الاثنين ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

جولة مع الكذب

ما أكثر ما ذُكرت كلمة (الكذب) ومشتقاتها في معرض الذم في الذكر الحكيم، فمنها:

ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون- البقرة، 10، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب- غافر، 28.

كما وردت في أحاديث كثيرة أبرزها:

"آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"- (صحيح البخاري رقم 2682.) لاحظ هنا أن الثلاث تتركز في محور الكذب.

الكذب ضرب من الرياء، تجده في الخَسيس، ولا ينطِق به رجل شجاع أصيل، وقد قالت العرب "اثنان لا يجتمعان: "الكذب والمُروءة"، فالمُروءة هي مجموعة الفضائل التي كان العرب يعتزّون بها، والكذب تبعًا لذلك- مجموعة رذائل.

ما أصدق العرب في حِكَمهم، فهذا أكثم بن صَيفي يقول:

"الصدق مَنجاة، والكذب مَهواة"، نعم فالكذب يهلك صاحبه أو يهوي به إلى شر لا يدري أحيانًا مآله.

ثم إذا تفحصنا أولئك الكاذبين فنحن سنجدهم لا يثقون بأنفسهم كما يجب، أو لا يستطيعون الدفاع عن أخطائهم، فيزخرفون قولهم، وهيهات! فـ "الكذب حبله قصير"، وأخطرهم أولئك الذين يبالغون ولا يبالون بالنتائج فيجعلون "من البحر مقاثي".

ورد في كتاب ابن قتيبة: "عيون الأخبار"، ج2، ص31.

هذا الحديث الرائع المتواتر:

"قيل للنبي: أيكون المؤمن جبانًا؟

قال: نعم.

أيكون بخيلاً؟

قال نعم.

أيكون كذابًا؟

قال: لا.

(أخرجه مالك في "المُوَطَّأ - ج2، ص 990- رقم 1862.)

سنقوم برحلة شعرية تدور حول الكذب، وكيف عبّر بعض الشعراء عن هذه الرذيلة:

يقول الشريف العُقَيلي:

لا يكذب المرءُ إلا من مهانته
أو عادة السوء أو قلة الأدب

في شعره تلخيص دقيق:

مدعاة الكذب واحدة من ثلاث: أن الكذوب شخصية مهانة أصلاً، أو هي عادة سيئة اعتادها، أو هي قلة أدب في صاحبه.

ينصحنا الشاعر القُطاميّ أن نتخلى عن صحبة مثل هذا الكذوب:

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبًا
إن الكذوب لبئس خِـلٌّ يُصحب

فإذا عُرف الشخص بكذبه، فإنه لن يُصدَّق حتى لو قال صدقًا، وفي ذلك يقول بشارة الخوري:

إذا عُرف الكذّاب بالكذب لم يزل
لدى الناس كذّابًا وإن كان صادقا

سبحان الله!

الكذابون والخرّاصون في المجتمع غالبًا ما يُعرفون بسيماهم، وجزاؤهم أنهم لو صدَقوا لا يصدّقهم الناس، حتى لو هزّ الناس لهم رءوسهم.

وحكاية الراعي الذي كان يستنجد كذبًا بقومه ليطردوا الذئب عن غنمه معروفة، فلما كذب عليهم عددًا من المرات عرفوا أنه يعبث بهم.

وأخيرًا، هجم الذئب حقيقة واستنجد بهم، فلم ينصروه، ولم يحرّكوا ساكنًا.

قال شاعر:

حسبُ الكذوب من البليّــة بعضُ ما يُحكى عليهْ

مهما سمعتَ بكذبةٍ
من غيره نُسبت إليه

نعم، فكل كذبة –كبيرة أو صغيرة- وإحيانًا لم يكن يدري هذا الكذوب عن موضوعها، فإنها تُنسب إليه.

سأصحبكم مع أبي العتاهية في نصيحته أن نتجنب الكذوب- ذلك الذي يكذب، وفي صور أخرى غير الكلام:

إياك من كذب الكذوب وإفكه
فلرُبما مزَج اليقينَ بشكّهِ
ولرُبما كذب امرؤٌ بكلامه
وبصمته وبكائه وبضحكه
ولربما ضحك الكذوب تكلّفًا
وبكى من الشيء الذي لم يُبـكِهِ

استثناء:

مع ذلك فقد ورد في الحديث الشريف:

"لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع: الحرب، فالحرب خُدْعة، والرجل يُصلح بين اثنين، والرجل يُرضي امرأته"-.

اقتباسًا عن ابن قتيبة: م.س، ص 30.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى