السبت ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
حديث أدبي
بقلم فاروق مواسي

عن قلب عنترة، ولو كان معه

يقول عنترة:

لو كان قلبي معي ما اخترتُ غيرَكمُ
ولا رضيتُ سِوَاكُمْ في الهَوى بدَلا
لكنهُ راغبٌ فيمنْ يعذّبه
فليسَ يقبل لا لومًا ولا عذلا

هذان البيتان هما لعنترة، قالهما بعد أن سألته امرأة من كِندة أن يقيم معها في ديار قومها، ووعدته بأنها ستزوجه من يريد من بناتها.

(ديوان عنترة، ص 206- نادي كتاب الشهر).

البيتان فيهما إشكال، فهو يقول للمرأة الكِنْدية:

لو كان قلبي معي لما اختار سواكم، ثم تابع وكأنه يعتذر، فذكر أن قلبه مصرّ على بقائه مع من تعذبه، وهو لا يقبل أي لوم أو عتاب في قراره.

السؤال:

لماذا يرغب فيمن تعذبه؟ هل قلبه معه حقًا؟ هل هو يحب هذا المصير من المعاناة، هل هو يحب هذه التي تعذبه، ولن يتنازل عنها؟

المعنى الظاهري يشير لنا أن قلبه مع من تعذبه، ولو كان يتحكم في هذا القلب فإنه لا يختار سوى فتاة من بني كندة – "ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا".

فهل الهوى هوَيان؟ هوى مفترَض للكِندية، وهوى واقع للمعذِّبة؟

لم أجد خروجًا من الإشكال إلا أن أجتهد وأفسر معنى القلب بأنه العقل، وهذا المعنى متعارف عليه في ذلك العصر، ففي القرآن كثيرًا ما ورد هذا المعنى:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ –الحج، 46.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ- ق، 37.

وعندها سأفهم المعنى على أنني لو عقلت لاخترت ما عرضتِه عليّ أيتها المرأة الكِندِيّة، فكان علي ألا أختار بدلاً من هواكم، ولكني فقدت رشدي أو عقلي فاخترت طريق المعاناة مع امرأة تعذبني (قد تكون زوجته) وأنا أرغب هذا السبيل، ولا أقبل أدنى عتاب في ذلك، فهذا هو "قدري".

إنه يعرف أن في اختياره أو رغبته ثم في إصراره خطأ، بدليل استخدام لفظتي (لوم) و (عذَل)، وإلا فلماذا سيلام إذن.

هذا اجتهادي وبه سوّغت المعنى.

جميل للذكر أن هناك مقطوعات لعنترة فيها الشعر الرقيق واللغة البعيدة عن الغريب، وقد غنّت فيروز هذين البيتين، فإليكم:
https://www.youtube.com/watch?v=tpBfvdZT6cE


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى