هايكو مائيات في شعرية التضاد والتقابل
النصّ : هايكو مائيات – أحمد الشيخاوي ،المغرب
توسّد فخذها الشهي كي لا تملواغطس في غدير المقل تشفىوتنصبّك سلطانا للعشق كل الدروبرويدك رويدك يا امراةالقلب أضحى مملكة بائدة تنعيهاغربان الوشايةحين أتلفت مفاتيحهخنجر المحبة مطاعأغمديه فيّ أولد ثانيةويشرق ذبولي من جديدمتصاب تحركه رذيلة المطريوغل شوكته شوكة سمه في العدم فيموتمنكفئا على أسرار الروحمثلي أشبه بكأس لأكثر من سمكةعبثا تحاولين تقمص دور البريئةكي تربكي دميعند عتبة عوالميالماء يمكرالنسل ينقرضلأول مرةتكسر زجاج قلبي امراةتطفئ فيّ أنين الطينأشرع قلبك على أكذوبة بيضاء ملحها الحبتساقط عن شجر رأسكبعض هموم الكونقميص السياسة ليس على مقاس من قاموسه:دس كرامة المواطن كما تبول في رسم رمليأو تسحق حشرةهو الآن العاطلتتمنّع عليه اللقمةيركب حماقاته فيصهل الهباءيُسرق من دمه الوطن الواشيأنه عاش يوما سعيدا بقطف الخبءبالإمساك الطفولي بجمرة الحياة
موائد الشعر العربيّّّ كموائد "حاتم الطائي" في كرمها و تعدّد أصنافها / أجناسها و مدارسها لكنّ صنفا جديدا من اقصى مشارق الارض ينضاف اليها في السنوات الاخيرة ليدهشنا بكثافة متعته باعتباره يقوم اساسا على التكثيف من جهة المعنى و الصورة الشعريّة و من جهة المبنى أيضا اذ يختصر اللغة و يكثّفها و يركّزها تركيزا شديدا يجعل منها توقيعا انفعاليا مدهشا ،انها قصيدة الهايكو اليابانية أو ما يعرف لدينا بقصيدة الومضة او التوقيعة كما يسمّيها
عزّ الدين مناصرة اذ يقول هي : "قصيدة قصيرة مكثفة تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية، ولها ختام مدهش مفتوح، أو قاطع، أو حاسم، وقد تكون قصيدة طويلة إلى حد معين، وقد تكون قصيدة توقيعة إذا التزمت الكثافة،
والمفارقة، والومضة، والقفلة المتقنة المدهشة."
قصيدة الومضة او التوقيعة سميّت لدينا بهذا الاسم لانها تروم الايجاز و عمق المعنى و تسعى الى كثافة الايحاء القادر على اثارة انفعالات المتلقّي بما فيها من دهشة و تكثيف .
و بباب الحديث عن الدهشة و الادهاش قد تعود هذه الحالة الى "الأكسيمور " الذي تتضمنه قصيدة الهايكو
في نزوعها الى التضاد و التقابل ، تلازم الاضداد هذا نراه جليّا بنصّ الشاعر المغربي أحمد الشيخاوي الموسوم بعنوان " هايكو مائيات " الذي يعتمد بهذا النص على شعريّة التضاد فيدهشنا بضدّياته الغريبة كأن يقول :
خنجر المحبة مطاع
أغمديه فيّ أولد ثانية
ويشرق ذبولي من جديد
إذ يولد المحب من خنجر ّالمحبّة القاتل هذا التقابل بين الولادة و الموت مكمن الدهشة و الشعرية الخالصة،
يتضمن نفس المقطع الشعري تضادا ثانيا اذ يتلازم الضدّان الاشراق و الذبول فتتشكّل صورة شعرية مفارقة
و جمالية الصورة في تضادها و ادهاشها و هذا ما حصل من خلال هذا المقطع الشعري الذي يجبر القارئ على التخيّل .
قد يرواح الشاعر أحمد الشيخاوي مكانه برغم الانتقال من مقطع الى اخر الا ان المدارات نفسها لانه ببساطة يتحرك بنفس الحقول الدلالية التي تتكئ عليها قصيدة الومضة منذ ظهورها عربيا وهي : الزمن ،الحزن و الموت فلا عجب اذا ان كرّر نفس التقابل و التضاد برغم الصورة الشعرية المختلفةبهذا المقطع :
متصاب تحركه رذيلة المطر
يوغل شوكته شوكة سمه في العدم فيموت
منكفئا على أسرار الروح
مكمن التقابل و التضاد هنا المطر -باعتباره مبعثا للحياة – في مقابل الموت الذي جعله الشاعر بهذه الصورة الشعرية نتيجة لضدّه .
و يتكرّر التضاد و تكررّه محمود لان الشاعر لم يغفل تشكيل صورة شعرية مغايرة في انتقاله من مقطع الى اخر و ان بقي في نفس المناخات و حافظ على نفس المدار الدلالي :
عند عتبة عوالمي
الماء يمكر
النسل ينقرض
تتشكل بنفس النص ثنائيات متضادة كثيرة منها :
– (يصهل* الهباء )
– ( جمرة * الحياة )
و في هذه الثنائيات المتقابلة شعرية واضحة لانها لم تعتمد على مضاد حقيقي واضح بل نزعت نحو المضاد الاستعاري وهو مكمن الشعريّة .
ختاما نقول نجح الشّاعر أحمد الشيخاوي في اشياء كثيرة منها الادهاش و منها الالتزام بالحقول الدلالية دون نغفل مكمن شعريّته وهو الاكسيمور و الصور الشعريّة المتخيّلة التي بدت جلّية بجميع التوقيعات / الومضات
و دفعت القارئ نحو تخوم الدهشة و المتعة .