الثلاثاء ٢٥ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

مرثِـيَـة مؤثِّرة

من الشعر الجميل الذي قرأته- أبيات متمّـم بن نُويرة من قصيدة له في رثاء أخيه مالك:

لقد لامني عنـد القبور على البكا
رفيقي لتَذراف الـدموع السوافـكِ
فقال: أتبكي كـــل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللــوى والدكـادك؟
فقلت له: إن الشجـا يبعث الشجا
فــدعني، فهذا كـــله قبر مالك

الأبيات الثلاثة وردت في حماسة أبي تمام (ج1، ص 334).

وقد ذكر أبو علي القالي في (الأمالي، ج2، ص1):

"قدم متمم بن نويرة العراق، فأقبل لا يرى قبرًا إلا بكى عليه، فقيل له: يموت أخوك بالمَلا، وتبكي أنت على قبر بالعراق! فقال:

لقد لامني عنـد القبور على البكا
رفيقي لتَذراف الـدموع السوافـكِ
أمِن أجل قبر بالملا أنت نائح
على كل قبرٍ أو على كل هالك
فقال: أتبكي كـــل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللــوى والدكـادك؟
فقلت له: إن الشجـا يبعث الشجا
فــدعني، فهذا كـــله قبر مالك
ألم ترهُ فينا يقسّم ماله
وتأوي إليه مرمِلات الضرائك
(الضرائك= الفقراء)

إنها عاطفة حزينة، فهو يبكي على كل قبر يراه، لأنه يتخيله قبر أخيه!

هو يسوّغ بكاءه على قبورغريبة بقوله: إن الأسى يبعث الأسى.

هذه الملامة التي جعلها على لسان رفيقه، وهذا الجواب رافضًا لومه: دعني، فهذا كله قبر أخي، لا يتأتى إلا لأنه يتصور أن الأرض أو القبور اجتمعت كلها في قبر أخيه.

من هنا كانت أسباب الحزن ومهيجاته تتشابه، فكلٌ منها يقوم مقام الآخر.

ها نحن نسمع أصواتًا في هذه الأبيات: صوت اللائم، البكا، التذراف، السؤال- أتبكي، الجواب- فقلت له، والالتماس- فدعني، فهذا ...، ومن خلال ذلك هذا التجانس الصوتي في أصوات الألف والواو والياء ممتدة بأنينها.

كما نلاحظ حركية وحسية من لون نراه، أو مكان نشهده، أو صوت نسمعه.

من أجل ذلك أعجبت ورددت هذه الصورة الأسيانة الصادقة.

حكاية الأبيات:

قُتل مالك بن نُويرة في حروب الردّة، قتله ضِرار بن الأزوَر بأمر من القائد خالد بن الوليد، وفي ذلك روايات مختلفة.

تروي كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب احتجّ على قتله بشدة،

فقال له الخليفة أبو بكر: "ما كنت لأشيم سيفًا سلّه الله...."

قيل إن متممًا بكى على أخيه حتى سالت عينه العوراء.

الرواية تجدها في عشرات المصادر، منها:

ابن كثير: البداية والنهاية- سنة إحدى عشرة للهجرة- خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي، ج5، ص 619.

ابن سلاّم الجُمَحي: طبقات فحول الشعراء ج1، ص 204- طبقة أصحاب المراثي، وقد جعل متمِّمًا في الطبقة الأولى وقدّمه.

ابن خَلِّكان: وفيات الأعيان، ج6، ص 13-19 (رقم 769)

اشتهر موقف متمم من أخيه وشدة بكائه عليه، وقد وردت إشارات كثيرة في الشعر العربي تذكر ذلك، منها ما يقول ابن حيّوس:

وفجعةُ بَينٍ مثل صرعةِ مالك
ويقبُح بي ألا أكون متمِّـما

ابن اللبّانة في وفائه للمعتمد بن عبّاد:

حكيتَ وقد فارقتَ ملكك مالكًا
ومن ولهي أحكي عليك متمِّـما

قال ابن خَلِّكان في ختام روايته:

"وبالجملة فإنه لم يُنقل عن أحد من العرب ولا غيرهم أنه بكى على ميّته ما بكى متمِّم على أخيه مالك".


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى