الثلاثاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم جورج سلوم

نهاية الشخشخة!

الشخشخة صوت ٌ..وأيّ صوت..لكنه آيلٌ للزّوال!

والله لم أخترع هذا الصوت من بنات أفكاري..جاءت به المعاجم!

هو صوتُ القرطاس إذا انقلب..فيُقال شخشختِ الصّفحة الورقية اذا قُلِبَتْ أو خشخشت..

وهو صوت ٌعذب إذا ما قَلَبْتَ الصفحة في روايةٍ جذّابة تسعدُ بنهايتها...وممتعٌ إذا ماتناهبْتَ الصّفحات القادمة من حياتك نجاحاً وسعادة..وقد يكون صوتاً مثيراً إذا زغرَدَتْ وتقلّبَت النقود في يديك.

ولا يرتعدُ لقلبِ الصفحة إلا من ذاقَ الويل في الصفحة السابقة ويخشى من استمرارِه..أو مَن تاقت نفسه لارتياد صفحةٍ جديدة وخائفٌ من قرارِه...

كلّهم يصيحون به:

 اقلِبْ الصفحة..

لكنّه كان يقلِبُ الصفحة ولا يرى جديداً..فقط يسمع صوت الشخشخة!

يدوّن مذكراته على دفتره الخاص..يضمّنها ملاحظاته..ويُجهد نفسه بحثاً وتقصّياً لاستخلاص النتائج واستنباط الدلائل..وعندما يحار في أمره..يهجر القلم ويقلب الصفحة..آملاً بصفحة جديدة أنقى وأكثر وضوحاً.

وكأني أسمعكَ أنتَ أيها القارئ تقول له أيضاُ:

 اقلب الصفحة!

شهادته العلمية هي الأعلى في مجال عمله...والتزامه بالدوام لا غبار عليه..وانتاجه أكثر من الجميع...يحلم في نهاية الشهر بالحصول على مكافأة ما..أو ارتقاء في الوظيفة..فيخطط لمستقبلٍ أسمى وأزهى..

لكن للأسف يرتقي غيره..وجدول المكافآت الدّوريّ عنيدٌ ويأبى أن يُدرَج اسمه فيه.
قال لنفسه:

 غداً سأسأل المدير..وأقيم الدنيا ولا أقعدها..سأضع النقاط على الحروف.

ويجيب المدير:

 أسئلتك لا معنى لها..وليس لها جواب..لذلك اقلب الصفحة.

وشخشخت صفحة أخرى..قال فيها أحدهم:

 أنت متهمٌ بأنكَ قلتَ ذلك.

 والله ياسيدي لم أقل حرفاً مما يُنسَبُ إلي..كلّها أقاويل مُغرِضة..دعني أشرح لك بالتفصيل.

 لابأس..سنعتبر ذلك تنبيهاً فقط..ومن ثم يأتيكَ إنذارٌ.. اتركْ هذا الموضوع الآن..واقلب الصفحة.

في بيته ما كان سيّداً..لا ولن يكون..لا يأمُرْ أو ينهى عن أمر..فقط يتوسّل ويستجدي رغباته..لا يعرف عنها شيئاً..متى تخرج ومع من...ولو حاول السؤال..يكون الجواب على شكلِ ردودٍ انقلابية..وأصواتٍ انفعالية..وتجيب زوجته:

 أنا امرأة بلا قيد..اكتب عني ما شئت..لا تفتح لي أبوابَ جدالٍ ونقاشٍ عقيم..اقلب الصفحة.

استغرب أحد النقاد كثرة صفحاته ووفرة أوراقه عندما تكدّست على طاولته..لم يلمسها..قال مستهجناً:

 ما كل هذا ال....؟

 ليس هراءً يا سيدي..أنا أكتب كثيراً وأسعد بالشخشخة وتقليب الصفحات.

امتعض الناقد – ولم يكن على علم بمعنى الشخشخة - وقال ساخراً:

 نعم..نعم..تشخشخ بين الصفحات ؟.. لذلك نراها مبللة ورائحتها نتنة..صدق من قال (أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً) وأنا الآن..أسمع شخشخة ولا أرى أدباً...نصيحتي لك اهجرْ هذه الهواية..واقلب الصفحة.

منذ ذلك اليوم..أتلفَ دفاتره و حرق أوراقه..ومال إلى التدوين الالكتروني..فلا صوت لتقليب الصفحات...

ولذلك قالْ..في مطلعِ المقالْ..بأنّ صوتَ الشخشخة آيلٌ للزّوالْ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى