السبت ٣ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

أنا ولغتي (2)

عندما كنا نسكن في الأهواز اخترت في الصف التاسع فرع التجربي ودخلت مدرسة تسمى شهداء.

في السنة الثانية وتحديدا في عام 1988 تغير رأيي وعزمت أن أتابع دراستي في فرع الرياضيات، ولهذا انتقلت من مدرسة الشهداء إلى مدرسة أخرى تسمى مصطفى خميني.
كانت المدرسة تبعد عن بيتنا في الكواخة أكثر من ساعة مشيا، ولهذا كنت وزميلي سعيد العبادي نستقل الحافلة للوصول إليها.

وما أكثر ما أجبرنا أن نمشي تلك المسافة البعيدة ذهابا إلى المدرسة، أو رجوعا إلى البيت في حرارة الشمس التي تبلغ الخمسين.

ولم نستطع أن نستقل التاكسي لشحة ما في جيوبنا من نقود!

كنت في المدرسة الجديدة أنتظر مدرس اللغة العربية لأرى هل هو عربي أم لا؟

مدرسنا في السنة الماضية كان فارسيا لا يفقه من العربية شيئا؛ كان الطلاب يعرفون العربية أكثر منه.

والجدير بالذكر إن في مدارسنا وجود حصة العربية وعدم وجودها سواء، حيث لا يتعلم الطلاب من هذه الحصة الواحدة شيئا.

دخل مدرسنا وعرف نفسه:

عباس الطائي.

وبدأ بإنشاد الشعر بإحساس شاعري، وكتب الحِكم بخطه الجميل على السبورة وتكلم معنا بلغتنا.

أحببت حصة الأستاذ الطائي كثيرا، كنت في حصته أحضر معي كراستين، واحدة للدرس والثانية للأشعار والحكم التي ينشدها أو يكتبها.

أخبرته ذات يوم عن شغفي بقراءة الكتب العربية التي لم أحصل عليها سوى على كتاب واحد هو حياة أم كلثوم، والذي نقلته بيدي في دفتر وفي ليلة واحدة من كتاب أستعرته من أحد زملائي.

أخبرني الدكتور الطائي وقد حصل على الدكتوراه فيما بعد، وأغتنم الفرصة لأدعو له بطول العمر والعافية، وأعبر عن اشتياقي إليه؛ أخبرني أن هناك مكتبة صغيرة تبيع الكتب العربية؛ فكتب لي عنوانها.

ولا أتذكر الآن من العنوان إلا شارع كيان.

طلبت من أمي مبلغا من المال واستقرضت مبلغا آخر من أصدقائي، وتهيأت للذهاب إلى المكتبة.

كان شارع كيان يبعد عن الكواخة كثيرا كما وصفه لي أصدقائي، أي لا أستطيع أن أقصده مشيا، وإن ذهبت بسيارات الأجرة نقصت نقودي، والتي خصصتها لشراء الكتب.

إذن عليّ أن أذهب بدراجة أخي النارية.

كانت الحرب قد وضعت أوزارها للتو، وأخي محمد حضر للخدمة العسكرية الإجبارية بعد أن غاب عنها ثمان سنوات، أي فترة الحرب كلها.

والحقيقة إنه كان يتخبأ هنا وهناك، وكأنه مطلوب.

ذات مرة اعتقلوه عند الباب لحظة خروجه من البيت، وكادوا أن يرسلوه إلى الجبهة لولا جنسيتي المدنية.

خرج أبي رحمه الله بعد أن سمع إطلاق النار، وجد محمدا مكبلا في سيارتهم!

فقال لهم إنه صغير ولم يحن تجنيده بعد، واسمه سعيد وهذه جنسيته... ونجحت الفكرة.
كان أخي المسكين لا يذهب إلى السوق كثيرا خشية الاعتقال والتجنيد؛ وإن ذهب رافقته زوجته خوفا عليه.

وقد ازداد التوجس والحذر بعد أن اعتقلوا ابن خالتي وأرسلوه إلى الجبهة حيث قضى نحبه هناك.

وأرجع إلى شارع كيان والمكتبة، أخذت دراجة أخي محمد المجند قسرا ورافقني صديقي كريم الدلفي واتجهنا نحو العنوان في نفس اليوم.

استغرق المسير والبحث عن المكتبة أكثر من ساعتين حتى وجدناها، لكن الباب كان مغلقا! يا لسوء الحظ!

سألنا المحلات المجاورة فأخبرونا أن الرجل سافر إلى طهران وسيرجع غدا، فرجعنا خائبين حزينين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى