الاثنين ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمد عامر

بور تريه لجسد محترق - قسم 1 من 4 أقسام

بور تريه لجسد محترق

رواية

احمد عامر

ميت جديد

الأبواب مغلقة من حولي، النور يحاول التغلب على الظلام يدفعه مرات متعددة، يصفعه الظلام، صوت تلفاز ينطلق من خلف جدران طينية مشققة، سعال، أصوات ضعيفة هامسة، أكمل مسيرتي فى شوارع القرية الخالية إلا من بعض العائدين من المقهى الصغير، أمر فى رأس على المقابر، وجدت أن الأمر غير مقبول، رائحة عفن تركب فوق كتف الهواء أستعيد خوف الصغير، مرتدياً جلبابي المخطط الكستور، لم أتمكن وقتها من تحديد موقعي الطبقي . أخشى أن تجذبني الموتى إلى الداخل حيث الظلام الممتد، أعواد الصبار محروقة الأوراق عند الأطراف، أصعد شجر النبق القليل، آكل منه، ندوس مقابر الموتى، لا نقرأ الفاتحة، نتسلق شاهد كشف الجير البني المحروق عن طوبه، يجرى ورائي النهموس(1) حرام عليكم .. حرام .

أسقط .. يكاد يلحق بى، العصا الغليظة مستعدة، يده مأمورة من الكبش الحارس، الجماجم حولي تصوب الفجوات الخالية التى حلت محل العيون، تبدل شعر الرأس بعظام ملساء، الكبش الحارس دائماً مستعد ، سيقودنى النهموس، لا أستطيع أن أنظر إلى وجهه الصلب، التجاعيد ساكنة، يده ميتة على العصا الغليظة، حتماً سيقيدنى ، ويدفع بى إلى الكبش حارس العظام، قرونه ملفوفة على شكل دائرةيطل منها سهم مسنون، بعدها يغمغم النهموس بصوت بعيد "لقد أصبحوا موتى"

أشارت صورتى فى المرآة أن المسافة تحولت وانحدر الطريق إلى الطريق نفسه، لسعات الشمس فوق وجهى، شارب يليق برجل مضطرب دائماً. أشرت إلى صورتى بأننى قليل الحلية، وأننى تحت قدم الوقت اكتفيت بإشعال سيجارة، أريد أن أرى دمائى غامقة، سوداء، أترك جسدى كاملاً للنهار،
أخطف روحي صاعداً السلالم الخرسانية التي حلت محل سلالم أعواد النخيل المغطاة بالطين والتبن، هنا فقط وأنا فوق السطح تنهار الحواديت.
أجلس بين الكراكيب، يرتعش جسدي، تتبدل مواقع الأجساد، يحلق الدخان فوق رأسى تسللت الجماجم الساكنة عبر دوائر الدخان المتداخلة، لم أكن خائفاً، بصرى مصوب إلى السماء، لقد اخترق البصر الحصن، واتضحت الأشياء، تجمد اللسان، وكان أبى واقفاً يبعثر الكتب تستقبلها الحصيرة بقسوة، بانت الحروف عارية، تابعت سقوط الكتب "عبد الناصر" "ماركس" "الحرية" "تاريخ مصر" .بصرى حديد، لا أرى غير المسموح به، لم أكن أبحث عن الحقيقة، فلماذا ظلت أمامى تحمل قطع الروث من تحت أرجل البهائم وتأتى بالرماد وتبعثره على الأرض الرطبة ؟الجماجم تناطح الهواء تتحرك عظام الأيدى الكثيرة، تنبعث روائح البخور والروث ،يبتعد الهواء عن رئتى، ناديت عليها، حاولت مسح سواد الفرن عن وجهها، نظرت ناحيتى بعيون مجهدة قالت "الكتب لم تتألم ولم تمت" ارتعشت يدها عندما رأت الأب بطرف عينها اليمنى أكملت "الله يعطينى الضعف لألقمك صدراً جافاً" كنت انتظر رجال الحق، يتفاوضون مع الأب القادر، يدخنون، يرتشفون القهوة بعد الشاى يقولون "خفف عنها" بعيون منكسرة تتابع أكواب الحليب القادمة .الهياكل العظمية تهرول خلفى، تحاول ستر العظام بالأكفان، ولم تستطع أن تقول "آه" وهى تضع اليد على البطن المتكورة ،وتزيح قطرات العرق عن الجبين، تخطف الابتسامة من رجال الثورة المنتصرين والأغانى الوطنية "ومن أجلكم" قلت يا أمى "البحر أخذ الملك فاروق وجاء بالـ…" غضت بصرها عن منازل رجال الثورة الشاهقة وسيارتهم الفارهة، حشرت نفسها بين الدور الطينية والأرض البور، ظللت أرسم فى الفضاء علامات لا تليق بالملائكة السابحة. بصرى معلق ،والمسافة بين السماء والأرض ترتفع ببطء شديد.

أشعلت عود كبريت .. توهج وانطفأ سريعاً، دفعت بصرى يبحث عن قرص الشمس الذى غاب، ترك البيوت ذات الواجهات الطينية تسمح للرمال بالهروب من الشقوق المتجاورة، مسافة بعيدة تحاول رأسى الانطلاق إليها، تعوم فى بحر الظلمات. يتحرك عود حطب، يتماوج فى الهواء، يسقط على الأرض، تنكمش أجساد العجائز، تنثنى السيقان، يحلق عفريت أبى خفاجى فى الرؤوس الكثيرة الملتصقة بالأبواب الخشبية الضخمة، تزوم الأبواب وترتطم بالجدران المتهالكة. الأطفال يصرخون، الهواء يعبث بأعواد الحطب، يغامر سعداوى بإطلاق صوته لاعناً "وحيد" يسير فى شوارع القرية وقد تغيرت خارطة الجسد وارتفعت البيوت الخرسانية فى وجه الفضاء، يتحدث عن أشياء ميتة، تماثيل الميادين، الأبطال، تجذبه امرأة جالسة على عتبة دارها، تسوى فتحة الجلباب عند الصدر تماماً، تكمل ابتسامتها الواسعة "احكى لنا يا وحيد عن جيشك".
الملامح تتقافز، لا تدارى الضحكات، تطارده، العيون تلاحقة حتى دكان "سعداوى" يأخذ لقيمات يسد بها جوعه.

الليل والنهار لم يستجيبا لرغبتى، ويظلا معاً، أظل جالساً بين الكراكيب، علب السمن الفارغة، علبة سجائرى، أتابع الدخان، تمسك الملائكة بخيوط الظلمة وتنطلق إلى الأرض، يمد سعداوى يده الرحيمة محاولاً الإمساك بملاك ضل الطريق .يحذر "وحيد" من الشوارع، عفريت أبى خفاجى "بيقف ملط وسط الفسحة، يفتح الحنفيات كلها، بهدومه يغسل أرضيه الجامع" .قطع وحيد الخبز، ركن ظهره على الجدار المقابل، تسلل إلى الليلة السابقة، حينها كان
سعداوى يحاول دفع الباب الكبير برفق، "شريفة" ترش الماء تحت العقب، فيغيب الصوت الذى بدأ بصرخة مدوية ،ويهرول خلفها إلى الداخل، من الباب الموارب ينظر إلى "وحيد". رأى شبحاً قارب الاختفاء فى الحارة المسدودة، يبحث بجوار الجدران عن الفتات التى طلبها من كائنات السماء، بدأ يخرج لسانه، صوته مرتفع، تنهد، يزوم، ترد عليه الكلاب الضالة مقطوعة الذيول، يهمس بأسماء .. لبلاد .. قرى .. مدن، دول، قارات.
يقف طويلاً أمام اسمها ع .. ب .. ى .. ر، يعبث جرذ بقدمه اليسرى يقول" كانت كائنات السماء تفعل معى ذلك" .. عندما كنت حارساً لبوابة الليل منسياً فى ذلك المكان الردئ مغلق الأبواب حول أجسادنا كان وحيد قد حاول من قبل أن يعود إلى ذلك الزمن حيث الأم والأب والأخوة، حيث المائدة تحمل اللحم والبطاطس والدماء على العتبة، واقفاً يستدعى الأصوات من ذلك الفضاء الأسود اللانهائى. أتت الأصوات متلاحقة، أصوات الذئاب تعوى، صوت البهائم فى الزرائب أنين مفضوح، ثمة دموع ملتصقة بالقلب الذى جففته شمس النهار البعيد، لم يعد فى الرجوع أمل، هو الآن جالس، يعاتب الجدران التى تحاصر جسده، يمسك بقطع صغيرة لنجوم متساقطة وريش ملون يحاول أن يبدو متماسكاً ،يعاتب الجدران والشرطى الكامن هناك أمام عقله تماماً. لم يحاول أن يلقى ببعض اللوم على يهوذا أو عيسى أو محمد، لم يترك الجدران، ينفلت فى اتجاه الحكام العرب أو شعب قد أباده الجميع، يبحث عن عقب سيجارة، يدسه بين شفتيه، يحاول أن يستقيم، يضع أمامه تمثال رمسيس والحكام العرب خلفه يقفون فى صفوف غير منتظمة، الخشوع يغمرهم، والرعية يرتعشون، يبنون أكواخاً من حطب، جيوش داوود تخترق الحصون الحطبية، يدوسون المال بأقدامهم يضعون المال والنساء الجميلات أمام عيون الـ … فى أحضانهم.

تناول قطعة من فحم مبلل بالماء وجدها بجوار الحائط المائل، احتضنها بشدة ،وبدأ ينفض رأسه قال هامساً وقطعة الفحم أمام شفتيه تماماً : "لا يمكن أن أسير فى طريق ملغم بالذباب والباعوض والنمل الأبيض والناموس. كل الأشياء تتربص بقطرات الدم الأسود فى وعاء جسدى"، كانت عبير تمر متدللة أمام قلبه، تسأله بدلال عن ما يراه، يصمت قليلاً، يخفض رأسه قليلاً، يعانق صوته الطين يرى أمامه قطيع أغنام وراعى غليظ القلب، عجوز يمسك بالعصا الغليظة، يهش الأغنام، يقول:- لا هم بدونه أغنام ولا هو بدونهم راع.

ألصقت أذنى بالباب، سمعت صوت الأسرة تعزف لحن الخلود، أصواتهم هامسة تبحث عن متعة اللحم بلا دماء، قطرات العرق تغمرنى، مازلت واقفاً عند مفترق الطرق، أدور حول الأسوار المرتفعة التى تحتفظ بقطع الزجاج المهشمة فوق جسد السور، مازلت واقفاً أبحث عن عمل لا يناسبنى، فقط يمنحنى قطعاً صغيرة من الخبز، وأحاول أن أكون عادلاً عندما أبدأ توزيعها على العائلة، أطرد صور القرى من راسى، أتركها معلقة فى أصابع السماء البعيدة، هكذا علمنى الأب أن أكون مطيعاً أرضى بالقليل، أحب الأرض التى لا تطعمنى، أن أدع الخلق للخالق وأنام متوسداً صمتى خاشياً أن تتهشم رأسى فور اصطدامها بالجدران المتقاربة، أرفع بصرى إلى نجم مسرع .. أنتظر الضوء، مازالت المطاردة، القطط تحاول إثارة الكلاب برفع الذيول والتنمر المصطنع، البهائم تنتظر ضوء الفجر لتأكل البرسيم الذى زرعه جدى بعد أن حصد زهور اللوتس، بلا تخطيط مسبق وعدت إلى الزمن الأبيض .لم يكن موعد الفجر، ولم تدق الأجراس ،لم أشاهد أمى وهى تصرخ والقابلة تجذبنى بقسوة وبالتأكيد لم تضع يدها فوق فمى وتلجم لسانى، تركتنى أصرخ ولم يلقننى الشيخ الشهادة ،أو ترى عينى الصليب ،أو يستقبلنى حاخام مبتسم، صاحبت العصافير والكلاب والبهائم، أتحدث كثيراً، أغضب ،ارسم ابتسامه صادقة، لم تكن الطبقات عندى سوى أن أنظر إلى منزل مرتفع وكوخ متهالك، الجبن الحادق، وطعام الموائد، البيوت الطينية تحاول الالتصاق بالبيوت الخراسانية، فتحاول البيوت المرتفعة التخلص من ترابها النازف، سأل وحيد الكائنات السابحة التى تحيطه كيف تقع هذا البيوت الفقيرة والغنية فى قبضة رجل واحد، يطارد سؤاله فى الحارات الضيقة التى تعج برائحة الموتى.

 2-

راحت أيام العذاب .. جت أيام العذاب .. أيام سوده .. بتحدفنا بكلاب مسعورة .. وندارى جسمنا العريان .. بخيش جربان .. ونبيع القطن للخنازير يدفيها، والحرامية من على الكراسى تحرك كلاب ببنادق "ويقولوا لفرعون إيه فرعنك .. يقول مش لاقى حد يصدنى".
يظل وحيد طول الليل عاطفاً على كلماته هذه وكأنها أوراد يكررها بعشق وأسى، يراقب حاملى اللحى بمرارة ممتدة، ملابسهم القصيرة البيضاء توهم العيون أنها تعالج الليل تصنع أمامهم نهاراً مصطنعاً النجوم فى حضن السماء متناثرة، فوق حوض الوضوء أقدامهم ثابتة، يبللون اللحى بأصابع مرتعشة، قال القادم للواقف "ماء زمزم" رد بابتسامه متكررة "جمعاً إن شاء الله" يمد أذنه اليمنى ناحية الشيخ إسلام، واقفاً فوق المنبر، كل الأشياء محرمة ،وأنا الضعيف قليل الحيلة جالساً بين الكراكيب أحاول أن أرفع الرأس انتشلها، من خلف الباب تتلصص على. لو أن أحدهم دقق النظر ناحية الباب سيظن أنه مغلق ،ولن يجهد نفسه ويحاول التطلع إليها واليد التى وضعت فوق البطن التى تكورت فى يوم ما، وحملت ذلك الولد المحروق، كانت تنظر ناحية الفضاء والسماء، تنظر بنصف ابتسامه للسحب الجارية، قالت:- بصوت لا يبين "رجال الثورة حررونا" قلت:- بابتسامه الصغير "أصنام الثورة يا أمى" .همست "لا تصبح أكثر غباء من أغنام أبيك"، مدت رأسها داخل غرفة الدخان تحاول أن تسترق السمع ربما تكرر اسمها، جاءوا من أجلها وحريتها ودموعها فى حجرة الرجل المنساق خلف أمه العجوز ممصوصة الوجه، بطرف عينها السليمة تراقب الأم فى أركان البيت بجوار الجدران المشققة، عندما سقطت بطشت المياه العفنة قالت أخت الزوج "فضحتينا".
وامتدت الحكايات لتفضح العائلة القاسية، يجتمعون تحت المصابيح التى ترسل ضوءاً أصفر يحكون عن الجدة العجوز. قالت أحدهن [تضع الأوانى تحت السرير، تعطى الأم قليل من الطعام]. المصباح المكسور أمام الشارع يمهد الطريق لـ "سعداوى" يساعده على الوصول إلى جسد شريفة النارى.

أشياء كثيرة تتبعثر بداخلى ،وتحظى بالوقوف فى طوابير المخابز، وحيد واقفاً فى ذيل الطابور، يسبه الحاج "مبروك"
"يلا يا ابن الكلب من هنا"
مازالت النار مشتعلة فى صدره، سبه وحيد أمس
(راجل مفترى .هو احنا بنشحت منك)
اعتدلت الهياكل، ارتفعت أصواتهم
"تكلم عن نفسك"

تلعثم، يدارى بيده الوجه الأسود ، حرقته شمس النهار البعيد بلا جدوى ، وجاء الليل فلم يرتد الوجه إلى لونه القمحى، نظر إلى اليمين. لم يكن أحد إلى جواره. الجماجم كثيرة، تندفع إلى لقيمات جافة يتكأ عليها الحاج مبروك، أيقن بعد تفكير طال أن الفضاء ملك الآخرين الأقوياء وأن الأرض ملك أناس أقوى يحددون المصائر. كانت جدتى القاسية تضمنى إلى صدرها الهزيل عندما يعوى كلب أسود بالخارج تقول بصوت مجهول "انسحب أحد الجيران"، اختاروه الأقوياء، ربما كان صوته عالياً يفكر مع وحيد ذى الشعر الأكرت فى الإطاحة بهؤلاء الأقوياء ولم يكن قانون القوة يحبو، بل أصبح مارداً أطاح بعفريت أبي خفاجى، وظل هذا المارد صامداً أمام الناس ، من يحاول أن يهمس فى أذن الآخر بكلمة خبيثة عن هؤلاء الأقوياء يبعث الحرس، يجرونه من عنقه، يدفعون به إلى الزنازين المظلمة .مازالت جالسة خلف الباب الموارب تدارى دموعها، تعبث بأعواد القش، تبتسم وقد دفعت الرأس ناحية البحر البعيد حيث كان الملك .. أخذه البحر وظل رجال الثورة، قلت" يا أمى ماتت الثورة وجاء ملك جديد"، ظلت جالسة تسترق السمع عندما يتكرر اسمها ترسل أذنها إلى فتحة الباب الموارب، تتبعثر الأسماء، الجدة، الأب، العمات، الأخوة، النسب، يعلن الأب أنها ملكة، مجرد جارية، قلت لها نهايتى مرهونة بمفعول السجائر وتمكنها من دمى أنا قليل الحيلة، مثلك تماماً، وكنت واقفاً أنادى السحب البعيدة والأشياء التى تسبح فى السماء، هذه وظيفة ارتضيتها، أترك الدنيا، وأجلس فوق السطح الكبير. لن يتمكن الفلاحون الحفاة من إشعال الثورة وأخذ طعامهم، فقط تقف أمامى بعيداً عن الأرض التى كانت ،ودموع الفلاحين فى جنازة الزعيم، تفرد ذراعها العارى، تدارى الذراع الآخر بردائها الشفاف، جسدها المرمر، تقول بصوت بعيد، خذ ما تريد، أشعر بجوعى ،أمد رأسى ناحية الهياكل العظمية، أستسلم لدخان سجائرى، ملامحى تتحدى السنوات تحمل لوناً تركته شمس النهار البعيد، أقول لها هامساً" لا أريد شيئاً"، كان الشيخ إسلام يقف أمام رأسى مباشرة، أحاديثه المتراكمة فى رأسى تمنعنى من الاقتراب، الأب القاسى يقول (عيب).

تتركنى، أتخذ زاوية الكراكيب ساتراً ،أتخيلها بردائها الشفاف، أخون كل الأشياء معها، يقفون أمامى ،أقول لهم" الأرض ملك الأقوياء"، لا ينظرون إلى الأرض التى بدأ الأقوياء فى انتزاعها، يبكون أمام شاشات التلفاز عندما يقتل ولد فلسطينى، تنهمر الدموع بشكل مفاجئ، يحطم أحدهم كوباً كان بالقرب منه عندما يلمح ضحكة يهودى يتهادي بسلاحه.

كانت جدتى جالسة أمامى تكرر حكاية جدى الذى كان يعمل كمسارياً، ولأنه رجل حر غير مبال بالمساكن الخرسانية ظل مخلصاً للأغنام التى يشاركها نفس الحياة، تلتقط جدتى الهواء، تمد أنفها، تخطف الهواء، أبحث عن ملك الموت ربما كان يحوم حولها، تحرك سبابة اليد الأخرى محذرة من مخالفة الأب، لم أجد تكويناً لصرخة كاملة أدفسها بين كتبى التى عزلها أبى فى غرفة مجاورة لزريبة البهائم خوفاً على أخوتى منها، ركنت ظهرى على الجدار الحجرى ،كان من الطين قبل أن يستبدله أبى ويصنع لنا بيتاً شاهقاً مثل هذه المنازل التى رآها فى التلفاز فى شوارع أوروبا.

  قلت : يا أبى الروح جاهلة.
  قال : خذ طريقك إلى روسيا أو الصومال.
  قلت : الصومال ستأتى إلى هنا وننتظر طائرات المعونة سوياً.
  قال : أترك تلك الأمور يدبرها الله كما يشاء.

انسحب، وتركنى أشاور نفسى. وهل أصطفى الله الحكام وأمرنا بالصمت؟ حاولت أن أرد على الأكاذيب، تأملت الأيام الماضية، وأيامنا هذه، قلت" يا أمى البحر أخذ الملك فاروق وجاء برجال الثورة ثم أتى بالملك الجديد" وضعت يدها فوق فمى.
وكان الجندى واقفاً هناك أمام رأس وحيد تماماً، لم يجد شيئاً يفعله سوى محادثة الجدران ومصاحبة كلاب الطرق، يشرح لهم أمورنا المقتولة كمداً، يحاول أن يعود إلى هناك، تصده الأصوات، يضغط على رأسه، يحاول أن يحبس تلك الصور القادمة من الزمن البعيد.
نهضت من مكمنى . لم أبرحه منذ زمن. أحاول أن أتفرج على الشوارع، اختفت الهياكل، نام الهمس.

اعتدل الشيخ (توفيق) فى منتصف حلقة الخفر يحكى عن أيام بعيدة، كلماته تجذبهم خلفها إلى أرض السوق، تنتشر كلماته بين الباعة المساجين بين أسوار السوق الحديدية مدببة الرؤوس. يقول بصوت هادئ يملؤه الغضب (آه. فاكر كويس .. كـ .. ن .. ا بنجمع الناس بالكرباج. لجل يبنوا السور والجوامع .. ويشتغلوا فى أرض العمدة .. يااااآآه أيام).

أحاول أن أتلصص على بضائعهم المبعثرة .. النسوة يحملن السلال فوق رؤوس مغطاه ."شريفة" تمر، تنتشر ابتسامتها كاشفة قليلاً من الضباب الراسخ فوق الوجوه، تجلس نصف جلسة، تتفحص البضائع. الغبار المنبعث من أرجل المارة مع الأصوات المتداخلة تطمئن يد البائع، فتسلك الطريق إلى صدرها. حاولت صنع بسمة غاضبة وهى تشير بإصبعها الوسطى تجاه الرجل ، وتلتفت يميناً ويساراً، ظن الرجل أنها تبحث عن كائنات السماء، أشارت إلى حذائها الوردى – قالت : يحمل فوقه لحم يندفع نحو غد متجمد، حاول جاهداً جذب يده بالأخرى، قال "أيام بلا معنى". لم يستطع أن يخفى عينه التى تراقب المارة، بيده الأخرى يدارى الجلباب الذى ينهض بين فخذيه، ساومها فى الثمن، قال : أريد أن أشترى حياة أخرى بعيداً عن السوق والعسكر وحماة العرش، أريد أن أنطلق من داخل فجوات الجماجم إلى رأس حياة مؤقتة، قالت بعيون جامدة :- أريد ثمن الحياة، لقد باع زوجى عمره فى العراق، ترك جسدى للعيون ، رأسي مملوءة بالعيب والحرام والوفاء، أريد أن أمنح جسدى حياة ،وأترك الأرض للعسكر والمسجد للشيخ والعيب للبيوت المغلقة.

بدأت تجرب المشى، تعلم الجسد اختطاف العيون، هذه العيون تخطف الجسد وتأسره فى الرأس ،تقيم معه علاقة فى زمن مفتوح.
أدارت رأسها ناحية الشمال ،مات زمن أمى وأبى بيوتنا الطينية، خوفنا من رجال الملك، ابتسمت للزمن الأخضر، أخفت بياض الساق بجلبابها الأسود، امتلكنا
أرضنا، انطلقت ضحكتها، انطلقت د معة – أخفتها سريعاً، كان هناك رجلً لم يبق منه سوى حلمى 0 يهتز جسدى عندما يقول (أيها الأخوة المواطنون)، مات زمن أمى ابي 0مات الزمن.

على الرغم من موت العمدة إلا أن غرفته فى السوق مازالت مغلقة، خصصها الأحفادلإثار العمدة المهشمة.
حملت شريفة سلتها، فتح البائع باب الغرفة بدفعه عنيفة، قاومه الباب ثم استسلم أمام الشررالذى يتطاير من فتحات الفجوات فى الوجه، صرخ فى وجهها (لنتبادل سعادة العالم الردئ)، ضحكت، كانت تجمع الأجساد التى تكمل الدائرة حول هذا الجسد المكشوف، يتسرب شعاع الجسد الأبيض عندما ترفع ساقها فى وجه الظلمة.

أشرت بإصبعى إلى الهياكل (أنتم) لولا استبدلتم العيون بالفجوات، واللحم بالعظم، ما استطاعوا إضاءة مصابيحهم لهم فقط .. فقط أجلس فى المقهى، ارتشف القهوة، أدخن السجائر، أخاف أن يلتقط العسكر كلماتى. مهمة لم أخلق من أجلها، تعمدت أن أراقب كل ما يحدث، فقط صور معلقة على الشاشة، لم أكن متحمساً ولم أكن معتدلاً، ضبطت ولداً يركض خلف فراشات ملونة تتحرك فى أركان الشاشة، ترتفع الفراشة قليلاً، يبتسم الولد، تتجمع الجماجم والهياكل العظمية تخرج لسانها أمام الأجساد المرتعدة، لم أقوى على مواجهتها، لا أعلم أن كانت هذه الأشياء تحاصرنا أم أنها احتلت رؤوسنا الضعيفة .. استسلمت لشوارع القرية .. الليل ازداد ظلمة، الجامع اكتفى بنوره. يقف أمام الصفوف الشيخ إسلام يتلو (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)
قلت الجماجم والهياكل لا تهادن، أنهى الصلاة وخرج مسرعاً "مبتصليش وبتزعج المصلين كمان يا كافر"
أنهارت سوائل لزجة فى رأسى، خرجت من دائرة الطاعة بلا قصد، وجدت لسانى ثقيل يحمل فوقه الهياكل والعفاريت، أصحاب الخرابات الكثيرة المظلمة، عفريت أبى خفاجى ينطلق فى صور عجول، حمير، أرانب، رجال صالحين، يتلصصون على الألسنة التى تلعن اليهود والأمريكان، يبكون على جثث الفلسطينين والعراقيين.
ينعق غراب اسود فى البيوت المستسلمة للظلام، لم ينتبه أحد. أن الليل قد مات وترك جسمانه الضخم يقف فى وجه الشمس حاجباً الأشعة والدفء، أحاول مزج العسل بالطحينة أريد أن أغير طعم المر الذى احتل حلقى.
أم صابر موجوعة الرأس تحاول ألا يفلت منها حدثاً، تفك بكرة خيط متداخلة خيوطها.

عندما سقطت بطشت الماء "صرخت فى وشها اللى متتسماش، فضحتينا" جاء الرضيع ضعيفاً، تتركه طيلة النهار، تسقى الأغنام، تحش البرسيم، ترفع جلبابها المتسخ حتى الركبة، تغرس رجلها فى الأرض المروية، يتطاير الطين صانعاً بقعاً سوداء على الساقين، أحياناً تنقلع الجذور فترمى رأسها ناحية بيت العائلة؛ أمها، حضن دافئ، يد تربت على كتفها، ظهرها، كانت أيام ورحلت، لم تبق إلا أيام الزوج القادر وأمه العجوز أمر واقع.

 3-

ربما أعتمد على التمزيق ولم أعتمد على حدث واحد ولكن ماذا أفعل وبلدتى مليئة بالخراب.

"شوية بس يا بلد .. حيجوا بالطيارات والمدافع، شوية بس"
يرفع وحيد صوته فوق سطح داره، يخرج أحد الجيران صارخاً
"مش عارفين ننام يا إبن الكلب يا مجنون"
معدتى افتعلت حرباً مع الجوع، ظمأى يبصق على قناية المياه المختلطة بالمجارى .. يقول عمى توفيق
  كانت مياه عذبة .. جاية من النيل. من مصر بـ …س)
  "حتى النيل"!!!
يسلمنى صمتى إلى دخان سجائرى .. أدفن الكلمات فى رأسى وأشيعها وسط الدور المغلقة على أجسادهم، إلا من صوت فراج الممزوج بفرحته وسط المقابر، ممدداً على بطنه يمد يده ضاغطاً على مؤخرة ولد لا يملك أثنى عشر عاماً فى صندوق الحياة يعمل خادماً فى أرض القادرين. مثل أهله.

فى البدء جاء الصوت غليظاً يجمع بين أصوات الطيور والحيوانات وابن آدم، اهتز الصغير نهض مسرعاً، أنزل الجلباب بيده اليسرى، بيده اليمنى يبحث عن الجنية الورق فى السيالة، لم يفلح فى إيقاف اللحظة لتنطلق يده إلى المكان الذى وضعه بداخله عندما أخذه من فراج، لما ذهب معه لم يكن الولد خائفاً، كان بصحبه أحد رجال الجيش، لم يجد عملاً هناك سوى ذهابه الروتينى وأكل الطعام الذى وضعوا عليه زيت الخروع. تراكمت الحكايات، بدأت الرأس فى التجاوب مع الثقل، الكبش الحارس، قرونه على شكل دائرة مغلقة فى الوسط تماما؛ً سن مدبب، من يطوله الكبش الحارس "أبو قرون" لا ينفع نفسه، انطلق صوت الصغير انطلق قوياً، لا يصل إلى الدور المغلقة، يصل إلى حافة اللسان يجد الكبش حارس العظام واقفاً هناك، ينزلق مرة أخرى.
ارتفع الصوت قليلاً، رفع الولد ذيل جلبابه، انطلق فى اتجاهات متعددة، أسرع فراج محاولاً تسوية الجلباب، ينزع الغبار العالق على صدره ، فى اتجاه الظلام والبيوت جاء الصوت مرتفعاً، النسوة أوقفن أنفاسهن، وضعن الأيدى فوق أفواه الصغار، العجائز جذبن الألحفة. يتوارين عن القادم المجهول لم أندهش ولم أعط أذنى لمذياع قريب، قلت لإخوتى أن الوظائف الخالية التى نقرأ عنها تعرف أصحابها وأن جيراننا الفقراء المنتظرين عطف الأغنياء سيموتون جوعاً إذا انتظرواعطف الاغنياء0 صرخوا فى وجهى "ربنا ما بينساش حد".
كان الوقت قد أزف، فكرت أن أدبر خطة فاشلة، على أن ألا أفكر فى الصمود لابد أن أنطلق فى مدار آخر اختاره لنفسى، أسطو على حقى، ابتسم.
أحرك قدمى إلى تجمدت، مازلت جالساً، أنظر إلى النجوم العالية أراقب كائنات السماء، الله ربى، القرآن كتابى، محمد رسولى، أعرف كل قهذا سأردده أمام الملائكة، لكن هل الملائكة ستجرب التمرد وتسألنى لماذا صمت أمام العسكر، جذبت قدمى التى اصطدمت بعلبة سمن فارغة، أضحك بصوت عال نسبياً.
أتذكر أنه يحلق كل يوم فى سماء بطائرته التى لم أراها أبداً ولا يعرف شيئاً عن قريتى وعن جوعى وانتظارى أمام الباب مقيداً بأوامره، كلهم ينظرون إلينا من اعل (ايهاالاخوةالمواطنون(، (لقدحققناالنصر)؛ (مصر م 000 )الجرائد تحمل تلك الحكايات الجميلة التى رسمها بإتقان، يتمزق قلبى، أحمل صورة ذلك الولد العبيط، نعتوه بعد ذلك بالشيطان، سرقه الفراغ بين المشاهد المرسومة بإتقان، صعد المسرح حاملاً شكواه .. فمزقه شهاب حارس .. يومها ابتسمت والفقيه يخطف الكلمات (وإن سألك عبادى عنى، فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) صرخ الشيخ "إسلام"
  "أخرجوا هذا الشيطان من هنا".
وكنت أحمل عداء مبيتاً للشياطين والهياكل والجماجم، أم صابر ذهبت إلى المقابر فى الصباح الباكر، انتزعت عود صبار، أعطته لها، شقته بسكينى صدأ، بللت الحلمة، كره الصغير الحياة، صرخ بصوت مرتفع، اختاروا عنزة تحل محل الأم.
عدت إلى الباب .. كان مغلقاً، كنت أريد أن أعبر إلى الصباح، هناك فقط. ربما أشعر بالراحة، رفعت جريدة العربى – وضعتها فوق خزان الماء خوفاً من ان تدس الثعابين السم فى جوفه أو تركه الذئاب فأموت أنا والفلاحين عطشاً.
هكذا مرت عقارب الساعة واستقرت فوق العقرب الكبير وخرجت الأنة من قلب الساعة معلنة منتصف الليل، الظلام يتستر على الشارع الزلق، نقر صالح بيده فوق جسد الباب ثلاث دقات فانفتح متسرباً من خلفه ضوء فخذ شريفه، دخلاً إلى جوف الدار، احتضنهم رحم السلم بإضاءة وترحيب .. هم بالصعود .. جذبته من ذراعه "جوزى فوق" جذبها، تخلى عنها السواد الذى يسترها، ظل يعلم الجسد الانحناء والاعتدال، عند الفجر خرج حاملاً متعته فوق كتفيه تاركاً لها بعض الورقات الملونة، ابتسم هامساً.
  وما الفارق وآمال الفاجرة تشيد صرحها غير مستترة، زوجها يودع الفراش فور قدوم الزائر محتضنا زجاجته وبعض الدخان الأزرق .. أم أن قلبك المدفون فى كتلة اللحم مازال يشعر؟!! رددها بثقة.
  إيمان مثلهم، فقط كانت تجمع بيننا ورقة عرفية، أسلمتنى مؤخرتها .. كنت أصيح بداخلى. مبتسماً ونحن فى جوف مندرتى البعيدة عن عيون الخلق وقد منحتنى قلبه.
  هى ملكى ..
يا لك من تائه .. تشجع .. أبعد الدموع عن عينيك، أغسل أحلامك بآخر قطرات الندى، الأزمة ليست أزمتك وحدك. بل أزمة جيلك بأكمله، أرضك المحتلة من الكبير الذى اخترناه، كانت من قبل أرض أبيك، كان المحتل ينطق بلغة مختلفة هذا هو الفرق الوحيد، نظر إلى ملابسه الرثة، ابتسم دع كل هذا الكلام الفراغ، فكر فى إيمان وعلاقتك الغير شرعية بها.
****
ارتفع الصوت، لم يعد مسموعاً، لم ير أحد الكبش الحارس بأم عينه غير الغاضبين والسائرون ليلاً وسط المقابر، الفقهاء أغلقوا أبواب الدور على أجسادهم، لا أحد يتحدث – لذلك كان صالح خائفاً، أراد أن يصرخ فى وجه القرية، عرفها عندما كان يساعد أباه فى تنظيف جلود الحيوانات بعد ذبحها، كانت البيوت الطينية الدافئة، الحقول الخضراء الشاسعة، الخوف من الليل والعسكر، تأمل المنازل الخرسانية الحقول الخضراء الضيقة، محلات كثيرة، الخوف من العسكر، كان مصمماً أن يصرخ فى وجه القادم من بلاد الثلج – أترك إيمان – بمالك تشترى الكثيرات، لا نريد المال – نريد أن تهتدى أجسادنا الضالة.
  تمهل، سأل نفسه أن كان صحيحاً أن يتحدث باسمها أم أن رأسها ذهبت إلى ناحية اليمين – خاف من الصوت الذى يشعر به، تركها تمضى، تركت له ليال تلاحقه، يغلق طريق الفراش، تحجبه عن جسده، يراها عارية تماماً، تجردت من ملابسها تضع ساقاً على الأخرى فوق الفراش.
  يحاول .. يرى الجماجم والهياكل قد صنعا سداً أمامه.

"الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم"
يتكرر الصوت فى حارات رأسى مصطدماً بغلافها الخارجى، لم أحصى الوقت، أحاول أن أمتلك هذا السطح، يجب أن أحدد مدارى، أصاحب الظلمة، أختار طريقى، أترك الآخرين، أضحك نافياً نشرة الأخبار مع الدخان، يطرق وحيد باب ذاكرتى، شعره الأسود الكثيف يعارك الليل، تصد الجدران صوته.
"بتموت كلاب الليل .. العيش مرمى قدامهم عنيناً .. تحت رجلين الـ…).
صوت عمى توفيق مغمغماً (فاضى .. هى دى أيام .. عمى مكى .. الله يرحمه .. كان ياكل لحمة وسمك و .. وو 00 وكنت أكفر طول النهار علشان لقمة .. كانت البلد حالتها .. حالة). ينظر إلى مبتسماً.
  "أوعاك تزهق .. تاريخ".
  عارف السوق.
  أيوه.
  كان مكانه بيوت كتير اسمها تل اليهود(1). يشير بيده فى وجه الفضاء محتضنناً الأرض الزراعية (كانت الحتة دى وعلى مدى الشوف بيوتهم وفى يوم أهل البلد صحيوا ملقويش البيوت ولا السكان.
  قادر على كل شيئ.

صاح الجميع مهللين، كانت كلمة اليود كفيلة أن تخرج ثورتهم، ارتسمت على الوجوه إشارات تدل على السعادة، تناسوا ما يبثه التلفاز عن قوة اليهود – قالو : (قادر على كل شيئ).
عدت إلى الباب – وجدته مغلقاً، حاولت أن أطرقه، ارتسمت صورهم أمامى، أحاول الخروج من القرية تاركها لصمتها، قطع تفكيرى وجودها هناك – تقف بملابسها المبتلة تحمل الطست فى يدها – تقف على أول الطرق الترابية، بينما يمتد الطريق تحت وطأة الظلام حتى ينحصر بين فكى حقول الذرة .. هو يعرف بأننى مقيد بالمكان.

ينادينى الصوت من بعيد
 [عاوز تسافر
مش مهم .. ما أنت كل دنيتك غربة ورحيل
جايز تلاقى خطوتك وماتنسهاش
بس أبقى جيب لى شمس من بره الحدود
أزرع خيوطها فى ليل محاوط بصتك
نفسك تهج من البلد؟
عارف ياواد آيه إلى حايشك؟
ضل مرمى فى الشوارع
رغم أنها رفضه البشر رافضة البيوت
رافضة الرجوع من عالرصيف اللى سلم
للخطاوى بدون لقا](1)

وضعت علبة سمن فارغة أمام وجهى، دفعت الدخان إليها، كررت المحاولة أريد أن أسجن الدخان بداخلها، يقاوم، يعانق الهواء "ألم تشعر بالعجز والثورة عندما تغير أشعة الشمس لون وجهك وينحنى زندك وبعدها تدرك أن ثمار أرضك تجعل بطونهم تتسع أكثر، وعندما تطالب بحقك يتورم ما خلف رأسك وينظر إليك محرك الجماجم من فوق عرشه مبتسماً
[أنا مولاك .. أنت حمار شغل وبس]
أو يعطيك أرضاً للعبادة والطاعة
كلهم مثله مجرمون – لأنهم صم 0000].

صالح يتوحد مع جدران مندرته متجاهلاً سنواته التى باعها للتعليم وللشوارع عارضاً أوراقه للبحث عن عمل، جدران المندرة تتأفف من دخان البانجو، يستقبل الجدار رأسه بصفعة مدوية – تطيح بإيمان، إلى كوشة الزفاف بجوار رجل عال من بلاد الثلج.
وكان الصوت هذه المرة مجهول المصدر لم يعرف صالح من الذى قام بإرساله ولم يستقبله
[آخر حاجة قلبك ممكن يتوقعها إنك تكفر بالحبيبة الكبرى جدا
ً والحقيقة الواضحة جدا انها أنها خانت أمومة حضنها الدموع عنيك

ت تساوم عاللى باقى من حنينك للرجوع رضيت تفرط إنتماءك للشوارع والبيوت

بين حبك أنتى والنظام الاقتصادى فى علاقة أسية جداً](2).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى