ديوانٌ شعريٌ جديدٌ للدكتور جمال سلسع
صدر عن مكتبة كل شيء في حيفا ديوان شعري للدكتور جمال سلسع بعنوان "حيفا في يديها سراج أمي" ولسان حال الشاعر يقول في هذا الديوان" لا الموت يسمعني ولا الحياة تقبلني، الى أين أمضي، شجري دمعه جمر وخيلي صهيله لا يعرف دربه؟ هل أجد لغة أخرى أفتش فيها عن لون الوطن، ونحن لم نقدم للقدس سوى الشعارات؟
ديوان شعري كندى الصباح يفوح على تلال رضعت حجارة تصرخ، ولا زالت تكتب ملحمة شعب، ينقش اسمه فوق قرص الشمس، والحروف يحميها الشهيد بدمائه، والسجين ببطولاته.
والقدس أيقونه الوطن، تعاتب الشاعر حيناً وتبكي نسيانها على رصيف الصفصاف حيناً اخر.
وكلمات القصيدة تنهض في صدر الشاعر الى مساحات روحه المتيقظة على ضبابية المرحلة.
فيرى مدن المنافي، صمتها يتكلم وكلامها يجرح.هو في الحقيقة ديوان شعري اعاد للشعر مكانه المتميز، بعد أن إنزوى هذا المكان, هو شاعر دخل موسوعة كبار الشعراء العرب عام 2011 وما زال يعطي ويعطي صورا متميزة متجددة.فاستطاع وبنجاح يستحق التقدير ان يجسد ملحمة شعبه وتطلعاته في هذا الديون الشعري كعادته. فما زال يبوح بندامة يحرسها السراب، باحثا عمن يضيء الحلم, وما زال يتحسس دموع البرتقال، فيهزّه شجر على أوجاع حيفا ، ولا تزال حيفا في يديها الحنين والتراث. ويخاطب القدس وهي تبحث عن قطرة ماء قائلا:-
أمشي في غابة نسيانيوغدي يركض خلفيوأنا ما عدت أرىمنديل الفجرعلى كتفيها حديقة
ويتوجع ألما عندما يبوح بالحقيقة قائلا للقدس:-
فنُ الخطابة عشقنافرماحنا خشبُ
وتشعله جذوره الفلسطينية في قصيدته "أتسأل من أنا الفلسطيني؟" فيقول:-
وقبل أن تسير في السهول،لهفة المياهكنت نبع غيمةتطير في هديلهاتحطُّ فوقَ برجِهامدينة القدس
ويتكلم عن الوفاء مخاطبا ابنته "وفاء" قائلا:-
وما لمَّ الفؤادبغير عينيك الندىفامتاح قلبي فراشةما...ما رأتإلاَّ على أهداب عينيكالضياءْ
ويلجأ الى الله عندما تأخر المطر متوجعاً، في قصيدته "يا الهي أعطنا المطر" قائلا بلغة صوفية وشفافية روح تتحسس جزيئيات حياتنا اليومية :-
أسيّدَ السماءقد بسطتُ دمعتيعلى يديوفي العيون ألف صرخةتلوذُ في بشارة الخبروألف صيحة الى السماءيعطشُ التراب في همومهاويُظلمُ القمرْ
والشاعر يبحث عن هوية السلام فلا يجدها الاّ في خرافة الأساطير قائلا في قصيدته " هوية السلام":-
أنامُ ...في غيوم دمعتيولا أنامْوأصحوفي هموم محنتيعلى دمي الركامْولا تزالُ طفلتييغيبُ عن دموعها الحمام!
وفي خضم امواجه الشعرية لا ينسى صديقه "سميح القاسم" فيقول في قصيدة الرثاء:-
أسائل عنك المنابرتصحو على الوقتلهفة حرفٍتُعطر في الصوتِلحنَ المناجلْفأحضنُ فيكَ القصائدَأسكنُ في شذا الكلماتِكما يسكنُ النايُفي أمسياتِ البلابلْ
وينقش صورة شعرية عابقة بلوحة ابداع وهو يصف سقوط الثلوج على ارضنا العطشى قائلا في قصيدة " الثلج" :-
وتقفز في ضلوع الشوقرغباتفكيف أردُّ بحر الشوقوالأيامُ جاءتْتحتسي ثلج الشرابْ
ويعود حنينه الى القدس في قصيدته "القدسُ تنتظر الرعود" فيقول الشاعر:-
ما زلتَ تدقُّ البابَوفيكَ الروح مبعثرةلم يتجل فيهاحنين الشوقِإلى لغةِ الترس!
والشاعر هو الأكثر انتماء في قصائده نحو القدس، والأكثر تناولا لها عل صعيد همومها وخذلانها، اذ لا يخلو اي ديوان شعري من قصائد تحمل هموم القدس وهو القائل:-
مهدُ الصلاةِ أتتْ بعينيها الدموع....فبكت صلاتي مع بكاء الانبياءْواللهُ أودعَ في القلوبِ وصيَّةً....لا عشقَ غيرُ القدسِ درباً للسماءْ
ولا ننسى الديوان الشعري للشعر بعنوان"أيا قدس أنت الخيار" وكذالك ديوان "عشُ الروح" الذي اعطى فية للقدس صورا لم يسبق ان أعطاها غيره من الشعراء.
ويواصل الشاعر عشقه الأبدي للقدس في هذا الديوان، بقصيدة أخرى بعنوان "انكسرتْ في القدس فصول التاريخ" يقول:-
عتمة حزن سكنتفوقَ شبابيكِ الروحمنافٍ...لمَّا نادت كلماتُ الأرضِولمْ يقرأ أحدٌ صفحتَهاوانكسرتْ كلُّ فصولِ التاريخِ،فصارَ القلبُ حريقة!
ولا يزال يشتعل حنين القدس في قلب الشاعر، فيقول في قصيدتة "حنين الروح للقدس":-
هذا صراخ الأرضلاحَ على مساحة وقتنافاسكب على هذي المساحة،كبرياء رجولةٍوارسلْ شموعَ دروبنالتدقّ بابَ الشمسِعبر التتارُ وفتّشوا دمهافما وجدوا بلائحة الحنينسوى حنين الروح للقدسِ
ويعود الشاعر ويجسد الموقف الوطني، والحس الجماهيري في قضية مدينة "باب الشمس" التي تحدت الاحتلال، وأشعلت وجدانية شعب يبحث عن شمسه، فيقول في قصيدة " باب الشمس":-
فسمعتُ صوتَ اللهيلمسُ حيرتيفإذا السماءُ تقود خطويجمرةً...تمشي على بابِ الشمسِ
وكتب قصائد اخرى عن باب الشمس واحدة بعنوان "بابُ الشمسِ خيلنا" واخرى بعنوان " باب الشمس طريقنا"
والشاعر من اكثر الشعراء اهتماما بالمعتقلين الابطال خاصة وانه عاش هذه التجربة عام 1989، حيث صدر له داخل المعتقل الديوان الشعري "رضعنا المجد ديناً" وكتاب" رسائل تخترق الأسلاك الشائكة". فتناول قضاياهم في اكثر من قصيدة حيث يقول في "قصيدة السجين":-
يا سيديأنت الذي في دمعتياشعلت لي قمر الصهيلعلى نوافذ حيرتيلما عرفت بقيد سجنككيف تنموفي سواعدك الرماح
ويواصل الدخول الى زوايا السجن فلا يرى سوى حنين عاطفة لأسم الأرض، والشمس تشتعل على مساحة حزننا فيرى الحرية تنمو في سواعدهم، يجسدها في قصيدة "على سواعدك انتشى" وغيرها من قصائد تحمل ألم القيود وآهاتها.
ولا ينسى الشاعر أبطال معركة الأمعاء الخاوية، فيهدي قصيدته الى "سامر العيساوي" ورفاقه بعنوان "غيمةٌ حطّتْ على حجر".
ويواصل الشاعر تناول جزيئيات حياتنا اليومية،وما فيها من هموم وتطلعات نحو الشمس والحرية، ويحولها الى ملحمة شعرية في هذا الديوان الشعري، الذي حمل هموم المرحلة وتداعياتها.
فيقف أمام روح الشهيد "علي دوابشة" في قصيدة تشعل الوجدان وتتسامى الى شفافية الابداع وتجسد بشاعة الإحتلال بعنوان "حرق الملاك" يقول فيها:-
ينامُ على براءة حلمهِروحا تداعب وردةسقطت على نيران وحشوالسماء تصيحأوجعها الجللْعليذٌ...طلَّ من فوق الجبلْيلوحُ فراشةًحطَّتْ على نور الصباحِ،اذا الصباح ضحيّةَ النيرانِفي كفَّيه عشقُ فراشةٍبدماء طفلٍ تُغتَسل!
ولا تزال حجارة الارض تصيح، تنادي على انتفاضة ثالثة، فيبارك الآله هذه الحجارة الحيّة. فيقول الشاعر في قصيدة "حجارةٌ تصيح"
"فتهمي في يديفراشةتمرَّى في احتفالهادمي الذبيحْكغيمة على يباسِ أرضِهاتُرتبُ اخضرار خطوتيكرامةً...على مواقعٍمشى بدربها المسيحْوأعرجَ النبيفي سمائها الفسيحْفهزَّ في يديحجارةً تصيحأنا محمدٌ...أنا المسيح
وهكذا اعطى الشاعر صورة فريدة للأرض الفلسطينية التي تجمع تحت جناحيها التاريخ والتراث والدفاع عن الارض في مواجهة الاغتراب والاستلاب تقودهم وصية السماء في الدفاع عن امانة الارض، بوحدة وطنية يباركها الإله. فيقول الشاعر:- "اذا نسيت دمعة القمر فوق القدس فلتنسني نجمة المغارة فوق بيت لحم"
وتعود القدس الى وجع الشاعر مرة اخرى، هذا الوجع الذي مشى في روحه منذ ديوانه الشعري الأول "جمرات متوقدة في أرض الأشجان" وتواصل مع ديوانه "أيا قدس أنت الخيار" وديوان "عش الروح" واشتعلت القدس في كل دواوينه الشعرية، فديوان ما زال يغسلنا الرحيل" يحمل أكثر من تسع قصائد عن القدس، وديوان "عندما تتكلم الحجارة" يحمل ذات العدد عن القدس. ويقول في قصيدة "القدس قصيدة دمعتي" في هذا الديوان الشعري:-
وأحس حلمك في صدى حلمي، توجع أرضٍوكأنَّ حارسَ حُلمنا في حُلمِهِ سفَّاحُكذبُ الكلامِ يجولُ في حدقاتها مرتاحاوالقدس أينَ من الدموعِ دموعها ترتاحُ؟
ويرحلُ الشاعر مع همه الوطني الى "مخيم اليرموك" ويعيش دموعه ومذابحه وأوجاعه، متحسرا على مجد اليرموك وخالد بن الوليد فيقول في قصيدة "مخيم اليرموك":-
يرموك... يا يرموك..ضاعَ...السيف والخيلُوأتى الترددُوامتطى فينا صهيلَ الجبنِحتى سادنا الهبلُفبكى على جوع المخيمِوالمخيَّمُ...من كؤوسِ دموعِهِ ثملُ!
ويعود الشاعر الى جرائم المستوطنين وتربصهم بشعبنا، فيهدي قصيدة الى روح الشهيد "محمد ابو خضير" وهي من روائع الشعر العربي والفلسطيني بعنوان "القبر دقَّ عذابَ روحٍ" يقول الشاعر:-
يا غضبة ثقبت ضمير الصبرما صعدتْ الى الحناء...ما صعدتْعلى الحناءِ قد صلبوادماءَ مُحمدْيا صرخةً من نار أثمما تأخر صوتهاواليوم يمشي في استغاثة ذاتهاوالذات لمَّتْفوق أبوابِ السماءِأنينها...يَتَمَدَّدْ