الأربعاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١٦
علي الوردي: (69)
بقلم حسين سرمك حسن

حرب الثلاث مئة عام بين السُنة والشيعة

حرب الثلاث مئة عام بين السُنّة والشيعة:

((والواقع أنه ابتداء من منتصف القرن الرابع وحتى منتصف القرن السابع – زمن سقوط بغداد في أيدي التتار – دارت بين سُنّتها وشيعتها لا «حرب ثلاثين عاما» كما تُسمى كبرى الحروب التي دارت بين البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية في أوروبا بين 1618و1648، بل حرب ثلاثمئة سنة" (478)..

ولا تقتصر معالجة جورج طرابيشي لمحنة الصراع الطائفي على تقديم " جردة " بسنوات وقائع القتال الطائفي الدموي الذي كان يحصل في بغداد نقلا عن ابن الأثير في (الكامل في التاريخ ) وعن ابن كثير في (البداية والنهاية ) حسب، بل يلتقط ممارسات عنفية خطيرة كنا نعتقد أنها من نتاجات الحرب لأهلية اللبنانية أو الحرب الطائفية العراقية بعد الإحتلال. فعلى سبيل المثال كنا نعتقد أن ظاهرة الحواجز التي يُقترف عندها " القتل على الهوية " هي من إفرازات الحرب الأهلية اللبنانية، لكن طرابيشي يؤكد وجود مثل هذه الظاهرة في بغداد في الصراع بين السنة والشيعة الذي كان مستعرا في القرن الرابع الهجري:
(يضيف ابن الجوزي في " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " أنه في تلك السنة [ = 408 هجرية ] أيضا ظهرت " الأبواب "، أي بلغة الحرب الأهلية اللبنانية " حواجز القتل على الهوية ". وفي ذلك يقول: " إن الفتنة بين الشيعة والسنة تفاقمت وعمل أهل نهر القلائين بابا على موضعهم وعمل أهل الكرخ بابا على الدقاقين مما يليهم، وقُتل الناس على هذين البابين " (479).
وعلى الصفحة (20) ينقل طرابيشي عن ابن الأثير نصا عن أحداث سنة (441 ) هجرية بين السنة والشيعة يقول فيه: ((في هذه السنة مُنع أهل الكرخ [ = الشيعة ] من النوح وفعل ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء، فلم يقبلوا، وفعلوا ذلك،، فجرى بينهم وبين السُنة فتنة عظيمة، قُتل فيها وجُرح الكثير من الناس... وبطلت الأسواق وزاد فيها الشر حتى انتقل كثير من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي فأقاموا فيه ))

ويعلق طرابيشي على ذلك بالقول:

((تلك هي ظاهرة النزوح التي يعرفها عراق اليوم على نطاق موسع، علما بأن الجانب الشرقي من بغداد سني، والجانب الغربي ذو غالبية شيعية)) (480).

لكن الوردي الذي لا يردعه تهديد ولا يخشى في الحق وقفة واعظ أو مخافة سلطان، عاد إلى محنة النزاع الطائفي بصورة أشد قوة وأكثر منهجية ليس في عرض جذورها ومسارات تطوّره التاريخية الماضية حسب بل في كشف امتداداتها المسكوت عنها في الحاضر أنذاك. ففي وقت كان الكل فيه يتظاهرون – والمصيبة أن بعضهم مقتنعون – بأن الطائفية لا وجود لها، نجد الوردي يصل إلى حد التأكيد على أن الميول الطائفية في أعماق الفرد العراقي تبقى موجودة ولا يضعفها حتى تغيُّر المناخ الحضاري جذريا. وأنها ترفع رأسها حتى من أعماق الطلبة الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية الذين خُطط لهم كي يعودوا مستقبلا ويصبحوا النخبة الديمقراطية العلمية المثقفة التي تقود البلاد وتغيّر أحوالها البائسة. فإذا كان المستشرق (ميتز ) قد قال في كتابه " الحضارة الإسلامية " أن قوما من المشعوذين في القرن الرابع الهجري كانوا يحضرون الأسواق في بغداد، فيقف احدهم جانبا ويشرع بذكر فضائل علي. ويقف آخر في الجانب المقابل له فيشرع في ذكر فضائل أبي بكر. وعند هذا الحد يتهافت الناس عليهم يرمون إليهم الدراهم.. والنتيجة أن يتقاسم المشعوذون الدراهم التي كسبوها من الشيعة وأهل السنة معا، فإن الوردي يقول:

(كنت أزور ذات مرّة معامل فورد في ديترويت ثم عرجت على زيارة الحي العربي الذي كان قريبا منها. وقد اندهشت حين وجدت نزاعا عنيفا ينشب بين المسلمين هناك حول علي وعمر، وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة. وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع، فسألني الأمريكي عن علي وعمر: (هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومان وديوي عندنا ؟ )

فقلت له: إن عليّا وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاثمائة سنة. وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة.
فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يستلقي على قفاه. وضحكت معه ضحكا فيه معنى البكاء. وشر البلية ما يضحك ) (481).

لقد ذكر الوردي في كتابه " أسطورة الأدب الرفيع " أن أبا حيان التوحيدي قد أشار إلى الصراع الطائفي الذي كان مشتعلا بين أهالي بغداد إلى حد إراقة الدماء. وكيف كان رجال الدين من الطائفتين يزيدون في النار اشتعالا فكانوا يتقاتلون بالأدلة العقلية والنقلية كما كان العوام يتقاتلون بالهراوات والحراب.

ولو انتقلنا إلى عام 1966 وهي السنة التي أصدر فيها الوردي كتابه: " دراسة في طبيعة المجتمع العراقي " فسنجد الإصرار السابق يتصاعد ليتكثف في آخر صفحة من الكتاب في " الخلاصة " ؛ خلاصة كتاب من 383 صفحة وتقع في ستة أسطر:
(إن الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي أكثر مما في أي شعب عربي آخر – باستثناء لبنان – وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، بحيث يُتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار.
فهل من يسمع ؟ ).

ومع خلافنا الجذري مع الحل الذي يرتئيه الوردي لداء الطائفية، فإن من المهم القول أنه قد ثبت – وحتى هذا اليوم – أن لا أحد يسمع.. لا أحد قادرا على الإقرار بالحقيقة المرّة الحارقة، والكل يجدون أن لا طاقة لهم على ابتلاع موسى الحقيقة الجارحة التي حشرت في مدخل أرواحنا لقرون فظلت في عذاب الصراع الموجع والمؤرق. وإذ ننتقل إلى عام 1969 وهو العام الذي نشر فيه الوردي الجزء الأول من موسوعته المهمة والضخمة: " لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث – سبعة أجزاء " فنجده يعود إلى معالجة موضوعة النزاع الطائفي دون أدنى نتيجة. فالجميع يدّعون أنهم في ثبات ونبات وانسجام وأخوّة حقيقية.

معاوية هو الذي شقّ السُنّة والشيعة:

يطرح الوردي رأيا مميزا عن كيفية جديدة لحل النزاع الطائفي وذلك من خلال تفسير جديد لهذا النزاع يؤكد فيه على أخوة عمر وعلي الجهادية وعلاقتهما النضالية بمصطلحات هذا العصر، ويلقي بلائمة الإنقسام الطائفي على عاتق معاوية.
فالوردي الذي يرى أن (التنازع الاجتماعي ) كما سمّاه هو مصدر تطور المجتمع إذا كان تنازعا مبدئيا يقوم على أساس البحث في المباديء الاجتماعية وليس على أساس المفاضلة بين الأشخاص، يؤكد على أن التنازع في عهد عثمان كان يدور حول مباديء العدل والمساواة. ولكن معاوية قلبه بعد ذلك فجعله يدور حول عليّ وعمر: أيهما أفضل ؟. وبهذا نسي الناس كفاح عليّ ضد معاوية وانشغلوا بالفضائل الشخصية، وكل فريق يأتي لصاحبه من الفضائل ما يكسف به فضيلة زميله:
((وإني حين أقرأ الكتب التي يؤلفها المتحذلقون هذه الأيام حول أفضلية علي وعمر، أكاد ألمس فيها يد معاوية – ذلك الداهية الجبار الذي كان يعرف من أين تؤكل الكتف. فقد كان يضحك على ذقون الناس والناس مشغولون بجدلهم التافه لا يدرون بأنهم صاروا سخرية للعالم)) (482).
و:
((حين نقرأ كتب المتعصّبين من الشيعة وأهل السنة نجد تلك المكيدة الأموية واضحة فيها. فالفريقان يكادان ينسيان معاوية وما فعله بالإسلام. والجدل القائم بينهما يدور في معظمه حول تك الخصومة المزعومة بين علي والشيخين. فالمتعصبون من الشيعة يضعون مسؤولية الظلم الذي حدث في الإسلام على عاتق أبي بكر وعمر. فهما في رأيهم أول من سنّ شرعة الغصب في تاريخ الإسلام حيث ظلما أهل البيت ومكّنا لبني أمية بعد ذلك أن يثابروا على هذا الظلم ويزيدوا عليه. أما المتعصبون من أهل السنة فيعكسون الآية ويعدون معاوية إماما صالحا سار على سنة أبي بكر وعمر، فليس هناك ظلم إذاً ولا هم يحزنون. صار الشيخان في نظر الفريقين بمثابة (الخط الأمامي) للدفاع والهجوم. فالشيعة يهاجمونهما لكي ينفذوا إلى من اختفى وراءهما من الخلفاء اللاحقين. وأهل السنة يدافعون عنهما لتغطية من جاء بعدهما من أمراء المؤمنين)) (483).

التفاؤليّة المُجهضة:

لكننا نجد شيئا محزنا رغم أنه مبرّر جزئيا، وهو أننا يمكن أن نعتبر كتاب " حميد المطبعي ": " علي الوردي يدافع عن نفسه " آخر كتاب للوردي، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 1987، وحين أقول أنه آخر كتاب للوردي فلأن الكتاب فعليا كله له، وكان دور المطبعي قائما على توجيه الأسئلة وتبويب الإجابات في (199) صفحة، وقد أخبرني الصحفي سلام الشماع أن طريقة الوردي في اللقاءات هو أنه يقوم بكتابة الأسئلة والأجوبة عليها بنفسه وبخط يده، وشاهدت نماذج على ذلك. في هذا الكتاب الأخير لم يذكر الوردي ولا محاوره كلمة واحدة عن النزاع الطائفي رغم تململه غير المعلن، وأسباب هذا الموقف معروفة ومبرّرة لكنها تحيلنا إلى خراب آمال الوردي والإحباط الذي أصاب تفاؤليته التاريخية المعروفة التي أشرت إليها سابقا. كان الوردي في أغلب مؤلفاته يتحول – كلما مرّت السنون وشعر بأن العمر يمضي بلا جدوى مباشرة وملموسة – إلى " هتافي " في التبشير بالمستقبل المشرق المتحرّر المقبل. لو عدنا إلى الصفحتين الأخيرتين من كتابه: " مهزلة العقل البشري " الذي جاء بعد قنبلته التحديثية المتمثلة في كتابه: " وعاظ السلاطين "، لوجدناه يختم كتابه بدعوة شعارية يقول فيها:
(آن للساكتين أن يتكلّموا فقد حان وقت الكلام )

وهو تفاؤلي في دعوته إلى إلغاء الطائفية في العراق وتوحّد الجميع بعيدا عن التعصبات والتجاذبات الضيقة التي تضعف الرابطة الوطنية:

(وإذا أراد الشيعة وأهل السنة في هذا العصر أن يتّحدوا فليرجعوا إلى شعارهم الذي اتخذه زيد بن علي وأبو حنيفة، أي شعار الثورة على الظلم في شتى صوره.. لا فرق في ذلك بين الظالم الشيعي أو الظالم السني. إن هدف الدين هو العدل الاجتماعي، وما الرجال فيه إلا وسائل لذلك الهدف العظيم ) (484).

ويصل به تأجج الروح التفاؤلية حدا يعلن فيه أن الطائفية في العراق آيلة للزوال بعد أن يزول أبوها الدين !!!. ترى لو عاش الوردي وشاهد كيف عاد الصراع الطائفي بصورة دامية بعد الاحتلال الأمريكي القذر لبلادنا، مع إقرارنا بوجود مخططات خارجية لتمزيق وحدة العراق، فكيف سيكون رد فعله ؟. يقول الوردي:

(ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية حيث صاروا لادينيين وطائفيين في آن واحد. وهنا موضع العجب!!. ومن الممكن القول، على أية حال، أن الطائفية في العراق في طريق الزوال، فهي لا تستطيع أن تبقى في المجتمع مدة طويلة بعد ذهاب أبيها الدين. إنها الآن في مرحلة الانتقال إلى رحمة الله تعالى. وهي ستلحق بأبيها المرحوم عاجلا أو آجلا ) (485).

ولكن هذه التفاؤلية قلقة بسبب إفراطها في الحماسة، وتتجلى مدياتها الملتهبة مبكرا في كل مؤلفاته، في " منطق ابن خلدون " يقول الوردي:

(من الممكن القول بأن الدولة الحديثة هي في سبيل أن تجمع بين زيادة انتاج الحضارة وإشاعة العدل الاجتماعي في وقت واحد. وهي لابد أن تصل إلى ذلك عاجلا أو آجلا. وإذا كانت هناك دول لا تزال تسلك في حكمها مسلك الدولة القديمة، فهي سائرة في طريق الزوال حتما. إن النزعة الشعبية التي تسيطر الآن على الأذهان لا تسمح لطبقة حاكمة أن تنعم بقصورها وجواريها وطنابيرها على حساب الملايين من الناس ) (486).

التكفير المُتقابل في القرن الحادي والعشرين:

ورغم هذا كله فقد عاش الوردي ليرى أن ما تحقق على أرض الواقع، ليس في العراق وحده، ولكن في أماكن كثيرة من العالم، وخصوصا بعد انهيار التجربة الشيوعية، وانتكاسات التجارب الاشتراكية في العالم الثالث، أن هذه التفاؤلية التي كان يدعو إليها، والتي كانت تصل حدودا هتافية متحمسة ووعظية حذر منها هو نفسه، قد أجهضت وتحطمت على صخرة المؤامرات السياسية والمصالح البشرية الرعناء التي حذّر منها كثيرا. فإذا كان الوردي قد نقل وبأسف وسخرية فتوى (أبو السعود العمادي ) مفتي الإسلام في عهد السلطان سليمان القانوني عن اليزيدية ؛ هل يحل للمسلمين قتالهم ؟ وأفتى بأن قاتلهم يكون غازيا، ومقتولهم شهيدا، لأن جهادهم وقتالهم جهاد أكبر وشهادة عظمى !!! فإن الفتاوى من هذا النوع قد بدأت في الإنتشار والإتساع في المجتمعات العربية مع تنامي النمو الحضاري والمد الديمقراطي في العالم لتشمل مذاهب وقطاعات واسعة من الشعب في العراق

بعد الإحتلال الأمريكي عام 2003 خصوصا وفي الوطن العربي عموما. !!. والمراجعة الهامة – النظرية والتاريخية – التي قدمها " جورج طرابيشي " في الجزء الثاني من كتابه " هرطقات " لموضوعة الصراع الطائفي في البلدان العربية والإسلامية تكشف عن أن الصراع الطائفي في تصاعد مستمر، وأنه في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين صار أكثر شراسة وسعة وتفجرا مما كان عليه قبل خمسين عاما خصوصا، وأن الثروات النفطية لدى الدول الراعية للطائفتين السنية والشيعية هائلة ويسرت التمويل الكافي لنشر الأفكار الطائفية في كل المجالات الإعلامية من فضائيات إلى صحف وكتب إلى مواقع ألكترونية. وفي باكستان وحدها تعرف الأدبيات المعادية للشيعة والممولة بالدولارات النفطية كما يقول طرابيشي رواجا، أو بالأحرى ترويجا كبيرا. في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بلغ المعدل السنوي لتلك الأدبيات ستين كتابا في العام الواحد، والحجم السنوي للنسخ المطبوعة 30 مليون نسخة. وينقل طرابيشي نماذج من كتب تمثل " ثقافة الفتنة " في نهايات القرن العشرين تكشف الموقف الطائفي المسعور من قبل الطائفتين تجاه بعضهما والتي تنذر بانفجار هائل فيما لو توفرت ظروف مساعدة على الإنفجار كتلك التي توفرت بعد احتلال العراق عام 2003:

# على الجبهة السُنية يقتبس طرابيشي شواهد رائجة في الوقت الحاضر من كتب تدعو إلى تكفير الشيعة بل إبادتهم في ما يسميه بالفتاوى الآيديولوجية:

 ((لقد تضافرت الأدلة النقلية والعقلية على أن الشيعة الروافض طائفة شرك وردة )) (عبد المنعم حليمة: الشيعة الروافض طائفة شرك وردة )

 ((الرافضة زناة يعيشون بين المسلمين ويحملون اسم الإسلام.. وإباحيتهم شاملة )) (ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة )

 ((الشيعة هم ثغرة الخيانة والغدر التي دائما تكون السبب في هزيمة الأمة الإسلامية وانتكاسها)) (عماد علي حسين: خيانات الشيعة )

((لقد تحوّل التشيّع إلى وكر للحاقدين والناقمين والمرتدين عن الإسلام )) (جمال بدوي: الشيعة قادمون )

 ((إن الرافضة قبحهم الله أعداء الإسلام والمسلمين، وأتباع للشيطان وعملاء لكل عدو للدين )) (شريف الراجحي: كلمات وأشعار في ذم الرافضة الكفار الفجار )

وهناك الفتاوى الشرعية التي قدمها محمد بن ابراهيم المفتي الأسبق للديار السعودية والشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد الرحمن البراك وعبد الله بن جبرين وبعضها طرح من خلال برنامج " لقاء الباب المفتوح " التي ترى ضرورة تكفير الشيعة ووجوب الجهاد ضدهم شرعا. فـ:

((عن اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة عبد العزيز بن باز ونيابة عبد الرزاق عفيفي صدرت الفتوى التالية ردا على سؤال من سأل عن (حجم أكل ذبائح من يدعون الحسن والحسين عند الشدائد ):

 ((إن كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون عليّا والحسن والحسين وسادتهم فهم مُشركون مُرتدون عن الإسلام، والعياذ بالله، لا يحل الأكل من ذبائحهم لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسيم الله ) (487).

# على الجبهة الشيعية لا تقل الهجمة على النواصب شدة. "فالنواصب حسب مراجع الشيعة هم أعداء أهل البيت.. وهم مصدر للنجاسة. والنجاسة الناصبية ترتبط بالنجاسة الكلبية.. وهذا له مستتبعات وإلزامات على صعيد الحياة اليومية والعلاقات العامة وأحكام المعاشرة والمؤاكلة والمشاربة والوضوء والتذكية والشهادة والجنازة والنكاح" كما يقول طرابيشي.
ثم ينقل طرابيشي شواهد من كتاب: "الشيعة هم أهل السنة" لمحمد التيجاني السماوي التونسي تعكس فتنة إيديولوجية شيعية مماثلة في توجهها للنصوص السابقة التي اقتبسها من كتب للسنة:
((إن الذين يتسمون بأهل السنة ليس لهم في الحقيقة من سنة النبي شيء يذكر ))
((يتبين لنا مرة أخرى أن أهل السنة والجماعة تركوا القرآن والسنة النبوية بتركهم الحق وهو علي بن أبي طالب ))
((مرة أخرى يتبين لنا أن أهل السنة والجماعة لا تربطهم بالرسول صلة ولا مودة، فمن فارق العترة فقد فارق القرآن، ومن فارق القرآن فلن تجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ))

ومثل ما نقل لنا فتاوى شرعية سنية بتكفير الشيعة وشرعنة مجاهدتهم وقتلهم ينقل طرابيشي أيضا فتاوى شرعية شيعية مضادة لابن حمزة الطوسي والميرزا جواد التبريزي والإمام الخوئي والإمام الخميني. فقد أفتى الميرزا جواد التبريزي في صراط النجاة: ((الناصب هو الذي يظهر العداوة لأهل البيت عليهم السلام، ولا حرمة لدمه، وأما ساب النبي والإمام (صلوات الله عليهم ) فقتله واجب مع الأمن من الضرر )).

"محمد عابد الجابري" و"الطائفية الجديدة":

ولكن أبشع ما طفح به الواقع العربي في موضوعة الصراع الطائفي هو أن ينظر له مفكرون موضوعيون وعقلانيون مثل الدكتور (محمد عابد الجابري ) في مشروعه الفكري الخطير الذي تصدى فيه لمراجعة وتفكيك بنية العقل العربي والإسلامي. إن من المؤسف أن يحاول مفكر " حديث " شرعنة الصراع الطائفي وتقعيده على أسس نظرية و " علمية ". ما الذي سيتبقى للأمة للخلاص من هذا الداء المسعور إذا كان مثقفوها " الإبستمولوجيون " الذين يفترض فيهم تخليص العقلية العربية والإسلامية من المرتكزات اللاعقلانية والأسطورية والخرافية التي تأسس عليها الموقف الطائفي وتصفية مسار المدرج من هذه العوائق المخيفة لكي " تقلع " الأمة نحو سماوات الحداثة وهي التي كبّلها الصراع الطائفي وربط أقدامها بأرض التخلف والردة، يتحولون إلى " شيوخ " يرتدون بذلة حداثوية:

((وواضح للعيان – والقول لطرابيشي – أين هو خطأ الجابري، بل أين تكمن خطيئته: فهو بإصراره على أن يرى في كل الفكر الشيعي شجرة واحدة، هي على وجه التعيين شجرة الهرمسية التي لا يجري في عروق كل غصن من أغصانها سوى " اللامعقول " فإنه يكون قد وحّد كل أشجار الفكر السُني أيضا في غابة واحدة مقابلة تستظل وحدها بفيء " المعقول الديني " , ويكون قد حفر ما بين الغابتين خندق حرب غير قابل للردم أوالتسوية. وتكريسا لهذه القطيعة الآيديولوجية الحادة ما بين الغابتين وتعميقا لها، فإن ناقد العقل العربي – ويقصد الجابري – يعمّدها – بغية إضافة المزيد من الشرعية " العلمية " عليها – باسم القطيعة الإبستمولوجية ؛ أي القطيعة التي تتعدى المضمون لتتأسس في المنهج ولتتجذر في النظام المعرفي بالذات )) (488).

ويهمني هنا أن أنقل وجهة النظر النقدية الموضوعية لطرابيشي حول مشروع الجابري الذي يشرعن الطائفية إبستمولوجيا ناسيا – وبكل قسوة فكرية – الدور البنائي والنمائي الذي يجب أن يقوم به المثقف العربي والإسلامي تجاه محن أمته. يقول طرابيشي:

((وعلى هذا النحو فإن تلك الفرصة النادرة التي تتيحها الثورة المنهجية الإبستمولوجية لقراءة آركيولوجية ترد المنقسم إلى الوحدة والمتنوع إلى الجذر المشترك، يجري توظيفها في اتجاه معاكس تماما، اتجاه تعميق الإنقسام وتجذير الاختلاف وتصعيد التنوع إلى تضاد ماهوي. وبدلا من اهتبال تلك الفرصة للأم تصدعات الثقافة العربية والإسلامية ولمّ شتات أوصالها المقطعة وإعادة بناء وحدتها العضوية، سعيا وراء ترميم الوجدان وتوحيده وتطوير ماضي الصراع والإقتتال إلى مستقبل مشترك تؤسسه جدلية التماهي من خلال الإختلاف، فإن غرفة العمليات الجراحية التي يدعونا ناقد العقل العربي (الجابري) إلى دخولها هي في الواقع غرفة للتشريح، للنشر والتشطير والتبضيع وتجزئة التجزئة، غرفة يجري فيها تصنيف الأوصال الممزقة وتحنيطها وتعليبها – بعد تبطيقها – في القوارير المحكمة السد للأنظمة المعرفية المتعارضة تعارض المعقول واللامعقول حينما يُحفر بينهما خندق الإسمنت المسلح للقيمة المنزلة منزلة المطلق. وبديهي أن مشرّح العقل العربي لا يخفى عليه أن مبضعه " الإبستمولوجي " قد يقطع، في جملة ما يقطعه على ذلك النحو من الأعصاب وأوتار الأعصاب، وتر العصب الطائفي الذي لا يشك – ولا نشك في أنه يشك – في أنه الوتر الزنيم الخبيث. ولكنه يستطيع أن يدفع عن نفسه سلفا كل اتهام محتمل من هذا القبيل بتوكيده أنه لا يمكن أن يعرف الطائفية لأنه ينتمي أصلا إلى مجتمع لا يعرف الطائفية ولا الطوائف. وبالفعل نجده يقول، بعد كل الضراوة التي أبداها في تفكيك الخطاب " العرفاني [= الشيعي ]: ((أخيرا، وليس آخرا، حرصنا أشد الحرص على تجنب إثارة الحساسية الطائفية، فخففنا من النقد إلى أدنى درجة ممكنة بالنسبة للمذاهب التي مازالت تعتنقها بصورة أو بأخرى هذه الطائفة أو تلك من الطوائف الدينية في العالم العربي.. ومع هذا الحرص على تجنب إثارة الحساسية الطائفية فإننا لا نستطيع أن " نبرّيء " أنفسنا في أعين من يصدر عن تفكير طائفي. ذلك لأن من يعيش في مجتمع غير طائفي لا يستطيع أن يتوقع جميع ردود الفعل التي قد تصدر ممن يعيش في مجتمع طائفي – الجابري في " بنية العقل العربي " – ويعلق طرابيشي على هذا التخريج " المعرفي " بالقول:

((ولكن هناك مع الأسف ما هو أسوأ من الطائفية. فالطائفية قابلة للتعريف، في نهاية المطاف، بأنها كراهية الآخر. والحال أن ما هو أسوأ من كراهية الآخر هو عدم الاعتراف بوجوده أو بحقه في الوجود. وهذا مع العلم أن كلمة " الآخر " بالذات لا تبدو لنا هنا في محلها. فالشيعة ما كانوا هم " الآخر " في مساق الحضارة العربية الإسلامية. وخلافا للجابري، الذي لا يجد من حرج في أن يقول: ((إن الآخر الذي كانت تتحدد بالعلاقة معه تحركات الدولة العباسية السياسية قد بقي هو هو لا متغيرا، خلال جميع التحولات التي عرفتها، وإن هذا الآخر هو الشيعة الباطنية. – الجابري في تكوين العقل العربي – فإننا – والتعليق لطرابيشي – لا نرى في الشيعة " الباطنية " ولا غير الباطنية " آخر " الحضارة العربية الإسلامية. بل هي لهذه الحضارة، مثلها مثل السنة، (ذات)، وهي لهذه الأخيرة، في بناء تلك الحضارة، شريك، وإن تكن هذه الشراكة كثيرا ما تلبست شكل الخصومة )) (489).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى