الخميس ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

البطلة وداد حجاب

البطلة وداد حجاب بدأت الكفاح الوطني ومقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلي في سن مبكرة فبعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية تعلمت الإسعافات الأولية ومداواة الجرحي وذلك عن طريق أطباء متخصصين
بعد نكسة يونيو عام 1967 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه خرجت وداد مع الفتيات في مظاهرة لرفض هذا القرار.

وفي عام 1968 شعرت أن الحرب على الأبواب لأن لايمكن ترك العدو الإسرائيلي ينعم بسيناء الحبيبة.
حزنت البطلة وداد حجاب على ماقامت به إسرائيل من جريمة بشعة ضد أطفال بحر البقر فضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر للقبول بإنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة روجرز قامت طائرات الفانتوم الإسرائيلية والأمريكية الصنع فى الساعة التاسعة و ( 20 ) دقيقة من صباح يوم الأربعاء الثامن من شهر أبريل لعام 1970 والموافق الثانى من شهر صفر 1390هـ بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بقرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية ونتج عن هذا العدوان الغاشم (77) شهيداً وجريحاً من المدنيين وإصابة (4) من العسكريين وعلى الفور قطعت الإذاعة المصرية إرسالها وأذاعت بيانا عاجلا جاء فيه: (جائنا البيان التالي.. أقدم العدو في تمام التاسعة و20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال بين سن السادسة والثانية عشر تحت جحيم من النيران) وكتب الشاعر الكبير صلاح جاهين رائعته (الدرس انتهى لموا الكراريس) مسجلاً تلك المجزرة البشعة فى ذاكرة الشعر العربى والأغنية العربية ولحنها الموسيقار سيد مكاوى وحملها صوت الفنانة شادية لضمير العالم وأرسل أطفال قرية بحر البقر رسالة إلى باتريشيا نيكسون زوجة الرئيس الأمريكى نيكسون وسألوها: هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟ أنتِ الأم لجولى وتريسيا والجدة لأحفاد فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك المستر نيكسون؟

فى مقابلة مع سالم عبد الجليل محمد والد الطفل الشهيد محسن قال: فى صباح يوم استشهاد ابنى وفلذة كبدى ذهبت زوجتى لزيارة أقاربها وذهبت أنا للحقل وكان محسن يبكى وطلب الذهاب مع أمه فرفضت وفضلت ذهابه إلى المدرسة حرصا على مستقبله وخلال تواجدى بالحقل شاهدت بعض الطائرات تحلق بارتفاع منخفض فوق المدرسة وفجأة سمعت صوت انفجارات شديدة فذهبت للمدرسة وشاهدت اندلاع أدخنة كثيفة وخلال اتجاهي للمدرسة قابلنى ابني الآخر وقال باكياً: المدرسة تم ضربها وعندما وصلت للمدرسة وجدت بركة من الدماء تسبح فيها أشلاء الأطفال الأبرياء وفارق محسن الحياة.

قال سعيد متولي أحد المصابين: أثناء تواجدنا في المدرسة سمعنا صوت الطائرات تحلق فوق رؤسنا وسيطرت حالة من الخوف المختلط بالبكاء وسقط السقف علينا وكنت في الصف الخامس الابتدائي ووقعت على الأرض وأصبت بحالة إغماء ولم أشعر بنفسي إلا وأنا بالمستشفي وبجواري أمي وأبي يبكيان وزملائي غارقين في الدماء وكانت حالتي خطيرة ولذلك أمر رئيس الجمهورية بنقلي للعلاج في ألمانيا وأجريت لي عملية بالرأس ورجعت إلى بلدي مصر.
قال محمد شاهين أحد مصابي مذبحة بحر البقر: عندما قامت إسرائيل بقصف المدرسة كنت في الصف الأول الابتدائي وبعد سقوط سقف المدرسة حفرت فتحة بجدار المدرسة وخرجت منها بعد إصابتي فوجدت أمي وأبي في بكاء شديد مع الصراخ والهلع والخوف على أنا وزملائي وتم نقلي مع زملائي إلى مستشفى الحسينية وزارنا رئيس الجمهورية ومعظم أهالي القرية رفضوا ذهاب أبنائهم إلى المدرسة مرة أخرى والبعض أخذ أطفاله وترك القرية.

قال السيد عبد الرحمن حسن أحد مصابي مذبحة مدرسة بحر البقر: انتظمنا في الدراسة صباح يوم 8 أبريل عام 1970 ثم فوجئنا بضربة جوية من قبل الطائرات الإسرائيلية فتحولت المدرسة إلى حطام ووجدت زملائي وأجسادهم أشلاء وتوجه الأهالي للمدرسة لإ انتشال الجثث ونقل المصابين إلى المستشفيات وتم نقلي إلى مستشفى بالقاهرة وكانت حالتي خطيرة فأمر رئيس لجمهورية بنقلي إلى بلغاريا للعلاج ولم أكمل تعليمي بسبب الصدمة التي عشتها.

قالت نبيلة علي محمد والدة شهيدين من تلاميذ مدرسة بحر البقر: يوم الأربعاء 8 أبريل عام 1970 فوجئت بإبنتي تدخل على المنزل في بكاء وصراخ: أخواتي ماتوا يامه فخرجت مسرعة إلى المدرسة وفوجئت بالأهالي يحملون جثثهم غارقة في الدماء وأصيب ابني بالصرع فور سماعه للخبر.

يوم 28 سبتمبر عام 1970 وبعد انتهاء القمة يوم 28 سبتمبر 1970 عانى الرئيس جمال عبد الناصر من نوبة قلبية ونقل على الفور إلى منزله حيث فحصه الأطباء ولكن فاضت روحه إلى بارئها.

أذاع محمد أنور السادات هذا البيان إلى الأمة: فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلى الرجال وأخلص الرجال وهو الرئيس جمال عبد الناصر الذى جاد بأنفاسه الأخيرة فى الساعة السادسة والربع من مساء اليوم ٢٧ رجب ١٣٩٠ الموافق ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ بينما هو واقف فى ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها.

لقد تعرض البطل الذى ستبقى ذكراه خالدة إلى الأبد فى وجدان الأمة العربية والإنسانية لنوبة قلبية حادة بدأت أعراضها عليه فى الساعة الثالثة والربع بعد الظهر وكان قد عاد الى بيته بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب الذى انتهى بالأمس فى القاهرة والذي كرس له القائد والبطل كل جهوده وأعصابه ليحول دون مأساة مروعة دهمت الأمة العربية.. إن اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الوزراء وقد عقدا جلسة مشتركة طارئة على أثر نفاذ قضاء الله وقدره لا يجدان الكلمات التى يمكن بها تصوير الحزن العميق الذى ألم بالجمهورية العربية المتحدة وبالوطن العربى والإنساني

إزاء ما أراد الله امتحانها به فى وقت من أخطر الأوقات.. جمال عبد الناصر كان أكبر من الكلمات وهو أبقى من كل الكلمات ولا نستطيع أن يقول عنه غير سجله فى خدمة شعبه وأمته الإنسانية مجاهدا عن الحرية.. مناضلا من أجل الحق والعدل.. مقاتلا من أجل الشرف إلى آخر لحظة من العمر.

ليس هناك كلمات تكفى عزاء فى جمال عبد الناصر إن الشيئ الوحيد الذي يمكن أن يفى بحقه وقدره هو أن تقف الأمة العربية كلها الآن وقفة صابرة.. صامدة.. شجاعة.. قادرة.. حتى تحقق النصر الذى عاش واستشهد من أجله ابن مصر العظيم وبطل الأمة ورجلها وقائدها: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلي جنتي) والسلام عليكم ورحمه الله. وبركاته.

بعد الإعلان عن وفاة الزعيم جمال عبد الناصر عمت حالة من الصدمة في مصر والوطن العربي وحضر جنازة عبد الناصر في القاهرة يوم 1 أكتوبر عام 1970 أكثر من سبعة ملايين مشيع وحضر جميع رؤساء الدول العربية باستثناء العاهل السعودي الملك فيصل وبكى الملك حسين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات علنا وأغمى على معمر القذافي من الاضطراب العاطفي مرتين.

بعد أن بدأ الموكب بالتحرك أخذ المشيعون يهتفون: (لا إله إلا الله ناصر هو حبيب الله... كلنا ناصر).
حاولت الشرطة دون جدوى تهدئة الحشود ونتيجة لذلك تم إجلاء معظم الشخصيات الأجنبية وكان المقصد النهائي للموكب هو مسجد النصر الذي تم تغيير اسمه فيما بعد ليصبح مسجد جمال عبد الناصر حيث توارى جثمانه.
رثا الكثير من الشُعراء والمُفكرين العرب الزعيم جمال عبد الناصر بعد وفاته ومن هؤلاء نزار قباني الذي قال:
قتلناك.. يا جـبلَ الـكبـرياء
وآخـرَ قنديلِ زيت يـضيءُ لنا في ليالي الـشتـاء
وآخر سـيفٍ مـن القادسية..
قتلناك نحن بكلتا يدينا..
وقلـنا: المنية
لماذا قـبلـتَ الـمجيء إلـينا؟
فـمـثلك كـان كثيراً عـلينا..
سقيناكَ سـمَّ العـروبـة حتى شـبعــت..
رمـيناك في نـارِ عَـمَّانَ حتى احترقت
أريناك غـدر العـروبة حتى كـفـرت
لماذا ظهرت بأرض النفاق.. لماذا ظهرت؟

كما رثا الشيخ محمد متولي الشعراوي جمال عبد الناصر فقال: ( قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت فالناس كلهم يموتون لكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا - وقليل من الأحياء يعيشون وخير الموت ألا يغيب المفقود وشر الحياة الموت في مقبرة الوجود وليس بالأربعين ينتهى الحداد على الثائر المثير وقد كان البطل الماثل فلتة زعامة وأمة قيادة وفوق الأسطورة للريادة لأن الأسطورة خيال متوهم وما فوق الأسطورة واقع مجسم وللزعامات في دنيا الناس تجليات فليس الزعيم الذى يعمل لك بنفسه طوال عمره إلى نهاية أجله لكن الزعيم الذى يعلمك أن تعمل بنفسك لنفسك طوال عمرك إلى نهاية أجلك وعلى مقدار تسلسل الخير فيه يكون خلود عمره ).

بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر طلبت البطلة السيناوية وداد حجاب من عزرا وايزمان الحاكم العسكري الإسرائيلي السماح بذهابها إلى القاهرة لتقديم العزاء في الرئيس وبالفعل تم السماح للبطلة وكانت الفتاة الوحيدة في الوفد الذي ضم 99 رجلا من أبناء العريش.

سافرت وداد مع الرجال إلى القاهرة عن طريق عمان العاصمة الأردنية وعندما وصلوا إلى القاهرة قابلهم المشير أحمد إسماعيل علي والرئيس السادات.

خلال تواجد البطلة وداد حجاب في القاهرة توصلت إلى مؤسسي منظمة سيناء العربية وانضمت إلى المنظمة وبدأت في توزيع المنشورات التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي.

تمكنت قوات الاحتلال من القبض على البطلة وداد حجاب وأسرتها وتعرضت مع شقيقها ووالدها للتعذيب ولكنهم صمدوا.
بعد أن تم الإفراج عنها واصلت توزيع المنشورات وكانت تتنقل بين سيناء والإسماعيلية والقاهرة وجعلت سيناء كتابا مفتوحا أمام المخابرات المصرية.

في السادس من أكتوبر 1973 م العاشر من رمضان 1393 هـ بدأت المعارك لتحرير سيناء الحبيبة وحاصرت النيران مدن سيناء والطرق المؤدية للعريش فتركت البطلة وداد منزلها الكائن بوسط العريش وقصدت المستشفى العام بالعريش وذلك بمساعدة الأستاذة خديجة عودة معلمة البطلة وداد حجاب.

في المستشفى عاشت البطلة وداد حجاب أسابيع طويلة لأن جنود الاحتلال فرضوا حظر التجوال وبعد فترة سمحت القوات الإسرائيلية للفتيات المتطوعات الخروج بملابس التمريض البيضاء لزيارة أسرهن.

في معارك أكتوبر 1973 تم الأخذ بثأر الشهداء حيث تمكن البطل صبري عطيه ورفاقه من قتل الطيار الإسرائيلي الذي ضرب مدرسة بحر البقر مع تدمير طائرته وأيضا تم أسر آمي حاييم التي اعترفت بمشاركتها في قصف المدرسة وأن القيادة الإسرائيلية كانت تعلم أن هذه مدرسة للأطفال.

تم النصر العظيم في أكتوبر 1973م وتم تكريم البطلة وداد حجاب من القيادات والجهات الرسمية والشعبية.
عن رأيها في تجسيد الفن لمعارك الاستنزاف وأكتوبر قالت البطلة وداد حجاب: في فيلم العمر لحظة الذي أنتج عام 1978 بطولة ماجدة وأحمد زكي كانت أغنية أنا بحبك يابلادي كلمات فؤاد حداد والحان بليغ حمدي وأداء كورال من الأطفال وهذه الأغنية جسدت مذبحة مدرسة بحر البقر التي ارتكبتها إسرائيل أما الأفلام التي تحدثت عن العبور والنصر أكتوبر عام 1973 فهى: بدور عام 1974 وفيلم الوفاء العظيم عام 1974 وفيلم العمر لحظة عام 1978 وفيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى عام 1974 وفيلم أبناء الصمت وتم أنتاجه عام 1974 وفيلم حتى آخر العمر عام 1975 وذلك عدد قليل.

أيضا قالت البطلة وداد حجاب عن الأحداث التي عاشتها مصر بعد ثورة 25 يناير عام 2011 م: الشعب المصري العظيم لايقبل المهانة والتهميش ولذلك بعد الأحداث التي عاشتها مصر تكشفت المؤامرات التي تحاك بمصر لأنه شتان بين إسقاط نظام وبين إسقاط الدولة وعندما اختطفت مصر لمدة سنة هب الشعب وثار وكانت ثورة يونيو عام 2014 التي أعادت مصر للمصريين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى