إن الثمانين وبُـلّغْـتـها
في محاضرة لي في مؤتمر نقدي قرأت بيت الشاعر العباسي- عَوف بن مُحـلِّـم الخُزاعي:
إن الثمانين – وبُلِّـغْـتَـها- *** قد أحوجتْ سمعي إلى ترجُمانْ
صوّبني أحدهم وقال: وبُـلّـغْـتُها.
كررت قراءتي ثانية: وبُلِّغْـتَـها.
ما هي ضرورة (وبلغتُها) في الجملة إذا قال الشاعر إن سنواته الثمانين جعلته ثقيل السمع، وفي حاجة لمن يُسمعه الكلام؟
يا عزيزي، إنها- (وبُـلِّـغْـتَها)- بفتح التاء لا بضمها، وهي جملة حشو أو اعتراض جمّلت المعنى، إذ إنها دعاء لك أيها المخاطَب أن تبلُغ أنت ما بلغت أنا من الثمانين، فهل أجمل من هذا الالتفات، ومن هذا الدعاء؟
وهذا البيت أنشده عوف بن محلِّـم في حضرة عبد الله بن طاهر بن الحسين بعد أن ثقل سمعه، من قصيدته التي مطلعها:
يا بنَ الذي دان له المشرقانْ
طُرًّا وقد دان له المغربانْ
مثل ذلك ما ورد في شعر عَـدِيّ بن زيد وهو يخاطب ابنه في حبس النعمان:
فلو كنت الأسيرَ – ولا تكُنْـه-
إذن علمت مَعَدٌ ما أقول
فالدعاء (ولا تكنه) يدل على ارتباط المُلقي بالمتلقي، فهو يدعو له أن يظل حرًا.
وصدر البيت هذا ورد كذلك في شعر الشاعر الجاهلي ابن فكهة:
فلو كنت الأسير – ولا تكنه-
لزرتهمُ بمرتجف النواح.
ومن هذا الضرب قول طرَفة:
فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها
صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي
فقوله (غير مفسدها) استثناء فيه دعاء ألا يمس المطر دياره بسوء.
وفي شعر أبي الطيب المتنبي في مدح كافور:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب
يرى كل ما فيها – وحاشاك- فانيا
فالاستثناء (وحاشاك) فيه حلاوة وحسن تخلص، فكل شيء إلى فناء، ولكن الشاعر عندما استثناه كأنه دعا له بالبقاء.
سمى ابن عبّاد هذا النوع من الحشو في الأدب (حشو اللَّوزِينج)، لأن الحشوة هي أجود ما في هذه الحلوى.
(للتوسع في موضوع الحشو وأنواعه انظر كتاب "فقه اللغة" للثعالبي، الفصل 99، ص 440- 443، ابن رشيق- "العمدة"، ج2، ص 42-44.)
مشاركة منتدى
15 كانون الثاني (يناير) 2017, 07:03, بقلم محمد
جزاك الله خيرا.
20 آب (أغسطس) 2017, 17:24, بقلم سامي
جزاك الله خيرا
2 حزيران (يونيو) 2022, 16:07, بقلم أيوب جسام محمد عطية كلية التربية للعلوم الإنسانية قسم اللغة العربيه جامعة كركوك
جزاكم الله خيرا على هذه المحاضرة القيمة
2 حزيران (يونيو) 2022, 16:08, بقلم أيوب جسام محمد عطية كلية التربية للعلوم الإنسانية قسم اللغة العربيه جامعة كركوك
بارك الله فيكم وجزاكم كل خير
على هذه المحاضرة القيمة
البلاغة والنقد الأدبي علوم وفلسفة.
كل التحايا لكم
20 آب (أغسطس) 2022, 04:17, بقلم ابواسامة
أبيات جميلة بارك الله فيك أحسنت لا سيما في مسألة فتح التاء وضمها حيث يتغير المعني مع الحركة وهذه فائدة ينبغي حفظها ولغتنا العربية تمتاز بغزارة المعاني وفي هذا الجانب لا تدانيها لغة فلله الحمد والمنة