الاثنين ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

الإعراب في العربية: ملاحظات أولى

من خصائص لغتنا الفصيحة هذا الإعراب الذي يظهر في أواخر الكلمات، حيث أن الشكل له علاقة مباشرة بالمعنى.

(أعرب) فلان عن حاجته تعني أبانها، و(أعرب) الكلام بيّنه، فأصل معنى الإعراب هو الإبانة والوضوح.

(أعرب الكلام) تعني كذلك أزال فساده.

معنى (الإعراب) لدى النحاة- تغيير يلحق بأواخر الكلمات، ومنه (أعرب فلان الجملة) أي أتى بها وَفق قواعد النحو، وطبّق عليها القواعد.

إذن فالإعراب هو التغيير الذي يطرأ على الكلمة حسب موقعها في الجملة، ففي قولنا: (ظهر القمرُ) كانت كلمة "القمر" مرفوعة، فهي دالة على أنها الفاعل الذي قام بفعل الظهور. أما في قولنا (رأى الطفلُ القمرَ) دل على من وقعت عليه الرؤية أي المفعول به، وحين نقول (فرح الأطفال بالقمرِ) ينتقل أثر الفعل "فرح" إلى القمر بوساطة حرف الجر الذي يجعل الكلمة مجرورة.

لاحظنا أن حركة (القمر) تغيرت تبعًا للمعنى الذي وظّفنا فيه كلمة "القمر".

* انتبه إلى أن هناك كلمات لا يظهر عليها التغيير كالفعل الناقص أو الاسم المقصور، بسبب تعذر لفظ الحركة، فعندها تقدَّر الحركة، وقد يكون التغير بالحرف (أبو- أبا- أبي)، أو بالحذف (يبكي، لم يبكِ)، فالكلمة التي يجري عليها التغيير تسمى (معربة).

يقول ابن فارس في كتابه (الصاحبي):

"من العلوم الجليلة التي خُصّت بها العرب الإعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يُعرف الخبر الذي هو أصل الكلام، ولولاه ما مُيّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجب من استفهام".

وهذه الجملة الأخيرة تذكّرني بحكاية أبي الأسود الدؤلي مع ابنته، عندما قالت: ما أجملُ السماءِ؟

أجابها: نجومُها،
قالت أردت أن أتعجب،
فقال لها: إذن قولي – ما أجملَ السماءَ!

كما يقول ابن جِنّي - إن الإعراب ليست حلية لفظية، أو علامات لا تفيد معنى، إذ هناك ارتباط وثيق بين الإعراب والمعنى.

مما يدل على صلة الإعراب بالمعنى اختلاف القراءات التي قرئ بها القرآن، نحو:

يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين- المائدة، 6، فقد قرأ نافع والكسائي وحفص كلمة "أرجلَكم"- بالفتح عطفًا على كلمة "وجوهَكم"، وعلى هذا يجب غسل الرجلين تمامًا.
بينما كانت قراءة ابن كثير وحمزة وغيرهما بكسر اللام- "وأرجلِكم" عطفًا على كلمة "رءوسكم"، وعندها يتم الاكتفاء بالمسح.

وهناك روايات في التشريع والفقه يتعلق المعنى بحركة اللفظة.

لو قلت: (أنا سارقُ المتاعِ) لكان اعتراف أنك سرقت فعلاً، فوجب الحكم عليك.

لكنك لو قلت: (أنا سارقٌ المتاعَ) لدل المعنى على نيتك في المستقبل، وبهذا لا يصح الحكم عليك.

ونحو ذلك: (سعدٌ متهم بسرقة عليٍ وابنه) فشكل (ابن) يحدد هل هو سارق مع سعد = (وابنُ)، أم هو المسروق هو وعلي= (وابنِ).

تحضرني قصة الشاعر الذي ضبطه عبد الملك بن مروان، وكان من أصحاب شَبيب الحارثي، فقال له عبد الملك:

ألست القائل:

ومنا شريدٌ والبُطينُ وقَعْنَبٌ
ومنا أميرُ المؤمنين شبيبُ

قال: يا أميرَ المؤمنين إنما قلت- ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ، وأردت بذلك أن أناديك".

فنجا الشاعر من موت محتّم.

كذلك هناك الإعراب الداخلي أي بيان الشكل الذي يحدد لنا لفظ الكلمة ومعناها، فثمة فرق بين عالَم، وعالِم، و بُرّ، و بِرّ، و بَرّ، فالشكل يزيل الغموض. كما تتغير الدلالات بتغير مباني الكلمات: قارئ، قارئة، قارئان، قارئتان...إلخ

ثم إن اللحن لا يقع في نهاية الكلمة فقط، بل هو في كل حرف، بدءًا من الحرف الأول: كقول القائل (أنا أَنشُدُ شعرًا)، فعندها نقول له أين تطلبه، فكلمة "نشد" معناها طلب.
يجيب: أردت أن أقرأ الشعر، فعندها وجب عليه ضم الهمزة وكسر الشين: أُنشِدُ شعرًا.

وأخيرًا، ففي الإعراب إمكان يتيح للكاتب أو الخطيب أن يقدّم أو يؤخر في الجملة شعرًا ونثرًا دون أن يتغير المعنى، فالإعراب هو الذي يبين المعنى، وتكون علاقات الكلمات أو الصلات بينها واضحة، فاقرأ قوله تعالى بصورة صحيحة لتتأكد صحة دعواي:

وإذ ابتلى إبراهيم ربّه- البقرة، 124، أو ..أن الله بريء من المشركين ورسوله- التوبة، 3، فالإعراب عاصم من الخطأ في فهم المعنى المراد.

مراجع:

ابن جني: الخصائص، ج1، ص 35.
ابن فارس: الصاحبي:، ص 42.
علي النجدي ناصف: من قضايا اللغة والنحو، ص 10 وما بعدها.
عبد الفتاح المصري: قطوف لغوية، ص 38.
مازن المبارك: نحو وعي لغوي، ص 106.
نايف معروف: خصائص العربية، ص 45


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى