الأربعاء ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم ماجدولين الرفاعي

بطاقة حب موشاة بالياسمين في ذكرى رحيل الشاعر الكبير نزار قباني

عندما زرت الاندلس قبل سنوات بعيد رحيل الشاعر الكبير نزار قباني كان الشوق عارما لمعانقة غرناطة تلك المدينة الساحرة بأبنيتها العربية التي ماتزال شاهدة على عصر مزدهر للعرب في الأندلس ولكني لم أكن أتخيل تلك المدينة دون أن يتداعى الخيال في استحضار صورة الشاعر الكبير الذي عشقت قصائده منذ الطفولة وشعرت أن غرناطة والحمراء شيئان مرادفان لنزار قباني واتعجب أليست لغرناطة تاريخاها ولقصر الحمراء رجاله!!!!!! إذا كيف يختزل رجل واحد مر من هناك كل التاريخ العربي وكيف لانستحضر حين نمر قرب أسوار الحمراء سوى صوت واحد وصورة واحدة لشاعر خلد تلك الأماكن في قصائد ساحرة وأتصور أن قريبي علم مسبقا بحبي لنزار فلم يتأخر عن وضع شريط تسجيل في سيارته وجعله يعمل ونحن نقترب من قصر الحمراء العامر وجنان العريف الساحرة وتاريخ بني الأحمر في افيائها فانطلقت من السيارة قصيدة غرناطة بصوت الشاعر الراحل نزار قباني:

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا

ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد

عينان سوداوان في جحريهما

تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد

هل أنت إسبانـية؟ ساءلـتها

قالت: وفي غـرناطة ميلادي

غرناطة؟ وصحت قرون سبعة

في تينـك العينين.. بعد رقاد

سحر المكان وصوت نزار جعلا من الزيارة لقصر الحمراء شيئا أسطوريا لم استطع نسيانه مطلقا

كتب نزار الكثير من الأشعار عن تراثنا العربي في اسبانياو قصائد تنعي التاريخ وتبكي هزائم الأبطال رغم أن البعض حاربه واتهمه بالفسوق والانحلال وكتابته عن جسد المرأة لكنني اقول هؤلاء لم يقرؤوا نزار قباني الإنسان ففي قصيدة أخرى عن اسبانيا بعنوان أحزان في الأندلس كتب يقول والحزن يمزقه ويجعل الياس يسكنه:

كتبتِ لي يا غالية ...

كتبت تسألين عن إسبانية

عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية

عن عقبة بن نافع

يزرع شتل نخلة

في قلب كل رابية

سالت عن أمية

سألت عن أميرها معاوية

عن السرايا الزاهية

تحمل من دمشق في ركابها

حضارة وعافية

• ****

ويتابع نزار قباني تألمه وحسرته على ماض العرب في الأندلس وذهاب أمجادنا ودفن ولادة وابن زيدون وعصرهما المزدهر وضياع امجاد العرب التي بناها اجدانا في قرون :

لم يبق من اسبانية

منا ومن عصورها الثمانية

غير الذي يبقى من الخمر بجوف الآنية

وأعين كبيرة... كبيرة

مازال في سوادها ينام ليل البادية

لم يبق من قرطبة

سوى المئذنات الباكية

سوى عبير الورد والنارنج والأضاليه

لم يبق من ولاّده ومن حكايا حبها

قافية... ولا بقايا قافية

نزار قباني الشاعر الدمشقي الدماء والمولد والذي أحب السفر والترحال رغم حبه وارتباطه بدمشق وحاراتها وشوارعها العتيقة وياسمينها الذي هو الآخر أصبح مرتبطا بنزار قباني اذ لايمكن للمرء أن يتخيل ياسمين دمشق المعرش على أسوار البيوت العتيقة دون أن يستحضر في ذاكرته قصائد كتبت في عشق دمشق التي انجبته و عاشت به

نزار قباني كان حلمه أن يصبح جزءا من دمشق لكنه أصبح جزءا منا ومن تاريخنا ومن طفولتنا ومراهقتنا العاشقة تحول نزار إلى أغنية وشارع فقد سمي احد شوارع دمشق باسمه تحول نزار إلى قصيدة تتلى في كل صباح

هل نتصور صباحاتنا دون ان تخطر في البال كلماته:

صباحك سكر

إذا مر يوم. ولم أتذكر

به أن أقول:صباحك سكر ..

ورحت أخط كطفل صغير

كلاماً غريباً على وجه دفتر

فلا تضجري من ذهولي و صمتي

ولا تحسبي أن شيء تغير

فحين أنا.لاأقول :أحب..

فمعناه أني أحبك أكثر.

أمير دمشق العاشق الذي سكن معظم العواصم العربية وآلمته انكسارات شعوبها فحمل همومها وجعل آلامها أيقونة علقها على صدر أشعاره جسّد وجع امة أنهكها حكامها بوعود خلبية وتخاذل مريع فكتب قصيدته متى يعلنون وفاة العرب معبرا عن حزنه المعتق وآلامه ونظرته المستقبلية عن سوء حكمة العرب وقادتهم والخيانات المتتالية :

أنا منذ خمسينَ عاما،

أراقبُ حال العربْ.

وهم يرعدونَ، ولايمُطرونْ...

وهم يدخلون الحروب، ولايخرجونْ...

وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا

ولا يهضمونْ...

قصيدته تلك تختزل كل مافي نفسه من ألم وخيبة وحزن استطاع من خلالها استقراء المستقبل المزري للعرب والذي لن يتغيير مادامت النفوس مريضة وضعيفة

فهاهي الحال العربية تسير من سيء إلى أسوء وهذا الشاعر غازي القصيبي يرد على شاعرنا بعد حين بقصيدة يبلغه من خلالها ان الحال كما قال وأسوء

نزارٌ ! أزفُ إليك الخَبَرْ!

لقد أعلنوها.. وفاَة العربْ..

وقد نشروا النعْيَ..فوق السطورِ..

وبين السطورِ..وتحت السطورِ

وعبْرَ الصُوَرْ!!

وقد صدَرَ النعيُ..

بعد اجتماعٍ يضمُّ القبائلَ...

جاءته حمْيَرُ تحدو مُضَرْ

وبالرغم حب نزار قباني لجميع الدول العربية وحمله هموم الوطن الا ان دمشق مابرحته يوما وظلت تسكنه ويتنفسها تجري دماؤها في عروقه ففي قصيدة

بعنوان مهرجان الماء وهي إحدى القصائد التي تغنى بها بحبه لمدينته التي أنجبته كتب نزار :

لا أستطيع أن أكتب عن دمشق, دون أن يعرش الياسمين

على أصابعي .

ولا استطيع أن أنطق اسمها ,دون أن يكتظ فمي بعصير

المشمش, و الرمان, و التوت, و السفرجل.

ولا استطيع أن أتذكرها ,دون أن تحط على جدار ذكرياتي

ألف حمامة ....و تطير ألف حمامة ..

 2-

كل أطفال العالم ,يقطعون لهم حبل مشيمتهم عندما يولدون

إلا أنا ... فحبل مشيمتي لم يزل مشدوداً إلى رحم دمشق

منذ 21 آذار 1923 .

إنها معجزة طبية ,أن يبقى طفل من الأطفال يبحث عن ثدي

أمه سبعين عاماً ...

 3-

أنا مسكون بدمشق ,حتى حين لا أسكنها .

أولياؤها ,مدفونون في داخلي .

حاراتها تتقاطع فوق جسدي .

قططها ,تعشق... و تتزوج ....و تترك أطفالها عندي .

نزار قباني أيها العاشق من مولدك في 21 آذار 1923 وحتى موتك في 30نيسان 1998

اهي صدفة أيها الامير الدمشقي الشاعر المبدع ان تولد في ربيع الياسمين وتموت في ربيع الياسمين أيضا ؟

كتب نزار قباني عن ولادته:

يوم ولدتُ في 21 آذار(مارس) 1923 في بيت من بيوت دمشق القديمة, كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة.. و كان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء.

الأرض و أمي حملتنا في وقت واحد..و وضعتنا في وقت واحد.

هل كانت مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي هي الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها, و ترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة؟ أم كان مكتوباً

كل الذي أعرفه أنني يوم ولدتُ, كانت الطبيعة تنفذ انقلابها على الشتاء.. و تطلب من الحقول و الحشائش و الأزهار و العصافير أن تؤيدها في انقلابها..على روتين الأرض. عليَ أن أكون كشهر اذار, شهر التغيير و التحولات؟.

هانحن اليوم في ذكرى رحيلك نتلو عليك أشعارك كلمات وأغنيات فيعرش الياسمين على شفاهنا المترعات حبا لشاعر عزف على قلوبنا كلماته الخالدات فرحل دون ان يموت

نزار قباني مت جسدا وشيعناك بالآلاف ولكنك مازلت حيا ونقراك بالملايين فاخلد إلى موت يليق بك أيها الأمير العاشق

سلام عليك

سلام عليك


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى