الاثنين ٨ شباط (فبراير) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

شتاء كانون

قصة قصيرة

مالك تبكين كلما هلت ذكرى ذلك اليوم المشؤوم؟ لم يكن اليوم الوحيد المليئ بالحزن، والآهات، فكل أيامك تعاسة، وشقاء.
لكنك تكرهين ذلك اليوم أكثر من كرهك أي شيء آخر، يوم مفصلي في حياتك كلها، تذكرينه جيدا، وغير قادرة على نسيانه مهما حاولت.
في مثل هذا اليوم خرجت من دار الرعاية الاجتماعية تحملين حقيبتك كالخارج من السجن باحثا عن الحرية.

 حينها بدأتِ رحلة البحث عن الذات، عجائبك التي تقشعر لها الأبدان.

كنت لا تزالين تبحثين عن سبب قسوة أمك عندما تركتك في دار رعاية الأيتام، ولم تعد لزيارتك منذ كنت طفلة في الرابعة من عمرك بعد وفاة والدك، تحاولين أن تجدي لها مبررا تقنعين بها نفسك كي لا تتحطم صورة الأمومة في داخلك. كنت تعتقدين أن كل من تفقد أباها توضع في تلك المؤسسة لكنك عرفت بعد ذلك أن السبب غير ذلك.
أسئلة محيرة تبحث عن جواب: لماذا لم تعد؟ هل ماتت؟ لماذا وضعتك هناك؟ لماذا لم يزرك أحد؟ أين أخوك؟
كان والدك المثل الأعلى لك فصورته لم يلوثها شيء، مات وأنت طفلة تركك وحدك تعانين كل هذه المعاناة.

كفى بك داءاً أن ترى الموت شافيا، صدق المتنبي فقد تمنيت الموت ألف مرة منذ خروجِك من دار رعاية الأيتام، عندما ركبت الباص تتنقلين من بيت إلى بيت تبحثين عن أمك التي لم تعد طيلة ١٤ سنة كنتِ تحاولين رسم صورة أمك بثوب جديد، تتمنين رؤيتها لتضمك لصدرها، كنت تستعدين للصفح عنها، فور أن تأخذك بحضنها الذي افتقدته من سنوات طويلة حتى فقدت الإحساس به.

عندما وصلت أخيرا إلى الحارة التي تسكن بها بعد أن أرشدك أهل الخير لبيتها، توجهت فورا لصاحب البقالة الصغيرة في الحي تسألينه عن بيت أمك، فوجئت بنظراته إليك، وابتسامته الصفراء وسألك بخبث: هل أنت صديقتها؟ قلت له بسرعة أنك ابنتها. قطب حاجبيه، اختفت ابتسامته، ثم قال بتعجب: ابنتها؟!!
ثم أشار لك للبيت كأنه يطردك من أمامه.

زادت دقات قلبك مع كل خطوة تقربك من شقة أمك، وعندما قرعت جرس البيت كنت في قمة انفعالك، وعندما فتحت أمك الباب، سألتك: من أنت؟
لم تتمالكي أعصابك، فورا قلت لها ماما، أنا سامية.
أنت سامية؟
ارتمى كل منكما على الآخر، عناق بعد طول غياب، بعد ثوان، شعرت أن حرارة اللقاء كان فاترا جدا وأن أمك لم تذرف دمعة واحدة في حين كانت دموعك تنهار على خديك.

كان لديك عشرات الأسئلة تودين أن تعرفي جوابها من أمك عن سبب تركك في دار رعاية الأيتام، والأهم عن سبب عدم زيارتها لك، كنت تعتقدين أن زوجها ربما كان يمنعها، لكنك فوجئت أنها لم تتزوج بعد أبيك. في اليوم التالي وقبل أن تبادريها بأسئلتك، لم تصدقي ما تسمعه أذناك منها.
إنها تعرض عليك أن تعملي معها بالدعارة!! 
كنت محتارة أهذه أمك؟ أم أنها تحتال عليك؟

رميت كل أسئلتك بالزبالة، فالإجابة أضحت مثل شمس النهار، حملت حقيبتك مرة أخرى وتركت أمك أو من تدعي أنها أمك وتوجهت لبيت عمك بعد أن حصلت منها على عنوانه، لعلك تجدين عنده حنان أبيك أو بعض حنانه.

لم تمكثي عنده سوى شهرين بسبب الاضطهاد وسوء المعاملة التي تعرضت لهما من قبل زوجة عمك التي كانت تغار من جمالك على زوجها.

تركت بيت عمك تبحثين عن أخيك حتى وجدته يسكن وحده.
شعرت بالراحة والأمان رغم أنك لم تجدي جوابا من أحد لماذا تركوك في دار رعاية الأيتام كل هذه الفترة؟؟

لكن فرحتك لم تدم، ففي ليلة من ليالي شباط الباردة اقتحم اخوك غرفتك طالبا منك خلع ملابسك لأنه يريد … فرفضت، لكنه أصر على ذلك وهددك أن يرميك بالشارع، فلم تصدقي ما تسمع أذناك، وانهرت على الأرض.
هجم عليك بالقوة يمزق ملابسك قطعة قطعة ليغتصب أخته بجنون كأنك لم تكوني جزءاً منه، لم يستمع لأنينك وصراخك وبكائك.

هربت من بيت أخيك بعد أيام لا تدرين أين ستذهبين، وأخيرا وجدت الحل، وجدته وأنت جالسة في الباص متنقلة من مكان إلى آخر، فبينما كان الراكب الجالس بجانبك يطالع الجريدة اليومية لفت انتباهك إعلانا من مؤسسة لحماية المرأة من العنف، عنف الأهل فحفظت العنوان وغيرت اتجهاهك إلى هناك حيث شرحت لهم قصتك وأصبحت إحدى نزيلاتهم. نسيت كل شيء، إلا ذلك اليوم المشؤوم الذي كل ما حلت ذكراه تذرفين الدموع بغزارة كأمطار الشتاء في شهر كانون.

قصة قصيرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى