الجمعة ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

سؤال في الأدب

يقول عنترة في مطلع معلقته:

هل غادر الشعراء من متردَّم
أم هل عرَفت الدار بعد توهُّمِ

السؤال بعد إذنك:

ما علاقة العجز بالصدر في هذا البيت؟

نرى أن عنترة يبدأ بالاستفهام الإنكاري الذي يتضمن النفي والإنكار؛ فهو ينفي ان يكون الشعراء السابقون قد تركوا له شيئا في باب الشعر ينظم فيه أو يجدد في معانيه، فما علاقة الاستفهام الإنكاري الثاني بالاستفهام الإنكاري الأول؟
وجزاك الله خيرًا!

محمد ياسر ريان- كابول

ج-

لا أرى تنافرًا بين الصدر والعجز، وهذا الرأي رأيي بعد أن درست الموضوع مليًّا:

من المنطق أن يتحدث عنترة عن شعر الأطلال فقط، فهو لا يقصد هنا أشعار المدح والوصف والفخر إلخ، بل همّه أن يصف الأطلال- أسوة بسائر الشعراء الذين يبدءون قصائدهم بها، فالنسيب هو المقدم غالبًا.

يقول: لم يترك الشعراء قبلي في وصف الأطلال شيئًا لم يقولوه، بل سأقول بعد أن تعرفت بصعوبة إلى أطلال عبلة ما يلي.... ثم يصف ديار عبلة بالجِواء ويحييها في خمسة أبيات متتالية (وفي روايات أخرى ثمانية أبيات).

لقد استطاع عنترة أن يتعرف إلى أطلال محبوبته عبلة، ولم ينل هذا إلا بعد التوهم وبذل الجهد في معرفة الديار، وها هو يسير على نهجهم في وصف الأطلال، وفي تفرّسه في ملامح الديار.

مصادر تشرح البيت، وفيها فوائد لغوية:

الزوزني – شرح المعلقات السبع، ص 191.

المتردم : الموضع الذي يترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن، والتردم أيضا مثل الترنم، وهو ترجيع الصوت مع تحزين.

يقول في المعنى الأول: هل تركت الشعراء موضعًا مسترقعًا إلا وقد رقعوه وأصلحوه؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، أي لم يترك الشعراء شيئا يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغوه فيه؛ وتحرير المعنى: لم يترك الأول للآخر شيئًا، أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعًا أرقعه ومستصلَحًا أصلحه.

وإن حملته على الوجه الثاني كان المعنى: أنهم لم يتركوا شيئًا إلا رجعوا نغماتهم بإنشاء الشعر وإنشاده في وصفة ورصفه.

ثم أضرب الشعر عن هذا الكلام، وأخذ في فن آخر، فقال مخاطبًا نفسه:

هل عرفت دار عشيقتك بعد شكك فيها، و(أم) ههنا معناه (بل) أعرفت ، وقد تكون (أم) بمعنى (بل مع همزة الاستفهام)، كما قال الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط *** غلس الظلام من الرباب خيالا أي: بل أرأيت.

ويجوز أن تكون (هل) ههنا، بمعنى (قد)، كقوله عز وجل: (هل أتى على الإنسان) أي قد أتى.

في (شرح المعلقات التسع) للشيباني، ص 216 ، وكذلك في (شرح المعلقات العشر) للتبريزي، ص 264- ورد ما يلي في شرح البيت:

"هل أبقى لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه؟ وهل تهيأ لأحد أن يأتي بمعنى السبق إليه؟
ويروى من مترنم، والترنم صوت ترجعه بينك وبين نفسك.

وقوله (أم هل) إنما دخلت (أم) على (هل): وهما حرفا استفهام، لأن (هل) ضعفت في حروف الاستفهام، فأدخلت عليها (أم) كما أن (لكن) ضعفت في حروف العطف- لا تكون مثقلة ومخففة وعاطفة، فلما لم تقف حروف العطف، أدخلت عليها الواو، ونظيره ما حكي عن الكسائي: أنه يجيز "جاء في القوم إلا حاشا..." لأن (حاشا) ضعفت عنده إذا كانت تقع في غير الآستثناء."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى