الثلاثاء ٢ أيار (مايو) ٢٠٠٦
قصة قصيرة
بقلم حسن برطال

يد الله

ملقى على ظهري ، جلدي إلى التراب و عيني إلى السماء
و شمعة في يدي أنتظر دوري للتبرك و تقديم مطلبي...فكم هي
شديدة و ثقيلة وطأة الانتظار تكون أثقل خاصة إن كنا
في انتظار الأمل و تحقيـق الأحـلام....لكـن النسيـم..
الزوالي ..الصيفي، الهادئ الصاعد من شاطئ النحـلة في
اتجاه الشرق يخفف شدة الموقف..

كانت أغصان الشجيرات تتمايل ، فيسرقـني منـضرها
و ما علق بها من قطع القمـاش...الأبـيض..الأسـود ..
و الأخضر....أنواع التمائم...مبطلات السحر..العقـم
و الحظ الشيء...

قـيـس...زقـزوقـة...و بـوجـلـود...ألـوان
و أشكال مـن المعتوهين و الحمقى تقتـات من الفضلات
و القمامات التي تركها بعـض زوار الضـريح..و كـان
هرجهم و مرجهم و طقطقات علب السردين الفـارغـة
و القنينات التي يحملونها ثارة على كتفهم و تارة يضـعونها
على الأرض ، تحول دون وصول صوت النسـوة إلى أدني
صافيا و هن يتبركن ...يطلبن أزواجا ...عودة أزواجـهن
من الخارج أو الطلاق من أزواجهن...

1- يد الله

سيدي البر نوصي..يا صاحب هذا الضريح..أيهـا الولي الصـالح
الذي تبـت الله جذوره بولاية الدار البيـضاء...إليـك مني سـؤال
فساعدني و أجبني أيها الولي الصالح...
ـ أيـن تـوجـد يـد اللـه ..؟؟
ـ أريـد رؤيـة يـد اللـه.....
ـ أريـد مـصـافـحـتـهـا...أيـهـا الولـي الصالـح...
هكذا.. مـع كل زيـارة نفس السؤال..و مـع السؤال شمـعـة
و مع كل شمـعة عـقاب من طـرف معـلمي جزاءا على غـيابي
مساء كل جمعة....

كان سني يكبر...و قامـتي تطـول كذلك...كلما تطول قامـتي
كلما تتقلص المسافة الفاصلـة بين يدي حين أرفعـها و السـماء
قامتي تطول .. المسـافة تتقلص..قامتي تطـول السماء تقـترب
مني..قامتي الآن في حـدها الأقصى من الطول..أرفع يـدي ألمس
السمـاء.. أصيح اللحظة..هـنا تـوجـد يـد الله...لـمست
يـد الله...البهجـة تغمرني...فرحـة الوصول..مـا أسـعـدني..
ما أسعدني....صبيا ساذجا و غـبيا...

فقال لي صاحبي من الخلف..إن يد الله في الأرض و ليسـت فـي
السماء...
ـ إن يد الله مع الجماعة...
كان هذا حينما تعلمت أول درس في الفلسـفة...وحيـنما عرفت
كذلك ، أن المرء حينما يعرف..يعرف أنه لا يعرف شيئا..

2 - يد الله

ـ أيـن تـوجـد يـد اللـه..؟؟
الدنيا كلها تجيب....
ـ يـد اللـه مـع الـجـمـاعـة.....
حكمة ...مثل...يد الله مع الجماعة أسمعها في كل مكان..
حسنا...لقد سهل الأمر...إدن لا فرق بين طويل القامة
و قصيرها ، ما دامت يد الله في الأرض...
فمشيت أبحث عن الجماعة ...أبحث فيها عـن يـد الله..
أبحث عن معنى جديد في الجماعة...
فأرشدني صاحبي إلى جماعات و جماعات...جماعات بين
جبال و غابات..و جماعات بين غابات كذلك، لكـن
أشجارها من الإسمنت و الحديد....

لازال القطار يلتهم المسافات ...و النوافذ الزجاجية
تحمل إلي صور الخارج بالأبيض و الأسد و بالتصوير
البطيء...مـن محطة إلى محطة...من جماعة حـضرية
إلى جماعـة قروية...و في كـل محطة كـنت أرى
وجوها و أيادي تلوح يخيل لي أني عرفتها من قبل
لكن مدة الوقوف القصيرة غير كافية للإستيعـاب
و داخل خمس دقائق يضيع كل شيء...

3 - يد الله

أبحت..أسال ..لكن لا وجود ليـد الله فيها..فلـم يكـذب
صاحبي و يقول لي دائما :

ـ إن يد الله مع الجماعة....
حاشا ليد الله أن تجمـع كـما تجمـع هـذه الجـماعـة...
سامحني يا صاحبي لقد كنت قاسيا معـك...لا تآخـدني إنها
فلتة لسان...ربما كما فلت لسانك أنت أيضا..لاشـك أنك
كنت تريد أن تقول :

ـ إن يد الله مع المجتمع...أو الاجتماع...أو الجمـعية
ففلت لسانك و قلت..الجماعة....
أليس كذلك..؟؟
صمت صاحبي..الأسئلة تتكرر...الكلمات تتشابه...المعـنى
واحد...يختلف....وجوه البنات تختلف لكن القلوب واحدة
ابتسم صاحبي و سـأل :

ـ ما رأيك في الليمون و العصير..؟؟
لمست و كأن صاحبي لم يفهم من كلامي شيئا..و مـع ذلك
أجبته :
ـ إن الليمون فاكهة شعبية و العصير نمـوذج ثان...
إدن..الجماعة ..الجمعية...الاجتماع...كلمات تختلف..قال
صاحبي بتعجب...فضحكت و قلت له نعم..قال هيا بنا إني
أعرف ستة و ثلاثون بأسمائهن و عناوينهن....

4 - يد الله

جمعية الحليب ...جمعية الكشاف....جمعية التخييم...جمعية الـ ..كفـى..

كفى يا صاحبي أعطيني الأسماء واحدة ..واحدة...

قال صاحبي هيا لنبحث عن يد الله في جمعية الحليب..قلـت حاشا لـيد
الله أن تحلبنا...صاحبي يستمع...فأضفت...لا تقل لي جمعـية الكشـاف
فهي تكشف عن عورة المرأة..و تحمـلها الأثقـال و تقـول لها..إنـه
رمز التقدم و الحضارة..و تجرها مشيا علـى الأقدام( sac a dos )
في الحفاء و توهمها أنها رياضة...فحاشا ليـد الله أن تفعل هذا...قـال
صاحبي :

ـ و أين تـوجد يـد اللـه..؟؟
قلت حتى الآن لست أدري...أتعرف بنات أخريات..؟؟ أتعـرف أسماء
أخرى أعطيني إياها..و نرحل..قال جمعية التخييم قلت على الفـور
لا..لا..وفر علينا عناء السفر إلى هناك ..يا صاحبي..فحاشا ليـد الله

أن تدق الخيام..و تقيم المخيمات في صبرا و شاتيلا..و لبنان...و خارج
أسوار فلسطين..لا...لا...لا يا صاحبي..
نفدت الأسماء... نفد الكلام...ضاع مع نفير القطار..
أبحث عن صاحبي...أسأل الركاب الأجانب...لا يفهمون ..أبحث عن
ابن البلد...أسأل في همومي التي تجرها معي آخر عربات القطار...

5 - يد الله

هذيـان ..غثيان...يد الله مع الجمـاعة...الجماعـة في الأرض..
يوم الأرض...آه ..أشـعر بالدوار...منبـهـات السيارات تتعالى
قنـابل مسيلـة للدمـوع....رام الله فـرقوا التـجمـعـات
تل أبيب ...شتتوا التجمعات مكبرات الصوت تعوي...طارزانات
تعوي...فرقـوا التجمعات..الكـل يجري ..أنا أجري..فرقـوا
التجمعات تجري...أبحث عن صاحبي..أصرخ :

ـ وجدتها..وجدت يد الله...رأيت يـد الله..وجـدت يد الله
وجدت صاحبي في الزحام أقول له..إن في الجمـلة خـطأ يـا
صاحبي...إن يد الله مع التجمع و ليست مع الجماعة..
تعال..و اسمع..إنهم يقولوا فرقوا التجمع و ليس فرقوا الجماعة
إنهم على علم بالمعنى الحقيقي للتجمع سر القوة الكامنة فـيه
لاشك أنها يد الله التي أبحت عنها...ياصاحبي

تعال ..أتسمع...مكبرات الصوت تعـوي فرقوا التجمعات
طارزانات تعوي..شتتوا الجماعـات ..لا..لا..التجمـعات
قنابل ..دموع تسيل...منبهات السيارات تتعالى..تتـكاثـر
تتقوى..أدني تؤلمني...لا أريد أن أسمع..أضع يدي على أدنى
منبه السيارة يتقوى..أسقط على الأرض..أتـدحرج..مـنبه
السيارة يتعالى ..يتقوى..أشعـر بالإختناق..المنبه لا يخـتنق..
أتدحرج على الأرض كدولاب المعصـرة و الحصى زيتـون
يتفتت تحتي...

6 - يد الله

أصرخ..أفتح عيني..أستيقظ مذعورا ..أرى العرق يتصبب مـن
جبيني ..حلم مزعج ..بـو غـطـاط..

كان منبه سيارة الشرطة يناديني..أقف على رجلي..أنفض الغبار
أقترب..يسألني صاحبها:

ـ ما بك في هذا المكان تتدحرج هكذا..؟؟ يبدو أنك سـكران
أليس كذلك..؟؟ فأجيبه,,
ـ أعود باللهإنه شهر رمضان ان ..يـا أخي..

فنظر إلي قليلا و بدون سؤال ثان تركني و انصرف..ربـما أن
صورتي فوق ملابسي...ربما أن الشمـعة التي لازالت في يـدي
عرفته عن قصدي...و سبب وجودي ..و هويتي...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى