السبت ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم ربيع مفتاح

أغاثا كريستي.. المرأة الغامضة

لماذا لا تحاولين أن تكتبي قصة؟

 كانت "أغاثا ماري كلارسا ميلر" تشعر بالملل- وذات صباح في شتاء عام 1908 كانت مريضة وترقد على سريرها.

قالت لأمها:

 أشعر بتحسن في صحتي اليوم. وأعتقد أن باستطاعتي أن أنهض.

 أنت لا تزالين مريضة.

قالت كلارا:

(لقد أخبرك الطبيب أن تمكثي في السرير لتستمتعي بالدفء..ولكن ماذا تودين أن تفعلي؟

كانت أغاثا آنذاك في الثامنة عشر من عمرها..ولكن أعراف هذا الزمن كان يجب على البنات أن يفعلن ما يؤمرن به من الأمهات.

 لكنني أشعر بالملل.

قالت لها الأم: (افعلي شيئا ما. إقرأي كتابا أو أكتبي قصة - نعم- لماذا لا تحاولين أن تكتبي قصة؟

 أكتب قصة؟ قالت أغاثا وهي في قمة الاندهاش.

"نعم" قالت الأم: مثل مادج، كانت مادج الأخت الكبرى لأغاثا وكانت تكتب أحيانا بعض القصص القصيرة للمجلات.

"لا أعتقد أنني أستطيع أن أكتب قصصا؟

 وكيف عرفت ذلك، أنك لم تحاولي أبدا

 ثم ذهبت لتحضر ورقة وقلما وحالا جلست في سريرها وبدأت تكتب قصة وكان اسمها "منزل الجمال" وهي قصة غريبة عن الأحلام ولم تكن قصة جيدة.

بدأت تكتبها. ثم أرسلتها إلى المجلة لكن المجلة رددتها إليها ومعها هذا الخطاب:

"شكرا لإرسالك قصة لنا لكن لا نستطيع أن ننشرها. لابد أن تحاولي مرة ثانية" هذا ما قالته كلارا الأم لأبنتها.

واستمرت أغاثا في كتابة القصص وإرسالها إلي المجلات ولكن أعادوها إليها وشعرت بخيبة أمل لكنها لم تيأس.

"سأحاول أن أكتب رواية "هكذا قررت.

وجاءتها فكرة الرواية حين تذكرت رؤية فتاة جميلة في فندق في القاهرة، كانت الفتاة تسير دائما مع رجلين وهي بينهما.

وذات يوم سمعت أغاثا شخصا ما يقول "لا بد لهذه الفتاة أن تختار بينهما يوما ما" كان ذلك كل ما احتاجته أغاثا لفكرة الرواية وبدأت الكتابة، لم تكن رواية بوليسية، وقد سمتها "جليد على الصحراء" ثم أرسلتها أغاثا إلى أربعة من الناشرين - لكن- كل الناشرين أعادوا الكتاب إليها.

فقالت لأمها:

"ماذا أستطيع أن أفعل الآن؟

 فكان جوابها:

 لماذا لا تعرضين هذا الكتاب على "فلبورتس" وكان "فلبورتس" كاتبا معروفا يعيش بجوار العائلة، خافت أغاثا من إرسال روايتها لهذا الكاتب المشهور.

وفي النهاية أرسلت الرواية إليه.

كان السيد "فلبورتس" كاتبا متمكنا ورجلا رحيما. قرأ رواية أغاثا وكتب لها هذا الخطاب:

(بعض كتاباتك جيدة جدا، لذا سوف أرسل خطابا لوكيلي الأدبي وسوف تذهبين إليه ومعك الرواية)

 كانت أغاثا لا تزال في الثامنة عشرة من العمر - وأخذت القطار إلى لندن - رحلة طويلة أكثر من مائتين ميلا من بيتها.

 شعرت بالقلق عندما رأت الوكيل الأدبي.

قرأ الخطاب الذي أعطته إياه وتحدث معها ثم احتفظ بالكتاب كي يقرأه بعد ذلك.

 مرت بعض الشهور حين أعاد الوكيل الأدبي الكتاب "جليد على الصحراء" إلى أغاثا ومعه هذا الخطاب:

(لا أعتقد أنني أستطيع أن أجد ناشر له وأفضل شئ أن تتوقفي عن التفكير بشأن هذا الكتاب وتكتبي كتابا آخر).

 شعرت أغاثا بالإخفاق وبالفعل بدأت في الكتابة وأثناء ذلك حدثت بعض الأمور في حياتها.

حب وزواج...

 في الثاني عشر من تشرين الاول (أكتوبر) 1912 حين كانت أغاثا في الثانية والعشرين. ذهبت إلى منزل اللورد" كليفورد" في حفل راقص، وكان هناك الكثير من الشباب الذين تحدثت معهم أغاثا أثناء المساء اقتربت منها ضابط شاب وقال:

"هل ترقصين معي؟

 أنا؟ نعم.

 كان طويلا ووسيما وذا عينين زرقاوين دافئتين، اسمه "أرشي بالد كريستي".

أحبته في الحال. ورقصا معا مرات عديدة ذلك المساء وأخبرها "أرشي" بآماله.

 أود أن أطير والآن أحاول الالتحاق بهيئة الطيران الملكية.

 "كم هو رائع ومثير" ردت أغاثا وبعد أسبوع كانت تتناول الشاي مع بعض الأصدقاء في منزل مقابل لمنزل أرشي، وجاءها صوت أمها عبر الهاتف:

 هل ستأتي إلى البيت يا أجاثا؟

 اضطرت أغاثا أن تترك أصدقاءها وتعود مسرعة للبيت.

 لكنها حين وصلت إلى البيت وجدت "أرشي كريستى" في انتظارها.

 وحين حان وقت الرحيل قال:

 هل تأتي معي إلى "الكونشيرتو" ويمكن أن نمر على الفندق لتناول الشاي بعد الكونشيرتو.

عندئذ نظرت إلى أمها - هل أستطيع الذهاب معه يا أمي؟

 الكونشيرتو نعم لكن الفندق لا...

 ربما أستطيع أن نتناول الشاي في المطعم الموجود بمحطة السكة الحديد.

 ووافقت أمها وذهبت أغاثا مع آرشي إلى الكونشيرتو وتناولا الشاي في مطعم السكة الحديد.

 وبعد ذلك بفترة قصيرة عرض آرشي على أغاثا الزواج فأجابته:

"نحن لا نستطيع لأننا لا نملك أية أموال.. فكيف نعيش؟

 عندئذ أخبرت أغاثا والدتها قائلة:

 لقد طلب أرشي مني الزواج وأنا أريده.

اندهشت أمها وقالت لها: "لا بد من الانتظار. لأنك ما زالت في الثالثة والعشرين ولا يملك أحدكما المال الكافي لإتمام الزواج والحياة. في عام 1914 دخلت إنكلترا الحرب وقد ذهب أرشي إلى فرنسا تابعا لهيئة الخطوط الجوية الملكية أما أجاثا فقد تطوعت كممرضة في أحدى المستشفيات.

ثم عاد أرشي إلى إنكلترا لمدة خمسة أيام وقد ذهبت أغاثا إلى لندن لتقابله ثم ذهب الاثنان معا إلى "بريستول" حيث تعيش والدة أرشى وقد عجلت حالة الحرب بإتمام الزواج.

فلم يكن أحد يعلم ماذا سيحدث في المستقبل؟

وأخيرا تزوجت أغاثا من أرشي في الرابع والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) عام 1914 م.

وبعد مرور يومين فقط عاد أرشي إلى الحرب وظلت أغاثا مدة ستة أشهر لا ترى أرشى.

 ولقد تعلمت أغاثا كثيرا من خلال المستشفيات التي عملت فيها أثناء الحرب وعرفت الكثير عن السموم مما أفادها في كتابة الروايات البوليسية بعد ذلك.

قصة بوليسية

 ذات يوم قبل اندلاع الحرب تحدثت أغاثا مع أختها مادج عن القصص البوليسية.

 هنا قالت لها أجاثيا:

 أحب أن أكتب قصة بوليسية، أود أن أجرب ذلك بنفسي.

 تستطيعين ذلك "قالت مادج".

 لكنني أعتقد أنها صعبة. يوما ما سأحاول

 واختزنت أغاثا الفكرة في رأسها وقد أرادت أن تثبت لمادج أختها أنها تستطيع أن تفعل ذلك. وأثناء عملها في المستشفى فكرت في كتابة قصة بوليسية.

لابد أن تحتوي القصة على حادثة قتل هكذا فكرت أغاثا وبدأت الأسئلة تدور في رأسها.

 ولكن أي نوع من القتل (القتل بالسم) ومن الذي سيموت؟ ومن هو القاتل؟ متى؟ كيف؟ وأين؟ وماذا عن البوليسية؟

 كان هناك عدد من البلجيكيين يعيشون في نفس منطقة أغاثا وذلك بسبب الحرب في بلجيكا وكانت كلارا أم أغاثا متعاطفة إلى حد كبير معهم وأعطت لهم بعض المقاعد والأشياء الأخرى وكانت تحرص على أن يكونوا سعداء وراحة تامة.

 وهنا فكرت أغاثا:

ماذا عن قصة بوليسية عن هؤلاء البلجيكيين ثم بدأت تبنى الشخصية في رأسها.

 لابد أن يكون ذكيا جدا ومنظما جدا وشابا - لكن ماذا أسميه؟

أعرف - هيركليس- أو بويروت هيركليس أو هيركليس بويروت.

 هكذا يجب أن يكون.

وبدأت أغاثا قي تفكر قصتها البوليسية في كل دقيقة وهي تعمل في المستشفى.

 لقد عرفت الكثير عن السموم وعرفت أي الأنواع سريعة المفعول والأنواع بطيئة المفعول. وعرفت الكمية اللازمة للقتل وما هي رائحة ومذاق كل نوع، وكيف يموت الناس متأثرين بالسموم، وهل يتحول الوجه إلى شاحب وهل يموت المسموم أثناء النوم أم يموت وهو يصرخ متألما.

 قصة بوليسية جيدة وكاتب جيد لهذا النوع من القصص الذي يعرف مثل هذه الأمور. وبدأت تكتب في الصيف وتستخدم نفس الآلة الكاتبة القديمة.

  وهنا سألتها أمها "كلارا":

(لماذا لا تنتهي من كتابتها أثناء الأجازة، أذهبي إلى مكان جميل وهادئ وخذي الآلة الكاتبة معك. أذهبي إلى دارتمور. مكان جميل)

 نعم.. دراتمور فهي مدينة جميلة هادئة.

 ذهبت أغاثا إلى هناك وأقامت في فندق وقد أتاح لها الهدوء فرصة التجول. فكانت تكتب كل صباح وتتنزه بعد الظهيرة أما الشخصيات فهي حية في رأسها.

 وأثناء سيرها تفكر ما ستفعله في اليوم التالي. الآن انتهت أغاثا من كتابة النصف الثاني من الرواية أثناء الأجازة وحالا ذهبت إلى الناشر لكنه أعادها إليها لكن أغاثا لم تندهش ثم أرسلتها إلى الخارج ثانية ولكن عادت إليها مرة أخرى ثم أرسلتها إلى ناشر ثالث - لكنه- أعاد الرواية، مرت سنتان وعاد أرشي ليعمل في لندن لقد انتهت الحرب والآن أجاثا رزقت بروذا وكان الثلاثة يعيشون في شقة في لندن، عندما وصل إليهم خطاب صباح يوم عام 1919م.

 إنه من دار نشر. فتحته أجاثا بسرعة وبدأت تقرأ:

(هل يمكن أن تتصلي بنا؟ نود أن نتحدث معك بشأن الكتاب.)

 إنه عن كتابي أعتقد أنهم سوف يطبعونه.

 فقال أرشي:

"إذن يجب أن تذهبي وتري الأمر في الحال وذهبت أغاثا إلى الناشر وقابلته".

 وكان رجلا نحيفا ذا شعر أبيض وبادرها قائلا:

"بعض قرائنا يعتقدون أننا يمكن أن ننشر الكتاب - لكن- يجب أن تغيري الفصل الأخير وبعض الأشياء الصغيرة."

 كانت أغاثا تستمع باهتمام وسعيدة لفعل أي شئ. فهذه أول رواية بوليسية وأرادت أن تراها في المكتبات لذا فقد كتبت نهاية مختلفة لها وغيرت بعض الأشياء وكان الناشر مسرورا بها وبالرواية.

كاتبة رواية بوليسية من نوع خاص

 كانت رواية أغاثا الأولي "لغز جريمة أستايلس" والتي صدرت 1920. ولكن قبل ذلك كانت قد كتبت كتابا عن فكرة لأرشي زوجها.

 لقد وجدت أنه من الصعب أن تدفع أمي كل الفواتير.هذا ما قالته أغاثا لأرشي فرد عليها أرشي:

 لماذا لا تبيع البيت، البيت كبير جدا عليها والأفضل أن نشتري منزلا آخر أصغر.

 قالت أغاثا. تبيع البيت؟!

 لا إنها لا تستطيع بيعه كما أنه بيت العائلة.

 عندئذ قال أرشي:

لماذا لا تفعلين شيئا من أجل ذلك؟

 أفعل شيئا ما - ماذا تقصد؟

 لماذا لا تكتبين كتابا آخر؟ ربما ذلك يجلب لنا الكثير من المال.

 فكرت أجاثا كثيرا في البيت الذي هو بيت العائلة بما يحمله من ذكريات.

 فهل تستطيع أن تفعل شيئا من أجله وفكرت أجاثا.

 ربما أستطيع أن أكتب كتابا آخر ولكن عن ماذا؟

 لقد جاءت الإجابة حين كانت تتناول كوبا من الشاي في المقهى.

 هناك كان يتحدث اثنان في المقهى، سمعت أجاثا الاسم وبدأت تعرف أنهما يتحدثان عن شخص يدعى"جين فش".

 كم هو اسم غريب! هكذا فكرت أغاثا ولكن كم هي بداية طيبة لقصة؟ شخص يسمع أسما غريبا في مقهى وبعد ذلك..؟

 ننتظر ربما "جين فش" يكون أفضل.

 نعم دعني - أفكر.

 وقبل أن تغادر أجاثا المقهى كانت فكرة القصة تدور قي رأسها، عادت إلى البيت وبدأت الكتابة بعد أن عثرت على عنوان القصة "العميل السري"، وصدر الكتاب عام 1922م.

 والقصة لم تحتو على "هيركليس بوبروت" العميل السري البلجيكي أما كتابها القادم "جريمة قتل على الحدود" فهل أحب القراء "هيركليس"؟

 لقد كان قصيرا جدا، شابا نحيفا منظما جدا، بعينين خضرواين وشعر أسود ويشبه العميل السري المعروف "شرلوك هولمز" في ّذكائه الحاد، ولم يمارس ذلك بطريقة منفرة، وإنما كان يترك الآخرين وهم قي دهشة من ذكائه.

 وكانت الكتب التالية بعضها يحتوي على هذه الشخصية والبعض الآخر لا يحتوي عليها مثل "الرجل ذو البدلة البنية"، "تحريات بوبروت"، "سر قلعة تشميني".

 وأصبح "هوجس ماس" الوكيل الأدبي يساعد أغاثا الآن فقال لها: "أنت في حاجة إلى ناشر آخر، ناشر يستطيع أن يدفع لك أكثر، لقد أصبحت كاتبة رواية بوليسية جيدة وبدأت كتبك تبيع جيدا" لذا فإن الكتاب التالي أرسله الوكيل الأدبي إلى أكثر من ناشر وصدر عام 1926 تحت عنوان "جريمة قتل أكرويد".

 وبدأت الناس تتكلم عنه فور صدوره ولكن عن ماذا يتحدثون؟

 كانت المفاجأة الكبري في نهاية الكتاب.

 وبدأ القراء يفكرون من القاتل ويختلفون حوله أما أغاثا فقد أكدت على ضرورة أن يقرأ الناس القصة بعناية.

 وكانت على حق فكل المفاتيح موجودة في القصة والقارئ الذكي يستطيع أن يخمن أسم القاتل لكن كثيرا من الناس لا تعطي الأمر الاهتمام الكافي.

 أذن ما هي هذه المفاجأة، ومن هو القاتل؟

 لقد أصبحت أغاثا بعد هذه الرواية مشهورة وعرف المال طريقه إليها فاشترت منزلا جديدا على بعد ثلاثين ميلا من لندن.

 ماذا نسمي هذا البيت؟ "قالت أغاثا"

 فرد عليها أرشي:

 "نسميه باسم الكتاب الأول "ستايلس"- وبعد شراء البيت بفترة قصيرة حدث شئ جعل أسم أجاثا على الصفحات الأولى لكل الجرائد في أنكلترا.

 لقد اختفت أغاثا.

 البعض علل ذلك بأنها ليست سعيدة في حياتها والسبب وفاة والدتها واكتشاف أجاثا أن أرشي يمر بتجربة حب مع فتاة تدعى "نانسي نيل".

اختفاء أغاثا

 في صباح يوم الجمعة الثالث من كانون الاول (ديسمبر) عام 1926م، ترك أرشي البيت الجديد وذهب ليعيش مع بعض الأصدقاء وكان ذلك في عطلة نهاية الأسبوع وكانت" نانسي نيل" معهم ربما عرفت أجاثا ذلك، والآن روذا أبنتها نائمة في سريرها أما الخادمتان فكانتا في المطبخ وعند الساعة الحادية عشرة في هذا المساء خرجت أغاثا وهي تقود سيارتها ولم تعد إلى البيت في هذه الليلة.

 وفي صباح يوم السبت وصلت امرأة بالتاكسي إلى فندق قي "يورك شاير" وكان هذا الفندق كبيرا وواسعا ويقع في وسط المدينة.

 أستطيع أن أحصل على غرفة من فضلك؟

 هكذا طلبت المرأة التي كانت تحمل حقيبة صغيرة وكانت تبدو مرهقة جدا.

 وأجابها الرجل المسؤول عن ذلك:

"توجد غرفة جميلة في الطابق الأول، الغرفة رقم 5 وبها ماء ساخن وبارد وتكلفتها سبعة جنيهات أسبوعيا."

 ووافقت المرأة وعندما سألها المسئول عن اسمها قالت: "تيريزا نيل".

 في نفس الوقت تم العثور على سيارة على بعد حوالي أربع عشرة ميلا من البيت الجديد لأغاثا.

 كانت السيارة فارغة لكن باب السائق كان مفتوحا وكان هناك معطف وحقيبة مفتوحة وبعض الأوراق مكتوب عليها الاسم "أغاثا كريستي" وتم أخبار الشرطة بذلك.

 وأصبحت صورة أغاثا على صفحات معظم الصحف، أين كاتبة الروايات البوليسية ؟ هل قتلت أم انتحرت؟!

 ورصدت بعض الصحف مبالغ نقدية لأول شخص يدلي بأية معلومات صحيحة، وبدأت الكل يبحث عنها وأصبح أرشي موضع تساؤل من الجميع.

 هل تحدثت زوجتك قبل ذلك. عن موضوع الاختفاء ؟

 فأجاب "نعم" لقد أخبرت أختها قائلة: "أستطيع أن أختفي قي أي وقت وأستطيع أن أخطط لذلك بعناية ولن يستطيع أحد أن يجدني".

 ربما حدث ذلك وربما تكون مريضة ولا تستطيع أن تتذكر المكان الذي تقيم فيه.

 وأخذت الشرطة تتعقب أرشي حتى أنه أخبر صديقه قائلا:

"إنهم يعتقدون أنني قتلت أغاثا".

 وذهبت أحدى العاملات في الفندق لتخبر الإدارة بأن السيدة المقيمة في الفندق تشبه إلى حد كبير الصورة التي نشرت في الجرائد لأغاثا كريستي.. وتم الاتصال بالشرطة واستدعاء أرشي زوج أغاثا وعندما رآها صاح قائلا: "أهلا أغاثا".

 نظرت المرأة إليه بعناية لكنها لم تتأكد منه وردت بفتور: "أهلا".

 وامتلأ الفندق بالصحافيين والمراسلين.

 ورد أرشي قائلا: "أعتقد أن زوجتي لا تستطيع التعرف على أو تعرف من تكون ولا أين هي الآن؟

 في اليوم التالي غادر أرشي وأغاثا في الفندق وبدأ الصحافيون يلاحقونهما حتى محطة السكة الحديد ويلتقطون الصور لهما وكانت أجاثا تخفي وجها بيدها.

 لقد بدت نحيفة وشاحبة، وكان مئات من الناس عند بيتها الجديد ينتظرون عودتهما. عودة هذه المرأة الغامضة وزوجها وأصبحت حياتهما مثل قصة بوليسية.

 من قصص بوليسية من قصص أجاثا وألتزم أرشي وأغاثا الصمت رغم انهمار الأسئلة عليهما والتقاط الصور الكثيرة لهما ولم ينطبق أحدهما بكلمة واحدة.

 وظل اختفاء أغاثا سرا لم تتحدث عنه أبدا.

عالم أثار شاب

أثناء الأسابيع الأولى من عام 1927، ذهبت أغاثا لتمكث مع مادج وزوجها بالقرب من مانشستر بينما مكث أرشي في البيت وقد صمم على الزواج من "نانسي نيل".

وتحدث مع أغاثا في موضوع الطلاق. رفضت أغاثا في البداية ولكن وافقت أخيرا وتم الطلاق في أبريل عام 1928 أما "روذا" فقد اختارت أغاثا لتعيش معها.

 وطلبت أغاثا من الناشرين أن تستغنى عن اسم "كريستي" بعد طلاقها وتبحث عن أسم آخر غير اسم زوجها الذي تخلى عنها.

 لكن الناشرين لم يوافقوا ونصحوها بعدم تغير الاسم لأن ذلك من شأنه أحداث بلبلة عند القراء.

 وفي النهاية اقتنعت أغاثا بعدم تغير الاسم، وقد كان الناشرون على حق.

 هذا ما أكدته زيادة المبيعات من روايات أغاثا كريستي في أنكلترا وأميركا وجميع أنحاء العالم.

 وسافرت أجاثا إلى بغداد بالقطار عبر استانبول على الطريقة الشرقية.

 كانت رحلة مثيرة ولأول مرة تسافر لوحدها بدون زوجها وكانت ثمرة هذه الرحلة روايتها الشهيرة "جريمة قتل على الطريقة الشرقية"

 وهناك اهتمت أغاثا بالآثار اهتماما بالغا وتقابلت مع "ليونارد وولي" عالم الآثار وزوجته "كاترين" والتي أخبرت أغاثا بإعجابها الشديد. بما تكتبه من روايات بوليسية أما أجاثا فقد عشقت الآثار ومن يعملون فيها: "إنهم يحفرون بعناية وقتا طويلا وقد لا يجدون شيئا وأحيانا يجدون بعض الأواني القديمة - لكن- كم هو مثير أن يتم العثور على شئ قديم يقدر عمره بآلاف السنين.

 وأثناء الزيارة الثانية لبغداد تقابلت مع "ماكس مالوان" عالم الآثار الشاب.

 حين رأى ماكس أغاثا أحبها في الحال وأحبته أغاثا- تحدثا معا وضحكا كثيرا واستمتعا بكل دقيقة بوجدوهما معا. وأثناء ذلك وصلت برقية لأجاثا تقول أن روذا مريضة.

وقررت أغاثا العودة فورا وأصر ماكس على اصطحابها والذهاب معها وأمام هذا الإصرار وافقت أغاثا وسافرا معا وعندما وصلا كانت روذا قد تحسنت صحتها وأثناء هذه المرحلة طلب ماكس من أغاثا الزواج. وافقت أغاثا وتم الزواج في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 1930. في اسكوتلاندا.

 وشهد عام 1930. صدور رواية أغاثا الشهيرة "جريمة قتل في فيكاريج".

سيدة الإمبراطورية الانكليزية

 ولمدة أكثر من خمسة وعشرين عاما ذهبت أغاثا مع ماكس في كل الرحلات الأثرية أحبت السفر وكانت هذه السنوات أسعد سنوات عمرها وأفضلها في الكتابة.

 أحب الهدوء والجمال وأهرب من التليفون.

 لقد زرت أجاثا معظم الأماكن لأغاثا أفكار روايتها مثل "جريمة على النيل"، "موعد مع الموت"، "موعد في بغداد".

 وأصبحت الآن واحدة من أشهر كتاب الرواية البوليسية في العالم.

 وكان من أشد المعجبين بها أم ملكة إنكلترا.

 وفي عام 1946 جاءها خطاب من هيئة الإذاعة البريطانية وفيه الطلب الآتي: "احتفالا بعيد ميلاد الملكة" ماري " الثمانين- نكلفك بكتابة مسرحية إذاعية".

 وشجعها ماكس على كتابة المسرحية وكانت مسرحية "الفئران العميان الثلاثة" وأخيرا كتبت المسرح في لندن مسرحيتها الشهيرة "المصيدة".

 وكان أول عرض لها عام 1952م.

 ومازلت تعرض على مسرح لندن حتى يومنا هذا.

 وفي عام 1997 تم الاحتفال بمرور خمسة وأربعين عاما على العرض المسرحي كل ليلة يقوم أحد الممثلين بمخاطبة الجمهور قائلا:

"نرجو كم ألا تخبروا أحدا من أصدقائكم من هو القاتل. من الأفضل أن يأتوا إلى المسرح ليشاهدوا المسرحية".

وفي عام 1971 منحت الملكة "إليزابيث" لأغاثا أعظم وسام تحوزه امرأة في بريطانيا وهو "سيدة الإمبراطورية الإنكليزية"

 وأخيرا توفيت أغاثا كريستي في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) عام1976 وكانت قد كتبت أثناء حياتها سبعة وستين رواية بوليسية وعشر مجموعات قصصيه وثلاث عشر مسرحية وست روايات بعيدة عن الجريمة وكتابين عن حياتها وتم إنتاج كثير من الأفلام عن كتبها أشهرها "جريمة قتل على الطريق الشرقية" عام 1974م.

 واليوم توزع ملايين من كتبها بأكثر من أربعين لغة في جميع أنحاء العالم. من الصين إلى نيكاراغوا، وربما تعتبر "أغاثا كريستي" أعظم كاتبة بوليسية حتى الآن.

 إنها المرأة الغامضة في كتبها وحياتها.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى