الثلاثاء ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٦
بقلم ميمون حرش

عـــرين القاص الشاب محمد حمو

طه حسين، قبل أن يصبح عميدَ الأدب العربي، شق طريقه كأي شاب مبتدئ، كان يدفعه طموحه، ويسوق أحلام مراهقته بالكتابة والقـراءة إلى أن حقق الهدف، لم يخلق وهو" كبير" في الأدب، وكذلك الشأن بالنسبة لنجيب محفوظ، ودستويفسكي، ومحمد شكري، والطاهر وطار،ومي زيادة، وبنت الشاطئ، وأحلام مستغانمي، ومكسيم جوركي، وجوته، وحنا مينة، وعبدالرحمان منيف،وبوشكين، وليرمنتوتف،وشارل ديكنيز،وستاندال، وعلاء الأسواني، ويوسف زيدان،وفلوبير،وجيمس جويس، وفراز كافكا، وإميل حبيبي، و عباس محمود العقاد، وحيدر حيدر، ويوسف ادريس،وعبد الكريم غلاب،و(...)، من هؤلاء من كان محظوظاً حين وجد إلى جانبه من أخذ بيده، ومنحه الرؤية وأنار له الدرب، ومنهم من تخرج من جامعة " الطريق" فعلمتهم الحياة، فكانوا عصاميين، وحققوا شهرة، وخلدوا أسماءهم في عالم الأدب..مرحلة الشباب مر بها كل الأدباء، ولم يخلقوا مشاهير أبداً منذ البداية..

من شبابنا، اليوم، من يشق طريقه بالوهج نفسه، البداية صعبة، لكنها مرحلة ضرورية، منهم من يعشق كرة القدم، وربما ينتصر للبارصا، أو مدريد أو لأيِّ رياضة أخرى، لكن منهم من ينتصرون أيضاً للأدب قراءةً وكتابةً..

محمد حمو، شاب مغربي، عمره اثنتان وعشرون سنة، طالب جامعي، عاشق للأدب، يكتب القصة القصيرة، شارك في أربع مجموعات صدرت على الصعيد المحلي وهي "شتلات زعـرور"، ثم" سنابل تريفة"، وعلى صعيد الجهة ّموكب "الهزارات"، وعلى الصعيد الوطني " تقاسيم"،حاز في الصويرة،في بحر هذه السنة،جائزة "مليكة مستظرف" في مسابقة للقصة القصيرة ضمن فعليات المهرجان العربي للقصة القصيرة، التي نظمتها " جمعية التواصل للثقافة، والإبداع" لفائدة طلبة العاهد العليا، والكليات..
أهلا بك سي محمد، أرحب بك في "العرين"..
س- قدم نفسك للقراء بما تُحب..

ج- شكراً لكم بداية على الاستضافة في العرين، محمد حمو22 سنة من مواليد مدينة أبركان، طالب جامعي،سلك الإجازة تخصص القانون الخاص، أعشق إلى جانب القراءة والكتابة كل ما يتعلق بجديد التكنولوجيا والفوتوغرافيا، إلى جانب القليل من الرياضة طبعاً..

س- غيرك، في مثل عمرك، مهووس بكرة القدم، أو بأي رياضة أخرى،وأنت تنتصر للكلمة والكتابة، وتعشق الأدب،
هذه الرغبة في الكتابة متى اقتحمتْ عالمَك الصغير؟

ج- قبل سنتين ونصف أعتقد، كانت أول تجربة لي في اعتناق بحر الكتابة لا لشيء إلا لرغبة في اكتشاف عالم يمكن الآخر من الغوص بعالمك.

س- في المدرسة مثلا هل لاحظ أستاذتك هذه الموهبة؟..هل سمعت من أحد بأنك منذور للكتابة الأدبية؟

ج- في المرحلة الثانوية كنا مجرد عاشقين للإبداع فأسسنا هناك نادي للقراءة وكان الفضل لأستاذ رأى فينا شعلة أمل دفعنا للاحتكاك بأسماء وطنية، أعتقد أن النبوءة ستتحقق لشبابنا بأن نكون شعلة مستقبل للأدب.

س- من كان يقرأ، في البداية، ما تكتبه؟

ج-غالبا الأصدقاء، نظرا للخجل ربما وكذلك لسماع رأي صريح منهم.

س- طيب لماذا كتابة القصة القصيرة تحديداً؟

ج-القصة القصيرة رغم التفاصيل التي تحمل إلا أنها تظل مختزلة كفاية لإعطاء القارئ فضاء إبحار تكون بدايته القصة ونهايته أفكاره الخاصة واستنتاجاته.

س- لمن تقرأ من الرواد في هذا الجنس؟

ج- اللائحة طويلة، طبعا بداية بسندباد القصة القصيرة الأستاذ أحمد بوزفور، محمد العتروس، محمد مباركي، محمد الشايب وأسماء أخرى..

س- مدينة بركان حيث تعيش تحتضن تظاهراتٍ في الشعر والقصة تشجيعاً للشباب، واكتشافاً لمواهبهم تُشرف عليها جمعياتٌ لها حضورها في المشهد الثقافي الوطني والمحلي، ويشرف عليها أدباء كبار من أمثال الأديب محمد العتروس،وغيره..ماذا تضيف لكم،كشباب، هذه التظاهرات الثقافية؟

ج-هذه التظاهرات تضيف لنا كشباب الكثير خاصة وأنها تكسبنا الشجاعة لتقديم ما لدينا وأخد نصائح من أصحاب الاختصاص ورواد هذا الجنس،حيث نعتبرها سبيلاً لتطوير الذات.

س- لابد وأنك شاركت في ملتقى أبركان لأدب الشباب تحت شعار"الشباب.. حرية وإبداع" في غشت من عام 2015، ولقد تخللت هذه التظاهرةَ الثقافية ورشاتٌ تكوينية أطرها الأساتذة الأفاضل: حسن بنمونة، وأحمد اعليلو، وميمون حرش..ما هي أهم القضايا الخاصة بالقصة القصيرة التي طرحت في الورشة التي حضرتها؟

ج- طرحت الكثير من النقط والقضايا في الورشة التي حضرتها لكن النقطة التي أسالت حبراً كثيراً هي مسألة الكتابة بحرية، وهل يجوز في الإبداع التخلص من أي رقابة كانت والكتابة بقلم حر أو العكس أي وجب أن نجعل الإبداع في حدود معينة لا نتجاوزها.

س- نلت جائزة "مليكة مستظرف" في مسابقة للقصة القصيرة ضمن فعليات المهرجان العربي للقصة القصيرة، التي نظمتها " جمعية التواصل للثقافة، والإبداع" لفائدة طلبة المعاهد العليا، والكليات..قصتك الفائزة بعنوان " القاتلة".. هل هي الجائزة الأولى لك، وما هو شعورك وأنت تُتوج في الصويرة؟

ج- هي أول مشاركة لي وأول جائزة، صراحة كانت تجربة رائعة بمدينة النوارس خاصة بحضور الأصدقاء وأيضا بشهادة من كتاب من طينة محمد الشايب،شعور جميل ينذر بأنك اتخذت أول خطوة في شق طريق الإبداع..
أعيد نشر قصتك الفائزة بالجائزة هنا في العرين لقيمتها، ثم أواصل معك حوارنا:

القاتلة

أمام الساقي جلست. تداعب حافة كأسها، تمرر أناملها فوقها في شكل دائري لا نهاية له.وبين الدائرة و الأخرى ترتشف بعد أن تحرك الكأس مؤججة الثلج داخله. رشفتان متتاليتان وضحكة خجولة مع الكأس. لا تهتم لأحد في الحانة الفاخرة،فهي الشقراء بينهم بقوام ممشوق وعينين سوداويْن و شفاه تلمع كلما انعكس النور الخافت عليها. تداعب الكأس مراقصة ذهنها على إيقاع عازف البيانو. الساقي يراقبها و ينتظر أن يسكب لها كأساً آخرى... هي تعشق ما يدور حولها،تعشق زحف الثلج لشفاهها،أعينهم التي لا تنفك تطاردها رغم وجود غيرها من بني جنسها في الحانة. آخر رشفة.. بسرعة أنهتها وابتسمت للنادل آذنة له بالسقي، بابتسامته المعهودة نحوها اقترب و أخد يسكب و يتأمل أحمر الشفاه في جنبات الكأس و لسان حاله يتمنى لو نال قبلة أو اثنين بدل الكريستال بيدها..سكب نصف الكأس مرة أخرى. وضعت الكأس ذا الساق الطويلة بين أصابعها و قد لفت خنصرها حوله كما تلتف الحية بالضحية. وقفت ذات الكعب العالي و انتقلت نحو عازف البيانو بخطوات مثقلة و سمفونية كعب أنست ذكور الحانة أنغام العازف،فالفرق لم يتغير بين النقرة و الأخرى مؤلفاً مزيجاً موسيقياً جديداً بين آلة البيانو وآلة هي الأبرع في استخدامها،الكعب العالي. في طاولة قريبة منها يجلس الرجل الغريب،يطل من الزجاج أحياناً،يتأمل مطر الربيع و غالب الوقت يحدق فيها و يحاول فك طلاسمها ككل نهاية أسبوع. يرتدي بذلة رسمية، ربطة عنق كلاسيكية عنبية اللون و حذاء. يحرك عينيه يراقب خطواتها نحو العازف يتأمل تضاريس جسمها تعابير وجهها وابتسامتها،لكنه في بحثه لا يجد جواباً عن ماهية شعورها. يتساءل،هل تراه هي أيضاَ؟ يجيب نفسه بالنفي دون أن يكمل ماراً لسؤال آخر، ما سر سعادتها؟ في الحانة خدعت الجميع،تلك الابتسامة التي من ورائها جرح لم يصله أحد،الكل يراقبها إناثاً و ذكوراً.اليوم يرتشف من بقايا كأسه شجاعةً،و يتقدم نحوها،سيسألها أن تراقصه في محاولة الاقتراب منها لعله يفوز بها الليلة. ارتشف،وقف،تقدم نحوها وعينه لا تفارقها. لم يحادثها بل اكتفى بمد راحة يده نحوها فقط، ابتسمت،في خجل وضعت الكأس على أقرب طاولة..أمسكت يده و بدأت بالرقص،تمايل الجميع بتمايل خصرها لكنه لم يحرك ساكناً،يمسكها من ظهرها و هي تتراقص ثارة و يطلقها حرة تارة أخرى مكتفياً بثوبها. و في خضم الرقصة يسألها: - ما اسمك؟

اقتربت هامسة في أذنه: " لندع الأسماء جانباً فلنا وقتها بعد انجلاء الليل "،. ابتسم رغم أنه لم يفهم من كلامها شيئاً وهو من اتخد السؤال فقط لمعرفة الطريق نحو إنارة ماضيها. الماضي الذي سيقتله. دقائق رقص انتهت لترافقه نحو الطاولة. تجلس دون مساعدة منه،يرفع يده مشيراً للنادل. تسأله كأساً كالتي اعتادتها دائما،وقبل أن يسأل رفيقها تقاطعه "سنشرب من ذات الكأس " في ذهنه يتساءل لم نفس الكأس؟لكنه لا يجيب بل يستمر باحثاً عن آثار شفتيها ليشرب من نفس المكان كما يفعل العشاق،رغم أن مرتبة العشق بعيدة عن موعدهما الحالي إلا أنه يقترب بصورة أسرع فقد كان منها أن بادرت الشرب من نفس الكأس و هو عليه اقتفاء آثارها. أدار الكأس ببطء،تأمل جيداً الآثار على الحافة،كم هي متجلية وواضحة تنير طريقه و تشجعه للآت. أنهيا الكأس سوياً. ولم يتحدثا أبداً بل اكتفيا بالنظر لبعضهما، وهو يراقبها،فتحت حقيبتها،قصاصة ورق و قلم،كتبت عليها شيئاً ما. ثنت الورقة و مدته إياها ثم غادرت. نادى على النادل قصد الدفع. فتح القصاصة لعله يجد عنوانها لكنه كتبت له " لا شيء شخصي،قد يعيد الماضي نفسه لكن الحية أبداً لن تموت بسمها.." لم يفهم شيئاً، أعاد الورقة لجيبه، هم بالمغادرة على أمل رقصة أخرى الأسبوع المقبل.

هي تقف أمام نافذة غرفتها المقابلة للحانة تراقب خروجه. على بعد خطوات من الحانة وتحت زخات المطر سقط جسده الفارغ من الروح دون أن يراقصها مرة أخرى. أغلقت ستائرة النافدة.. اتجهت نحو السرير و هي تردد " لا شيء شخصي.."

س- القصة بوليسية، أنيقة حقاً، وتستحق الفوز، و عنوانها" القاتلة" يحيل على الجريمة،فهل الفعل من القوة بحيث يُبرر للبطلة جريمة القتل تلك؟

ج-لا شيء يبرر جريمة قتل مهما كانت الدوافع، بل جريمة القتل تلك عبارة عن ضعف لم تستطع البطلة الهروب منه إلا عن طريق ارتكابها لفعلها، هروباً من ضعفها بداية، ومن شيء لم تستطع التخلي عنه، أو ربما عن عقدة نفسية تدفعها لذلك.

س- ألمس تأثرك بالروائية البوليسية الشهيرة أجاثا كريستي.. هل تقرأ لها؟

ج- أولى الروايات التي اطلعت عليها كانت لأغاثا كريستي، وأيضاً في نفس المجال سلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق، لا زلت أقرأ لها أحياناً.

س- في قصتك الفائزة لازمة جميلة تتكرر " لا شيء شخصي"..وكنتُ أود لو كان العنوان هوذاك، لأن "القاتلة" إحالة على مضمون القصة، وكلما وضعنا النص على منضدة التشريح يفقد ألقه،على عكس لو تركنا القارئ يجهد فكره، ويكتشف بنفسه أشياء نريده أن يصل إليها بعد أن يتعب، أنت بعنوان "القاتلة"تكشف عن جريمة ستقع.. ما رأيك؟

ج- صراحة،اقترح علي بعض الأصدقاء نفس العنوان،الذي أجده صراحة جميلاً.
لا أعتقد ذلك،القاتلة أجده عنواناً يجذب انتباه المتلقي، أما سير أحداث القصة فهو غالباً رومانسي درامي إلى حد ما،يقولون:"ومن الحب ما قتل"، القارئ لن يدرك ما نوع القتل الذي تورطت فيه ’داليا’ إلى أن يصل آخر سطور القصة،لدرجة أنه قد ينسى العنوان في مرحلة ما اعتقاداً منه أنه بعيد نسبياً عن الأحداث.

س- من هو شيخك في القصة القصيرة جداً؟

ج- يصعب التحديد، فلكل أسلوبه ومميزاته في هذا الجنس.

س- ما هي آخر رواية قرأتها؟ ولمن تقرأ من القصاصين في الجهة الشرقية؟

ج- آخر رواية كانت "جميلة" للكاتب الروسي جنكيز ايتماتوف، ترجمة هافال يوسف..

صراحة أقرأ للكثير بداية بالأصدقاء وصولاً إلى القصاصين مثل محمد العتروس،محمد مباركي،بديعة بنمراح،محمد عزوز،ميمون حرش واللائحة لا تحصر.

س- في الملتقيات، يصفق " الكبار" للشباب دون أن يقرؤوا لهم بدعوى،ربما،أن أعمالهم لا ترقى لأن يخصصوا بعض وقتهم الثمين للقراءة لهم..ما رأيك في هذه الملاحظة؟

ج- إن الذي يؤمن بفكرة سيدافع عنها وعن متبنيها سواء كان ’كبيرا’ أو شاباً، والدفاع عن هذه الفكرة هنا لا يكون إلا بالقراءة لهم وإرشادهم لسبيل الإبداع، الوقت الثمين غالبا ما يخصص للدفاع عن الأفكار التي يتبناها الشخص.

س- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

ج- مشروع مجموعة قصصية كأول إصدار لي،تحمل عنوان "لا شيء شخصي.." والتي ستصدر طبعاً في مدينة بركان ضمن فعاليات ملتقى أبركان لأدب الشباب في نسخته الثالثة والذي تنظمه جمعية الشرق للتنمية والتواصل ونادي القراءة والإبداع وأيضا منتدى إبداع أبركان، وأيضاً العمل على كتابة رواية بدايتها كانت "القاتلة"..

الله المُعين أيها الأديب الصغير، سعيد لأني استضفتك، وأرجو أن تحقق كل ما ترجوه إن شاء الله، كلمة أخيرة من فضلك؟

ج- شكراً على الاستضافة،حقاً كانت جميلة وممتعة، وشكراً على زيارة عريني وكذلك الالتفات للمبدعين الشباب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى