الجمعة ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم رامز محيي الدين علي

أيها القمر

أنت رمز للجمال، بالرغم من أنك تستمد جمالك من أشعة الشمس المحرقة التي يتأفف من سعيرها الخلق في الأرض صيفا، ويحنون إليها في أوقات البرد القارس شتاء..

أنت جميل، وإن انعدمت على سطحك كل مظاهر الحياة؛ لأنك سكنت في قلوبنا ونحن صغار، وهوتك أفئدتنا ونحن كبار.. وغصت إلى أعماق مخيلتنا، ونحن ننشد الجمال الأنثوي الطاهر.. وسحرت جوارحنا وأسكرتها، ونحن نتسامر في لياليك على سطوح المنازل أو شرفاتها أو نوافذها.. وعشقنا الدروب بين الحقول، ونحن نتجاذب أطراف الأحاديث ليلا في أجواء رومانسية، تدخلنا عوالم النعيم وجناتها التي لا تدرك نهاياتها أبصارنا، وقد انتشت بصور الجمال من حولنا.. وثملت نفوسنا بعبق الزهور، وهامت بالطبيعة، بعد أن سكرت أنفاسنا بالنسيم العليل..

أرضنا جميلة.. وأجمل منك! ببحارها وأنهارها.. بسهولها وجبالها ووديانهـــــــا.. بخضرتها ونضـــارتها.. بحـــدائقها وبســـاتينها.. ببنيانها

وعمرانها.. بفصولها المتتالية ولياليها ونهاراتها المتعاقبة.. برياحها ونسائمها.. بكل ما فيها من نواميس الطبيعة الخلابة..
ولكنك أجمل من كوكبنا في خلو ترابك من الصراع والخراب والدمار.. فلا قاتل ولا مقتول .. لا غالب ولا مغلوب .. لا قاهر ولا مقهور.. لا طامع ولا مطموع.. لا سارق ولا مسروق.. لا قوي ولا ضعيف.. لا رئيس ولا مرؤوس.. لا حروب ولا تدمير.. لا كافر ولا تكفير.. لا حاسد ولا محسود.. لا حاقد ولا محقود عليه.. لا خمارات ولا مواخير .. لا طبول ولا مزامير.. لا جيوش تدمر مدنها وتقصف شعوبها وتذبح الأحرار فيها.. لكنك متهم عندي بالجبن والاستسلام.. والذل والخنوع..

فقد عجبت لأمرك كيف لا تثور على أولئك الذين شوهوا جمال الحياة على الأرض بأسلحتهم واختراعاتهم .. بتنافسهم وتناحرهم على ابتلاع خيرات العالم برمتها.. وفاحت روائح حروبهم حين امتدت إلى السماء حتى باتوا يخططون لحرب النجوم!!

هل ترضى أن تكون يوما مسرحا لجرائمهم أو مذبحا لرؤوس البشر.. وأنت رمز للنقاء والصفاء والجمال والنور الذي يعشق الديجور، فيعزف معه أجمل سمفونية في العشق والهوى؟!

كيف ترضى أن ينزل اللصوص على ترابك ويستبيحون أسرارك؛ ليعودوا إلى كوكبهم، فيتهمونك بالجفاف وخلوك من كل مظاهر الحياة.. لقد فضحت بوجومك هذا أسرارك وأسرار من اعتقدوا أنك إله؟؟

كيف تقبل أن تكون إلها وأنت كوكب مخلوق كغيرك من ملايين الكواكب السابحة في مجراتها في الفضاء.. كيف تستسلم لأهواء البشر؟ فينظمون فيك الأشعار تعبيرا عن حبهم قبل الزواج، وبعده ينسون أنك القمر.. ويتباهون في أحاديثهم ويشبهون نساءهم بك، وهن أبشع وأقبح من وديانك القاحلة!!

كيف لا تثور على هؤلاء الدجالين الذين يريدون استمالة بنات الهوى لشهواتهم فيقولون يا قمري.. وكأنك كرة بين أيديهم!!
كفاك وجوما وخنوعا أيها القمر!!

لماذا لم يتغزلوا بالشمس ويشبهوا تفاهاتهم بها، مع أنها هي صاحبة الفضل في نورك وجمالك؟! ومع أنها الأحق بالغزل؛ لأنها - في المعجم اللغوي -أنثى وأنت ذكر ؟!

لماذا لم يستطع عباقرة العالم والسباقون للحروب مجرد التفكير في الاقتراب، ولو سنوات ضوئية منها؟!
أنا أجيب عنك أيها الضعيف:

لماذا لا يجرؤون على ذبح الأسد.. حينما يتفننون في أكل لحوم الأرانب والطيور والحملان الوديعة ؟؟

لماذا يهرعون حينما تقع أنظارهم على أفعى قوية سامة.. في حين يتلذذون في سحق فراخها؟!

لماذا تراهم أسودا في النهار وأرانب في ظلام الليل؟!

لماذا تراهم أبطالا ظافرين مثل ( دون كيشوت ) أمام عشيقاتهم .. في حين يصبحون أرانب أمام زيجاتهم)؟!
لماذا يحلم كل عربي بالحصول على الجنسية الأمريكية أو الأوروبية في حين يكفر بالساعة التي نسب فيها إلى العرب؟!
أتدري لماذا تقوم القيامة، حينما يقتل عامل من الدول الغربية.. في حين يقتل كل ساعة مئة عربي دون أي سبب ولا يكاد يسمع بهم العالم إلا من خلال الشريط الإخباري في أسفل شاشات التلفاز؟؟

أتدري لماذا تعيش كل شعوب العالم بسلام ورفاهية واستقرار.. إلا العرب فما زالت دويلاتهم الكرتونية ميادين اختبار لأسلحة الغرب بشتى أشكالها وأنواعها؟!

أتدري لماذا حينما ينتصر القوي، فيتبجح بنصره ويتغنى بأمجاده.. وحينما يهزم يقول: قضاء الله وأمره؟!
أتدري لماذا يحلم القائد الغربي بولاية ثانية في حكم بلده.. في حين يخلد القائد العربي في الدنيا والآخرة؟!
مهما طالت إجاباتي بصورة تساؤلات، فإنك أصم أبكم أيها القمر .. فلن تفهمني.. وكان لزاما عليك أن تنتفض وتثور لما يحدث في العالم الذي يقوده تجار الحروب وشرذمة من المافيا الدولية.. !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى