الاثنين ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم فوزيّة الشّطّي

قدرٌ أفضلُ

أحاولُ جاهدةً أنْ أنامَ. لكنّ خيالَك يُطاردني حيثُما هربتُ بتفكيري. ذكرياتي الصّامتةُ تنخرُني كالسُّوسِ مِنَ الدّاخل: لِـمَ كانَ يجبُ أنْ تنتهِيَ الأمورُ إلى ما انتهتْ إليْه؟! لِـمَ كان يجبُ أنْ يُستعادَ المشهدُ الكسيرُ نفسُه؟!

كُنتُ أستحقُّ قدرا أفضلَ.

كالعيدِ الحزين، كذكرى الموتِ، تعُودُني في يقظتي والـمَنامِ. تُبدّدُ بقيّةَ أحلامي. قبلَك كان فارسي عزائيَ الأبديَّ، ألوذُ به من كلّ هزائمي، أشتكيهِ بُؤسَ المصيرِ، أستجيرُ به كلّما كبّلني العداءُ الـمُتنامي. كان مشعلا ينيرُ ظلامَ نفسي. كان ينبوعا دائمَ التّفجُّر يروِي ظمئِي إلى الحبّ والأمان. كان كلَّ ما لمْ أستطعْ أنْ أكُونَ. كان حُلما جميلَ القسمات.

فجأةً رأيتُك. بل رأيتُ فيك فارسي ينزلُ مِنْ علياءِ سمائه لِيحطَّ رحالَه على أرضي، شديدَ القرب منّي. أرعبني حضورُه الهائلُ متمثِّلا فيك... أو هكذا بدا لي. رفضتُ أنْ أُصدّقُ ما أراه. اِستطبتُ حالةَ الأمانِ المفقودةَ. أجْهدتُ نفسي في سبيلِ استعادتِها. تـمزّقتُ بين الرّغبة في حضورِك الغامر وأملي في غيابِك الآمن. هل أستحقُّ كلَّ هذا، أنا المحكومَ عليها بعذاباتِ الأحلام المستحيلة؟! إنّي واهمةٌ ككلِّ مرّةٍ. كفرتُ بحضورِك أمامِي وفِـيَّ. أنا لستُ أهلا لهذا القدر الرّائع!

حتّى إذا ما صدّقتُ حضورَك، خِفتُ على صرحِ أحلامي أنْ ينهارَ إلى الأبدِ، فأعود إلى المتاهةِ نفسِها. ماذا لو لمْ تكنْ، كما تصوّرتُ، صورةُ فارسي الحقيقيّةُ؟! لنْ أقبلَ بالهزيمة. وإذنْ، لن أُغامرَ. ستقتُلني الفاجعةُ. كيف لي أنْ أقبلَ الحقيقةَ عاريةً تُـجرّدني مِنْ وهمٍ ذابل تعوّدتُ أنْ أستمدَّ العونَ على الحياةِ؟!

ظللتُ بين الخياريْن أتأرجحُ حتّى شُلّتْ قوايَ وتفتّتَ نفَسِي القتاليُّ. أخيرا رفعتُ الرّايةَ البيضاءَ وأنا أرى حُلمِي، مثالا وصورةً، تخنقُه الرّهبةُ ويجلُدُه الشّعورُ بالذّنبِ. فيرتدُّ كئيبا كسِيرَ الجناحِ كطفلٍ غريرٍ لفظهُ عالمُ الكبارِ بتُهمةِ البراءةِ العَفويّة والوضوحِ الحرام!

وفي سقوطِ حُلمي، انتحاري... أنا الّتي كنتُ أستحقُّ قدرا أفضل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى