
كانَ الحُلُمْ...
ثمّ انتهى عندَ الشروقْ..
******
أتحبُّني؟
أتحبُّني ليَزِينَ حُبّي حرفَكَ؟
وتُخلّفُ القلبَ المُفَدِّيَ خلْفَكَ؟!
لا، يا أخي،
"أللهْ... معَكْ"!
وعسى دعاءُ أُمَيّةٍ مظلومةٍ أن يوجِعَكْ
أو يوقِعَكْ
بعذابكَ..
أو يُرجِعَكْ
لصَوابِكَ..
وهي التي بغيابِكَ...
كانت تُضِرُّ بنفسِها كي تَنفعَكْ...
وإذا المُقدَّرُ صَدّعَكْ
راحت تُشتِّتُ شمْلَها كي تَجمَعَكْ...
وإذا مَشَيتَ لظُلْمِها
وغدوْتَ تحمِلُ إثمَها
داسَت على إحساسِها
ومَضَتْ مَعَكْ...
تلك التي.. قد أهدَرَتْ من حقِّها
أسمَى الحقوقْ
وبظلْمِها عمَّ الأذى كلَّ الأنامْ
هي أكثرُ
اللاتي فتَحْنَ لكَ الطريقْ
نحو العلى، نحو البريقْ
نحو الأمامْ...
تلك التي..
قد ملّكتْكَ الرّوحَ منها والصُّروحْ
وبِجُرْحِها قد ضمّدتْ منكَ الجروحْ
هي أكبرُ..
هي أجدرُ..
بالإهْتِمامْ
من حُلمِكَ الماضي العريقْ
من حبِّكَ الرّاسي بِطيّاتِ العروقْ...
يابْنَ الكرامْ!
تلك التي..
عذّبْتَها واسْتعذَبتْ منكَ العذابْ
واسْتسْهَلتْ فيكَ الصّعابْ
وتحمّلتْ منكَ الخيانةَ والسَّقامْ
هي أكبرُ..
هِيَ أقدرُ..
مِنْ غيرِها على الاِضْطِرامْ
تلك التي..
قد أطفأتْ أحلامَها
بل أحرقتْ أيّامَها
لتضيءَ ليلَ سِنيكَ مِن ذاكَ الحَريقْ..
تلك التي.. قدْ أرّقَتْ أجفانَهَا
حتى تنامْ
لَهِيَ الخليقةُ باحتراقِكَ ألْفَ عامْ
لتُزيلَ من يَدِها الحروقْ
وتُنيرَ في غَدِها الظلامْ...
وهِيَ الجديرةُ باحْترامْ..
كلِّ الأنامْ
وهي التي.. دُنيا الهوَى في حبِّها وَالآخرةْ
خنساؤُكَ المُتَصابرَهْ...
فالشّمسُ ملْكُ يَمينِها
والحبُّ مِلْءُ عيونِها...
فلمَ التخبّطُ في محيطِ الدّائرةْ؟؟
ولمَ المَلامُ والاِنْتقامْ؟
ولمَ العُقوقْ؟!
ولمَ الكثيرُ من الكلامْ؟!!
ما من طريقْ
إلاّ الذي بِيَديْكَ قدْ أغلقْتَهُ...
ما من رفيقْ
إلا الذي من قبلُ قدْ فارَقْتَهُ...
فإلامَ يَلْهو بالنّجومْ
متطاولٌ
وبِقُرْبِهِ...
يلهو القمرْ؟
وإلام يشتاقُ السّمومْ
ولِكوبِه...
يَصبُو البَشرْ؟
وإلامَ ينْتَظِرُ الغيومْ
وبِعُشْبِهِ...
جادَ المَطرْ؟
لا، يا أخي
لا، لن أرى أنَّ السعادةَ والمحبَّةَ والغرامْ
تُبْنى على ظلْمِ الأنامْ
فالحمدُ للهِ الذي فوَّضْتُ كلَّ الأمرِ لهْ
والشُّكرُ لهْ
قدْ أَطْلَعَ الشَّمسَ المُضيئةَ في الختامْ
فتهافتَتْ كُتَلُ الظنونْ
وهَوَى الظلامْ
وَقَطَعْتُ شكّي باليقينْ
وَأُمِيطَ عن وجهي اللِّثامْ
وتَبيّنَ الحُلْمُ الصّحيحُ منَ المَنامْ
فلمَ التظلّلُ بالغمامْ؟
لن تَحْجُبَنَّ أشعّتي بعد الشروقْ
أو تُطفئَ البدْرَ التّمامْ
فإذا ارْتَدَيْتُ رِدا البروقْ
والكونُ من حولي غَمامْ
وأرَدْتَ سَيْلي أن تَعُوقْ
لوَجَدْتَ نفسَكَ كالغَريقْ
وسْطَ الرُّغامْ
وعليكَ والدّنيا السَّلامْ...
فلْتَنْزِعَنْ من دَرْبِ شمسِيَ إصبعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحِبُّني لأُحِبَّكَ؟
أمْ جئْتَ تَنْحَرُ قلبَكَ؟
ماذا تريدْ؟
حَلاًّ جديدْ؟
والمشْكلةْ
مِنْ صُنْعِكَ..؟
وتخافُ كَرَّ السّلْسلةْ؟
هَدِّئْ إذًا مِنْ رَوْعِكَ..
واقرأ عليكَ البسْمَلةْ..
فأنا منَ الجنس العنيدْ
ماذا تريد؟
لا يا أخي..
مهما تُرِدْ فَاللهُ يفعلُ ما يريدْ...
ليس الحُلولْ
في أن تُحبّْ..
حتى الجُنونْ
أو أن تَخونْ..
قلبَ الخليلْ...
مَن ذا يُحِبّْ
لا، لن يخونْ...
إفهمْ كلامي جيّدًا
يا سيّدًا
يَخشَى المَنونْ..
"إن شئتَ حَلاًّ مُنجِدًا...
فَبِذا الرّحيلْ
كلُّ الحلولْ..."
******
ماذا تريدْ؟
حُبًّا جديدْ؟
لقَبًا جديدْ؟
قلبًا جديدْ؟
أم قلْبَ إنسانٍ وَدُودْ؟
لا، يا أخي
فالقلبُ عندي مِنْ حَديدْ
لن يَستفيدْ
إلا الصَّدَأْ
إلا السّلاسلَ والقيودْ
فدَعِ الخَطأْ..
ماذا تريدْ؟
أن تُصلِحَ الأخطاءَ بالخطأِ الجديدْ؟
وجريمةً قلبيّةً تُطْوَى مَعكْ
وأنا مَعَكْ؟
لا، لا أريدْ..
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
ماذا تُريدْ
والحبُّ ماتَ على يَدِكْ،
من بعد ما صلّى معَكْ
في مَعْبَدِكْ؟
ماذا تريدْ
ما دمتَ قدْ ذقْتَ النّدمْ،
غيرَ الألمْ؟
ماذا تريدْ؟
أنْ يُرْجِعَ النّدمُ الشّديدْ
بعدَ الوفاةْ
قلبًا إلى الحبِّ الجديدْ
وإلى الحياةْ؟!
لا يا أخي،
لن ينفعَكْ
بعدَ الغرقْ
مَدُّ اليدِ..
لمُؤازَرةْ...
أو يُرجِعَكْ
مِن بعدِ ما سُدَّ الأُفُقْ
هَوْلُ الغَدِ...
والآخرةْ...
قد خانَ حَدسُكَ مطمعَك؟!
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحِبُّني؟
أمْ قد غدا لَعِبُ المشاعرِ مَرتَعَــــكْ
وهوايةً تنمو معَكْ؟
أم أنّ حُبَّكَ تَسليَةْ،
وَلديكَ وَقْتٌ فائضٌ كَي تُمْضِيَهْ؟
أتُحِبُّني
وتُحبُّ أن تَلهوْ بِيَهْ؟!...
لا يا أخي،
إن كنتَ تَحسَبُ أنّني
للوقْتِ عندكَ تَمْضِيَهْ
فَتَوَهُّمٌ...
والوقتُ عندي صارمٌ
ما عادَ يَرْضى أن أُعيرَكَ ثانيةْ
حتّى ولوْ حَدّثْتَني عُمْرًا طويلاً
كدْتُ ألاّ أسمعَكْ...
أتحبُّني؟
لا ، لا تُحبّْ
فالحبُّ ذا لنْ ينفعَكْ!
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحبُّني
وتُحيطُ حُبَّكَ بالكَذِبْ
منذُ البدايةْ؟
لا، لا تُحبّْ
أيًّا يكنْ ذاك السَّببْ
لنْ يَشْفعَنَّ لكَ الكَذِبْ
حتّى النّهايةْ!..
أتُحبُّني
حتى تَجِفَّ الْمِحبَرةْ؟
هذا كلامٌ؟ أمْ بَقايَا مُهجةٍ
وعَواطفٍ مُتَناثرةْ
بَقيَتْ لديكَ منَ الليالي الغابرةْ؟
أتُحبُّني
ويُقِضُّ قلبُكَ مَضجعَكْ
والشّوقُ يُحرِقُ أضلعَكْ
وأنا مَعَكْ؟!
هذا اشْتِياقْ؟
أم بعضُ أبوابِ النِّفاقْ؟
أم خطوةٌ معكوسةٌ نحو الرَّحيلْ
نحوَ الفراقْ؟!
أم أنّ ذا قولٌ يُقالْ؟
أَجِبِ السّؤالْ!
ماذا تَقولْ
لأولالِكَ...
ممّن سألْ
عن حالكَ؟
لا ، لا تَقُلْ...
صدَقَ الكَذوبُ وإنْ رأَوْهُ يكْذِبُ..
صدَقَ المَثلْ
في مِثْلِكَ:
"يَفنَى الصَّدوقُ ويَستَمرُّ الأكذَبُ"...
لا، لا تَقُلْ...
كلُّ الأدلّةِ قائلةْ:
إنّ الكَذِبْ..
هُوَ دَرْبُكَ...
لا، لا تُحِبّْ
ما حُبُّكَ..
بالفعلِ غيرُ مُحاوَلةْ
باءتْ لِكِذْبِكَ بالفَشلْ...
كم كنتُ أبحثُ آمِلةْ
في كذْبِكَ المُتَزايِدِ..
عن صدْقِ عذْرٍ واحدِ!
لكنَّ تلكَ محاولةْ..
باءتْ كذلكَ بالفشلْ!..
أتُحبُّني وتُقَلِّدُ..
في الحُبِّ ذا حُبًّا قديمْ؟
وتُجدِّدُ...؟!
أتُحبُّني وتُجرِّبُ...
أن تُحْيِيَ القلبَ الرَّميمْ؟
أتُجرِّبُ...؟!
لا، لا تُحبّْ
كلُّ التَّجاربِ فاشِلةْ
فالكِذْبُ ثَمَّ مُؤكَّدُ..
قد كنتَ وحْدَكَ فاعلَهْ
وعليهِ أَلْفٌ يَشْهدُ...
لا، لا تُحِبّْ
ما لاحَ نجْمٌ أو تَهادَى كوكبُ..
فَالحبُّ ذا ضيفٌ سَقيمْ
حينًا يُقيمْ
وإذا تَعافى يذْهبُ...
لا، لا تُحِبّْ
فاللهُ مُذْ خَلقَ النجومْ..
قدْ أنزلَ النّجْمَ الكبيرَ مَنازِلَهْ
أتُحبُّني؟
لا، لا تحبّْ
فالحبُّ ذا أسْمالُ حبّْ،
أوْ قلْ صدى حُبٍّ مضَى
لن ينفعكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتحبُّني؟!!
لا، لا تحبّْ
فالحبُّ ليس شريعتي
ومحبّتي هي قاتلةْ...
والعشقُ ليس هوايتي
وصداقتي هي باطلةْ...
بل لا أفكّرُ في رِجالْ
مثلِ الخيالْ
ظلِّ الصحارَى القاحلةْ...
قد بات في عُرْفي مُحالْ
في الحُبِّ ضالّْ
يهوى الفتاةَ الفاضلةْ...
إن شئتَ تلوي لي الشِّمالْ
حَتْمًا "يميني واصلةْ"...
أوْ كنتَ تنوي لي الضلالْ
وظَنَنْتَ أنّي غافلةْ!
لا تنسَ أنّي منذُ حينْ...
أجْلو "النوايا العاطلةْ"...
فالصّمتُ في حَرفي يُبينْ
ما بِتَّ نفسُكَ جاهِلَهْ!
لن أمنحَ القلبَ الجنونْ
وأنا العَقولُ العاقلةْ!
فاذْهَبْ وخَلِّ الباحثينْ
عنّي بروحٍ جاهلةْ
عُمْيًا، ودَعْهمْ يَعْمَهُونْ
بينَ الشكوكِ الهائلةْ...
ما همّني قولُ الظَّنينْ
عند الرؤوسِ المائلة؟!
هلْ ضرَّ سيرَ السَّائرينْ..
نَبْحُ الكلابِ الواجلةْ؟!
ستَظَلُّ تنبحُ خِيفةً
حتى تغيبَ القافلةْ
******
أتحبُّني؟
لا، لا تُحِبّْ
فالحبُّ لا يعني الكَذِبْ
ويموتُ إن عانَى الرِّيَبْ
ولْتبتَعِدْ
ما شئتَ عنّي فابتَعِدْ
من حاضري وإلى الأبَدْ
فعذابُ بُعدِكَ أهْوَنُ
من قُرْبِنا
وَوِصالِنا دونَ الوِصالْ...
بل آمَنُ
مِنْ حُبِّنا
ولقائِنا بين المَصائدِ والحِبالْ...
أقريبةٌ... والبعدُ يفصِلُ بيننا
وغريبةٌ ... وأنا معَكْ؟!
لا يا أخي
فلقاؤُنا ذاك المحالْ
ومِنَ المحالْ
أن أتبعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتحبُّني؟
لا، لا تحبّْ
ما الحبُّ ذا قولٌ يُقالْ...
لا تُضْنِ قلبَكَ يَضطربْ...
دعني أواجهْ وحديَ الهمَّ الذي
هدَّ الجبالْ...
لا، لن يدومْ
همٌّ بِروحٍ جرّبَتْ كلَّ الهمومْ...
أتُحبُّني؟! ...
هلاّ حفظتَ محبّتي
ومَودَّتي؟!
لا يا أخي
فالحبُّ حفْظٌ للعهودْ...
وأراكَ لا بأسٌ عليكْ
إن كنتُ حُبَّكَ لا أُجيدْ
فالحبُّ أنواعٌ لديكْ
ومحبّتي نوع جديدْ
لن تَفهمَهْ ...
لن تُلْهَمَهْ...
سأعيدُ ما عندي إليكْ
أنواعَ حُبِّكَ لا أريدْ
بل لا أفضّلُ معظمَهْ...
سَأفُكُّ من قَيدي يَديكْ
وأريحُ قلبَكَ من قُيودْ
باتت عليكَ مُحرّمةْ
فالرّاحة الكبرى لديكْ
ليستْ معي وأنا معكْ!
أبدًا وليستْ راحتي في راحتيكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحبُّني؟!
لا، لا تُحبّْ
ولْتَنْسحِبْ...
من كلِّ حُبّْ
فالحبُّ ليس تَتَبُّعًا خَطوَ الجَمالْ
وتنقّلاً بين الغُصونْ!
وتلفُّتًا نحو الْيَمينْ
نحو الشِّمالْ...
ما دامَ نكرانُ الجميلْ
دومًا يهونْ
في كلِّ حينْ
تجدُ البديلْ
سهلَ المنالْ...
لا، لا تُحبّْ
هيّا انسحِبْ
فهناكَ أخرى تنتظرْ
منكَ الخيانةَ والكذِبْ
أو قلْ ضَحيّاتٌ أُخَرْ
مِنْ سِلسِلةْ
مُتَواصِلةْ...
لا، لا تحبّْ
مَنْ أنتَ يا ابْنَ أبي رَبيعةَ، يا عُمَرْ؟!
إن كانَ قلبُكَ للجميعْ
وبِحبِّهمْ عبدًا مُطيعْ
لا حاجةً في مثْلِكَ
لِمَنِ انتهى من وَصْلِكَ،
ولمَنْ معكْ!
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتحبّني؟
قلْ لي إذًا: ما حُبُّكَ؟!
ما جاءَ يُضْمِرُ قلبُكَ؟
وَبِأيّ حُبٍّ تَسْتعِرْ؟
حُبُّ الفراشةِ للزهرْ؟
أم حُبُّ أرضِكَ للمطرْ؟
أم حُبُّ شمسِكَ للقمرْ؟
يا ذا القَمرْ!
يا تابعًا للأرضِ في كلِّ الفصولْ
ماذا تقولُ؟ وما أقولْ
في حُبٍّ افْتُقِدَتْ به كلُّ الأصولْ؟
ما ذاك حُبّْ...
لا، لا تُحبّْ
فجميعُ أنواعِ الهوى ذي باطلةْ!
لا ينبغي للشمسِ أن تهوى القمرْ
فاذهبْ وأكْمِلْ عند غيري السّلسلةْ
عندَ البَشَرْ
وَاخترْ لنفسكَ مَنزلةْ
متحوِّلةْ
في كلّ حالْ
متبدّلَةْ
متنقِّلةْ
مثلَ الظلالْ
بين الظلالْ
فالشمسُ، ليستْ مثلَ ظلٍّ عابرٍ.. كيْ تَتْبَعَكْ
"أللهْ... معَك"!
******
أتُحبُّني؟
لا، لا تُحبّْ
ما دام حبُّكَ في يَدِكْ
واجعلْ لنفسِكَ سيّدًا
فالحبُّ ليسَ بسيّدِكْ
وارجِعْ لأَمْسِكَ عائدًا
ما دمتَ تَهرُبُ مِن غَدِكْ...
أتُحبُّني؟
لا، لا تحبّْ
ما دمْتَ تكرَهُ في النّهايةِ مَن تُحبّْ...
كم قلتَ لي: "حبّي عظيمٌ لا يُطاقْ"!
لا، لا تحبّْ
فالحُبُّ هذا غيرُ باقْ...
مَنْ حَبّني بإرادتِهْ..
فلْيَنْسَني بإرادتِهْ...!
وَلينتقمْ لسَعادتِهْ
ما دمتُ قدْ عادَيْتُهُ
ورمَيتُهُ بسلاحهِ
وبِأَسْهُمٍ من صُنْعهِ وَرماحهِ
حتى قضى متأثّرًا بجراحهِ
كي لا يُظَنَّ ولا يُرى
أنّ الهوى في مُهجتي
متأثّرٌ برياحهِ...
فَلْتعْصِفِ الأنواءُ في مصْباحهِ
في ليلهِ وصَباحهِ...
ليسَ الهوَى بإرادتي
كي أصنعَهْ
أو أَنْزِعَهْ
من مهجتي
أو أُودِعَهْ
في مهجتِهْ!
ما دام كلُّ مُرادِهِ في قبضتِهْ!
"أللهْ... معَهْ"!
******
أيُحبُّني؟
أينَ الدّليلْ...
وأراهُ في صَفِّ العَذولْ
وقَد اصْطَفى مِنْ عُذَّلي أصْحابَهُ؟
أيُحبُّني
حُبًّا نبيلْ
ويَسُلُّ في قلبي الضَّعيفِ حِرابَهُ؟
أيُحِبُّني
ولهُ بأنواعِ الهَوى باعٌ طويلْ
ولِكلِّ مَرتبةٍ مِنَ الحبِّ امرأةْ؟
أيُحبُّني
وَبِكلِّ يَومٍ مُتْحِفٌ قلبي العليلْ
بِمُفاجَأةْ؟!
أيُحبُّني
وأرى به رَجُلاً بأشكالِ الفصولْ
ليس الثَّباتُ على الثوابتِ مبدَأَهْ؟
متقلّبٌ ومشرِّعٌ في كلِّ حينٍ بابَهُ
يستبدلُ الثوبَ الذي قدْ هَرَّأهْ
وَلكلِّ فصْلٍ يرتدي أثْوابَهُ،
ولكلِّ مرْحلةٍ من العُمْرِ امْرَأةْ!
ولكلِّ قافيةٍ لديهِ حبيبةٌ
حتى ولو بَلغَتْ قَوافيهِ المِئةْ
وقَصائدٌ قد خَلّدَتْ "أحبابَهُ"،
في بعضِها أسماؤُهنَّ مُخَبّأَةْ
إلاّ التي فيها أضاعَ صوابَهُ
ظلَّتْ كَنَجْمٍ في الدُّجى مُتَلألئَةْ...
حتى الغَزلْ
بين الأواخرِ والأُوَلْ
قد جَزَّأهْ...
أمّا الشّعورُ كما الفؤادُ فواحدٌ قدْ أجْزَأَهْ...
******
أيُحبُّني
ويَكيدُ في حبّي العذولْ؟
ماذا يقولْ؟!!!
لا، لن يَدومْ
حُبٌّ بقلبٍ يَقتَني
في كلِّ مرحلةٍ نديمْ
لا ينثني
عن حبّهِ
حتى ولو عَظمًا رَميمْ...
أتُحبّني؟
ولَدَيْكَ حقًّا كلَّ حِينْ
قلبٌ جديدْ
لتُوزِّعَ الحُبَّ الدَّفينْ
بينَ العَديدْ؟
لا يا أخي
لا، ليسَتِ الأنثى رداءً مِن أَديمْ
يكسو الجلودْ
لتُبدّلَ الثوبَ القديمْ
ثوبًا جديدْ!
ماذا تريدْ؟
مَنْ قالَ إنَّ القلبَ صندوقُ البريدْ
والحبُّ فيهِ مثلُ ظَرْفٍ قدْ عبَرْ؟!
ماذا تريدْ؟
مَنْ ظنَّ أنَّ الحُبَّ خَلْقٌ مِنْ جديدْ؟!
لنْ يُبْدِئَ الحبُّ الحياةَ ولن يُعيدْ
وَلكلِّ شيءٍ مُستَقَرّْ
ماذا تريدْ؟
يا طالبًا بعدَ الفناءِ يَدَ الوُجودْ
ما كانَ كانَ ولمْ يُفِدْ "كانَ" الخبرْ..
******
أتُحبُّني؟
وتريدُني نجمًا لكَ؟!
حُلمًا لكَ؟
لا يا أخي،
لا، لن أكونْ
عددًا سَقيمْ
ما بينَ أعْدادِ النُّجومْ
وَبِحَوْزَتي ضوءُ القمرْ
لا، لن أكونْ
حُلمًا شهيدْ
مِنْ أجلِ أحلامِ العَبيدْ
فالعبدُ عبدٌ ليسَ حُرّْ
بلْ لن أكونْ
جسدًا تَآكَلُه العيونْ
أو نسمةً في قلبِ إنسانٍ خَؤونْ
يُلقي المَلامَ على القدَرْ
لا، لن أكونْ
هدفًا يُلاحقُهُ الجُنونْ
في قلبِ أضغاثِ البشرْ
أو خاتَمًا في إصبعِ الغَمْرِ الحَرونْ
أو دُميةً يَلهو بها طفلٌ حَزينْ
عندَ الضَّجرْ
ويعودُ يَرميها غدًا بينَ الحُفرْ...
لا يا أخي،
إنَّ الكَواكِبَ أكبرُ
ممّا تُرَى في عينِ إنسانٍ صَغيرْ
بل عزّةُ النّفسِ التي بيَ أكبرُ
من كلِّ مستعصٍ كبيرْ
بلغَ العِتِيَّ منَ الكبَرْ
بل منكَ حبّي أكبرُ
ولوِ احتمَلْتَ مِن الشعورْ
عدَدَ الخلايا والشَّعرْ
لا يا أخي،
لن أُصبِحَ الأمَلَ "الأخيرْ"
حتى ولوْ كنتَ "الأخيرَ" مِن البشرْ!
******
أتُحِبُّني؟
لا، لا تُحِبّْ
سَقطَ الكَذِبْ
سَقطَ القِناعْ
وقَدِ انْطوَى زمنُ اللَّعِبْ
حين انجلى وَجْهُ الخداعْ
وبهِ انتهى ألمُ الضياعْ
"أللهْ... معَكْ"!
هل تحْسَبَنْ... أتَخيَّلُ
أنّي معَكْ
أتظاهرُ
وأمثّلُ
أنّي القَسيمُ الأوَّلُ
وأنا قَسيمٌ آخَرُ؟
لا، يا أخي
لا أقْبلُ
ما تَقْبَلُ...
ذابَ الحديثُ، وبَيْنَنا
لا شَيْءَ إلا صَمْتُنا
والبابُ عندي مُقْفَلُ
لنْ أسْمَعَكْ!
فإلى متى
سَأظَلُّ وَحدي الحاكيةْ
والمُصْغِيَةْ
لا أَعْقِلُ؟
وإلى متى أتَظاهرُ
بِسَعادتي الوهميّةِ
أتَحمّلُ...
وَأُكابرُ
أُخفي الدّموعَ بضحْكتي
وأُمَثِّلُ...
وأُصابِرُ
وتَشُدُّ ضَعْفي قُوَّتي
والرّوحُ عندكَ لاهيةْ
لا تسألُ...
تفني وليستْ فانيةْ؟
كم ضحْكةٍ صارت قناعْ
والقلبُ لا يستقبلُ
إلا الكآبةَ والبُكاءَ والالْتِياعْ!
وَإلى متى سَتُعلِّلُ
وبقدْرِ ما تتبدّلُ
أتبدَّلُ
وأعدِّلُ؟!
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتحبُّني؟
و"أُحِبُّكَ"؟!
لا، حَسْبُكَ..
فَسرابُ حُبِّيْ ليسَ حُبّْ
فَلِمَ الكذِبْ؟!
لا، لن أُحبّْ
فالحبُّ ليس تبرّعًا
للعالَمينْ
وَتَصَنُّعًا...
للضائعينَ التّائهينْ!
لا، لن أحِبّْ
بل ليسَ لي قلبٌ يَجِبْ
حتى يُحِبّْ..
أتريدُ منّي أن أقولْ:
"قلبي معكْ
عقلي معَكْ
لم تُبقِ لي شيئًا معي
لا قلبَ، لا عقلٌ، ولا حتى عَصَبْ
حتّى غدَوْتُ كمنْ يَعيشُ ولا يَعي
من أيِّ داءٍ قد شَرِبْ
فانظرْ ترَ الآلامَ عندي والوصَبْ..."
لا، لا تصدّقْ ما أقولْ
بلْ أينَ في حُبّي الدّليلْ؟
فالحبُّ عندي لم يَدِبّْ
إلا دبيبَ النملِ في بئرِ اللَّهَبْ
لا، لن أحِبّْ
حتى ولو بَلغَ الهوى بفؤادِكَ
أعلى القِمَمْ...
والجمْرُ جاوزَ تحْتَ حَرِّ رَمادِكَ
رَأسَ الهرَمْ...
لا، لن أحِبّْ
فالحبُّ عندي مُستحيلْ...
أنّى تُصدّقُ ما أقولْ
ما دمتَ قد عَلّمْتني فِقْهَ الكَذبْ؟
أمُصدّقٌ أنّي أخونُ مبادئي
كيْ أخدعَكْ،
فتخونَ أنتَ مبادئَكْ
وأنا معكْ؟
لا، يا أخي
فاذْهبْ وصدّقْ ما يُقالْ
عنّي وعنْ حبّي المُحالْ
فأنا أصدِّقُ ما يقالْ
عن كلّ أشباهِ الرّجالْ؟
لكنّني... لن أخدعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتحبُّني؟
وتريدُ منّي أن أقولَ "أُحِبُّكَ"؟!
لا، حَسْبُكَ..
فـ"أحبُّكَ"...
لا، لنْ أقولْ...
ما الحبُّ في جَهْرِ الكلامْ
أو في الغلوِّ بالاهْتمامْ
أو في ادِّعاءِ المستحيلْ
ومشاعرٍ لا تستفيقُ ولا تنامْ
بل في السلوكِ والِاحْترامْ
ومواقفٍ بِيضٍ جِسامْ...
والحبُّ سرٌّ في العيونْ
فَلمَ الكلامْ...؟
وَلمَ الإساءةُ في الظنونْ
مُتماديًا في الإتّهامْ...؟
كم مرّةٍ!
هربَتْ أحاسيسي إليكْ
في نظرةٍ
تستطلعُ المُخْفَى لديكْ
فلَجَمْتُها في عَبْرةٍ
لمّا غدَتْ عينًا علَيكْ!
لا، لا عليكْ...
فـ"أحِبُّكَ"...
لا، لن أقولْ...
فالصَّمتُ حصْنُ كرامتي
والحُبُّ يُضْنيهِ الكلامْ...
لو بِتَّ كلَّ خسارتي
أو باتَ في قلبي السِّقامْ
فـ"أحِبُّكَ"...
لا، لن أقولْ...
فالحبُّ في صَمتٍ، نبيلْ...
والحبُّ ذا ما لم تعِ..
ما لمْ ترَ..
أو تسمعِ..
بين الورى
فـ"أحبّكَ"...
لا، لن أقولْ...
إذْ إنني ما مسَّني منكَ الهوى
بل سُمْتَني سوءَ العذابْ
في حُبّكَ المتقلّبِ
في شِعْركَ المُتَجَلْببِ
حلْوَ الثيابْ...
فـ"أحبّكَ"...
لا، لن أقولْ...
ليس الكلامُ بمذهبي
حتى المُثولْ
يومَ الحِسابْ...
فـ "أحبّكَ"...
لا، لن أقولْ
أتحبُّني؟
وقلعْتَ من يومي النهارْ
وزرعتَ ليلاً لا يزولْ...
والفجرُ يُنْذِرُ بالفرارْ؟!
لا، لن أقولْ
ليس الهوى أن نَبتَديْ بقصيدةٍ تَحكيْ الغَزلْ
أو ننتهي بقصيدةٍ تبكي رِثاءْ
أو قولَ ما قدْ قيلَ أو ما لم يُقَلْ
إنّ الهوى، إنْ باتَ صوتًا في الهواءْ،
أو كانَ شِعرًا أو غناءْ
محضُ ادّعاءْ
أنا لستُ شاعرةً ولكنْ تَرتقي
الأشعارُ بي أيَّ ارتقاءْ
بلْ ترتديْ مِنْ أحرفي شرفَ الضياءْ
فـ"أحبّكَ"...
ما عاد مِن معنىً لها
إذْ قالَها
لي ألفُ ألفٍ مِن مجانينِ الوفاءْ
فـ"أحبّكَ"...
لا، لن أقولْ...
لنْ يَشْفِيَنْ ظمَأَ القتيلْ
أو يُطفِئَنْ حَرَّ الغليلْ
ذكْرُ الميَاهْ؟
لا بل أقولْ:
إكرامُ حبّيَ دَفنُهُ
والصَّمتُ هذا حزنُهُ
لمدى الحياةْ...
فـ "أحبّكَ"...
لا، لن أقولْ
مات الهوى...
مات الحُلمْ..
لا، لن تراهْ
ودفنتُهُ... بيدي ولمْ
أرَ عائدًا بعد الفناءِ إلى الحياةْ
وَبِنظرةٍ شيّعْتُهُ
والصبرُ مِنّي شَيَّعَكْ
والصّمتُ يُعلِنُ في الحياةِ نِهايتي
وَبِدايتي
ويظلُّ يَدفِنُ صرختي
في المستحيلْ
كيلا تُخدِّشَ مسمعَكْ
وأنا أقولْ:
"أللهْ... معَكْ"!
******
أأحبُّكَ؟
وتحبُّ دنياً فانيةْ؟
لا لم أثقْ بخُزَعْبلاتِكْ
قد ماتَ حبّي
فليَ الحياةُ الباقيةْ
وَلَكَ البقيّةُ في حياتِكْ...
قد مات حُبّي
فاقرأ عليه "الفاتحةْ"
والمُنْجِياتِ الصالحةْ
عُقبَى صلاتِكْ...
قدْ مات حبّي
فاحفظْ له ذكرىً إذًا في ذكرَياتِكْ...
واشهدْ لهُ.. مُتَذكِّرًا أبوابَهُ
حتى مماتِكْ ...
قدْ مات حبّي
لم يَبقَ لي منهُ سوى
ذكرى وفاتِكْ
وشهادةٌ كُتِبَتْ بشيْءٍ مِنْ رُفاتِكْ...
******
أأحبُّكَ؟
ما الفائدةْ
وعناصرُ الإحساسِ عندكَ جامدةْ
وأراك تحيا جثّةً محمومةً بل هامدةْ
تغتالُني بدماءِ حبٍّ باردةْ...؟
ما الفائدةْ؟
ما الفائدةْ
وأصابعُ البهتانِ باتتْ شاهدةْ
كلٌّ يرى شيئًا بعينٍ واحدةْ...
كلٌّ يُمارِسُ حُبَّهُ بطريقتِهْ
وعلى حِدةْ
متشبّثٌ بحماقتِهْ
رغم العقولِ الرّاشدة!؟
ما الفائدةْ؟
ما الفائدةْ
إمّا ربحْتُ العالَما ...
في حُبّكَ
وخسرتُ نفسي دائما...
في قربِكَ
ما الفائدة؟
لا فائدة
قدْ بِعْتُ كلَّ سعادتي
لأبايعَكْ..
والآنَ جئتُ لأُسْمِعَكْ:
"لنْ أسمعَكْ...
قدْ بعْتُكَ...
وللاشتعالِ وَهَبْتُكَ
وسلامَتي ليستْ معكْ...
"أللهْ... معَكْ"!"
******
أأُحِبُّكَ؟
عُذرًا أخي
كم بيننا مِن بَرْزخِ!
فمَحبّتي ممنوعةٌ ومحرّمةْ
عند القلوبِ الضاريةْ...
والنارُ في كلِّ اتِّجاهٍ مُضرَمَةْ
وحواجزٌ مُتراميَةْ...
حتّى الكلامْ
في يقظةٍ أو في المنامْ...!
فمحرّمُ
رغم المعاني الرّاقيةْ
حتى السلامْ
بعبارةٍ أو بِابْتسامْ...!
بِتْنا عليهِ نُؤْثَمُ
رغم النفوسِ الساميةْ...
فإلى متى نُفشي السلامْ
في السرِّ أو خلفَ الأنامْ
خوفَ المَلامْ؟
وإلى متى يبقى الكلامُ مُحَرّمًا؟
وإلى متى يبقى السلامُ ملثّمًا؟
وإلى متى نُرمَى به ألفَ اتّهامٍ واتّهامْ؟
والله إنْ هذا حرامْ!
فارحَمْ فؤادَكَ يا أخي
من نارِ حُبٍّ كاويَةْ...
من نارِيَهْ...
من نارِ ألسِنَةِ الأنامْ...
وارْحلْ إلى حيثُ العدالةُ والسّلامْ
حيث الكلامْ
يبقى نقيًّا شاعرًا
حيث السّلامْ
يبقى بَريئًا طاهرًا...
******
كم قلتُ لكْ:
للناسِ مثلُ النارِ ألْسِنَةٌ كوَتْ
آمالَنا...!
قد أحرَقتْ أحلامَنا
ثم انطوَتْ...
بل أحرقَتْ كلَّ الجوَى...
كلَّ المَشاعرِ والهوى
وتمكّنَتْ من أضلعي
من مهجتي
وتسلّلَتْ من وَكْرِها
حتى غدَتْ في مَهْجَعي
في غفْوَتي
تترقّبُ الجَفْنَ النَّبِيهْ
لتحطّمَ الأحلامَ فيهْ
فتبخّرتْ آمالُنا
وتناثرَت أحلامُنا
وتعطّرَتْ أجواؤُنا
بمَباخرِ الحبِّ النَّزيهْ...
******
كم قلتُ لكْ:
"ما همّنا؟
فليُضْرِموا النيرانَ في أجسادِنا
وليَفرَحوا في مَوْتِنا...
لن يَقْدروا أن يُحرِقوا القلبَ الوجيهْ
والحُبُّ فيهْ،
إلا إذا خفتَ الهوى أو تَدّعِيهْ
والكِذْبُ يُحْرِقَ إصبعَكْ
وأنا معكْ"
لا، يا أخي،
فالحبُّ لم يكنِ ادِّعاءْ
أو في الخفَاءْ
والقلبُ، إن أصلحْتَهُ، لا يشتكيهْ
فلمَ الحذَرْ
من حاسِدِيْهْ
أو مُفسدِيهْ؟!
إن كان طعْمُ الحُبِّ مُرّْ
فالصدقُ فيهْ
مَجدٌ وبِرّْ
والكِذْبُ ذو طعْمٍ كَريهْ...
******
كم قلتُ لكْ،
ودموعُنا تَتَرقْرقُ
والجمرُ تحتَ رمادِنا يتَحرّقُ:
"خُذْني بحِلمِكَ بُرْهةً
خُذْني معكْ
خُذْني إلى حيثُ القمرْ
خُذْني إلى شُهبٍ أُخَرْ
لا نلتقي فيها بَشَرْ...!
وإنِ استطعْتَ مكانةً
يَعْيا بِها حَدُّ النَّظرْ
فلْتَخْتَرِقْ جوًّا كواكبُهُ الزُّهُرْ!
فَلِقاؤنا في الكونِ ذا مشبوهةٌ أسماؤهُ
بالله كيفَ تشاؤهُ؟!
بكرامةٍ مجروحةٍ
وإرادةٍ مسروقةٍ مذبوحةٍ
ومصائبٍ مُتواليةْ؟
لا يا أخي
إنّ العوالمَ كلَّها في كِفّةٍ
وكرامتي في كِفّةٍ
لكنّما
قدْ خَفَّتِ الأولى بثِقْلِ الثانيةْ
******
كَمْ قلتَ لي، والطّيفُ منّي آمرٌ:
"أنا حاضرٌ!
وإليكِ قلبي سائرٌ...
في كلّ أمرٍ فيهِ هَمّْ
أو فيهِ غَمّْ
أنا حاضرٌ! أنا حاضرٌ!"...
ها قد أتى الأمرُ المُطاعْ
أمرُ الوَداعْ...
باتَ الحضورُ كما الغيابْ
لا ماء فيهْ،
فمَعَ السَّلامَةْ ...
وارْحمْ فؤادي من عذابْ
لا خيرَ فيهْ...
تكفي الكرامَةْ
أنّي بنيتُ على ذراها موقعَكْ
"أللهْ... معكْ"!
******
كم قلتَ لي:
"أين المَفرّْ
منّي ومنْكِ.. وأنتِ روحي والجسَدْ
أين المفرّْ
والحبُّ ذا مُسْتوطِنٌ حرَمَ الكَبِدْ؟!
أين المفرّْ
من حُبٍّ اسْتولى عَلَيّْ
حتى ظهرْ
في مُقلتَيّْ،
في الوعْيِ واللاوعْيِ منّي دونَ حَدّْ
وأقامَ في عمقِ الفؤادِ وفي الدّماغِ وفي الخَلَدْ؟!
أين المفرُّ وليسَ لي في الحبِّ يَدْ؟!
أينَ الصّبرْ؟
كيف الخلاصُ مِن العذابِ المستمرّْ؟"
لا، يا أخي
أَعدِ النظرْ
إنّ العذابَ هو الخلاصُ المُنتظرْ...
مِنْ حُبٍّ اتّحدَتْ بهِ أقسى أساليبِ الضَّرَرْ؟
أَعِدِ النّظرْ
أينَ الحلولُ لـِمُعْضِلةْ...
اَلحلُّ فيها مُشكلةْ؟!
يا صاحِ، لو أنّا صغارْ...
لو أنتَ في الثاني عشرْ
وأنا بتلكَ المرحلةْ
فالمسألةْ
فيها نظرْ...
أوَلَمْ تقلْ: "نحنُ الكبارْ"؟
أينَ الكِبَرْ
إنْ بِتَّ عبدًا للصِّغَرْ؟
لا يا أخي
أعِدِ النَّظرْ
في ما تُكدِّسُ في طَريقي من حُفَرْ...
إن كان حبُّ القلبِ شَيْ
فكرامتي هي أوّلاً
هي كلُّ شيْ
أو كان أمْرُ القلبِ شَيْ
فالقلبُ مَأمورٌ لَديْ
بل إنّ قلبي مثْلَ قبري مُغْلَقٌ
بَلْ ضَيِّقٌ
لم يَتَّسِعْ حتّى إلَيّْ...
******
هل أوْجَعَكْ
أَنّي أريدُ كرامتي
وتُهيبُ بي أن أتْبَعَكْ؟
لا يا أخي،
"أللهْ... مَعَكْ"!
لن أتبعَكْ
فَطريقُنا.. مَسدودةٌ أبوابُها
مقطوعةٌ أسبابُها
أقفالُها... ليسَتْ معي،
ليسَتْ مَعكْ...
حرّاسُها أعداؤُنا
قد أَحكَموا فيها الخَطَرْ
وكلابُهم لم يُولَدُوا بين البشرْ
لم يَعرِفوا أنّي أنا
ألغَيتُ إحساسي هنا
والمستَحيلْ
أن أبنيَ البيتَ الجميلْ
بحجارة البيتِ العتيقْ
أنقاضُهُ من حقدِهمْ
وفِعالِهمْ
أمسَتْ تَتوقْ...
للطّارقينَ على الطريقْ...
والقلبُ مِنهمْ أخبثُ
ممّن نَقلْ
بلسانهِ رَوثَ الذُّبابْ
أو مَنْ حَمَلْ
لِهوَانهِ أدْنى السِّبابْ
بل يلهثُ
تحتَ الضَّبابْ
خلفَ الخرابْ...
ما هَمُّنا؟!
فغدًا نموتُ ونُبْعَثُ
فلننتَظِرْ يومَ الحسابْ...
ولْيَضْربُوا ولْيَهتِكوا
وليَقذِفوا وليَفتِكوا
ولْيُحْكِموا إغلاقَ خَطِّ الدّائرةْ
حيثُ الجُروحْ...
تحيا حياةَ الآخرةْ
وليُغلِقوا الكونَ الفسيحْ
لن يقدِروا
أن يكسِروا
عزمَ القلوبِ الصابرة!
فلنُوسِعِ القلبَ الكَسيرْ
عفوًا كثيرْ
والمَعْذِرَةْ... والْمَعذِرةْ!
فالعفوُ عندَ المَقدِرَةْ!
******
"أأحبُّكَ"؟
لا، لن أُهينَ كرامتي
جرْحُ الكرامةِ أبلغُ
في النفسِ مِن كلّ الجراحْ
قد يبلغُ
في حدّهِ حدَّ الرّماحْ...
فكرامتي فوق القِممْ
فوقَ المحبّةِ والكرَمْ
فوق السَّماحْ
فوق البشرْ
ليستْ معَكْ
والسمعةُ البيضاءُ، لا أن أسمعَكْ
هي مطمعي...
بل مطمعي
حفْظُ المشاعرِ لا الشّعرْ...
ومناعتي ضدَّ الهوى
باتت معَكْ
أقوى من الجبلِ الأشمّْ،
فَلمَ التَّمادي في التُّهمْ؟
دعْ عنكَ لومي، إنّ لي
من كُرْبتي المُتماديةْ
ما لو تَوَزَّعَ أمّةً لغَدَتْ عظامًا باليةْ...
ورأت بأمِّ عيونِها نارَ السعيرِ الكاويَةْ...
ما كنتَ أنتَ بمُصلحٍ ذاكَ الشّعورْ
من كِسْرِهِ أو من خَلَلْ
فالكِسْرُ قد أضحى كُسورْ
بل زدْتَ في الطّينِ البلَلْ...
قدْ كانَ منكَ جميعُ ما أَهْذي بهِ
حتى مآسيَّ التي تحيا معَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أَأُحبُّكَ"؟
لا، لن أكدِّرَ راحتي...
إن كانَ قدْ بدأ الهوى في مهجتي
فقَد انتهى في مُقلتي...
وَلأِستَريحْ
من كلِّ ريحْ،
سأغلّقُ الأبوابَ في وَجْهِ الرّياحْ
وسأرتدي الليلَ الطويلْ
أملاً بأن يأتي الصّباحْ...
حيث القلوبْ
تصفو من الهمِّ الثقيلْ...
حيث الدّروبْ
لا تنتهي عند الرّحيلْ...
وسَأقْلبُ الصفحاتِ من عمرٍ مضى
لأودِّعَكْ
وأنا معَكْ...
******
"أَأُحبُّكَ"؟
لا، لن أُحِبّْ
أتْعبتَني حتى التَّلَفْ...
جَرَّعْتَني كُلَّ الأسَى
ومعَ الأسَفْ..
كنتَ السَّببْ ...
في ما أعاني من عَناءٍ أو تَعبْ
وجريمتي أني أحِبّْ
حُبًّا غريبًا مختلفْ
عما تَصِفْ
من أيِّ حُبّْ
وجريمتي أنّي بَشرْ
يهوى التَّحَدّي والخَطرْ...
لا ترتجِفْ
لا تَنتحِرْ...
إن المحبَّةَ مِن طَرَفْ
خيرٌ لنا منْ إنتِحارٍ منتَظَرْ
لا، لا تخفْ
فبِلَفظةٍ ناريّةٍ
وبكِلْمةٍ عاديّةٍ
أُنهي التعبْ
أنهي العَناءْ
أُنهي حياتي كلَّها
ما عُدتُ أبغي مثلَها
من بعدِ ذا، قُلْ ما تريدْ
قلْ ما تشاءْ:
مجنونةٌ
معتوهةٌ...
ما همَّني السَّلْخُ الشديدْ
بعد الفناءْ
قد صار قلبي ميّتًا لن يسمعَكْ
وَلَوَأنّهُ حين البلاءْ
ما ضيّعَكْ ...!
******
"أأُحِبُّكَ"؟
لا، لن أُحِبّْ...
سبّبْتَ لي في ما ادّعيتَ منَ الهوى
كلَّ الأذى
كلَّ الشَّدائدِ والأسى
كلَّ الإهانةِ والكلامْ
كلَّ النّمائمِ والسّهامْ
كلَّ افتراءاتِ الهوامّْ
كلَّ اتّهامْ
كلَّ الأقاويلِ التي
من دونِها الموتُ الزُّؤامْ
وظلمتَني...
أنْسيتَني كلَّ الهوى
كلَّ الجُنونْ
وسحَبْتَ من عيني الضياءْ
وتركتَ لي عتْمَ السّجونْ
أرجو الفناءْ
وأودُّ لو أنسى العَناءْ
أنسى المَلامْ...
أنسى الجميلةَ والقبيحَ منَ الكلامْ...
جرّعْتَني مُرَّ الضَّياعْ
لأجرِّعَكْ
حلوَ الدّواءْ
فخدَعْتَني
كلَّ الخداعْ
وَسقيتَني مِن كلِّ داءْ
لكنّني لن أخْدَعَكْ...
أو أخْدَعَنْ عُمري معكْ
فأخافَ أن ينْهارَ عمري كلُّهُ
في ثانيةْ
فتزيدَني موتًا وحبًّا فارغًا، وكَراهيَةْ
وأنا معكْ!
******
خَلّفْتَ لي كلَّ الهمومْ
كلَّ المآسي والجَحيمْ
ورَحلتَ دون ترَدّدٍ من مُهجتي
ونَسِيتُ ذاكرتي معَكْ
ومحَوتَ زيفَ سعادتي
وأخذتَ أحلامي معَكْ...
حتّى أمانيَّ التي
تحيَا مَعكْ
قد وَدّعَتْ...
وتسرّعَتْ
ومَضَتْ معَكْ...
ضيّعْتَني وأضعتَ نفسكَ طائعًا
لكنّما.. ما كان دَرْبُكَ ضائعًا
ليُضَيّعَكْ...
"أللهْ... معكْ"!
******
أتعبتَني
وتركتَني
أخشى الغَدا
ورَسائلَهْ
أخشى المَدَى
ووسائلَهْ
أخشى أنا يا سيّدا
من أدمعي أنْ تنفجِرْ،
من أضلعي أن تنكَسرْ،
أخشى القضاءَ بَلِ القدَرْ
ما تنتظِرْ؟
دعْني أُلَمْلِمْ أدمعي
دمعَ الصَّبرْ..
دمعَ القهرْ...
دعْني أداوي أضلعي
مِنْ كِسْرِها
من جَمْرِها
وأَعُدُّ نجْماتِ السَّما حتّى الفجرْ...
أتعبتَني
وجعلتَني
أخشى الحُلمْ
خَشْيَ الألمْ ...
بل كمْ وكمْ
آلمتَني
ومنَ الوَريدِ إلى الوَريدْ
قطَّعتَني
وشَفيْتَ بي غِلَّ الحَقودْ
وجرَحْتَني !!
ما تنتظِرْ؟
قد يَنزِفُكْ
جُرْحي دمًا...
عند الشفاءِ منَ الألمْ،
أو يَحذِفُكْ
عندَ الحزنْ
سِنُّ القلَمْ،
أو يجرُفُكْ
سَيْلُ الندَمْ
وأنا معكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
كم قلتَ لي:
"آهٍ وآهٍ منْ شُوَيْكاتِ النّدَمْ!"...
بل كمْ وكمْ
قدْ حاوَلَتْ وَخْزي، وكمْ
شَربَ القلمْ
من مُهجتي، من مَدمعي
حتى الثُّمالةِ والألمْ!
والدّمعُ يَسْري في محابر دفتري
يَمْحو بقايا الحُبِّ بين الأَسْطرِ
يمحو الهوى من أضلعي...
ويقولُ لي:
"خسِئَ الندمْ،
خَسِئَ الألمْ...
إرْمِي شظايا القلبِ فورًا وارْحلي..!"
ما دام قلبيَ ليسَ لي
أهلاً وسهلاً بالفراقِ المُنْتقِمْ..."
******
يا قلبُ عذْرًا إنّني
مستاءةٌ، قدْ ساءني
عُمْقُ الجُرحْ
يا قلبُ ما معكَ الحلولُ ولا معي
هيّا اسْتَرِحْ
ما هذه الدّنيا بِدارِ تَمتُّعِ
والشَّرُّ فيها ما بَرِحْ...
يا قلبُ لا، لا تَرْضَ أَنْصافَ الحلولْ
دونَ الرَّحيلْ
يا قلبُ لا، لا تَسْقِني
من أدْمُعي
من دائيَ المُتقَطّعِ
والمُزمِنِ
فَعَنِ الأصولْ..
لن أنْثَني
لن أنْحَني...
يا قلبُ، قُلْ، ما أوجعَكْ؟
هل أَوجَعَكْ
حُبٌّ دخيلْ...؟
يا قلبُ صبرًا لا تكنْ مُتألّمًا
ما أنتَ أوّلُ صادقٍ مُتألّمِ
تُسقى وتُطعَمُ من دمي...
فَتَأَلُّمُ القلبِ المُحِبّْ
لأَشَدُّ منه مرارةً ألاّ يُحِبّْ
يا قلبُ، حَسْبُكَ أنّني من بعدِ ذا
لن أوجِعَكْ
وأنا معَكْ!
******
كم قلتَ لي:
"أحببتُ لو ألقَاكِ دومًا في الحُلمْ
كيْ أنتقِمْ...
لكِ منْ خَفافِيشِ الظُّلَمْ
لكنّني، مِن لَوْعتي
نامَ الجميعُ ولم أَنَمْ..."
كذَبَ الحُلمْ...
ما أجزَعَكْ!
أتُحِبُّني
وتَدُسُّ سُمَّكَ في الدَّسَمْ
وتَوَدُّ لوْ أَحْسُو السَّقَمْ
وتريدُ أن أحْيا مَعكْ!؟
أتريدُ أن أتجرّعَ ...
كأسَ النّدمْ
من قَبْلِ أن أتَسرَّعَ
وأودّعَكْ؟
لا يا عزيزي، إنّ ذاكَ هُوَ الوَهمْ!
ما العيشُ دومًا في الحلمْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
ولمَ الندمْ
ما دمتُ قدْ أيقنتُ أنَّ
الخيرَ في ما اختارَ لي رَبُّ العبادْ
لا، ليس ما يختارُهُ صَبُّ الفؤادْ
وسِواهُ عُرْبًا أو عَجَمْ؟
ولم النَّدمْ
ما دمتُ لم أحْمِلْ سلاحًا من كذِبْ
أو آتِ مِنْ صِدْقي العَجَبْ
خوفَ الكَلِمْ؟
ولمَ الندَمْ
ما دمتُ لمْ.. أؤذِ الوَرَى
أو أسلبِ الشرَفَ المَصونْ
بل لم أُسِئْ أو أَتَّهِمْ
أحدًا بِشكٍّ أو يَقينْ؟
ولمَ النَّدمْ
ما دمْتُ يَومًا لمْ أَخُنْ
حتّى الخَؤونْ...
بل لم أَكُنْ
جسْرَ العُبورْ
لذَوي الإساءةِ والظّنونْ
أو صَكَّ ظلْمٍ أو مُرورْ
لمآربٍ لا، لن تكونْ...؟
ولمَ الندَمْ؟
أوَلَسْتُ مَنْ
أسْلمتُ للهِ الأمورْ
حتّى الهمومْ
حتّى المِحَنْ
ورفعتُ رأسي للنجومْ
ووطئْتُ قلبي بالقَدَمْ؟
أوَلستُ مَن
أرجعْتُ للأمرِ النِّصابْ
من بعدِ ما زعزعْتَهُ
بيديكَ ثمّ نَزَعْتَهُ
ورمَيتَهُ بين الرِّمَمْ؟
أوَلسْتُ مَنْ
داويتُ، رغمَ جُروحيَ، القلبَ المُصابْ
منْ بعْدِ ما أوثقتَ حُلمَكَ بالضبابْ
وعقدْتَ عزمَكَ للخرابْ
من بَعْد ما ذقْتَ الألَمْ؟
ولمَ الندمْ
ما دمتَ قد درَّسْتَني الدرسَ المفيدْ
ورسبْتَ في الصَّفِّ الجديدْ
وكأنَّكَ الطفلُ المُعيدْ
لستَ المعلّمَ والعَلَمْ؟
ولم النَّدَمْ
ما دُمْتَ قد علّمتَني كلَّ العِلمْ...
وقد الْتزمْنا بالقسَمْ
أنّ الهوى من ربّنا ما قد قَسمْ
أنّ الأخوّةَ باقيةْ
في جنّةٍ فيها قطوفٌ دانيةْ...
حيث المَحبّةُ راقيةْ
حيثُ القلوبُ الصافيةْ
خيرُ النِّعَمْ...؟
ما بالُ دنيا خاويةْ
في مُقلتَيْكَ هيَ الأَهَمّْ؟
إنّ الأخوّةَ، يا عزيزي، غاليةْ
فلْتُبْقِ ثَمَّ مَحبَّتَكْ
حيثُ المحبّةُ ساميةْ...
من بَعدِ ذا، لن أُبْدِلنَّ أُخوّتَكْ
بكنوزِ دُنيا فانيةْ
فلْتحْترمْ ذاك القَسمْ...
وسَعادتي
في أن تَرى بأُخُوَّتي
حُلمًا جميلْ
غيرَ الجمالْ
أو أن أراكَ كعادتي
نعْمَ الخليلْ
رجلاً أصيلْ
غيرَ الرّجالْ
وأخًا نبيلْ
في نُبْلِه كلُّ الخلالْ...
******
وَاسمحْ ليَ...
لو مرّةً، أن أشْكَرَكْ
أو أعتذِرْ
وأقولَ لكْ:
علّمتَني وبذلتَ في تعليميَ...
كلَّ الصبرْ
وأعَدْتَ لي وقتي الثمينْ
من بعدِ ما ضَيَّعْتَهُ
في البحثِ عن قلبٍ أمينْ...
شكرًا لكَ
أعطيتَني من وقْتِكَ الخالي سنينْ
فربحْتُ كلَّ زمانيَ
وأعدْتُ كلَّ دقيقةٍ ضاعتْ معكْ
ما كنتُ أبغي أن أُطيقَ حياتيَ
تَفنَى معكْ...
شكرًا لكَ
أنقذتَني من صِدْقيَ المتصدِّعِ
ومِنَ الغباءِ المُدْقِعِ
ومِن القِيَمْ
أنقذتَني من جرْأتي
وشجاعتي
وتسامُحي ومَودّتي
والخَوفِ من حبرِ القلمْ
أنقذتَني من أدمعي
وبَلاهَتي
وتواضُعي
ووَداعتي
ومنَ التواجُدِ والألمْ
أنقذتَني من حَيرَتي
وتَردُّدي
بين السّعادةِ والنَّدمْ
ودفعتَني بيديكَ حيثُ نهايتي
ورفعْتَني حُلْمًا قَصيًّا للغدِ...
وجعلتَني فوقَ الحُلمْ
شكرًا لكَ..
أيْقَظتَني من غفلتي
من غفْوَتي
من ذكرياتي النائمةْ
والساهرةْ...
أحَلِمْتَ أن تبقى معي
في يقظتي المتلاطِمةْ؟
في الذاكرة...؟
وحَلِمْتُ أن أبقى معَكْ...؟!
إرجعْ ونَمْ
ضاع الحُلمْ
ما عدتُ أذكرُ منهُ شيْئًا بالقليلْ
بل ضاع معْ حُلمي الدّليلْ
إذ خُنْتَ منّي مَوقِعَكْ...
وأنا معكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
شكرًا لكَ..
ذكّرتَني أنّي هُنا
ما زلتُ أختَ المُستحيلِ كما أنا
وعزيمَتي من معدنٍ غيرِ اللآلئِ والحَجَرْ
غيرِ البشرْ
وبَصيرتي أقوى لديَّ من البصرْ...
فَأنا أنا
ذاكَ الخبرْ
والمبتدأْ..
إن شئتَ ذا أو لم تَشَأْ
هيَ ذي أنا
جرّبتَني
وسألتَني
فوجدتَني
أسطورةً والخوفُ من درْبي يَطيرْ
لكنّني جَرّبتُكَ
وسَألتُكَ
فوَجدْتُكَ
متعثّرًا في الأجوبَةْ
وكأنَّما في حقلِ ألغامٍ تَسيرْ
فخسرْتَ تلك التَّجْرِبةْ
إذْ بِتَّ عبدًا للظُّنونْ
متسرّعًا حتى الجنونْ...
بل في الظنونْ
ما أسْرَعَكْ!!
لن يَنفعَكْ
حُكْمٌ سريعٌ قدْ يَمرّْ
أو سوءُ ظنٍّ مُستمرّْ
فلمَ الجنونْ؟
ولمَ الكَذِبْ؟
ولمَ انفِعالُكَ والغَضَبْ؟
إن كان عندكَ من سبَبْ
أو من عُذرْ،
فلَدَيَّ أعذارٌ كُثرْ ...
لأودّعَكْ...
"أللهْ... معَكْ"!
******
شكرًا لكَ
أَلفَيْ شُكرْ
أكّدْتَ لي ما قيلَ لي منذُ الصِّغرْ
أنّ الرّجالَ لَقِلّةٌ
أنَ الرّجولةَ تُحْتَضَرْ
أنَ الرّجلْ
لمـّا يَزَلْ....
رَجلاً ولكنْ هيئةً
لم يَبْقَ من أوْصافهِ إلا الذَّكَرْ
أين المروءةُ والشهامةُ والصَّبرْ
وركوبُهُ موجَ الخطرْ؟
أين الشّجاعةُ والأخوّةُ والوفاءْ
والجرأةُ المتناهيةْ؟
أينَ الذّكاءْ؟
أين النباهةُ والمزايا الساميةْ
والصِّدقُ والإيثارُ في وقتِ البلاءْ؟
أين الحياءْ
والحُبُّ والإخلاصُ والنِّعَمُ الأُخَرْ؟
أين البروقْ؟
أين الرعودْ؟
أين المطرْ؟
أين الودودْ؟
أين الصديقْ
وقت الخطرْ؟
شاء القدرْ ..
أن تستمرّْ...
أنت الرّجلْ ..
وأظلَّ طيفًا لامْرأةْ..
في سطرِ عُمْرٍ مُختزَلْ
لم يستطعْ غيري أنا أنْ يقرَأهْ...
******
شكرًا لكَ...
أصبحْتُ آلةْ
وقد استحالَ الحُبُّ في تَكوينِها أيَّ استِحالَةْ
شكرًا لكَ...
أيْقَظْتَ بي شتّى أحاسيسِ البشرْ
محمودَها والمحتَقَرْ...
عِ فما لنَوْمِكَ منْ عُذرْ
هذا هو الحبُّ انتحَرْ
فلْيَحْيَ حُبُّ السّيْطرَةْ...
وقد انتهى ما قد بدَأْنا وانكسَرْ
فليبْقَ حُبُّ الثرثرةْ...
كم طعْنةٍ في الظهرِ قامتْ والصدرْ!
كمْ لطمةٍ أرسلْتَها بيدِ القدرْ!
فلطمتَني مُتَعنِّتًا
كالحَيِّ يصفَعُ مَيِّتًا
لكنني لنْ أصفعَكْ...
بل قلتُ لكْ
ببساطةٍ:
"أللهْ... معَكْ"!
******
لا، يا صديقْ
ما عدتَ لي ذاك الصديقْ
أنسيتَ أنكَ قلت لي:
"ألسرُّ في بحرٍ عميقْ"!
حتى إذا لمْ تَلْقَني
قيْدَ انتظارْ
ألفيتُ سِرّكَ كالشِّعارْ
يحتلُّ قارعةَ الطريقْ؟!...
أنَّى تقولُ عَذرتَني
وتَخونُ مِن غيرِ اعتذارْ؟!
أنسيتَ بركاني إذا في البحرِ ثارْ
ألفيتَني.. ماءً ونارْ؟!
ها قدْ رسَبتَ في الاختبارْ!
فاخترْ وفاتَكَ كالغريقْ
أو في الحريقْ
ما بعدَ هذا من خيارْ!
فكم ادّعيتَ أخوّتي وسلامتي
يومَ الحصارْ!!
وكم احترفتَ صَداقتي
أو كنتَ نفسي باختصارْ!!
لا، يا صَديقْ
إنّ الصداقةَ واجباتٌ بلْ حقوقْ
ماذا تبيعُ وتشتري
في أيّ سُوقْ؟!
ولمنْ تقولُ وتفتري؟!
لا، يا صَديقْ
لن أفتحَ الماضي العتيقْ
مَزّقتُ فيهِ دفاتري
ما كنتَ لي بحرًا عميقْ
أبدًا ولا الغصنَ الوريقْ...
طلعَ النهارْ
وتبيّنَ الفَظُّ الغليظُ من الرّقيقْ
صَدَرَ القرارْ:
ما مِنْ أخٍ، ما منْ صَديقْ
إلا الذي وَسِعَ الفؤادُ صديقَهُ
في وقتِ ضيقْ
أو ذا الذي جعلَ القيودَ طريقَهُ
وهو الطليقْ
من أجلِ أن يبقى صديقْ
هل كنتَ للفجر الحزينِ شروقَهُ؟!
أو كنتَ للسحرِ المبينِ طريقَه؟!
هل كنتَ لي ذاكَ الطريقْ؟!
لا، يا صديقْ
******
أنتَ المُحِبّْ
علّمتَني ألا أُحِبّْ...
علّمتَني
أنّ الخيانةَ والكذبْ
شرْعُ البشرْ
والحبَّ ذَنْبٌ مُرتكَبْ
علّمتَني
أنّ المبادئَ ميْتةٌ
أو تُحتَضَرْ
والحُبَّ ضرْبُ خيانةٍ
والعَفوَ طبْعٌ مُحْتقَرْ
علّمتَني
أنّ التسامحَ والتراحمَ والنُّبلْ
والصِّدقَ طَبْعٌ مبتذَلْ
والخيرَ والإحسانَ في الإنسانِ شرّْ
علّمتَني
أنّ النِّفاقَ كما الخداعِ هما الأصلْ
والذلَّ في إخْلاصِنا
والضَّعفَ في إسْرارِنا
والسِّرَّ، مَخْفِيًّا، خَطَرْ
علّمتَني
أنَّ التَّنقّلَ في النّساءِ رجولةْ
حتّى الخيانةُ في الحياةِ بُطولةْ
علّمتَني
أنّ الصّداقةَ زائلةْ
والصّدقَ طبعُ الأغبياءْ
والحبَّ شرُّ معاملةْ...
علّمتَني
أنّ الحقيقةَ قاتلةْ
والدّينَ أغلبُهُ رياءْ
وخُزَعْبلاتٌ باطلَةْ
والحبَّ ضربٌ من غباءْ
حتى الوفاءْ
تأويهِ روحٌ جاهلةْ...
علّمتني أن الغباءْ
فنٌّ أصيلْ
لا يُتقنُهْ
أو يُعلِنُهْ
إلا القليلُ مِن النساءْ...
علّمتني أن الذّكاءْ
صمتٌ طويلْ
حتى الجنونْ
أو سوءُ ظنٍّ مرتكبْ
وحِجىً تُعكّرُهُ الظنونْ
بل سوءُ فهمٍ مُستحبّْ
علّمتَني
أنّ الهوى مَحضُ احتيالْ
قولٌ يقالْ
لا يُحسِنُهْ
لا يُتقِنُهْ
إلا الرّجالْ...
علّمتَني
أنّ الرّجالْ
يتغيّرونْ
يتبدّلونْ
في كلِّ حِينْ
في كلّ حالْ
وقلوبُهمْ تَتحوّلُ
في لحظةٍ تتَعطّلُ...
تتَبدّلُ...
بل حبُّهمْ مُتقلِّبٌ مُتنقّلُ...
ما ذنبُنا... نتحمّلُ
في حبِّنا.. كذِبَ الرّجالْ؟
ما ذنبُنا... نتجرّعُ
مُرَّ اللقاءْ؟
نتوقّعُ
في كلِّ حالْ
حزنَ الوداعْ؟
فهلِ النساءْ
في شرعِكَ المتَجَمِّدِ
سِلَعٌ تباعْ
أو تُشتَرَى
والحقُّ منها مُنتزَعْ!؟
وهل النساءْ
في عُرفِكَ المتَعَوَّدِ
لا رأيَ، لا عقلٌ، ولا أمرٌ يُطاعْ
وتوابعٌ لا تُتَّبَعْ...!؟
لا يا أخي، إنّ النساءْ
أصلُ الرّجالْ
نصفُ الورى
وقلوبُهنَّ جنائنٌ ليستْ تُباعْ
أو تُشترى
إلا بحبٍّ صادقٍ لا يُفترَى
أفلَمْ تَرَ...
أنَّ الجنائنَ كلَّها من تحتِ أقدامِ النّساءْ...؟!
قُلْ ما تَشاءْ
قُلْ ما ترى...
فَمِنَ المحالْ
أن أتبعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
كَذَبَ الرّجالْ
إلا القليلْ
إن لم تصدِّقْ ما يُقالْ
فَسَلِ الدّليلْ:
سَلْ أُمَّكَ
سَلْ خالَتَكْ
سلْ أختَكَ
سَلْ عمّتَكْ
سَلْ جدّتَكْ...
فأولئكَ اللائي خَبَرْنَ محبّتَكْ...
وحبيبتَكْ
لا، لا تسَلْ
إذْ إنّها لغبائِها لمّا تزَلْ
تَجِدُ المُحِبّْ
نعْمَ الصّدوقُ ولو كذَبْ...
******
أنتَ الثقةْ
علّمتَني
أنّ الثقةْ
باتتْ ببحرِكَ غارقةْ
بل إنّ قلبي لم يذُقْ
طَعْمَ الثقةْ
في شاطئٍ أمواجُهُ متلاحقةْ
ورمالُهُ تُخفي بها
آثارَ أقدامِ الحياةِ السّابقةْ
واللاحقةْ...
أين الثقةْ
بمُراهقٍ ظنَّ الكواكبَ في السّماءِ مراهِقةْ؟
أين الثقةْ؟
إنْ كنتَ بحرًا في الهوى
فأنا الجبالُ الشاهقةْ،
أو كنتَ مَوجَكَ عاشقًا
فأنا لثلجيَ عاشقةْ...
أين الثقةْ
والسيلُ قد بلغَ الزُّبى
بلغَ الرّؤوسَ من القِممْ؟
أبَلَغتَ سنّ اليأسِ في سِنِّ الصِّبا
وتُؤمِّلُ الإصْباءَ في سِنِّ الهَرَمْ؟!
تبًّا لها من شَيْبَةٍ ومراهَقةْ!
أين الثقةْ؟
وأرى الدّموعْ
أضحتْ دموعًا كاذبةْ...
حتى الجفونْ،
حتى العيونْ ...
هيَ كاذبَةْ
حتى العهودْ
حتى الوعودْ
باتت وعودًا شاحبةْ...
أين الثقةْ؟
إنّ الثّقةْ
مفقودةٌ بِذوي الصُّدورِ الضَّيّقَةْ...
موجودةٌ في أهلِها،
وذَوي القلوبِ الصادقةْ
تلكَ الثقةْ...!
******
أنتَ الثقةْ!
علّمتَني ألاّ أثِقْ
بمَدامعٍ مُغْرَوْرِقةْ
ومَشاعرٍ مُحْرَوْرِقةْ
في كلِّ حالْ...
علّمتَني أنْ نفترِقْ
قبلَ الوصالْ...
علّمتني أنّ الأفُقْ
مهما تمادى حدُّهُ لا بدَّ مِن أن ينغلِقْ
علّمتني ألاّ أُحِبّْ...
ما دام حُبّكَ في الطريقِ إلى الزَّوالْ
علّمتَني أنَّ الكذِبْ
طَبْعُ الرِّجالْ
فإذا عثرْتَ بصادقٍ فَلِعلّةٍ فيهِ صَدَقْ..
فَهَلِ التواصُلُ والكلامْ
دون انقطاعْ،
يُلغي الطِّباعْ؟
يَمْحو المَلامْ؟
يُنهي التّناقضَ والخلافَ أو الجدالْ؟
ويُعيدُ للقلبِ المُحالْ؟!
لا، لا تُجِبْ
إنّ الكذبْ...
ملحُ الرِّجالْ...
هيّا فدَعْ عنكَ الجَدلْ
إنّ الرّجالَ بكذْبهمْ ضُرِبَ المثلْ
******
أنتَ المعلّمُ والخبيرْ
علّمتَني عِلْمًا كثيرْ
علّمتني أنّ الشِّعرْ
إبنُ الشعورْ
حيثُ الفِكرْ
نارٌ ونورْ
علّمتَني أن أرتقي
بالشِّعرِ، بالنَّثرِ النَّقي
وأغوصَ في كلِّ البحورْ!
علّمْتني كيف الشِّعرْ
يحيا إذا اغْتِيلَ الشعورْ
يا صاحبَ القلَمِ المُنيرْ
ما بالُكم...؟
هل كان شِعري طائعًا...
إن أَعْجَبَكْ
تَحسبْه شِعرًا رائعًا،
أو أَغضَبَكْ
تحسَبْ كلامي مُبتذَلْ؟!
لا يا رجُلْ...
هذا الشِّعرْ
راعيتُ فيه مَشاعرَكْ
فَملأتَ منه مَحابرَكْ
ومشاعري
أحرقْتَها
أطفأتَها...
باتت رمادًا بل حجرْ
والجمرُ أضحى باردًا ما فيه نارْ
حتى الشِّعرْ
ما عادَ شيئًا مُعْتَبَرْ
قدْ نلْتَ منْ تزويرِه صُنْعًا جديدْ
بل جئتَ بالأمرِ الخطيرْ...!
ماذا تريدْ؟
تزويرَ شِعرٍ أم شُعورْ؟
تزويرُ شِعرِي هيّنٌ،
أما الشُّعورْ
فالجُرْمُ في تزويرهِ جرمٌ كبيرْ...
فهلِ اتّخذْتَ الشِّعرَ جسرًا للعبورْ
والحُبَّ مفتاحًا، جوازًا للمرورْ
فوقعتَ في جُبٍّ عميقْ!؟
إن كان ذا فالشعرُ ذا ما أوْقَعَكْ...
لن يُنْقِذَ الحُبُّ الغريقْ
حتّى ولو أرْداكَ أنتَ ومَنْ مَعَكْ..!
يا باحثًا عن هَفْوتي
بقصيدتي
هلاّ عثَرْتَ بهَفْوتِكْ...
بقصيدتِكْ؟!
أم صرْتَ تمشي في صفوفِ الأنبياءْ
والشِّعرُ باتَ بخدْمتِكْ
والأولياءْ
باتوا معكْ؟!
******
يا ناظمًا في الكلِّ شِعْرَكْ
غزلاً، مديحًا أو رثاءْ...
يا مُخْلصًا للكلِّ سِرَّكْ
يا ناثرًا للكلِّ دَمعَكْ
أوَتَدَّعي في الحُبِّ وُسْعَكْ
وتقولُ ما لِهَواكَ حدٌّ وانتهاءْ،
وَغَدا التنقّلُ ذاك شرْعَكْ
بين اللَّفيفِ مِن النساءْ!؟
ما عدتُ أفهَمُ مطلعَكْ...
ما عدتُ أفقَهُ مقطعَكْ...
فُكَّ الوثاقْ
وابعثْ بأشعارِ الفراقْ
لأقاطعَكْ
لا تُبقِ في قلمي اشتياقْ
ليُتابعَكْ
فالبدرُ قد أضحى مُحاقْ
ما عادَ في ليلي قمرْ
ما عدتُ أفهمُ الاِشتياقْ
ما عدْتُ شوقًا أنتَظِرْ
والأمْسُ ماضٍ لم يَعُدْ
فلتبتعِدْ
******
كمْ قلتَ لي: "أحببْتُكِ...
ومُنى العُمرْ
أهْدَيْتُكِ!
وجعلتُكِ..
نَجْمَ القصائدِ والشِّعرْ..."!
لا، لم أثقْ
بالشّعرِ صُبَّ على الورَقْ
حتى ولوْ بالنارِ والنُّورِ الْتَهَبْ...
لا، لم أثقْ
بقصيدةٍ باسْمي سَمَتْ
ألفاظُها، وَتبسّمتْ
ولِغيريَ المَعْنى انْكتَبْ...
لا، لم أثِقْ
بقصيدةٍ كانت لِغيري فُعِّلَتْ
فنَسخْتَها مُستبدِلاً إسْمًا بإسْمٍ وانْطلتْ
لا لا تحبْ
فالشعرُ ذا ما أكثرَهْ!!
والحبُّ ليس موشَّحًا لتُكرِّرَهْ!
فالنُّسخة الأصليّة احْترَقتْ
وباتتْ بعدها كُلُّ الأصولِ مزوّرةْ
لا، لا تُحِبّْ
ليسَ المَحبةُ بالغزلْ
أو بالتلاقي والقُبلْ
أو بالجديدِ أوِ القديمِ مِنَ القوافي والحِيَلْ
فالشِّعرُ ليس بِمِصْيَدَةْ
بل دمعةٌ تُطفي الجَوَى وتَنَهُّدَهْ
وتُخفِّفُ النارَ التي في الأفئدةْ...
فلِمَ التكلّفُ والتصنّعُ والتّعبْ؟!
قلْ ما تشاءْ:
" هذا كلامٌ مضطرِبْ
هذا شعورٌ مبتذَلْ...
هذا جنونْ ...
هذا هَباءْ..."
ليس المُهمّْ
أنّا نبالغُ في البلاغةِ والصوَرْ
أو في الفنونْ
أو نسكبُ المعنى بألفاظٍ دُرَرْ...
إن الأهمّْ
أن يَسكبَ الشعرُ الدّوا حيثُ الأَلمْ
حيث الجراحُ الخالدَةْ
لا تُبْتذَلْ
حيث المشاعرُ واحدةْ
عند البشرْ
لا تُختزَلْ...
رغم القِدَمْ
لمـّا تزَلْ
مُتجدّدَةْ
مُتزايدةْ
هل كان حُبُّكَ مُبْتَذلْ؟
لا يا رجلْ...!
فمشاعري أرقى وأنقَى مِن تفاعيلِ الشِّعرْ...
أنَظَمْتَ فيَّ قصائدَكْ
وقطَعْتَ مِن حبّي يدَكْ؟!
لا، لا تحبّْ
إنّ المُحِبّْ
هوَ مَنْ صَدَقْ...
لا منْ سَبقْ
ليَصُبَّ حِبْرًا في الورقْ
واللهِ، لو صدقَ الشعورُ بشعرِكَ...
لَغَدا لهُ متفطِّرًا قلبُ الحَجرْ
وهَذَى بما في صدرِكَ
وغدَوْتَ أسعَدَ شاعرٍ بين البشرْ
هيّا استَقِلْ
من شِعرِكَ
من حبِّكَ المدفونِ داخلَ ثَغْركَ
ما أنت لي ذاك الطبيبْ
لتعالجَ القلبَ العليلَ مِن العِلَلْ!
ما أنتَ لي ذاك الحبيبْ
لتَغُضَّ طَرْفَكَ عن زَللْ!
ما أنتَ لي إلا رقيبٌ أو حَسيبْ
تُحْصي عَلَيّْ
ما قيلَ فيَّ ولم يُقَلْ...
لا يا أُخَيّْ
ليس الذنوبْ
ما قيلَ، بلْ ما يُرتَكبْ
لا يا أُخَيّْ
ما كنتَ لي، لا، بلْ عَلَيّْ
في كلّ شَيْ...
لا، لا تُحبّْ
أتعبتَني بمحبّةٍ
أرْهقْتَني بكتابةٍ
كانت تُبينُ تصنّعَكْ
فالشِّعرُ في قلبي لهيبٌ دائمٌ
والشِّعرُ عندكَ ما تجاوَزَ إصبعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
كم قلتَ لي:
أنتِ المَلاكْ
وأنا بشرْ...
أنتِ الكواكبُ في عُلاكْ
وأنا حجرْ
أنتِ الشتاءْ..
وأنا المطرْ
أنتِ الرّبيعْ..
وأنا الزهرْ
أنتِ الشموسُ بنورها الزاهي البديعْ..
وأنا القمرْ
أأنا ملاكْ...؟!
كمْ قالَها من قبلِ ذا كلُّ البشرْ...!
هذا كلامٌ مبتذَلْ...
ليستْ من الإبداعِ بلْ
ليستْ غزلْ...
هذا كلامْ
إن يَرْقَ بي نحوَ السماءْ
تنزلْ به لـمّا تشاءْ
نحو القعرْ!
يا ابنَ الكرامْ
إنّ الكلامْ
يبقى كلامْ...
أبدَ الدّهرْ...
هذا الكلامْ
كمْ قلتَهُ من قبلُ في كلِّ الأنامْ
ووَهبْتَهُ كلَّ النساءْ!
ما الحبُّ في نَقْلِ الغزلْ
أو حِفْظِ أشعارِ المجانينِ الأُوَلْ
فافعلْ بِحبِّكَ ما تشاءْ
ما دامَ حُبُّكَ مبتذَلْ!
لو كنتَ أنتَ تُحِبُّ فِعلاً
أو كنتَ تدري الحُبَّ أصْلاً
لوَجَدْتَني غيرَ النّساءْ
ووجدْتَ قلبًا يشتعِلْ
هيّا اعتزلْ
قولَ الغزلْ
لن أسمعَكْ!
لم يُجدِ إنقاذَ الغريقِ من البلَلْ
ذكْرُ الغزلْ
كي ينفعَكْ...
"أللهْ... معَكْ"!
******
مِنْ أيِّ كونٍ جئتَني
وجعلتَني عند الرّضا شبْهَ الملاكْ
ومُسيئةً ومُدانةً عندَ الغضَبْ؟
وإلى السماءِ رفعتَني
في لحظةٍ،
وبلفْظةٍ...
وإلى الثرى أرجعتَني
فسَكبتَ لي مُرَّ الهلاكْ
وسَقَيتَني حَرَّ اللَّهَبْ...
وصنعْتَ من دائي دَواكْ
ومِنَ الكَذِبْ
حتى إذا ما لم تَجِدْ فيه شِفاكْ
جرَّعتَني من سُمّهِ ما لمْ يَطِبْ
فشُفِيتُ منكَ ومِن هَواكْ
ومن التَّردّدِ والتعبْ...
وخلعتُ كلَّ مرارتي
بل جئتُ ملْءَ إرادتي
لأودّعَكْ
وأقولَ لكْ:
ما بالكلامِ تعاستي وسعادتي
"أللهْ... معَكْ"!
******
أتُحبُّني
ورَميتَني زورًا بمِلْيونَيْ حَجرْ؟
وتُرَدّدُ الإفكَ الذي
قد صاغَهُ ضدّي حثالاتُ البشرْ؟
أتحبُّني
ومُحَضِّرٌ عَنْ كلِّ ذنْبٍ مُسبَقًا
أَلْفَيْ عُذرْ؟
أتحبّني
وتَخُطُّ شِعْرَكَ مِن دمي
تَرجو بهِ منّي جَميلَ المَغْفِرةْ؟
لا، لاتَ ساعةَ مَنْدمِ
في المَقبَرةْ!
أتُحبُّني
وَتُدينُ قَولي في البَيانِ المُعْتبَرْ
وتُثيرُ آثارَ الغبارْ
بينَ الصِّغارْ
مُتناسيًا ما قالَهُ شَرُّ البَشرْ
وكرامتي هيَ نادرًا ما تُدَّكَرْ
مُتَخوّفًا ممّا تَوَهَّمُ من خَطرْ
أو من شِقاقٍ منتظَرْ
أو سوءِ ظنٍّ مستترْ
والظنُّ في الحالينِ إثمٌ مُنتشِرْ
بين الرّعاعِ مِن البشَرْ
مستبعدًا أيَّ اختيارٍ تربويٍّ مخْتصَرْ؟!
حتى وطاويطُ الظلامْ
صدّقْتَهمْ...
خفْتَ انشقاقًا بينَهمْ
فغَدَا انشقاقٌ بيننا
أو خفتَهمْ
خِفْتَ الكلامْ...
فلْينتصِرْ أعداؤنا
هذا هو العدلُ، افْتَخِرْ
هذا هو...
بُعْدُ النظرْ!!
هذا هوَ...
رأيُ الكبارْ...
لا تعتذرْ أو تختلقْ أيَّ اعتذارْ
لن يَرْأبَ الصدْعَ اعتذارٌ يُعتَذَرْ
لا تعتذرْ
أوْ تنتظرْ منّي اصطبارًا يُصْطَبرْ
لستَ الوحيدَ منَ البشرْ
فأنا بَشرْ
حسّاسةٌ، ويُضِرُّ بي نفْضُ الغبارْ
وكرامتي كالعينِ في ضوءِ النهارْ
فحذارِ من نَقْعٍ مُثارْ
لم يَمْحُهُ ثَمَّ اعتذارْ...
لا تعتذِرْ
ليستْ لديكَ معي خياراتٌ أُخَرْ...
مِن بعدِ ما صُغْتُ القرارْ:
"لا للتّقَهْقُرِ والقهرْ،
لا للألمْ
لا للتّسلّطِ والظّلمْ
لا لِلْوَهمْ
لا للتسرُّعِ في الكَلمْ
لا للنّدمْ
لا للتَّحَكّمِ والحُكمْ"...
لا تعتذِرْ
لا وقتَ عندي لاعْتذارٍ يُعتَذَرْ
لا وقتَ عندي للكلامْ
أو للعتابْ
أو للتَّفَقُّهِ في الغرامْ
لا وقتَ عندي للألمْ..
أو للعَذابْ
لا وقتَ عندي للنَّدمْ..
أو للحِسابْ
لا وقتَ عندي كي أراكْ
في يقظتي أو في المنامْ
أشغلتُ وقتيَ في سِواكْ
وعلى الدوامْ
لا تعتذرْ
إنّ السكوتَ هو الجوابُ المُعتبَرْ
******
لا تعتذرْ
فبأيِّ عذرٍ بعدَ ذا تَتَشَبّثُ...
والعذرُ ذا لا يلبثُ
أن ينكسِرْ؟
وبأيّ لفْظٍ تعتذِرْ
والقيلُ يطرُقُ مَسْمعي ...
والصمتُ منّي قاتلٌ، كالثَّرثرةْ...
متحدِّثًا ومصدِّقًا ما لم تَعِ..
ما لم ترَهْ؟
والظلمُ يُشعِلُ مَدمَعي...
وقد ارْتأى الشيطانُ أن
يصطادَ في الماءِ العَكِرْ
ويَجرَّكَ الظنُّ السقيمْ
رأسًا لِمُنعَطَفٍ خَطِرْ...
لا تعتذِرْ
ما حلْمُكَ
إلا الجُنونْ
ما عِلْمُكَ
إلا الظّنونْ
والظّنُّ عندي في العلومْ
نَهْجٌ سليمْ
حتّى تُثَبَّتَ بالدّليلْ
ويحيطُها أهلُ العقولْ
لا تعتذرْ
ما سُوءُ ظَنِّكَ بي سِوى
رامٍ رمَى حبّي النَّقيّْ..
قلبي التّقيّْ..
ألْفَيْ حَجرْ...
لا تعتذِرْ
واللهِ ذنبٌ مثلُ ذا لا يُغتَفَرْ...
******
لا تعتذرْ
كمْ مرّةٍ نلْتَ السماحْ
وكأنّ شيئًا لم يَكنْ!
رغمَ الجراحْ
أُلْقي المَلامَ على الزَمنْ،
كم مرّةٍ جُرحي يباحْ
والفكرُ عندكَ غيرُ صاحْ!
وكأنَّ لا علمًا لديكَ ولا خبرْ
لا تعتذِرْ
وَتبرِّرَ الكَذِبَ الصُّراحْ
فالعذرُ قد ينهارُ في ضَوءِ النهارْ
لا تعتذرْ...
فالأسهَلُ التَّبريرُ من غيرِ اعتذارْ!
لا تعتذرْ...
لم أنتظرْ
منكَ اعتذارْ
فأنا بِجُرْحي أعتذِرْ
كنْ حيثُ كنْتَ بلا عذرْ
إذْ ما تعلَّمْناهُ في عَهدِ الصِّغَرْ
يبقى الوحيدَ كما هُوَهْ...
لن يَمْحُوَهْ...
عِلمُ الكِبرْ
فالعِلمُ في زَمنِ الصغرْ
كالنَّقشِ في صدرِ الحجرْ
لا تعتذرْ
فالمرْءُ يُعرَفُ باختبارٍ مختصَرْ
لا تعتذرْ
ما دامَ بحري ساقيةْ
وفؤادُكَ البحرَ الفسيحْ...
لا تعتذرْ
ما دام رأيي خاطئًا
وهُراؤَكَ الرّأيَ الصحيحْ...
لا تعتذرْ
كلٌّ يرى أفكارَهُ من زاويةْ...
ها قد عرفْتَ سَريرتي
ليست عليكَ بِخافيَةْ
لا تعتذرْ...
فالقلبُ قد أضناهُ تكرارُ العُذرْ
والشَّمسُ لن تَبْتلَّ من صَوتِ المَطرْ
******
لا تعتذرْ
أخشى على شَخْصِيَّتِكْ
أن تنكسِرْ
أو ما تبقَّى من سَنَا صِدْقيّتِكْ
أن يندَثِرْ
وإذا صدَرْ
خَطأٌ هنا أو مِنْ هُناكْ...
لا تعتذرْ
فَعلى سِواكْ
أن يعتذرْ
فسواكَ مَن قد أوْقَعَكْ...!
لا يا أخي
قد أوقعَكْ
شيطانُكَ الأقوى الذي يحيا معَكْ
وعلى الهوى قدْ أطلعَكْ
لا تعتذرْ
ما قال يومًا قاتلٌ لقتيلهِ:"أنا أعتذرْ"
لا تعتذرْ
إنّ اعتذارَكَ عمْلةٌ
هيَ في الحقيقةِ باطلةْ
أوَتنتَظرْ
أن يَعْذِرَ المقتولُ حقًّا قاتلَهْ؟
لا تعتذرْ
فالعذرُ لن يسترجِعَ الحُبَّ القتيلْ
أو يُرْجِعَ الحُلمَ الجميلْ
أبدًا ولنْ يَسترْجِعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أوَتعتذرْ
عن كذبَتِكْ
في كذبةٍ أخرى؟!
لا تعتذرْ...
ما دامتِ الأعذارُ تُرْسِلُها غدًا تَترى
لا تعتذرْ...
في حالتِكْ،
ألعذْرُ منْكَ جريمةٌ كبرى
لا تعتذِرْ
فالعذرُ ذَنْبٌ أصْعَبُ..
أو تقترِبْ
تلكَ السما ذاتُ القمرْ
ونُجومُها هيَ أقربُ..
فارحلْ وَدَعْ حبّي يزولْ
ولتصطحِبْ
عيني معكْ
لتُشيّعَكْ
وتشيّعَ الحُبَّ القتيلْ...
وإذا عجزتَ عن البكاءِ وجدْتَها من أدمعي
تبكي معكْ
باللهِ كَفكِفْ أدمعَكْ
وفّرْ سيولاً مِن دموعِكَ
ربّما انقلبتْ عليكَ لتَقلعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
لا تَعتذِرْ
فإلامَ عذْرُكَ يَستمِرّْ
والذنْبَ دومًا تقترِفْ؟
وإلامَ عذرَكَ تلتَحِفْ
والسِّرُّ مهما غابَ أو خَفِيَ انكشَفْ؟
وإلامَ تبقى تَعترِفْ
في ظلِّ خوفٍ مُستمرّْ؟...
خوّفتَني ما لم أخَفْ
حتى الزمانْ
أو ما ادّعَيتَ مِن الصُّدَفْ...
حتى المكانْ
حيثُ الهواجسُ والحَدَقْ
وزَرعْتَ في قلبي القَلقْ
وتركتَني مُحْتارةً في مُفترَقْ
بينَ الطُّرُقْ...
وسألتَني من بعد ذا: هل نَفترِقْ؟
هل نلتقي؟ ...
لا يا أخي، لن نفترقْ...
ما بيننا
خبزٌ وملْحٌ زائدُ
وصداقةٌ وقصائدُ
ومحاوراتٌ تَشهَدُ...
ما بيننا
حرفان في حرفٍ وقلبٌ واحدُ...
لكنّنا لن نلتقي...
أفنلتقي.. وقد امّحَتْ كلُّ الدّروبِ الآمنةْ؟
أفنلتقي وعيونُهم في كلِّ دربٍ ساكنةْ؟
والرّيحُ تُفشي بينهم أسرارَنا كالواشيةْ
أفنَلتقي رغمَ الأذَى؟
رغم القيودِ القاضيةْ؟
رغم المحنْ؟
ومعانداتٍ للزّمنْ؟
رغم الظروفِ القاسيةْ؟
رغم العقولِ الباليةْ؟
أفنلتقي رغم السهامْ...؟
رغم الرياحِ العاتيةْ؟!
رغم القوانينِ التي
نُصَّتْ لنا دون الأنامْ؟
لن نفترقْ..
لكننا لن نلتقي...
فالحبُّ فينا مختلفْ
من يائِه حتى الألِفْ
بل كلُّ ما في سِيرَتيْنا مختلِفْ
فإنِ اتَّفقْنا في طبائعِنا بِشَيْ
فَقَدِ اختلفْنا في سَرائرِنا بأشْياءٍ كُثُرْ
وإنْ غَدا صَعبًا علَيّْ
ما لا تعاني أو تَعي...
سأعيدُ أمري للْقَدَرْ...
لن نلتقي..
أبدَ الدّهرْ!
بل أنتَ منْ علّمتَني أن نتّفقْ
دومًا على أن نفترقْ...
أفنلتقي
من بعد ما رُفِعَ الغطاءْ
وَبَدا الجَفاءْ؟
هل كان خيرٌ في اللّقاءْ؟
كم حُجّةً منّي تريدْ
كي أُقنِعَكْ
أنّ اللِّقا منّا بعيدْ؟
لم أستطعْ أن أُقنِعَكْ
أفنلتَقي
والكذبُ يسكنُ أضلعَكْ؟
أنّى لقلبٍ مثلِ قلبي أن يُطاولَ مَوضعَكْ؟
"أللهْ... معَكْ"!
******
هلْ نلتَقي؟
رغم انْقلابِ الزورَقِ؟
وهَلِ الأماني تكتَمِلْ
وقريبُها قربَ النجومِ العاليةْ؟!
وَهلِ الجراحُ سَتندَمِلْ
واليأسُ قُرْبَكَ قابعٌ .. في زاويةْ
والهمُّ يبني بيتَهُ في مُهجتي
في ثانيةْ
والعُمرُ يَمضي وحدَهُ
نحو التخومِ النائيةْ...؟
لا يا أخي، لن نلتقي
لا تنتظرْ
منّي خبرْ
ما عدتُ مِن حُلمي لكيْ أَمْضي معكْ
بل جئتُ أجمعُ وحدتي
في غرْبتي
وأقولُ لكْ:
لن نلتقيْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
لا تنتظرْ
سأعيشُ وحدي حرّةً
رغم المحبّينَ الكُثرْ
وأذيقُ قلبيَ غربةً
وأقيمُ وحديَ في القبرْ
سيكونُ قلبيَ صخرةً
فالصخر يغسِلُ غربتي مِنْ ظلْمِ أشباهِ البشرْ
وسَأُكمِلُ المشوارَ دونكَ في الحُلمْ
ولو اشتكيتُ مِن الجمودْ!
لا، لن أُهَمّْ...
فكمِ اشتكى منّي الوجودْ!
وَكمِ اشتكى من قبلِ ذا منّي العدمْ!
سَأظلُّ كالعقدِ الفريدْ
وحدي كَواسطةِ العُقودْ
حتى أعودْ
من حيثُ جئتُ إلى الوجودْ
قبل الألَمْ...
وَأظلُّ وحدي ماضيةْ
في نزهتي
ونزاهتي
نحو السماءِ الصافيةْ...
وتظلُّ وَحْدكَ قابعًا في الزاويةْ
وعلى يمينِكَ هِرَّةٌ
تلهو بما في الحاويَةْ
وعلى يسارِكَ فأرةٌ
تُدْنِيكَ نحوَ الهاويةْ...
وتَجرُّ مِنْكَ ذُبالةً
حتّى تَجرَّكَ أجمَعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
أفنلتقي؟ ما تسألُ؟
ولِنَلتقي، ما أفعَلُ؟
والكلُّ يَمشي للأمامْ
وأنا أُهَرْوِلُ هائمةْ
نحوَ الزمانِ الغابرِ
عكْسَ الأنامْ
أتأمّلُ
أتمثّلُ
مستقبلي بل حاضري
متألّمَةْ
في كل وقتٍ حالمةْ
حُلمًا ثقيلْ
لا بل جميلْ
لكنّه حُلمٌ صَغيرْ
حُلمٌ قصيرْ...
تقفُ الدّنى في وَجْهِنا حتّى تقولْ:
"لا، ألْفَ لا... بل ذاكَ حُلْمٌ مُستَحيلْ
إنّ الحياةَ محرَّمةْ ...
فَدَعُوا الأماني نائمةْ
في حُلْمِها تسترسلُ..."
ما أفعلُ
والصمتُ مِنْ بعديْ يُبينْ
ما كنتَ دومًا تجْهَلُ؟
ما أفعلُ؟
إنّ الخيارَ الصَّعبَ لي
ولكَ الخيارُ الأسهلُ
ما أفعلُ
والحزنُ ذا، لا يَرْحَلُ!؟
وَأبَى سوى أن يَجمَعَكْ
قبل الوداعْ
ليودِّعَكْ
ويقولَ لكْ:
الأمْرُ في كفِّ القضاءْ
والحبُّ قَدْرُ المستَطاعْ
ما دامَ قدْ عَزَّ اللّقاءْ
أهلاً وسَهلاً بالوداعْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
"أللهْ... معَكْ"!
وإلى الأبَدْ...
ما عادَ قلبي مَوْقِعَكْ...
ما كنتُ أحسبُ أنّني
في قلبِ بحرٍ ظالمِ...
لمّا أَجِدْ
مِنْ جَزْرِه أو مَدِّهِ
مِنْ مَوجهِ المُتَلاطمِ
إلا الزَّبدْ...
ما عدْتُ أفهَمُ واقعَكْ
ما عدتُ أَعرِفُ مَوقعَكْ
حتى استوى في عالمي
دمعُ اللّقاءْ
وبُكا الوداعْ
حتى الوصالُ والاِمْتِناعْ...
كلُّ الأمورْ
مِن بَعْدِهِ
أضحَتْ سواءْ...
حتى القصورْ...
حتى القبورْ
حتى الأمانُ أو الضَّياعْ
وسعادتي وتعاستي...
كلٌّ سواءْ
ما عاد قلبي مصدرًا للراحةِ
أو للعناءْ
فكِلاهما فيهِ على حَدٍّ سواءْ...
هذا ابتِلاءْ
من رَبّيَ
ليُذيقَني في حبِّيَ
من كلِّ داءْ...
فقدِ ابتلَى مِنْ مَنِّهِ
أيّوبَ في جثمانهِ
أمّا أنا فقد ابتلاني في الفؤادِ وفي الكَبِدْ
في مهجتي، في دمعتي، حتى الجسَدْ
ما عاد في حُبٍّ عَزاءْ
"فإلى اللِّقاءْ
لأودّعَكْ"
وأودّعَ الدّنيا معَكْ
وأقولَ لكْ:
"أللهْ... معَكْ"!
******
أحببتُ نفسيَ مرّةً
حتّى إذا فارقْتُها فارَقْتُني
وأنا معي
ووجدْتُني
أتْلو الوداعَ بأدمعي
وأقولُ لي:
"واللهِ ما جاءَ الزَّمنْ
بأشدَّ مِنْ هذا الوَداعِ وأَوْجَعِ
حتى الشدائدُ والمِحَنْ
كانت أخَفَّ أذىً عَليَّ ووَطأةً
من قلبيَ المتصدّعِ...
ما كنتُ أحسَبُ لحظةً
أنّ المحبّةَ شعلةٌ
تَقوَى بنا..
وقتَ الفراقْ
وتزيدُ لوعةَ الاِشتياقْ
وتَفيضُ حزنًا والْتياعْ
وتَسُوقُنا..
سَوْقَ العَواصفِ للشِّراعْ...
من بعدِ ما قذفتْ بنا..
جوًّا وقاعْ
ملأتْ بنا..
كلَّ البقاعْ
لكنّني..
ما كنتُ أدْرِكُ عُمقَها
إلا بأوقاتِ الوداعْ...!"
******
قد كنتُ قبلَكَ أيَّ شَيْ
وأنا معَكْ
ألفيتُ أنّي كلُّ شَيْ
حتّى إذا قيّدْتَني بِسَلاسلي
وأسرْتَني في قُمقُمي،
ومنعتَ عنّي كلَّ شيْ
أوقدْتُ ناري في دمي
وصرختُ: يا ربّي إلَيّْ
أشفِقْ علَيّْ...
ما عدْتُ شَيْ
ما عدْتُ أملكُ ما لدَيْ:
قلبي وعقلي، صحّتي
ومناعتي
حبّي، وروحي، أحرُفي
حتى دموعي، مُقلتِي
وسعادتي وبراءتي
حرّيّتي ومشيئتي
ماضيَّ حتى حاضري، مستقبلي
يا ربُّ لا، ما عاد لي في الكونِ شيْ
والقيدُ باتَ مُكَبِّلي
أطلقْ يدَيّْ
كيْ أُسْلِمَ الدنيا إليهِ يدًا بيَدْ
ما دمتَ يا مولاي قدْ عاقبْتَ عنّي قاتلي
فلْيَعْلمِ السجّانُ أنّي قدْ... وقدْ...
ما دمْتَ يا مولايَ قد حرّرتَني
ما عادَ يأسِرُني أحدْ
ما عاد في الأجواءِ من يَحْتَلُّني...
ما دمتَ يا مولاي كلَّ عبادتي
أنا حرّةٌ
ما عادَ في قلبي سواكَ إلى الأبدْ
******
أجَذَبْتَني...
كفراشةٍ... معتوهَةٍ
حَسِبَتْكَ نورًا في السّما
فإذا بنارِكَ تحترقْ...!
أتَظنُّ نارَكَ بلسَما
والجمرُ فيها يَأتَلِقْ؟
رُحْماكَ بي، يا سيّدي
فالصبحُ أضحى مُظلِما
والليلُ يُطفئُ مَوقدي
فادْفِنْ رمادي في غَدِكْ
في مَوقدِكْ
لا لنْ يعودَ المَيْتُ حَيّْ...
لو شئتَ أن تُبقي عَلَيّْ
لدقيقةٍ فأودّعَكْ
وأقولَ لكْ:
ما أضْيَعَ العمرَ الذي أُمْضي مَعَكْ
كَفراشةٍ مخدوعةٍ...!
لكنني لنْ أخدعَكْ
"ألله... معَكْ"!
******
كنتَ المَشاعرَ والشِّعرْ
كنتَ الحِجى،
كنتَ البَصرْ
بكَ أُسرِجَ
وبِغيرِ نارْ،
عتْمُ الدّجَى
فغدا نَهارْ...
كنت الغذاءْ
حُبًّا وماءْ...
كنتَ الشفاءْ
من كلِّ داءْ...
كنتَ الهواءْ
والدّفءَ كنتَ كما الهناءْ
وملاذَ روحي الخائفةْ
روحًا وعقلاً نادِرَينِ وعاطفةْ...
كنتَ الشُّعاعْ
في السِّرِّ كنْتَ وفي العَلَنْ
فَصَدَمْتَني أو كدْتَ أنْ...
من قبلِ أنْ يَغْتالَني شَبَحُ الخداعْ...
"ألله... معكْ"!
******

كمْ صَدْمةٍ
باتتْ بصَدري قائمةْ!
كمْ لطمةٍ
في مُهجتي المُتَأَلِّمةْ!
كمْ صَرْخةٍ ومكالَمةْ
للعقلِ من قلبي الحزينْ
بقِيَتْ بلا رَدٍّ ولا مَنْ يَحزنونْ!
بل كدْتُ أبْلُغُ إثْرَها حَدَّ الجنونْ
أدعو... ولا أَحَدٌ يُجيبُ دُعائيَهْ...
خطُّ الإجابةِ مُقْفَلُ
ومُجيبُه الصَّوتيُّ فيه معطّلُ
ومحاولاتي جاريَةْ
وأعيدُها ... وأعيدُها
كم مرّةٍ في الثانيةْ!
لكنّها في مَهْدِها تتعَطّلُ...
ومكالماتي في القناة الثانيةْ
ورَسائلي لا تعملُ
بلْ لم أُجَبْها في السّماءِ العاليةْ...
والعقلُ عنّي مُعْرِضٌ لم يَسمَعِ!
كم كلْمةٍ ومكالمةْ
مقطوعةٌ ممنوعةٌ ومحرّمةْ!
لكنّها لم تُقْطَعِ
في عُمقِ صدري المُثقَلِ
بهموميَ المتراكمةْ
ثَقبَتْ جدارَ الأضلعِ
أو حاولتْ...
لتصيبَ منّي مَقتَلي...
فتفاجأتْ
بسيوفِ قلبي الصارمةْ!
******
بل كَمْ وكَمْ
ألْفَيْتَ قلبي مِنْ حَجرْ
مثلَ الجِدارْ!
لكنّهُ لمْ يَسْتَسِغْ طَعْمَ الظُّلمْ...
وبغَفلةٍ منّا معًا
فُكَّ الحصارْ،
سقطَ الهوى فوق الجدارْ
حتى انفَجَرْ
ثمَّ انهدَمْ
فتوقّفَ الإحساسُ بي
واستُشهِدَ الحُلمُ الحسَنْ
بل جاءني زَمَنٌ جديدْ
ولكلِّ أحلامٍ زمَنْ
سَأُفيقُ من حُلمي الفقيدْ
وأعودُ أدراجَ الرّياحْ
وسأنتظرْ
أن يُشرِقَ الحُلمُ الجديدْ
مِنْ أفْقيَ العالي البعيدْ
لا خيرَ في حُلمٍ مُباحْ
أو مُستباحْ...
وسَأنْتظرْ
أن يَجْلوَ اللَّيلَ الصَّباحْ
لأودّعَكْ
وأُغادرَ الحُلمَ الشّهيدْ
كي لا أُقِضَّ مَضاجِعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
كم بِعْتَني حلْوَ الكلامْ!
ووَعدْتَني حُبًّا كثيرْ!
عددَ الكواكبِ والنّجومْ!
عددَ الرّمالْ!
عددَ الترابْ!!
وأراكَ مِنْ حُبٍّ فقيرْ!
لا تقتني غيرَ الغرورْ...!
وهل اشْتريتَ مِن النُّجومْ
غيرَ الكلامْ
غيرَ التَّباعدِ والنّفورْ
غيرَ المياهِ المستقرّةِ في السّلالْ
غيرَ الأماني والخيالْ...
غيرَ السَّرابْ
والعيشِ في حُلمٍ مريرْ؟!
وطَعَنْتَ قلبيَ بالسّهامْ
فطعنتُ قلبكَ في الصَّميمْ!
وجَفَوْتُكَ
وأرَيْتُكَ
منّي العذابْ
ألْوانَ أقواسِ القُزَحْ
ها أنتَ تملِكُ في الورى خيرَ الصّحابْ:
اليأسَ منّي والتَّرَحْ...
هيّا استرِحْ...
ما بعدَ ذا إلّا الترابْ
والحزْنُ سُجِّلَ والفَرَحْ
لكَ في كتابْ
فلمَ البكاءُ والانتحابْ؟
بل ما يفيدُكَ الاضْطرابْ
والموتُ يأتي مٌرْغَمًا
وسَيُدْخُلُ القلبَ المُصابْ
مِنْ كلِّ بابْ؟
وقد ارْتَسمْتَ أمامَهُ
منذ البدايةْ
فاحذرْ تُطيلُ خصامَهُ
حتى النهايةْ
فتموتَ خوفَ الإقترابْ
نحو انتهاءِ زمانِ سلسلةِ العذابْ!
لا، لا تخفْ
فالموتُ لا يعني الغيابْ
وَلْتنْصَرِفْ
معزوفةُ الموتِ السريعْ
أفلا ترى...!؟
فالشمسُ تُؤذِنُ للورَى
بغيابِها منذُ الطُّلوعْ...
حتى الرّبيعْ
لم يُؤْتِ في إزهارِهِ إلا الخَريفْ
إلا الشِّتاءْ
رغمَ الأنوفْ!
هذا القضاءْ...
هذا القدرْ...
هذا صَنيعُ إلهِنا رَبِّ البشرْ
نِعْمَ الصنيعُ صنيعُهُ...
نِعْمَ القدرْ
ما تنتظرْ؟
مَنْ فارَقَتْهُ حياتُهُ لا يَنْتَظِرْ
أوْ يُنْتَظَرْ
******
ما تنتظرْ؟
لنْ يدركَ القلبُ الحذِرْ
كُنْهَ الجمالْ
أو يصبحَ الماءُ القذرْ
ماءً زلالْ
قدْ أغرزَ الكُفرانُ فيك سهامَهُ
قد لوّعَكْ
حتى القدرْ
أهداكَ من درْسِ الأسَى آلامَهُ
كي ينفعكْ
لكنّه زادَ الضلالْ
أرداك في دنيا الهوى
ومضى معكْ
نحو الزوالْ
ونسيتَ أن لن تزهرَ الدنيا ولا
لنْ يُشْبِعَكْ
مرعى الدلالْ
كم نسخةٍ خبّأتَها مِن حبّكَ الماضي الغريقْ!
كمْ دُفعةٍ قسَّطْتَ حُبّكَ بينَ أزهارِ الطريقْ!
كمْ نبْضةٍ مِنْ قلبكَ الحُرِّ الطّليقْ
مدفوعةٌ ومُوَزّعةْ!...
فالحبُّ مثل الموتِ يأتي جُمْلةً
من حيثُ لا تدري... ولنْ تَتوقَّعَهْ
والقلبُ يحيا مرّةً
لا تَحْسَبَنْ أنّ القلوبَ مُصَنّعةْ؟
والعمرُ يأتي دُفْعَةً
كي تدفعَهْ
أو يدفعَكْ
حتّى إذا قطّعْتَهُ
ألفيتَهُ قد قطّعَكْ
"أللهْ... معَكْ"!
******
ما تنتظرْ؟
ها قد أتَى نجْمُ الصّباحْ
قبلَ السَّفرْ
قُمْ باكرًا
وارْحلْ إلى الحُبِّ المُتاحْ
ودَعِ الفؤادَ وَما اسْتَترْ...
ما كنتَ إلا شاعرًا
قدْ غَرَّهُ نَظْمُ الشِّعرْ...
بلْ كنتُ قلبًا حائرًا
قدْ ساءَهُ فَهْمُ البَشرْ...
فارْحلْ وَدَعْ شِعْري الرقيقْ
كي لا يقالْ:
بيتٌ مِن السِّحْرِ الحلالْ
قدْ هدَّمَ البيتَ العتيقْ
وبذَنْبِهِ اسْوَدَّ الحجرْ
قُمْ باكرًا
وَامْحُ السّنينَ الماضيةْ
وابْدَأْ حَياتَكَ مِنْ جديدْ
وَارْجُ الحياةَ الباقيةْ
ولْتَبْنِ عزْمَكَ مِن حديدْ
وَدَعِ الحياةَ الفانيةْ...
هلْ بالدَّراهِمِ والوَلدْ؟
أوْ بامرأةْ؟
وبزينةٍ تكْسو الجَسدْ؟
تَحيا الحياةَ الهانئةْ؟
لا يا أخي،
فالكلُّ فانٍ للأبدْ
والموتُ حقٌّ والحسابْ
فلمَ العتابْ؟
فقد انتهى زمنُ الجَسدْ
زمنُ الضَّغائنِ والعُقدْ
زمنُ الحَسدْ
زمنُ اللِّسانْ
زمنُ الخضوعِ أوِ المَذلّةِ والهَوانْ
وقد انتهى زمنُ العذابْ
وتَغلّقَتْ طُرُقُ السَّرابْ
وتحطّمَتْ كُتَلُ الهمومْ
وتَبدّدَتْ قِطَعُ الضبابْ
فاقْطِفْ بأيْديكَ النجومْ
وابْسِمْ عن الثغرِ الأقاحْ
فالآن تولدُ مِن جديدْ
كولادةِ الليلِ الصباحْ
في كلّ عيدْ
******
قمْ باكرًا
لا ينبغي لليأسِ أن يلقى الأملْ
لن ينتهي وقتُ العملْ
قم باكرًا
وازرعْ غصونَ الياسمينْ
بحديقتِكْ
حيثُ اللآلئُ والحَنينْ
في تُربَتِكْ
فالوردُ يأبى أن يكونْ
في صحبتِكْ
يخشى بأشواكِ السنينْ
أن يُدْمِيَ القلبَ الحزينْ
في وِحدَتِكْ
******
قمْ باكرًا
وَاسْقِ الجِنانْ
من صَفْوِ يَنبوعِ الحَنانْ
فَيفوحَ عِطْرُ الياسمينْ
ويُعيدَ للقلبِ الأمانْ
رغمَ المكانْ
رغم الزّمانْ
ومَداسِ كلِّ الدّائِسينْ...
وسَيَرتَقي طيرُ الحَمامْ
بكَ للسَّماءِ السابعةْ
رغم الأَسِنَّةِ والسّهامْ
رغم الضَّبابْ
رغم الظروف المانعةْ
رغم العذابْ
رغم الشخوص القابعةْ
وسْطَ الظلامْ ...
رغم الخطوبِ الفاجعةْ
رغم السمومِ الناقعةْ
رغم الملامْ
رغم الإساءة في الكلامْ...
واصبرْ على غدْرِ الأنامْ
فالصبرُ منْ شيَمِ الكرامْ
******
قمْ باكرًا
وارحمْ فؤادَكَ مِن هوىً يَفني العُمُرْ
فالحبُّ قد يُضْني المُهَجْ
واصبرْ، فما بعدَ الصّبرْ
إلا الفرَجْ
وارحمْ هواكَ مُفوِّضًا رَبَّ البَشرْ...
قد يزدري كلُّ البَرايا حبَّكَ
والكلُّ يَكرَهُ قربَكَ
واللهُ مَنْ قدْ أبدَعَكْ
يبقى معَكْ...
إنّ الهوى يا صاحبي وَهْمٌ كبيرْ
حتى معي
لن ينفعَكْ...
قد تدّعي
أنّ الهوى من مَصنعي
نحوَ السما قد أطلَعكْ...
لا يا أخي
إنّ الهوى نورٌ ونارْ
ودوامُهُ مَحْضُ انتحارْ
هُوَ لعبةٌ يلهو بها بعضُ الصّغارْ
هو كِذْبةٌ مُتلوِّنةْ
فيه مِن الألوانِ ألفا سَوْسَنةْ
من جَدْولِهْ
تُسْقى الندمْ...
في أوّلهْ
حُلمٌ يعيشُ على الوهمْ...
وبآخرِهْ
ألَمٌ وهَمّْ
لكنّه في ظاهرِهْ
شوقٌ وموتٌ والْتِياعْ
تُسقَى به مُرَّ الوداعْ
دون انقطاعْ...
فَمَنِ المـَلُومْ
إنْ سُقْتَ قلبَكَ للهلاكْ
أو كنتَ تُطعَنُ في الصَّميمْ؟!
لا، لا تلُمْ أحدًا سواكْ
أو تُلْقِ لومًا في الحياةِ على الظروفْ
وتقلّبٍ بين الصُّروفْ...
كنْ في الحياةِ كعابرٍ هذا السّبيلْ
واترُكْ وراءَكَ كلَّ تذْكارٍ جميلْ
ما نحن في دارِ الحياةِ سوى ضيوفْ
وهل استحقَّ على الضيوفِ سوى الرّحيلْ؟
******
إنّ الحَياةَ لَرِحلةٌ
والناسُ في يَدِها على قَيدِ السَّفرْ
وتَسوقُها لكَ غفْلةٌ
كن سائقًا متيقِّظًا وعلى حَذرْ
فاحْذرْ مطبّاتِ الطَّريقْ
واحفظْ علاماتِ الخَطرْ ...
والْزمْ إشاراتِ النّظامْ
لا لسْتَ بالحرِّ الطليقْ
يا بْنَ الكرامْ...
لا يَغْفُ قلبُكَ لا تَنمْ
ودَعِ الحُلمْ
وَارْبأ بعينكَ أن تنامْ
وسْط الزحامْ
والْزمْ قوانينَ المَسيرْ
لِمَطبِّكَ الآتي الأخيرْ
كيلا تَطيرْ
فوقَ الأنامْ...
قد تَصْطَدِمْ
عَرْضَ الصخورْ...
شُدَّ الحِزامْ
وخُذِ العِلمْ
فحوادثُ السّيرِ الطّويلْ
زمنَ الرّحيلْ
هي أكثرُ
مِن أن تُعَدّْ
هيَ أكبرُ
مِنْ أن تَحُدَّ مِن الألمْ
لا تبْنِ آمالاً جِسامْ
وسْطَ العَدمْ...
أوَتلعنُ الحظَّ العَثيرْ
وتقيسُ نفسَكَ بالأنامْ؟
كم مُمْسِكٍ خوفًا بأذنابِ البقرْ
ألقتْ به وسْطَ الحُفرْ!
هذا قضاؤكَ والقدرْ...
فانظرْ إلى البحر الكبيرْ
وَخُذِ العبَرْ
تعلوه أشلاءُ الجِيَفْ
لا تَسْتقِرْ
وبقعرهِ ترسو الدُّرَرْ
ولها المكانةُ والشرفْ!
******
قالوا الحياةُ جميلةٌ
واللهوُ والأشياءُ فيها زينةٌ
قل لي إذًا أين الجمالْ
في ما يؤول إلى الزوالْ؟!
دع عنكَ لهوًا باطلاً
إنّي أظنُّكَ عاقلاً
وانزَعْ عن العينينِ آثار الضلالْ
وانظرْ إلى حيثُ الكمالْ
فالمنجياتُ الصالحاتْ
خيرٌ وأبقى من حياةْ
ليستْ سوى دربٍ يؤدي للمماتْ
مهما حصلتَ على مراتبَ عاليةْ
وحصدتَ منها بعضَ دنيا فانيَةْ
يومًا تَجدْ، أو لا تجدْ، منها الحياةَ خاليةْ
ما عادت الأشياءُ جدًّا غاليةْ
******
ما تنتظرْ؟
قمْ وَانتقمْ
لا تنهزِمْ
فالثأرُ حقٌّ مُكتسَبْ
واصببْ عليَّ مِن الغَضَبْ
ما لم يدَعْ عندي عَصَبْ
قمْ وانتقمْ
واقطعْ يدي
صفحاتيَ البيضاءُ لمْ
تترُكْ لحِبْرِيْ الأسودِ
مقدارَ خطٍّ بالقلمْ ...
قمْ أعْطِنيها ريشةً مَبريّةً
من أضلعي
تحكي الألمْ:
لَهفي على حبٍّ قضى
في مهدِهِ...
لهفي على زمنٍ مضى
في ثانية!
فبأيِّ حُبّْ
مِنْ بَعدِهِ
يتشبّثُ القلبُ الحزينْ
وبأيّ دمعٍ يُبْرئُ الدّاءَ الدّفينْ
والعينُ منهُ خاليةْ؟
وبأيّ طِبّْ
يتحدّثُ الصَّبُّ المُصابْ؟
أوَيلهثُ ...
خلفَ السَّرابْ؟
أوْ يَعبثُ...
في قلبِه... في كلِّ حينْ؟
وبأيِّ حُبّْ
يتَضرَّمُ؟
وحبيبُهُ يبني الحُلمْ
حتى يصيرَ إلى القِممْ
فيهدِّمُ..؟
كالطفلِ يلعبُ باللُّعَبْ
فيكسّرُ ..
ويبعثرُ..
ويُلملِمُ..
يبكي مُلِحًّا في الطَّلبْ...؟!
فيؤخِّرُ
ويقدِّمُ..
بعضَ اللُّعَبْ
لكنّهُ قدْ يُعْذَرُ
فالطّفلُ ذاكَ كغيرهِ لا يفْهمُ...
قَدْرَ المُحِبّْ
بل لا يزالُ بِحبّهِ يتعلَّمُ
معنى المَحبَّةِ وَالأدَبْ...
******
ما تنتظرْ؟
هذا هو ...
حكْمُ القدرْ
فقد انطوَى...
وبِقُدْرتي أنسى الهوى
أنسَى مُلِمّاتِ الصدرْ
أنسى الجوى...
ما الحلُّ في أن أنتحِرْ
أو تنتحِرْ...
هل تعتقدْ
صعبًا علَيّْ
إن شاكني شوكُ القتادْ
في مهجتي، أن أَنزِعَهْ؟!
لا شيءَ عندي مستحيلْ...
أو تعتقدْ
يحلو لديّْ
أن تشتري مُرَّ البِعادْ
وتريدُ أن أتجرّعَهْ؟!
فالمرُّ قد يَشفي العليلْ...
أو تعتقدْ
أنْ في يدَيْ
ما اخْتارَهُ ربُّ العبادْ
للقلبِ أو ما أودعَهْ؟!
فالله لي نعْمَ الوكيلْ...
هيّا ابتعدْ
ما عاش حُبٌّ للأبدْ
ما تنتظرْ؟
ولمَ التعرّضُ للخطرْ
ما دامَ قد قُضيَ الوَطَرْ؟
ولمَ التعرّضُ للّهيبْ
من صنْعِ أَلْسِنةِ البشرْ؟
ولمَ التلاقي في الدّروبْ
وَلمَ التواصُلُ في النظرْ؟
ولمَ الذّهابُ إلى الطبيبْ
والقلبُ في الصدْرِ انتَحَرْ؟
ولمَ المحبّةُ، والحبيبْ
من حُبّهِ ما مِنْ أَثرْ؟!
ولمَ الأُخُوّةُ، والشعوبْ
قد أدْرَجتْها في الذنوبْ
تلك التي لا تُغْتَفرْ؟
ولمَ السؤالْ
ما دامَ في فمِكَ الجوابْ؟
ولمَ الجِدالْ
ما دامَ ما حصلَ الصّوابْ؟
ولم التَّطاعنُ في الظهرْ؟
ولم التعلّقُ بالسّحابْ
والدّرُّ في قعرِ البحرْ؟
فهل السعادةُ في الجحيمْ؟
وهل الشقاوةُ في النعيمْ؟
وهل المنافعُ في الضّررْ؟
وهلِ الأذيّةُ مثلما
لو جاءَ مُؤْذٍ واعتذَرْ؟!!
ولمَ الدّفاعُ عن العمى
من بعد ما رجَعَ البصرْ؟
ولم التَّحرُّقُ بالنّدَمْ
ما دام قد شُفِيَ الألمْ
والحبُّ غيمٌ قد عَبَرْ؟
ولم التذكُّرُ للهوى
والبحثُ في عمقِ الفؤادِ وما حوى
ما دام في نسيانِه طولُ العمرْ
ولمَ التّطَبُّعُ بالوفاءْ
ما دام في عِزِّ اللقاءْ
طَبْعُ الخيانةِ مُستمرّْ؟
ولمَ التّلاعبُ بالسّنينْ
والوقتُ دومًا مِن ذَهَبْ؟
ولم التَّواجدُ والحَنينْ
ما دام كلٌّ قد ذهَبْ
بِيَدِ القَدرْ؟
ما تنتظرْ
وقد انتهى كلُّ الكلامْ؟
حتى السَّلامْ
لن ينفعَكْ
"أللهْ... مَعَكْ"!
******
ما تنتظرْ؟
صرتَ المَلَلْ ...
صرتَ الضجرْ
كالنارِ، بل صرتَ الجمرْ
صرتَ السعيرَ المشتعِلْ...
لا، لسْتَ كلَّ حياتيَهْ،
بل أنت جزءٌ أو أقلّْ
من ذكرياتي الماضيَةْ،
أو من بقايا ذكرياتٍ فانيةْ
بل صار ذِكْرُكَ في خَطرْ
أن يَمَّحِي من باليَهْ...
ما عادَ عِطرُ الذكرياتِ لهُ أثَرْ
في الذاكرةْ
أو في السنين الآتيةْ
والحاضرةْ
لا، لَسْتَ لي هَمّي الكبيرْ
أو كانَ فيكَ عَزائيَهْ
بل كان حبُّكَ لي نذيرْ
أن حانَ وقْتُ فِراقيَهْ
ما تنتظرْ؟
صرْتَ الأَلمْ
كالحُزنِ أنتَ وكالنَّدَمْ
أنتَ البلاءْ
أنتَ السَّفرْ
كالموتِ أنتَ وَكالقبرْ
أنت القَضاءْ...
أنتَ القَدَرْ...
لم تُبقِ في قلبي أثرْ
إلا الجراحْ
ذكرى لحُبٍّ مُندَثِرْ
فخُذِ الجراحْ
ذكرى معَكْ
لا تُبْقِ إلا ذكْرَ أمْسٍ مُنكَسِرْ
قدْ لوَّعَكْ
ما تنتظرْ؟
قمْ هاتِ لي أعصابَكَ المُتَحجِّرةْ
أو خذْ معكْ
أعصابيَ المتوتِّرةْ
أشلائيَ المتناثرةْ...
بل هاتِ يومًا قلبَكَ
عَلِّي أجرّبُ حُبَّكَ
فأقاطعَكْ
وأنا معَكْ...
ما تنتظرْ؟
هيّا انتَحِرْ...
ما زلْتُ مِن نارِ الصّبرْ
أدْعو عَليكْ
من كلِّ قلبي أن تَموتْ...
أو لا تَموتْ
حتى ترى كمْ ماتَ منْ حبٍّ لديْكْ..
كم قلتُ لكْ
والقولُ بادٍ في السكوتْ:
"أللهْ... مَعَكْ"!
"لم تُبقِ لي شَيْئًا معي
حتى ثُمالةُ أدمعي
باتتْ معَكْ..."
قُمْ هاتِ فورًا دَمعةً حرّاقةً
من أدمعي
لأودّعَكْ...
وأودّعَ الدّنيا مَعكْ
وأقولَ لكْ
بلسانيَ المتقطِّعِ:
"أللهْ... معَكْ"!
******


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى