السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١٦
بقلم إسلام صالح

رياح عاصفة

حلقة 1

ولد عبد الراضي في أسرة معتدلة الحال تقطن في حي القلعة وكان طفلا منطويا لا صاحب له ولا خليل ووالده الحاج عبدالله كان صارما معه ويمنعه من مخالطة أطفال الحي حتى لا يفسد،، وكانوا دائما ينادونه براضي وكان مولعا بالذهاب إلى مسجدي الرفاعي والسلطان حسن للصلاة فيهما خاصة في رمضان والأعياد و وحدته جعلته يعشق التأمل فكان يقف امام المسجدين مبهورا ببنائهما وضخامتهما والرقي والعظمة في التشييد،،،كانت اسرته تسكن في عقار متواضع بأحدى حارات الحي وكانت تسليته الوحيده منذ الصغر التأمل في كل شيئ حوله حتى عندما يرى نملة صغيرة تمر من أمامه كان يراقبها ويتأملها حتى تأوى إلى جحرها ظل على هذا الحال إلى أن بلغ مبلغ الشباب.

1970... أصبح راضي شابا بالجامعة في السنة الثانية في كلية التجارة وبدأ يتعرف على زملاء وزميلات له وتتحرك بداخله رغبات المراهقة حيث بلغ من العمر 18..هنا انصرف عن مراقبة الحشرات وما حوله ولفت نظره الفتاة كريمة جارته التى تقطن في العقار المناظر لهم وكانوا ينادونها "كرملة" لانها كانت دائما تحب شراء الحلوى وعندما كبرت اصبحت تشتريها وتهديها لمن تقابله ولا تفارقها ابدا.

كرملة فتاة يافعة القوام وتتفجر أنوثتها ووالدتها تعمل خياطة تحيك الجلاليب والعباءات والملابس لنساء الحي والأحياء المجاورة لكن كرملة كانت تعيسة السمعة فقد تم خطبتها 4 مرات وهى تبلغ من العمر حاليا 25 عاما أي تكبر راضي ب6 أعوام وكان يهرب شباب الحي وكل من يفكر في خطبتها من سمعتها بعد أن أصيب خطابها الثلاث في حوادث بعد أشهر من الخطوبة وتوفي الرابع فأصبحت مصدر ومبعث للتشاؤم لمن يفكر في الزواج بها رغم جمالها ورغبة من يراها في الفوز بها.

استرعت كرملة نظر راضي عندما كانت تأتي بالملابس التى تحيكها فوزية الخياطة والدتها إلى والدته الحاجة عائشة "40 عاما" وكانت تعمل هي وزوجها عبدالله " 50 عاما" بدار المحفوظات بحي القلعة فكانا زملاء بالعمل تزوجا وأنجبا فاطمة التى تكبر راضي أربعة أعوام.

فاطمة تزوجت في سن الثامنة عشر من عمرها رجل يكبرها بعشرة أعوام وهو يعمل مدرسا بالاسكندرية ويدعى عمر وهو ابن شقيقة أحد زملاء أبويها في العمل وانتقلت معه للعيش هناك هي فتاة حالمة ورومانسية وتتسم بالجمال الا انها تزوجت رجلا لا تعرفه وعملي جدا في حياته وكان حلمها ان تتزوج برجل يشبه مطربها المفضل عبد الحليم حافظ.

أصبحت متعة راضي أن يراقب كرملة من نافذة حجرته حتى شعرت به في أحد الأيام وهو يختلس النظر اليها فهى تقطن في العقار المناظر لاسرته ونافذة حجرة صالون شقتها أمام حجرته..ابتسمت أول مرة حين رأته وهو وارى نظره وغلق النافذة سريعا ظلت تراقبه ويراقبها وفي احد الايام همست منادية عليه فتوجه نحو النافذة وأشار لها بيده ماذا تريد فقذت له بورقة مكورة بعد أن راقبت الحارة وتأكدت من خلوها من المارة،، أخد راضي بالورقة وقرأ ما فيها وكتبت له بخط سيئ حيث انها لم تكمل تعليمها واكتفى شقيقها الأكبر كمال الذي يعمل نجارا في الورشة التي ورثها عن والده منذ 3أعوام بحصولها على الابتدائية وعليها ان تساعد والدتها في الحياكة والمنزل الى ان تتزوج.

،،،،صباح الخير راضي انت شاب مؤدب وجميل ليه بتبص عليا انا حاسة ان جواك حاجات كتير عاوز تقولها بس خايف منى عشان انا نحس زي ما بيقولوا بس هعمل ايه ده النصيب كده وانت راجل مؤمن وبتصلي وعارف ده ياريت ترد على كلامى باي،،،،
هذا نص ما سطرته كرملة لراضي وفي اليوم التالي كتب لها راضي جوابا طويلا يشرح لها فيه اسباب تعاسته ووحدته وانه اصبح مولع بها وبجمالها فهو يراقبها منذ عام تقريبا.

1971...استمر حال المراسلة بينهما مدة عام تقريبا وتعلق الاثنان ببعضهما البعض وتفضفض له في خطاباتها بتعاستها في الحياة ومن قساوة شقيقيها خاصة شقيقها الاوسط كامل الذي يعمل سائقا لميكروباص حيث انه دائما ينهرها بسبب بكبرها في السن وعدم زواجها لسمعتها التى ينفر منها العرسان،،، وفي أحد الايام تفتحت نوافذ بيوت الحارة وتجمع اصحاب المحلات والمارة على صوت صراخ كرملة حينما اعتدى عليها كامل بالضرب المبرح بالحزام عندما رأها أثناء سيره بالميكروباص بصحبة شاب وفشلت في اقناعه بانه نجل احدى زبائن والدته واصر على توصيلها الى المحطة لتعود الى منزلها وانه شاب صغير مازال في الثانوي،، على الجانب الاخر ارتعد راضي خوفا من ان يكون شقيقها علم بما بينهما من مراسلات ويفتضح امره فظل حبيسا في منزله ولا يذهب الى الجامعة حتى يعرف ماذا حدث.

لم يدم انتظاره طويلا فبعد يومين اتت كرملة الى والدته في المنزل لتعطيها العباءة الجديدة التى انتهت فوزية من صنعها،، اخدت عائشة العباءة وتوجهت الى غرفتها لتقيسها وتأتى بالنقود لها،، في تلك الاثناء تسللت كرملة الى حجرة راضي الذي وقف واجما لا يصدق انها امامه في غرفته ويرقب قدوم والدته،، الا ان كرملة اكدت له ان والدته تستغرق وقتا في تجربة الرداء الجديد وقصت عليه سريعا ما حدث مع شقيقها كامل فهدأ واستراح قلبه لكن الشيطان لم يقف عاجزا امامهما فتحدثت اليه بدلع انثوى عن ما اصاب جسدها من أوجاع وكشفت عن ذراعها لتريه ما فعله اخيها ووضع راضي يده على ذراعها ليتحسس مصابها الا انه في ثوان معدودة ضمها الى صدره وقبلها بعنف في شفاهها وعندما سمع باب حجرة والدته يفتح ابتعدا عن بعضهما وخرجت كرملة مسرعه الى الخارج وظل هو واقفا لايصدق ما حدث وقد ابتل سرواله بمنيه.

حلقة 2
في اليوم التالي انتظرت كرملة خروج والديه إلى العمل وأشقائها أيضا واستأذنت والدتها التي تعكف على ماكينة الخياطة في أن تذهب لشراء بعض مستلزمات لها وتوجهت إلى شقة راضي ولم يلفت صعودها الى البيت نظر أحد حيث اعتاد الناس على رؤية ذلك المشهد فهى دائما تذهب للجميع بحكم عملها،، فتح راضى باب شقته بعد أن طرقته كرملة واشار لها بالدخول وهو مضطرب لما فعلت وصاح فيها بصوت هامس بعد أن أغلق الباب" انتي مجنونة ايه اللي بتعمليه ده" لم تبالي بما قال وردت عليه بكلمه واحدة وهى تعانقه "بحبك اوي" لم يستطع مقاومة جمالها وجسدها الفتان ولم يستفيق من الامر إلا بعد أن سلمت له نفسها ونزلت من منزله وهى تغمرها السعادة بعد أن وجدت من يكبح لجام أنوثتها ومن يشاطرها حياتها التعسة كما أنه أيضا ظل يرقص سعيدا بما حدث فأخيرا وجد من يؤنسه وحدته والصدر الحنون الذي يلجأ إليه.

تعددت اللقاءات الحميمة بينهما على فترات،،في خضم تلك العلاقة كان أبويه مشغولان عنه دائما بعاداتهما التى لا تنقطع فوالده دائما يهوى التفاخر بما لديه سواء كان حقيقة أم لا فيفخر بأولاده وما يملكه وما يشتريه من مقتنيات وانه أول من أدخل الهاتف في الحي كذا كان يتفاخر بتدخينه لثلاث علب سجائر يوميا من النوع الفاخر المستورد وذلك بين أقرانه على المقهى حيث طوال حياته كان يعود من العمل ليرتاح قليلا بعد الغذاء ويذهب إلى المقهى ليلا ويظل ساهرا به يلعب الطاولة والدومينو حتى انتصاف الليل وفي الصباح الباكر ينصرف إلى عمله وطوال مكوثه في البيت يظل يعنف في ابنه ويشد عليه خوفا من أن يفسد بينما كان يحنو على ابنته فاطمة،، أما والدته فكانت عقب عودتها من العمل وخروج زوجها إلى المقهى تأتى لها جارتها أم غادة فهي ربة منزل وزوجها يذهب أيضا إلى المقهى ويعود متأخرا ويظلا يشاهدان التلفاز و تحكي لعائشة تفاصيل ما يحدث في الحارة ويتبادلان حديث النميمة التى تعشقها عائشة ولم يخلو حديث لهما عن سيرة كرملة الفتاة التى لا يريد زواجها احد واستمر هذا الحال لشهور.

1972...وصل راضي إلى السنة النهائية من دراسته وفي إحدى اللقاءات التى جمعته بعشيقته كرملة وجدها تشعر بالحزن فحاول ان يعرف ما يدور بخلدها فأخبرته وهى في حيرة إنها حملت سفاحا منه،، لم يستوعب ما قالته أصابه الوجوم وطلب منها وقتا قصيرا ليفكر ماذا يفعل قبل ان يفتضح أمرها،، بعد أيام قليلة ذهب إلى سوبر ماركت كان طالبا أحد يعمل لديه والتحق بتلك الوظيفة فكان يذهب للجامعة صباحا والى المحل عقبها مباشرة ليكسب القليل من المال بجوار مصروفه الضئيل الذى استطاع أن يدخر منه الكثير فكان ذلك أحد مميزات عزلته،،كما انه استطاع اقناع صاحب المتجر بانه شاب مغترب ويريد تلك الوظيفة ليستطيع مساعدة نفسه فوافق الرجل بعدما شعر بصدق قوله ومهارته في العمل والحسابات مما زاد من زبائن ذلك التاجر بفضل حسن ومهارة راضي في العمل الذى استطاع بأدبه الجم كسب الكثير من الزبائن، كما استطاع أن يقنع والده أن غيابه اليومى ما هو إلا أن استاذه في الجامعة لاحظ نباهته فأخده ليدربه في مكتب المحاسبة الخاص به كما انه يضطر أحيانا للمبيت مما أدخل السريره إلى والده وأصبحت شيئ جديد يتفاخر به بين أصدقائه.

بعد أيام قليلة طلب راضى من كرملة ان يتقابلا بعيدا عن الحى وألتقى بها في أحد المطاعم واخبرها بانه دبر أمره واستطاع ان يحصل على شقة إيجار بحي العباسية وان صاحب العقار الحاج حسين الذى لديه دكانا تحت منزله لتجارة الفحم وافق على تسكينهما بعد أن عرف أنه متزوج منها عرفيا وانه شعر بصدق نواياه في أن يتزوحها شرعا وانه اراد ان يستر امرأة فإن خلفته جميعها بنات،، كتب راضي ورقة الزواج وشهد عليها زميلين له بالجامعة يثق فيهما نوعا ما فهى مجرد صورة ليراها الحاج حسين من أجل الموافقة على تسكينهما،، وفي خضم تلك الاحداث المتلاحقة توفت فوزية الخياطة وبعد مضي أسبوع على وفاتها نفذت كرملة خطة هروبها ولمت ما استطاعت من حليها والقليل من الملابس في حقيبة صغيرة وفي الصباح عندما خرج أخويها إلى العمل ذهبت مع راضي إلى مخبأها الجديد وتركت رسالة إلى اشقائها تخبرهما أنها هربت ولا يفكرون في البحث عنها فقد عانت من اسلوب كامل في تعامله وشكه المستديم فيها واهانته لها وانها ذاهبة بلا عودة،، جن جنون الاخوين وظلا يبحثان عن شقيقتهما التى جلبت لهما العار فالكل اخذ يتحدث ربما هربت مع عشيق لها، وكان راضي يراقب الموقف ويتابعه وقد ابلغا الشرطة عن اختفائها الا ان الجهود لم تفلح في العثور عليها.

كان الهدف من زواج راضى العرفي ليس فقط السكن فهو من دبر لكرملة فكرة الهروب رفضا منه ان تجهض نفسها حيث من الممكن ان تموت وتتركه وحيدا بلا سعادة ينشدها كما لم يكترث للشائعات التى طالتها عن انها شؤم على من يقترن بها وانه اذا تزوجها شرعيا فمن الممكن ان تعثر الشرطة عليها وتستدل على مكانها،، أوهم الحاج حسين الفحام اهل المنطقة بأن راضي وكرملة كما اتفق معهما انهما زوجان وانه يعمل ليل نهار لكسب قوته واحيانا يضطره العمل الى المبيت خارج المنزل ليكون مبررا لغياب راضى الكثير عن زوجته بعدما اخبره راضى ان والدته ست مسنة وغير راضية عن زواجه من تلك الفتاة للكراهة الشديدة بينها وبين والدتها.

1973...تخرج راضي من الجامعة وألحقه والده بعمل في احدى شركات القطاع الحكومي وانجبت كرملة ابنها الذي اطلقا عليه اسم "طارق" ويوم مولده كان يبيت طارق عندها وهرع الى الحاج حسين الذى أتى له بالداية لتوليدها،، ولم يسجل راضى ابنه بمكتب الصحة حيث ليس هناك ما يثبت شرعية بنوته الا ورقة الزواج العرفي،، وحينما نبهت كرملة راضى ضرورة حصول نجلهما على التطعيمات من مكتب الصحة فطلب منها ان تذهب الى الطبيب التى تتواجد عيادته في الشارع الخلفى لمسكنهما واعطائه التطعيمات له مهما كلفهما الامر من مال حتى يستطيع ان يجد حلا ومخرجا عندما يصل عمر الطفل الى مرحلة الدراسة، وصارحها هنا رغم حرصهما على ألا يحدث حمل الا انه يعلم انها فعلت ذلك قاصدة لكنه لم يفكر في الامر مليا لان ما حدث حدث.

حلقة 3
أثناء تلك الأحداث كانت شقيقته فاطمة تأتي من الاسكندرية كل شهر لزيارة أهلها حيث كان زوجها كل حلمه ان يصبح ثريا ويملك مدرسة لتحقيق ارباح ويعيش حياة مترفة فكان حريصا في اصرافه للمال ومنهمكا في عمله ليل نهار من بين المدرسة والدروس الخصوصية حتى يحقق حلمه وترتبا على ذلك كان يهمل زوجته كثيرا رغم حسن تعامله معها فكان يخرج صباحا ويعود مساء منهكا ويتناول افطاره على عربة الفول ويظل طوال اليوم لا يأكل ولكنه يتناول الشاي والقهوة والسجائر بشراهة حتى يعود مساء الى المنزل ليتناول وجبة الغذاء،، كانت علاقتها بشقيقها لا يسودها اي قرب سوى شكواه من صرامة والده معه وهى تشكو من مللها من حياتها الزوجية.

1976...نجح راضي في تكوين مبلغ من المال لا بأس به يكفله أن يفتح مشروعه الخاص السوبر ماركت الذى ظل يحلم به منذ أن تزوج كرملة وكان دائما الحديث عنه معها،، ابلغه الحاج حسين انه سيغلق محل الفحم الخاص به نظرا لكبر سنه الذي تجاوز السبعين عاما ولم يعد يقوى على العمل كما انه ليس لديه ابناء ذكور مكتفيا بتحصيل الايجار من سكان منزله،، والحاج حسين لديه 4 بنات تزوجن جميعهن واخرهن ابنته "جنة" 20 عاما وهى اصغر بناته حيث انجبها على كبر من زوجته سعاد التى توفت منذ عامين،، أبلغه راضى نيته في تأجير المحل منه وتجهيزه ليكون مصدر دخل له ولزوجته كرملة واتفق على ان تقف هى فيه صباحا حتى يعود من عمله ويظل يعمل به حتى منتصف الليل،، افتتح راضي المحل بعد ان ترك المحل الذي كان يعمل به،، واطلق عليه اسما مشتق من اسمه سوبر ماركت الرضا،، كان متجرا نظيفا وبه كل احتياجات اهل المنطقة وبأسلوبه الحسن ونظافته استطاع أن يجتذب الزبائن واصبح ميسور الحال،، كما ظل والده موهوما بعمل ابنه مع استاذه في مكتب المحاسبة كما كان يتحصل على جزء كبير من راتب راضي الحكومي ليدخره ليوم زواجه.

1977...بعد مرور 5 اعوام على اختفاء كرملة يأس شقيقيها في البحث عنها والعثور عليها واعتبروها من المفقودين لكنهما رفضا استخراج شهادة وفاة لها املا في ان تظهر في يوما من الايام،ونسي اهل المنطقة أو تناسوا ما حدث لكرملة الا ان الحاجة عائشة وأم غادة لم يستطيعا النسيان خلال جلسات النميمة التى تجمعهما يوميا،، بلغ نجل طارق عامه الرابع ولابد من دخوله المدرسة لم يستطع راضي ان يتجاهل الأمر اكثر من ذلك وطلب من الحاج حسين ان يأتي بإمام المسجد باعتباره مأذون المنطقة واثنين من ازواج بناته كشاهدين لاتمام زواجهما واستخراج شهادة الميلاد،، كما أن امر اختفاء زوجته اصبح في طي النسيان وترك أمر اكتشاف زواجهما على الله وتم الزواج في كتمان حتى لا يفتضح أمرهما،،وفي أحد الايام طلب الحاج عبدالله من راضي ان يأتي معه لخطبة نجلة مديره فان ابنته سهير اصبحت عروسا جميلة ولم يستطع راضى امام اصرار والده من رفض الامر،، ابلغ راضي معشوقته كرملة بما يريد والده وانه سيفعل ذلك من اجل ارضائه فقط،، شعرت كرملة بحزن شديد وبكت امامه ولم تستطيع ان تحبس دموعها وقالت له من حقه ان يتزوج بفتاة تصغره في العمر فهى تجاوزت عامها الثلاثين بينما هو مازال في العشرينات،، لم يعجب راضى بكلامها وافهمها انها سر سعادته ولا يستطيع العيش بدونها فهى سره الذى اختاره بارادته في حياته كلها،، تمت خطبة راضي على سهير ابنة مدير والده في العمل وبعد شهرين تعرض والده لازمة قلبية عنيفة اودت بحياته وكانت صدمة لوالدته وشقيقته الا انه شعر ان الغلال التى تقيده قد انحسرت عنه وجاء الاعمام والعمات والاخوال والخالات للعزاء،، لم يتزوج راضى احدا من بنات عمومته او اخواله لرفضهم لسلوكه الانطوائي فهو لم يندمج يوما ما أو يود أحدا من أقاربه سوى في المناسبات الحزينة او السعيدة فقط.

ورث راضي وشقيقته مبلغا لابأس به من المال بعد وفاة والدهما كما تحصل على أمواله التى كان يدخرها له والده،، فاطمة اصبحت زوجة تعيسة بفضل بخل وتجاهل زوجها عمر لها وكان يتجاهل ما يعطيه راضي من مال لابنائه الثلاثة " عماد 10اعوام و خالد 7 اعوام وصفاء 5 اعوام" ولزوجته فاطمة طالما لم تطلب منه مالا حتى ميراثها لم يكترث به لانه ليس بالكبير واعتبره مبلغ يصرفها عن مطالبته بالاموال في سبيل تحقيق حلمه ببناء المدرسة،، واستطاع راضي ان يفتح متجره الثاني بحى حدائق القبة " الرضا 2"واصبح وضعه المادي ميسورا،، أما والدته التى لم تبلغ الخمسين عاما فاصابها مرض السكري اللعين واخد ينهش في جسدها حزنا على فراق زوجها الا انها لم تتوقف عن جلسات النميمة مع جارتها أم غادة.

حلقة 4
1978...طلبت عائشة من ابنها راضي بعد مرور عام من وفاة والده ان يتزوج بعد أن فسخ خطبته من سهير حتى تطمئن عليه قبل وفاتها واخبرته بانها وجدت له العروس المناسب وهى وفاء التى تصغره بثلاث اعوام وهي ابنة احدى زميلاتها في العمل، لم يعترض راضي لكنه سرعان ما ابلغ كرملة برغبة والدته في زواجه،لم تقابل كراملة الامر بحزن مثلما حدث في خطبته على سهير بل وافقت واخبرته انه امر ضروري فهو امام الناس عازب ولابد ان يتزوج ارضاء لوالدته ويكفى انها تزوجت رجل تحمل وصنع من اجلها الكثير وانتشلها من تعاسة حظها وشقيقها كامل،، بعد وفاة والده قد اخبر راضي والدته بان لديه متجر بحدائق القبة ولم يخبرها بالعباسية حتى لايكتشف احد امر كرملة،، وتم الزواج في شقة والده بالقلعة ليكون بجوار والدته المريضة .

فاطمة شقيقته اصبحت حياتها شبه مستحيله فزوجها اصبح معتل الصحة لكثره عمله ولم يعد يقوى على الذهاب لبيوت طلابه لاعطائهم الدروس وبدأ الطلاب يتوافدون على منزله،، وبمرور الايام فتنت فاطمة بطالبه حازم بالصف الثالث الثانوى نظرا لوسامته ولجسده الممشوق كما انه شاب حالم ورومانسي مثلها وكان دائما يدندن بأغانى عبد الحليم حافظ حيث كان يتميز حازم بصوت عذب،، اخذت فاطمة مع مرور الايام وتردده على المنزل ان تتجاذب معه اطراف الحديث وتهتم بابراز مفاتن جسدها امامه ويتبادلان نظرات الاعجاب والابتسامات لم يتحمل الشاب الصغير هذه الاغراءات ففي احد الايام اثناء دخوله الى الدرس وضع في يدها اثناء سلامه عليها ورقة صغيرة اعرب فيها عن اعجابه بجمالها ومفاتنها واثناء خروجه بادلته دس الورقة في يده كاتبه له انت صغير ولم تستطيع اسعادي، في صباح اليوم التالي صعد اليها بعد خروج زوجها الى العمل وابنائها الى المدرسة، اندهشت فاطمة عندما فتحت الباب ورأته أمامها ووقفت ساكنة والوجوم يخيم عليها ولم تنطق بل تنظر بدهشة، بادرها حازم بقوله لها"بحبك" وحاول تقبيلها لم تشعر بنفسها الا وهي تصفعه على وجهه بشدة مما دفعه ينزل درجات المنزل مسرعا الى الشارع،، توجهت مسرعة الى شرفة منزلها لتلقى نظره عليه فوجدته ينظر اليها والدموع تغمر عينيه فنظرت له مبتسمة ولوحت له بالوداع مما اعاد البسمة الى وجهه مرة اخرى لكنه لم يكرر فعلته ثانيا ولكن ظلا يتبادلان نظرات الاعجاب وكلام الحب والغزل اثناء قدومه الى الدرس،، لم يمر وقت كبير على تلك العلاقة الا واصيب زوجها بأزمة صحية عنيفة نظرا لاهماله في صحته مما اضطره الى اجراء عملية قلب مفتوح الزمته الفراش قرابة عام.

1979...ظلت العلاقة بين حازم وفاطمة مستمرة حتى بعد ان دخل الجامعة فكان يأتى على فترات لزيارة استاذه الذى لم يعد يقوى على اعطاء دروس وتبخر حلمه في بناء المدرسة واكتفى بالتدريس فقط مما اثر ذلك على حالة عمر النفسية بشدة، لكن حقيقة الزيارة هى رؤيته لفاطمة، اخذت الزيارات تقل تدريجيا فقد انشغل حازم عنها بزميلاته في الجامعة فهو شاب وسيم وصوته العذب تجعل الفتيات يلتفون حوله، شعرت فاطمة بالتوتر لغيابه عنها وبعدما اتى في يوم لزيارته معلمه قالت له قبل الانصراف بصوت هامس اريدك ان تأتى غدا في الصباح اريدك في امر هام واخبرته بانها ستكون بمفردها، هز حازم رأسه سريعا وفي ارتباك بالموافقة،، لم تعد تتحمل فاطمة ان تظل زوجة ما ايقاف التنفيذ لسنوات ويمر بها العمر وشبابها مع زوج مريض معتل بسبب حلمه الوهمى وبخله، تهيأت وتزينت تعطرت ولبست ملابس تكشف من مفاتن جسدها اكثر مما تستر وعندما فتحت الباب لم يصدق حازم ما رأى واندفع نحوها مغلقا الباب بقوة وحملها الى غرفة النوم لتشهد علاقة اثمة بينهما لكنها كانت ملتهبة، بعد ان فرغا من علاقتهما اخبرها حازم انه ضاجع قليل من الغانيات لكنه لم يشعر بتلك المتعة معهن، لم تتفوه فاطمة بكلمه تعليقا عما قال، بل قامت مسرعة ارتدت ملابسها وقذفته بملابسه وكلمته بحدة لا اريد ان اراك مرة اخرى، تمالك حازم امره بصعوبه وارتدى ملابسه مسرعا وخرج دون ان ينطق بكلمه فيكفي ملامح وجهها الصارمة التى انهت تلك العلاقة فور بدءها.

وفي حي العباسية وقعت مشاجرة حامية بين شخصين مما دفع احدهما الى اطلاق عيارا ناريا اصاب رأس كرملة وهى تشاهد المشاجرة من شرفتها، فقد اصبح لديهم عامل اجير يعمل بالمتجر مما جعلها تتفرغ اكبر وقت لرعاية ابنها وبيتها، وفزع ابنها طارق من هول ما رأى وتعالى الصراخ في المنطقة باثرها وهرع الحاج حسين الى الهاتف ليخبر راضى في عمله بما حدث لزوجته لكنه اخبر انها اصيبت ونقلت الى المستشفى بعد ان كسروا باب الشقة لاسعافها ولم يستطع ابلاغه بحقيقة وفاتها،، هرول راضى الى المستشفى وما وصل حتى راى ابنه مفزوعا ومتعلقا بيد الحاج حسين، عانق راضي نجله ورتب الحاج حسين على كتف راضى قائلا الدوام لله لم يصدق راضى واخد يبكي بحرقة ودخل الى كرملة ليلقى عليها النظرة الاخيرة.

قبل تشييع جثمان كرملة في اليوم التالي،ذهب راضى الى شقيقها كمال بورشته واخبره بوفاة شقيقته وانه تزوجها منذ اختفائها لم يصدق وظل واقفا مصدوما من هول الصدمة وسرعان ان هرعا الى منزل كامل واخبراه بالامر مما دفع كامل الى سبه ونهره بشدة وجذبه من ملابسه في محاولة لضربه نجح كمال في احتواء الموقف وذهبوا سريعا الى المستشفى ليلقوا جميعا نظرة الوداع على شقيقتهما كرملة،، عمت الفضيحة ارجاء الحى وغضبت عائشة وزوجته وفاء منه غضبا شديدا لكنه اتى بطفله طارق ليعيش معهم بالقلعة ومع شقيقه "عبدالله " الذى انجبته وفاء ولم يبلغ عامه الاول،، لم تستطع وفاء تجاهل طلب زوجها فما عاصره طارق يجعل قلب اي ضرة ان يلين لهول ما رأى،، بينما رحل اشقاء كرملة من الحي بعد ان عرفا من راضى انه تزوجها شرعا ولكنه اخفى الامر لرفض المجتمع لتلك الزيجة وعاودا بزوجاتهم واولادهم الى مسقط رأسهم باحدى قرى محافظة الدقهلية الا انهم ظلوا على اتصال بابن شقيقتهم من حين لآخر،، لم يمر الكثير على وفاة كرملة الا ورحلت عائشة ايضا بسبب مرضها، حينها قرر راضى ترك القلعة وقام بشراء شقة بمدينة نصر وسيارة جديدة لتنقلاته.

الحلقة 5 وأخيرة

1980...مر عام على وفاة والدته ولكن مازالت الاحداث المؤلمة تحاصر هذه العائلة، حيث توفى عمر زوج شقيقته ورفض راضي ان تعيش وحدها بالاسكندرية فقام بشراء شقة مجاورة له بمدينة نصر لها ولاولادها الثلاثة فقد ورثت فاطمة الكثير عن زوجها وتشجعت فاطمة بعد ان رأت نجاح شقيقها في تجارته بأن تشاركه ووافق راضى وافتتح متجره الثالث بمدينة نصر،، لم تدم فرحته كثيرا فقد رحل الحاج حسين منذ اشهر قليلة بعد ايام من وفاة عمر،،وأراد زوجات بناته ن بيع العقار الا ان "جنة " كانت رافضة لذلك الامر فهى كانت اخر من يعيش مع والدها قبل رحيله بعام بعد ان طلقت لعدم انجابها وعلمها بانها عاقر، وحينما علم راضى بالامر رفض ان يخرج من المنزل وعرض على ازواج بناته بشراء نصيب شقيقات جنة ولكن سيدفع الثمن على دفعات فليس لديه من المال ما يؤهله لذلك واتفق الطرفان،،ومع بداية العام الجديد رزق راضي ووفاء بابنتهما "عائشة"،، تمر الايام وقبل حادث اغتيال السادات بشهر لقى كمال وكامل وزوجتيهما مصرعهما في حادث سيارة اثناء توجهم الى فرح احد الاصدقاء ويشاء القدر ان يظل ابنائهم على قيد الحياة حيث تركوهم في المنزل،، علم راضي بالخبر المفجع من احد جيرانهم بالمنصورة وذهب راضي لاحضار ابناء اخوال نجله طارق الستة فلكمال 3 ابناء اكبرهم ابنته ندا 16 عاما وايمن 13 عاما ومنى 11 عاما، بينما لكامل حمزة 13 عاما وزياد 11 عاما ونجلاء 8 اعوام،، لم يجد ملاذا لهم الا ان يسكنهم في بيت العباسية مع زوجته جنة التى تزوجها منذ ايام قليلة التي وجد فيها صفات قريبة من كرملة التى لم يستطيع نسيانها، وعلمت وفاء بأمر تلك الزيجة عقب حادث وفاة اشقاء كرملة مما جعلته يأخد ابنه طارق ويعيش هو ايضا مع جنة بالعباسية.

عقب مرور شهر وقع حادث اغتيال الرئيس السادات،، وقد استقرت نوعا ما حياة راضي فاصبح مسئولا عن 12 طفل لكن كان اولاد كامل خاصة حمزة سلوكه سيئا مما اخذ كثير من الوقت لتهذيبه واصلاحه،، وبعد مرور 4 اعوام اي في عام 1985 اصبح بيت العباسية ملكه وملك زوجته جنة،، كما هدأت الأمور وعادت الحياة الى طبيعتها نوعا مع مع زوجته وفاء التى استسلمت للأمر الواقع كما انها لم تستطيع تعويضه عن كرملة فكل ما يجمعه بها العشرة الطيبة لكن لم يشعر نحوها بأي عاطفة،، لكن ظلت شقيقته حزينة على ضياع شبابها وتدخن السجائر سرا بعد وفاة زوجها ولازالت تتذكر حازم وما حدث بينهما رغم انهماكها في العمل مع شقيقها في تجارته وازدياد ارباحها، وكانت ترفض الذهاب الى الاسكندرية مرة اخرى بعد وفاة زوجها لشعورها بالندم على خيانتها له وكانت ترسل ابنائها فقط مع شقيقها راضي ليزوروا اهل والدهم،، مرت 5 أعوام اخرى وفي عام 1990 استطاع راضى ان يشتري قطعة ارض بمدينة نصر وشرع في بنائها لتكون مقرا يجمع فيه زوجتيه وشقيقته والابناء جميعهم لكن كانت وفاء رافضة للمكوث مع ضرتها في مسكن واحد الا انه لم يعير للأمر اهتماما وواصل في بناء المنزل وحاولت شقيقته ان تصرف نظره عن بناء ذلك المنزل الذي سيكون مضمارا جديدا لتجدد الصراع في العائلة فيكفى الخلافات بين وفاء وجنة وبين حمزة وجميع ابناء الاسرة باستثناء شقيقته نجلاء ، وغضب طارق من وفاء بعد ان اعادته مرة اخرى الى بيت العباسية الذي يذكره دائما بحادث أمه الأليم وابعاده عن اشقائه، من جانبها كانت جنة هي الطرف الوحيد الذي يحمسه على بناء ذلك المنزل لان قرب الجميع سوف ينهي تلك الخلافات وانها على استعداد ان تتحمل افعال زوجته وفاء، انتهى الأمر بمواصلة راضي في بناء المسكن الجديد وأخبر الجميع بنيته في لم شمل الأسرة ومن يرفض ذلك ما عليه سوى حزم امتعته والرحيل، واثناء عملية البناء كان هناك بناء أخر ولكنه في شباب الأسرة فأصبحت فاطمة تشغل وقتها بإدارة متجر مدينة نصر، بينما راضي يوالي متجري القبة والعباسية وأصبح طارق اليد اليمنى لوالده واخذ يتعلم من والده ويساعده في إدارة تجارتهم، بينما حرص راضي على ألا يشغل بقية الأبناء في أي عمل سوى الألتفات لدراستهم وحصولهم على شهاداتهم ، وجنة ترعى ابناء كامل وكمال الستة وطارق ايضا، كما كرست وفاء كل وقتها لرعاية عبدالله وعائشة وأولت اهتماما بأبناء فاطمة المنشغلة في التجارة،،،، ليبدأ فصل جديد في حياتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى