الخميس ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١٦
بقلم عادل عامر

ظاهرة البخل في المجتمع

البخل داء فتاك كم فرق بين أحباب، وأغلق بيوتاً، وهدم أسراً، ودمر مجتمعات، وزرع الحقد والغل في الصدور، فتقطعت الأواصر، وانصرمت الوشائج، وقام على أساسه سوق الحسد والبغض، وهو من أدوء الأدواء و أخبثها، يشعر بأن صاحبه لا يثق في الله تعالى، فهو دائماً يسيء الظن بخالقه، ويحسب أنه لن يرزقه، ولن يكرمه، إن ظاهرة البخل لا تتوقف عند البخل بالمال وإنما ما هو اخطر من ذلك امتدادا إلى حيز المشاعر والعاطفة والوجدانية

وأن هذا الذي بين يديه من الخير والمال والنعمة لو انقضى فلن يأتي بعده خيرٌ، ولن يخلف الله عليه بسواه، وأن أمواله لو تصدق منها صار فقيراً معوزاً كالمتصدق عليهم، وما أيقن هؤلاء الظانين بالله ظن السوء أن المال لا تنقصه الصدقة بل تنميه وتبارك فيه.

ومع ذلك قد يفرح البخيل بما أمسكت يده، ويحسب أنه قد رابح، ويعجب بكثرة ماله، وما علم أن هذا المال سيطوقه في نار جهنم إن لم يرحمه الله.

وبين الحق جل وعلا أن البخل لا يعود ضرره إلاّ على أهله فقال عز من قائل: (هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)[محمد: 38].

هذه الظاهرة قد تعود أسبابها إلى شي وراثي لان الأب أو إلام أو الجد بخلاء..وبالتالي انتقلت هذه الصفة إليهم وأصبح أولادهم بخلاء بالوراثة

أو إن صفة البخل هي سلوك وممارسه فرديه لا تخص العائلة أو القبيلة إنما تعود إلى الشخص نفسه..إذا راح الشغل تحصله قافل بابه كأنه في اجتماع..لكنه ما يريد ينزل إلى الكافتيريا عشان ما يخسر عمره

والأسف الشديد..هذه العادة منتشرة بين بعض الأفراد وتجد إن عائلة بأكملها أو منطقه بأكملها معروف عنها بالبخل وكم تبدوا العلاقات بين الناس جافة وباردة وكريهة حينما يكثر هذا النوع من البخلاء في المجتمع ، أو يبتلى شخص بهذا النوع من الناس في علاقاته ومحيطه الاجتماعي ، حيث يضاعف تصرفهم هم المهموم ومصيبة المصاب وألم المتألم بدل أن يهبوا لنصرته وتخفيف آلامه وجزعه ومصابه .

هذه النماذج لا تحسن غير توجيه اللوم والتقصير وقلة التدبير و خطا التفكير لمن يتعرض لكارثة أو أذى وخسارة مالية ضاربين المثل بأنفسهم وكيف يملكون من القدرة والحنكة ومن التدبير ما يحصنهم ويجنبهم التعرض إلى المصائب والمحن والكوارث . وهم يجيدون لغة المؤانسة والمجالسة إلا فيما يعلي من شانهم ويحط من قيمته وكرامة غيرهم فهم بخلاء في الكلمة الطيبة ناهيك عن الفعل الخير، بخلاء في المعلومة والنصيحة فلكل ذلك عندهم ثمن لا يمكن التفريط به دون استلام المقابل المالي له ففراقهم نعمة وجفائهم رحمة ومعرفتهم نقمة. إما البخلاء أنفسهم فيبررون نهجهم وبخلهم بمبررات وادعاءات زائفة لا تصمد أمام المناقشة وقوة البرهان الذي يثبت ختطها وزيفها ومن تصورات البخلاء

فبالرغم من أن ظاهرة البخل كتعريف هي كنز المال وادخاره وعدم إنفاقه بدعوى الخوف من المستقبل، إلا أنها صفة مكتسبة نتيجة تراكمات سابقة، أو قد تكون متوارثة من الأبوين، أو من بعض الأشخاص المؤثرين في العائلة في مرحلة النمو، أو قد تكون وليدة الحرمان أو الظروف الاجتماعية القاسية التي يمر بها البعض.

والبخل درجات وأنواع، فهناك البخيل الذي ينفق على نفسه وعائلته ويُغدق عليها، ولكنه يُقطّر ماله على من حوله، وهناك الشحيح وهو الأكثر قُبحاً وتأثيراً في المجتمع لأنه يصيب النفس والعائلة والأصحاب وبالتالي ينفر منه الجميع.
تكاثر هذه الصفة أو الظاهرة لدى الكثير من الأغنياء والمقتدرين من أبناء سوريا الكرام، أصاب بمقتل من كان في حاجة للمساعدة والدعم نتيجة القتال وغياب الأعمال الضامنة لتأمين الدخولات الكفيلة بتحقيق نقاء الحياة.

فهل يُصدّق مثلاً قيام أحد الآباء المغتربين والذي يملك المليارات بعدم دفع فدية لا تساوي بضعة قروش لإعادة ابنه البكر إلى حضن عائلته وأهله، وأكثر من ذلك محاولته دائماً الشكوى وعدم شكر الله تعالى على نعمه عليه، بالإضافة إلى تأجير ابنته عقاراً للسكن رغم معدومية دخل زوجها، كذلك تبرز صورة أخرى على السطح لأب يحمل أعلى الشهادات والألقاب ويملك من المال والجاه الشيء الكثير ويبخل على زوج ابنته المريض والعاطل عن العمل نتيجة الأحداث بقروش لمعالجته وعدم ترميل ابنته.

هذه الصور الشاذة وغيرها الكثير أصبحت للأسف الشديد ظواهر واقعية ويومية ساعدت في إبرازها وتصدرها للمشهد العام رواسب الحروب التي تأتي في مقدمتها الأحداث السورية الحالية.

ظاهرة التهرب من الزكاة

لقد أخذت مصر منذ صدور القانون 114 لسنة 1939م بنظام الضرائب على الدخل بجانب الضرائب غير المباشرة وأدخلت على هذا القانون مئات التعديلات إلى أن صدر القانون 157 لسنة 1981م، ثم أدخل عليه عشرات التعديلات .. مما حدى بالحكومة بإجراء التعديلات عليه ، ويرجع ذلك إلى العديد من المبررات منها على سبيل المثال:

ـ تحقيق العدالة الاجتماعية . ـ جباية المزيد من الضرائب لتمويل الخزانة .
ـ تشديد العقوبات ضد التهرب الضريبي . ـ تخفيض الأسعار لتحقيق التنمية الاقتصادية .

ولقد عرض مشروع القانون على العديد من الجهات المعنية لاستطلاع الآراء وهذا شيء حميد طيب ومبارك " فلا خير فيه إن لم يقولها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها " ، وهناك وجهات نظر مختلفة نحو تطوير مشروع القانون وهذا شيء متوقع ، فرجال الأعمال لهم مطالب ، وأصحاب الرواتب والأجور الثابتة لهم مطالب ، ووزارة المالية لها مطالب ، وأساتذة المالية العامة والاقتصاد لهم رؤيا ، وأساتذة الاقتصاد الإسلامي والزكاة لهم نظرة .. ، وهكذا فلكل منهم وجهة هو موليها ، ولابد أن تجتمع وجهات النظر على كلمة سواء تحقق العدل وتمنع الظلم حتى لا تتحول الضرائب إلى مكوس ظالمة يستغيث منها الفقير .

ويكاد يجمع أهل العلم ورجال الخبرة والبصيرة ودعاة الإصلاح أن هناك مشاكل يعانى منها النظام الضريبي المصري من أهمها ما يلي :

* ـ مشكلة عدم التوازن بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة وثقل العبء الضريبي على الفقراء.
* ـ مشكلة عدم تمشى الإعفاء للأعباء العائلية مع تكلفة الحاجات الأصلية والتغيرات المستمرة في الأسعار.
* ـ مشكلة التهرب الضريبي ، ونقص الوعي الضريبي.
* ـ مشكلة فقدان الثقة المتبادلة بين الممول ومصلحة الضرائب.
* ـ مشكلة الغموض والتعارض في نصوص التشريعات الضريبية.
* ـ مشكلة طول إجراءات حسم الخلاف الضريبي.
* ـ مشكلة خضوع الأصول الثابتة أحياناً للضريبة.
* ـ مشكلة صعوبة المنافسة الخارجية بسبب العبء الضريبي.
* ـ مشكلة عدم توافر قاعدة البيانات ونظم المعلومات عن الممولين.

ويثار تساؤل هام هو : هل يمكن أن يساهم فقه ومحاسبة الزكاة في معالجة المشكلات السابقة رتب الشارع على التهرب من دفع الزكاة عقوبات دنيوية وأخروية، وهي تختلف باختلاف قصد المتهرب من دفع الزكاة. أما إذا كان التهرب عن أداء الزكاة راجعاً إلى البخل والشح دون الجحود والنكران؛ فإن المتهرب من دفع الزكاة يعاقب بعقوبة أخروية، تتمثل في العذاب الأليم، الذي يلحقه في الآخرة،

والذي ورد في قوله تعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (آل عمران:180) ، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (التوبة:34، 35)

فهل يمكن تحصيل زكاة بهذا المقدار من اقتصاد يصل حجمه إلى نحو 2.8 تريليون جنية؟ وأعتقد أن هذا صعب المنال، فمن خلال النظر إلى البيانات القومية يستحيل جمع هذا القدر الكبير من الزكاة. وتدفع الزكاة على جزء يسير من الأصول الثابتة والأصول السائلة بما في ذلك الأرباح والمخزون في الاقتصاد التي يملكها القطاع الخاص التي تصل إلى النصاب لدى ملاكها. ويستثنى من وعاء الزكاة النظامي في المملكة الأغلبية الساحقة من الأصول الثابتة، وحصص المستثمرين الأجانب (يخضعون لضريبة الدخل)، والأصول السائلة لدى الأفراد، والأموال السائلة التي لم تبلغ النصاب، وكذلك أموال وأرباح القطاع الحكومي. ويدخل ضمن أموال الدولة القطاع النفطي الذي يصل حجمه بالأسعار الجارية إلى نحو نصف إجمالي الناتج المحلي.

ويعود جزء كبير من الأصول السائلة والأصول الثابتة التي تجب فيها الزكاة لملكية أفرادا أو مستثمرين أجانب لا تجمع منهم الزكاة حسب نظامها، وقد يصل حجم الأصول المستثناة إلى نحو نصف وعاء الزكاة الإجمالي.

ولو صح هذا التقدير فإن قيمة وعاء الزكاة سيصل إلى نحو 37.5 مليار جنية، وهو ما يعني أن نسبة تحصيل الزكاة في الوقت الحالي تقل بقليل عن الثلث، كما يعني أن نسبة التهرب من دفع الزكاة في حدها الأقصى تصل إلى نحو الثلثين. وتعتبر نسبة تهرب ضريبي بمقدار الثلثين مرتفعة مقارنةً بنسب التهرب الضريبي في دول العالم المتقدم، لكنها لا تزال مجرد تقديرات للحدود القصوى. من جهةٍ أخرى، فإن حجم الزكاة المحصلة فعلياً يشير إلى تدني حجم وعاء الزكاة إلى مستويات تقل حتى عن أرباح القطاع الخاص غير النفطي، وهذا مؤشر قوي على أن هناك تهرباً كبيراً في دفع الزكاة. وظهور هذا المؤشر يتطلب القيام بعدة تدابير من أهمها، قيام الجهات المعنية بتحصيل الزكاة بإجراء دراسات ميدانية للتأكد من نسب التهرب من الزكاة، وكذلك مراجعة أنظمة تحصيل الزكاة ولوائحها وعقوبات التهرب من سدادها، وتطوير آليات تحصيل الزكاة ورفع فاعليتها.

لذلك نري ربط الإعفاء للأعباء العائلية بتكلفة الحاجات الأصلية للممول ومن يعول بدون محددات مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المستمرة في الأسعار. وتخفيض أسعار الضرائب وأن تتراوح بين 2.5 % و 20 % أسوة بما هو مطبق في فقه ومحاسبة الزكاة و إعفاء معاملات الأصول الرأسمالية من كافة أنواع الضرائب والرسوم للتحفيز على التطوير والتحديث والنمو أسوة بما هو مطبق في فقه ومحاسبة الزكاة . و تجنب الازدواج الضريبي مهما تغيرت الأسماء والألفاظ والمصطلحات … فالضرائب والرسوم والإتاوات كل هذا تحويل من أموال الأفراد إلى خزينة الدولة وهذا ما نادت به الزكاة حيث يقول الرسول: " لا ثنية في الزكاة ". و الاهتمام بالقيم والأخلاق والسلوكيات عند تعامل المأمور مع الممول، وتعامل الممول مع المأمور فهذا يقوى الثقة .و أن تحصل الضريبة بالحق، وتنفق بالحق، وتمنع من الباطل فهذا من بواعث ودوافع عدم التهرب.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى