الاثنين ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم سماح خليفة

توكل بنانا؟...رووخ بيييت!

أن تستيقظ باكرا ورائحة المقلوبة تزكم أنفك فهذا العجب العجاب!! كيف لا واليوم الجمعة؟ يوم الجمعة بالنسبة لأفراد عائلتي يعني أن نستيقظ باكرا ونتناول فطورنا باكرا ونستحم ونرتب المنزل وتحضر أمي المقلوبة بالباذنجان قبل رجوع والدي من صلاة الجمعة، وما إن يعود والدي من صلاة الجمعة حتى تقلب أمي طنجرة المقلوبة فيندلق الأرز منها على شكل أسطوانة كبيرة يتربع على سطحها قطع من الدجاج المقلي اللزج المغطى بقطع من الباذنجان دائرية الشكل مقلية يكللها لوز مقلي مقرمش، أما السمنة البلدية فكان مهمتها أن تغلف المقلوبة ببريق يومض في عيوننا ونحن نتحلق حول سدر المقلوبة الدائري الكبير الذي يبتلع مساحة شاسعة من وسط الغرفة.

فكنا ننظر لتلك الوليمة الشهية نتنشق رائحتها الزكية منتظرين إذن والدتي بالبدء بعد التسمية كمن ينتظر اللحظة المناسبة للإجهاز على فريسته.

لحظات من الفرح والسعادة يقتلها التفاتة من أحد أفراد عائلتي صوب النافذة المقابلة لوسط الغرفة لنجد جنود الاحتلال الذين يحتلون سطح العمارة المقابلة لبيتنا يفترسوننا بنظراتهم وهو يمتشقون السلاح بعنجهية وكأنهم يوصلون لنا رسالة ساخرة مضمونها: بإمكاننا تقويسكم جميعكم ومراكمتكم فوق سطح المقلوبة التي لن تنعموا بها.

طبعا ردة فعلنا لم تكن تتجاوز تبادل النظرات وإيماءة من أمي بمواصلة تناول الطعام. فنحن لا نستطيع إغلاق النافذة وإن فعلنا ذلك فهذا سيفسر من قبلهم أننا ندبر لهم مكيدة؛ فلن نراهم بلمح البصر إلا ويتحلقون فوق رؤوسنا. ونحن بغنى عن رؤية وجوههم القذرة.

هذا المنظر راح يستفزني فانتظرت بفارغ الصبر إنهاء الغداء وارتشاف والدي رحمه الله القهوة -ذات الرائحة الشهية التي تحضرها والدتي بحب وحنان ونزوله إلى الاستوديو- حتى خرجت خلسة وسلكت الشارع بخط مستقيم ثم التفت يمينا لأصل باب العمارة التي يستوطنها الجنود لأجد أطفال الحارة يلعبون ويمرحون. طبعا كالمعتاد دوريات الجنود تمر من الشارع الرئيس المقابل للعمارة عشرات المرات مما تثير غضب سكان الحي. فما كان منا نحن الأطفال إلا أن نرفع شارة النصر بإصبعي الوسطى والسبابة✌ ونقف مقابل تلك الدوريات ذهابا وإيابا.

يبدو أن هذه الخطوة استفزتهم فعلا فما كان من أحد الدوريات إلا الالتفاف بشكل مفاجئ والتوقف ثم نزول الجنود المسلحين منها وانتشارهم. طبعا معظم الأطفال اختفى بلمح البصر وقلة قليلة وأنا منهم ثبت في مكانه، بعضنا جرأة وبعضنا تصلب في أرضه خوفا وأنا واحدة من الخائفين. كنت أتساءل في سري: هل أهرب؟ وكيف سيكون منظري وقتها؟ جبانة وسيشمتون بي. بقيت متسمرة في مكاني. قلبي يخفق بمقياس رختر وقدماي ترجفان وعرقي يتصبب وأنا أراهم يقتربون مني حتى كاد أن يغمى علي إلى أن أيقظني سؤال أحدهم: أنتو بتعرفو شو يعني هاي✌؟ ورفع يده مقلدا الحركة؟ ابتلعنا ألسنتنا وقتها ولم ننبس ببنت شفة. فقاطعه جندي ثان أخرج من صندوق يحمله موزة وقال ساخرا: توكل بنانا؟
(banana:موز ) وأيضا بقيت مكبلة بالصمت. وقاطعه ثالث صارخا: روووخ بييييت😠.

فما كان منا إلا أن هربنا مسرعين وأما هم توجهوا صوب باب العمارة ينقلون صناديق يبدو أنها تحوي أمتعتهم وطعامهم.

وما إن وصلت باب بيتنا حتى كنت أعض على أناملي ندما وأحتقر نفسي متسائلة: لماذا لم أجبهم عندما سألوني ماذا تعني هذه الإشارة بأنها علامة النصر؟! وأن فلسطين بلدنا وهم أغراب مستعمرون؟ لماذا خفت من رصاصهم وجبنت؟ وإذا كنت بهذا الجبن لماذا أرفع شارة النصر إذن؟!!

تساؤلات ظلت تعزف على وتر حزين في قلب وطن ممزق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى