الأربعاء ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم عادل عامر

حزب الرئيس

أن تأسيس حزب تحت قيادة الرئيس يقضي علي التجربة الحزبية في مصر، ولن يؤدي إلي أي تحول ديمقراطي،هناك وجهتا نظر في هذا الشأن. الأولى تؤيد هذا الفكرة وترى أن هذا الحزب سيكون بمثابة الظهير السياسي للرئيس، ويمكنه الاعتماد عليه كأداة للتواصل مع المواطنين، وآلية للحشد والتعبئة لمساندة سياساته.

عدد قليل من أنصار وجهة النظر هذه يتحدث عن دور حزب الرئيس في تقديم المشورة والمقترحات، أو أنه يُمكن أن يكون آلية لتفريخ وإعداد القيادات السياسية، أو ضمانة لاستمرار نهج الرئيس بعد انتهاء فترة حكمه. هل كانت مفاجأة أن ينتهي مؤتمر شرم الشيخ دون أن يعلن السيسي عن «حزب الرئيس

الأحزاب الناجحة التي نتحدث عنها تقوم على أفكار وإطار أيديولوجي واضح يحدد حركتها السياسية والاقتصادية، ولا تبنى على أشخاص فقط حتى لو امتلكوا سمات الزعامة. والرئيس السيسي يبدو حتى الآن أنه ينتمي إلى المدرسة البرجماتية العملية التي تسعى لحل المشاكل دون الارتباط بإطار أيديولوجي معين. أي يتعامل مع التحديات التي تواجه مصر بمرونة أيديولوجية، والمهم لديه أن يتم مواجهة هذه التحديات.

إنشاء حزب يرتبط بالرئيس في هذه المرحلة سوف يعني، بكل وضوح، أنه حزب الدولة، وسوف تجد مؤسسات الدولة حرجا في ألا تساعد هذا الحزب.والسؤال: هل كان المؤتمر أصلاً للإعلان عن تشكيل حزب لدعم السيسي؟.. وهل كان الرئيس في حاجة إلى حزب من هذا النوع، على غرار الاتحاد الاشتراكي وحزب مصر؟.. أم أن الرئيس مازال مدعوماً بأكبر حزب مصري حتى الآن؟
ولو فكر الرئيس في حزب سياسي، لسقطت الأحزاب الأخرى فوراً!. في مصر يهرول الناس فرادى وجماعات نحو حزب السلطة، ظنا منهم أنهم يناسبون الحكومة، وانهار الحزب الوطن أسرع من قصور الرمال التي تجرفها الأمواج، لأنه احتكر السلطة وقوض مفهوم التعددية السياسية، ولم يسمح بظهور حزب معارض آخر، يتبادل معه الحكم إذا أرادت الجماهير التغيير، ولم يؤمن أبدا بالقاعدة التي تقول «أهم من الحزب الذي يحكم هو الحزب المرشح للحكم»، فلا تعددية بحزب واحد وحوله أحزاب كومبارس، يتم استدعاؤها أيام الانتخابات وصرفها بعدها.

أن تشكيل حزب سياسي يدعم الرئيس ويكون له ظهير سياسي وشعبي، أصبح أمر هام جدًا خاصة بعد الأزمات وحالات الجدل التي ثارت الأيام الماضية في العديد من القضايا العامة، دون أن يكون هناك من يستبق البيانات الرسمية للحكومة، بتصريحات إعلامية تتضمن معلومات إضافية. لان الرئيس السيسي، يحتاج إلى ذراع سياسية للتواصل مع الكيانات السياسية الأخرى والقواعد، خاصة بعد فشل ائتلاف "دعم مصر" في تشكيل جبهة موحدة قوية، مشيرًا إلى ضرورة إنجاز قومي جديد لدعم شعبية الرئيس، عن طريق إنجاز مشروعات قومية كبيرة على غرار قناة السويس الجديدة، أو انجاز مشروع استصلاح الـ 1.5 مليون فدان. إنه من المنطقي أن ينتمي رئيس الجمهورية لحزب سياسي، ولكن الخبرة التاريخية المصرية وطبيعة الظروف التي تمر بها البلاد تجعل من الأفضل ألا يؤسس السيسي حزبا، على الأقل في هذه المرحلة، لأن هذا الحزب - ومهما خلصت النوايا – سوف يحمل ميراث أحزاب الدولة التي أنشئت منذ عام 1952
وسوف يمثل قيدا على حركة الرئيس. أنه عندما يشكل حزب يحظي بدعم الرئيس سرعان ما يهرع كل المنافقين والراغبين في الاستفادة من سلطة الرئيس، وليس بالضرورة المؤمنين بمبادئه و أفكاره، بخلاف إن الأمر غير طبيعي ويخالف المتعارف عليه من أن يأتي الحزب بالرئيس إلي السلطة وليس العكس.

أن التجربة الحزبية في مصر أثبتت فشلها بعد أن تحولت الكيانات الحزبية إلي مجرد جمعيات دفن موتي، لا يتعدي دورها مجرد موالاة السلطة بداية من الإتحاد الاشتراكي الذي كان يوالي السلطة ومرورا بالحزب الوطني الذي دأب علي منافقة السلطة، وأخيرا دعم مصر الذي استكمل المسيرة ذاتها طمعًا في تحقيق مكاسب شخصية. و أن الوضع الراهن يحتاج إلي تقليص عدد الأحزاب إلي ما لا يتعدي خمسة أحزاب فقط يمارسون عملًا حقيقيًا في الشارع من خلال برامج محددة بالاعتماد علي كوادر ولقاءات جماهيرية، لتهيئة مناخ سياسي لكي تظهر أحزاب حقيقية.
أن فكر النظام الحالي سيخنقه في النهاية فهو يعتمد بشكل رئيسي على احتواء الجنرال في دائرة ضيقة للغاية، واستبعاد كل القوى المدنية الأخرى، وتشكيك الإعلام الموالي له بشكل مفضوح في 25 يناير. إن الدستور المصري الجديد يقف عائقا أمام إنشاء حزب الرئيس، يل يمنع ذلك، ولعلنا نتذكر جيدا مساع رئيس الوزراء الأسبق الدكتور الجنزوري لتشكيل تجمع وطني لخوض الانتخابات البرلمانية، وقيل وقتئذ، إن الهدف هو تشكيل “تحالف” انتخابي محسوب على الرئيس السيسي، ومن هنا أجهضت هذه المحاولة، وتراجعت الأحزاب التي أعلنت موافقتها للانضمام إلى هذا التكتل الانتخابي الوطني. عانت التنظيمات السياسية في مصر خلال فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك (1981-2011) من عدة أزمات أدت إلى تراجع مستوى الدور الذي تمارسه على صعيد العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، وبعض هذه الأزمات يتعلق بمشكلات عامة تواجهها غالبية هذه التنظيمات بغض النظر عن طبيعتها أو نوعية نشاطها، ويتعلق البعض الأخر بطبيعة تلك التنظيمات ومجال عملها. وتأتي أهمية دراسة التنظيمات السياسية وخاصة التنظيمات الحزبية؛ باعتبارها من أهم القوى السياسية الفاعلة في المجتمع والمؤثرة في توجهات السلطة الحاكمة، حيث يشير الواقع أنه لا يمكن أن يستقيم العمل السياسي ولا السلطة السياسية الحاكمة في أي بلد دون وجود الأحزاب السياسية المعبرة عن إرادة وأراء واتجاهات فئات واسعة في المجتمع، كما أن النظم الآخذة في النمو تحتاج أكثر من غيرها إلى الأحزاب لتنشيط الحياة السياسية وتحقيق فرص أوسع للوصول إلي الديمقراطية؛ مما دعي البعض للقول بأن السمة الأساسية للتعددية السياسية تتمثل في تعدد الأحزاب السياسية وإمكانية تداول السلطة بينها، ومن ثم إمكانية التغيير السلمي للسلطة وتحقيق مبدأ الديمقراطية ألا وهو تداول السلطة. ليست الظروف المحيطة، و بيئة العمل السياسي في مصر صحية بالدرجة الكافية، فالطبيعي أن أزمة التنظيم في مصر تأتي عاكسةً لأزمة الوضع العام، ونكون قساةً إذا ما حمَّلنا أنفسنا فقط الأزمة؛ لكنْ يجب أن نحترس من أنْ تتحول الأزمة العامة لمشجب/ شماعة؛ نُعَلْقُ عليه فشلنا و أخطائنا؛ التعلم من الأخطاء يجب أنْ يكونَ سمة أساسية لأي ماركسي حقيقي، وإلا بات بوقًا أجوف لا يقدم ولا يؤخر!! إلا أن ذلك ظل نخبويًا، بل أنَّ البعض كان ينظر إلى تلك الرؤى نظرة سلبية، بل و يتهمها؛ وهو ما عاق تعميم تلك الرؤى داخل الأحزاب و التنظيمات في عمومها، إلا القليل منها، ومن ثم وضعها في سياقها الموضوعي و البناء عليها في المستقبل؛ لتركيم(وهي على وزن تفعيل:من مراكمة) معارف و خبرات علمية خاصة بمصر؛ وأنْ تكون هناك رؤية ماركسية لمصر، أي نابعة من الواقع المصري، ليست جاهزة ودخيلة عليه، وبالتالي يكون هناك رؤية مصرية للماركسية (الجدل بين الخطين)، كما فعل [لينين] في روسيا، و[ماو] في الصين، وبعض التجارب [الأفريقية]، وأمريكا [اللاتينية]، ما يمكن أن نسميه مصرنة الماركسية أو تمصيرها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى