جولة مع الصبر والفرج
ضاقت ... فُرِجت
"الصبر مفتاح الفرج"- هكذا قالت العرب.
"الصبر ضياء"- هكذا ورد في الحديث الشريف (صحيح مسلم- كتاب الطهارة، رقم 223)
الصبر له مكانة خاصة، بل جزاء خاص، فقد وردت آيات كثيرة تذكر الصبر وجزاءه في الذكر الحكيم: إني جزيتهم اليوم بما صبروا- المؤمنون، 111، وفي مكان آخر: وجزاهم بما صبروا- الإنسان، 12 ، فهو لم يجزهم هنا بما صاموا أو زكوا أو حجوا، بل بما صبروا، ذلك لأن الصبر صعب عسير، وخاصة إذا كانت النازلة قاسية مؤلمة، ولا يتأتى معنى الصبر الحقيقي إلا بعد معاناة شديدة.
ثمة بيتان يُقال إن من رددهما وكانت به نازلة فرّج الله عنه، وهما:
ولرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتىذرعًا وعند الله منها المَخرجُضاقت فلما استحكمتْ حلقاتُهافُرِجَت وكنت أظنها لا تُفرج
البيتان هما لإبراهيم بن العباس الصُّولي (ت. 243 هـ).
(ابن خَلِّكان: وفَيَات الأعيان، ج1، ص 45- مادة إبراهيم الصولي)
ما أكثر الحكايات التي وردت في موضوعة "الفرَج بعد الشِّدّة"، وهناك كتاب ألفه ابن أبي الدنيا (ت. 208 هـ) وآخر ألفه التنُوخي (ت. 384 هـ) في هذا العنوان، وفيهما أشعار وأقوال كثيرة.
رُوي أن بيتيِ الصولي كتبهما بعد أن سمع منشدًا يُنشد بيت أميّة بن أبي الصلْت:
ربما تكرهُ النفوس من الأمر له فُرجةٌ كحَلِّ العِقالِ
فألفهما في المعنى، ولكنه صوّر الحال والمآل، وجعل الصورة متكاملة، مبينًا رأيه الشخصي، وإيمانه أن المخرج هو من الله، فلا بد من الصبر.
من أبيات الفرج بعد الشدة:
أبو تمام:
وما من شِدّةٍ إلا سيأتيلها من بعدِ شدّتها رخاءُ
وقد سبق قيس بن الخَطيم في ذكر الرخاء وأنه يعقب الشِّدة:
وكل شديدةٍ نزلت بقومسيأتي بعد شدتها رخاءوما مُلئ الإناءُ وشُدَّ إلاليُخرج ما به امتلأ الإناءُ
وأبو العتاهية:
إنما الدنيا هِباتُوعَوارٍ مستَرَدَّهشدّةٌ بعد رخاءورخاءٌ بعد شده
مع الصبر يرى محمد بن بشير الحِمْيَري ضرورة العمل للتغيير، وخاصة في الحكمة التي أوردها في البيت الأخير:
إن الأمور إذا اشتدت مسالكُهافالصبر يفرُجُ منها كل ما ارتَـتجالا تيأسَنَّ وإن طالت مُطالبةٌإذا استعنتَ بصبر أن ترى فرَجاأخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظى بحاجتهومُدْمنِ القرْعِ للأبوابِ أن يَلِـجا
لا يأس إذن:
كَم من همومٍ وأحزانٍ بُليتَ بهاحلَّت عليَّ فكان الكافِيَ اللهُيا صاحب الهمِّ إنَّ الهم منفرجٌأبشِرْ بخيرٍ كأنْ قد فرّج الله
وقال هُدْبَة بن خَشْرَم:
عسى الكربُ الذي أمسيت فيهيكون وراءه فرجٌ قريب
يوسف بن محمد التَّّوزَري:
اشتدّي أزمةُ تنفرجيقد آذنَ ليلُك بالبَلجِ
وصدر البيت مشهور، ونستخدمه مثلاً، فقد سبق أن قرأت لشاعر آخر:
اشتدّي أزمةُ تنفرجيفالضيقُ منوطٌ بالفرج
يبقى السؤال: هل صحيح أن "من صبر ظفِر"؟
وفي الدارجة هل هي "شدة وتزول"؟
هناك من يطمئنا- وذلك قوله تعالى:
فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا- الانشراح، 5، 6
وهل أبلغ من هذا التكرار، وهل أجمل من هذا الوعد؟
فطن الشعراء إلى هذا المعنى فقال بعضهم:
إذا أشتد عسر فارجُ يسرًا فإنهقضى الله أن العسر يتبعه يسرُ
وشاعر آخر:
مفتاح باب الفرج الصبروكل عسر بعده يسر
وأخيرًا ينسج الزهاوي على نفس المنوال:
تمسّكْ بحبل الصبرِ في كل كُربةفلا عسرٌ إلا سوف يعقُبُه يسرُ
ما أجمل أن نتواصى بالحق وبالصبر،
فـ سلام عليكم بما صبرتم...- الرعد، 24