الخميس ٤ شباط (فبراير) ٢٠١٦
سامي العامري، في بعضِ

شذراته الساحرة الممتعة

(5)

الشاعر سامي مؤمن حقيقي بالديمومة والإستمرار والديالكتيك، ولكنه هنا يريد الإستمرار معها، مع الإخصاب اللامنتهي، (عشتار وتموز)، وإيزيس وأوزيريوس، لنقرأ أدناه ماذا يتحفنا بخصوص ذلك:

أيتها المسافرةُ
أرأيتِ قطاراً طويلاً لا يتوقَّف ؟
تلك هي أمنياتُ حياتي.
قطارٌ ممتليءٌ ولكنْ لا أحدَ ينزلُ منه فأعانقه
وأحملُ عنه حقائبهُ
أما وقد نزلتِ أنتِ وحدَك
فكم تمنيتُ لو أنك بقيتِ مسافرةً
وتلك أمنيةٌ تُضاف!

نعم هناك من لايتوقف عن الحركة وهو الشاعر الذي له من الكلمات البندولية الصارخة , هناك الديالكتيك في كل حلقةٍ من حلقات القصائد الخالدة , هناك حبها الذي سار في قلب إمرئ القيس وجميل بثينة وبقي سائرا في الأمصار حتى اليوم , هناك السحب التي فوقنا وكثيرا مانراها ونحن محلقون في الطائرات، السحب التي هي عبارة عن القطارات البخارية أيام زمان (الريل وحمد) , هناك سامي العامري وأنا وهو وهي الذين لايمكن لنا أن ننسى ماينزفه الأبطال دفاعا عن الأوطان والحرية حتى يدوّنوا عبر التأريخ قطاراتهم الصاعدة صوب الأبدية والخلود.

الشاعر في نفس الوقت يؤمن بحركة الحياة وطبيعتها التي تبدأ من الطفولة حتى الشيخوخة التي لامفر منها، إنها ألأمر الذي لايستثني أحدا، كلنا نشيخ، نتغضن، نحدودب، نفقد طاقاتنا التي كانت أيام صبانا وتلك الحيوية الفياضة، التي تتحول الى الخمول والكسل القسري الذي وصفه لنا الرائع سامي في السطور أدناه:

كالشيخ
لم يعد يعينني
أيَ من أطراف جسدي
لا الشمس
ولا القمر!

شعرية هائلة، أستطيع أن أذهب بعيداً هنا وأتكلم عن وطننا أو أرضنا المسلوبة، الوطن أو ألأرض، مهما أشرقت شموسهما أو بزغت أقمارهما، فأنهما قد شاخا، فلتنفصل إذن بقية الأطراف تنفيذا لمشروع الإدارة الأمريكية الجديد.
لكننا هنا وفي هذه الأبيات الوجدانية بصدد الشاعر، اي شاعر نتمنى له أن لايحصل له مثلما حصل للشاعر إبن زيدون صاحب القصيدة الشهيرة عن ولادة بنت المستكفي (أضحى التنائي بديلا من تدانينا........وناب عن طيب لقيانا تجافينا )، حينما شاخ ويسألونه عن أعظم اشعاره التي كتبها في شبابه يقول لهم: من قال هذا الشعر الجميل، أي أنه قد فقد الذاكرة نتيجة الكِبر والشيخوخة. أمنياتي لشاعرنا الجميل أن يظل في الذاكرة المتقدة مهما طال الزمن. نريده أن يبقى مناصرا للكثيرات على غرار ولادة، أو تلك الأميرات من عامة الناس اللواتي وقعن في الأسر نتيجة الطغيان الديني أو البدوي أو الطغيان العائلي، لنقرأ ماذا قاله الشاعر في نصرته لأحداهنّ من بنات الموصل، الأميرة التي أذاقت الأمرّين من ظلم داعش وهي تكتب له قصتها من داخل الموصل ومن بين رعب الدواعش:

أميرة العرب
 
الأميرةُ واحدة من نساء العراق
فخارُ الفخارْ
والأميرة شاعرة من نسيمٍ ونارْ
تشرِّفُ داعشَ دوماً بمحْتِدها
وتشرِّفُ ربَّهمُ الهمجيَّ المشعوذَ والمستعارْ
كم الطرقاتُ استضاءت بها كالجمانْ
واليومَ قد صيّروها تسيرُعلى الدربِ
تحت السواطيرِ ثكلى بزيٍّ كخيط دخانْ
وهذا الدخان وظلمته في ضمائرهم
وعقولهم المتفسخة
غير أنَّ الجمانة لا بد أنْ سوف تعميهمُ ببريق سناها قريباً
فليس لهم من أمانْ
 
لا أدري من أي الكهوف أتوا همُ أبداً ولا أي الجحورْ
كلا ولا حتى التتار تخيلوا أنْ مَن سيأتي بعدهم
سيكون سيدهم وأستاذاً لهم في كل موبقة وكل رذيلة
ومدى فجورٍ أو شرورْ
أحرى بشمسي والكواكب أن تغورْ
 
بعد أن كبلتمُ بالخوف وجدان الأميرهْ
يا وحوشاً مستطيرهْ
سأنادي:
في فضاء رفَّ بوحاً وابتساما
أنا أسقي روحها الهَيمى يماما
 
تعساً لداعشْ
لن تقتلوها يا جفاةُ ويا حفاةُ فإنها
هي شِعرُها
وبشِعرها يتألّقُ الدم مثلَ كلِّ النجمِ
برَّاقاً وراعشْ
ولقلبها الزهريّ غاباتُ الربيع وما يسافرُ في رباها
من عرائشْ

مثلما قتلوا الفنانة الباكستانية (غزالة جاويد) ومثلما شوهوا وجه الجميلة الأفغانية (ملاله) ومثلما قتلوا الصحفية الكندية الإيرانية، وأمثالهن الكثيرات على أعتاب هذا الدرب العسير، ممن أغلقت أفواههن أوعلّقت أعناقهن على أعواد المشانق، منذ ذلك الزمن الذي قتلت فيه هيباتشيا على يد الأبرشية، نزولا الى روزا لوكسمبرغ، والى يومنا هذا تتعرض النساء للأضطهاد والقهر، ولكن الكلمة لايمكن أن تحبس في دارها أو في سجنها، لابد أن تصرخ وتخرج من الثقوب كي تصل الى ماتريده، مثلما خرجت هذه الصرخة الشاعرية من فم ( أميرة العرب) والتي نقلها لنا سامي العامري، أما هؤلاء المجرمون فهم قادمون من نفس الكهوف التي حكمت في تلك العهود المظلمة بإسم الدين , ولم يتغير شيئأ، كلما انتعش الدين كلما إزداد الجهل ( نيتشه ) , الدين يجعلهم أن ينسوا و يكرهوا حتى أبناءهم، مثلما كره أبو علي الوردي أبنه الكاتب والباحث الإجتماعي الكبير علي الوردي، ولم يصفح عنه حتى قارب الموت، فما هو هذا الشئ الذي يجعل الفرقة بين الدم الواحد، إنه التطرف الديني الذي جعل من أميرة الشعراء هذه ترتعد من هول جرائمهم في الموصل. ولم يهدأ بال الشاعر سامي أبدا من جرّاء ذلك، حتى راح ينشدنا بسقوط مدننا بأيدي المتخلفين وكيف دمروا حضارات المدن وآثارها الضاربة عميقا في التأريخ كما في أدناه:

عن موت التأريخ في مدن بلادي

حين تكفُّ الحياةُ عن كونها حياةً،
حين تكفُّ الوردة الحمراء عن كونها كُمّاً من أكمام نديةٍ يزهو بها ثوب الشمس،
حين تغدو السواقي والجداول سياطاً تُلهِبُ ظهرَ الأرض المخضوضرَ المُعشب،
حين تملأ الرياحُ بطنها بغبار الصحراء ثم تعود لتتقيأه على وجوه القتلة ويرشُّوه هُمْ على ربوع الوطن سُموماً ونفايات أفكار،
حين تتشبَّثُ الأجنَّةُ بالأرحام كتشبُّث النحل بخلاياه خوفاً من أن يستقبلها نورٌ رصاصيٌّ من سماءِ وطنٍ كوطني،
حين تصبح حتى الشمعة سكيناً وضياؤها شفرةً حادة،
حين يستغلُّ جُرَذٌ نومَ الكواسر فيتهادى متبختراً في الظلمة،
حين تُحلِّقُ دموعُ اليتامى والثكالى إلى ما وراء الكون كرسالةٍ تُحرج خالقَ الكون وتُعجِزُ الملائكة عن تقديم أي عزاءٍ شافٍ،
فكم أتمنى حينذاك لو أني كنتُ واحداً من أولئك الضحايا،
ليس طمعاً بالشهادة، كلا
وإنما فقط للتخلص من خجلٍ عميقٍ يلاحقني متمثلاً بانتمائي لأعرق حضارة قد احتلَّها ومزّقَ أوصالَها جمعُ حثالات وفي عدة ساعات !.

الرئيس الروسي بوتين قال ( لو أنّ تنظيماَ لم يمضِ عليه سوى سنتين ( يقصد داعش ) يهزم حضارات العالم التي مضى عليها آلاف السنين، الأفضل لنا أن نبقى في بيوتنا ونخدم النساء ).
مات المرتل ومات المغني، بقي الخطيب الكذاب والمسجّع، مات الجندي على أطراف أنهرنا التي جفت بفعل الأوغاد وبقي الجلاد، مات الجندي بركلة مجرمٍ حقير قرب القصور العفنة، بينما الجرذان هي من أوثقت الأسود في زمنٍ أرعنٍ، وبقي الشاعر يتمنى الموت خلاصا كي لايرى فداحة ما وصلنا اليه، وما آلت اليه مصائرنا التي لم تعد تفتخر بهذه الأمة التي يتوجب عليها أن تدفن عارها، وبمَ تفتخر الأمم والشعوب، غير أنها عزيزة كريمة مستقلة عن براثن الأجنبي، وها هم ساسة اليوم يغرقوننا بالوحول والدماء على طريقة ماقاله ميكافيللي، حقا أننا نخجل أن ننتمي الى هذا العصر المخزي، ندفن رؤوسنا كي نتخلّص من خجلٍ عميقٍ يلاحقننا متمثلاً بانتمائنا لأعرق حضارة قد احتلَّها ومزّقَ أوصالَها جمعُ حثالات وفي عدة ساعات. فياسيوف خذينا، لنقولها على طريقة ماقالوه عن الحسين الثائر الذي مات في عدة ساعات أيضا، وعندها خجل التأريخ من فداحة الموقف. ولذلك الشاعر سامي يحب أن يبقى هو هو، لايمكنه أن ينشطر، لكثرة مافي هذا الكون من أهوال تجبرنا على التغيير أو نضطر لنسلخ جلودنا مثل الأفاعي، ولذلك الشاعر سامي راح يضع الذات الإنسانية أمام محكمة العقل لتنال جزاءها...... لنتمعن ماذا يقول أدناه:
إنكَ لن تصبحَ شخصَينِ
إذا واجهتَ المرآةْ
لكنكَ قد تصبحُ مليوناً
حين تعوفُ الكونَ
وتأتي لتحَدِّقَ في الذاتْ !

لم أجد كثيرا الفعل المضارع ( تعوف) متداولا وبشكل جميل مثل هذا الذي أقرأه هنا، المتداول هو (تعف، تترك، تمتنع، تدع )، أنه قليل الإستعمال عدا ماقرأته بشكل آخر وبمعنى آخر لعنترة العبسي (وأعفُّ عند المغنمِ)، عنترة المحارب العنيد والشجاع قد ترك وامتنع عن الغنائم ولم يفكر في ذاته، إنه إبن العشيرة والمجتمع، وهنا سامي الشاعر الجميل لم يفكر يوما تفكيرا نرجسيا وينغلق مع الذات، التي قد تؤدي به الى التشظي في أكثر من وجه، أنه لم يرتجِ غير ان يكون سامي العامري الأديب والإنسان أو (وسام) ذلك المولود الحقيقي، الذي مهما فارق وجوه أصدقائه الكثيرين يبقى هو هو محبا صادقا ناكرا لذاته في سبيل الآخرين (هلالة بالسماعالي وسامي... ومحبتة تظل على صدري وسامي... وجوه شكثر فارگنة وسامي وبقت ذكراه دوم تعيش بيه.... هذا ماغناه المحبوب قحطان العطار). سامي الشاعر الشفاف جُبِلَ على أن يبقى عذبا فضفاضا، فلنرّ تغريدته بخصوص ذلك:

يتبــع في الجـــزء الســــادس

(5)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى