الاثنين ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم سماح خليفة

اليوم سماح

لم تخني ذاكرتي يوما في استحضار ذلك المشهد، ما زلت ألتقطه بأبعاده الثلاثية بعين الذاكرة المختزلة في عقل طفلة لم تتجاوز سبع سنوات، طفلة في الصف الأول الابتدائي فرحة بارتدائها الزي المدرسي الذي خاطته لها والدتها بأناملها العابقة برائحة الصبر والدفء والحنان، وبضفائرها المنسابة على كتفيها، تقترب من ذلك الصف الذي انتظرت دخوله بفارغ الصبر، تجلس على مقعدها الذي قررت أن تعقد معه صداقة طيبة كطالبة مجتهدة مقبلة على الحياة بحيوية ونشاط، إلا أن ذلك الصوت الحاد الذي رجم أذنيها دون هوادة طالبا منها أن تسمع حروف اللغة العربية عن ظهر قلب، وإن أخفقت في حرف فمصيرها أن تصلب على السبورة، بدد غيوم الفرح المنتشية في سمائها، واستبدل بها دخانا أسود من خوف وصمت مر، كيف تطلب منا تلك المعلمة -التي حفرت اسمها في ذاكرتي- ذلك؟! ونحن ما زلنا في بداية السنة الدراسية؟! وأي دلال ورفاهية يعيشها طلاب الصف الأول في هذه الأيام؟!!

وقفت على السبورة انا والسواد الأعظم من الطالبات في صدمة وذهول؛ فجميعنا أخفق في ذلك اليوم.

لا زلت أتحسس ذلك الألم الذي أورثته العصا لكفي الصغيرتين. ولم تكتف المعلمة بذلك بل أرسلت في طلب المديرة. وقع أقدامها أورث قدمي رجفة شديدة وقلبي خفقة نارية. أطلت بجسدها من الباب، متوسطة الطول متناسقة الوزن ترتدي تنورة أسفل الركبة بنية اللون وقميصا ناعما سكري اللون في قدميها بابوج عصري مفتوح وأما شعرها الملامس لحد كتفيها يبدو أنه شرب من سواد الليل حتى ارتوى، تحمل في يدها اليسرى سيجارة وفي يدها اليمنى فنجانا من القهوة تفوح منه رائحة شهية كتلك الرائحة المنبعثة من فنجان والدي. فهمست في سري إذا لا بد ان تسامحنا تلك المديرة، وفعلا هذا ما حصل: "اليوم سماح"

منذ تلك اللحظة عاهدت نفسي أن أتفوق في الدراسة ليس حبا في التعليم أبدا، ولا حبا بتلك المديرة التي شفعت لنا؛ بل من أجل أن أصون كرامتي التي هدرت على السبورة وعلى نصل عصا ظالمة.

دق الجرس وخرجنا من قيظ المدرسة المشتعل هذا اليوم لنرتمي في فيء بيوتنا الدافئة.
سألتني رفيقتي في الطريق إلى البيت: مالك يا سماح زعلانة؟!..."كل الي صار معنا وبتقوليلي مالك شو بدو اقلهم لما أوصل؟! "ولا شي انسي قوليلهم لعبت اليوم كثير وانبسطت😄" لحظات حتى وصلت باب الاستوديو الخاص بوالدي والذي يقع في الطابق الارضي لبيتنا. وجدت جمعة طيبة عابقة برائحة القهوة لوالدي ورفاقه على باب المحل. لمحني والدي رحمه الله وسألني: شو عملت اليوم يا سماح في المدرسة؟ "ولا شي لعبت كثير وانبسطت😆"

"بلا عن جد 😞!! طيب يلا على الدار بسرعة"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى