الجمعة ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
تداعيات
بقلم مصطفى غلمان

الرحلة المشتهاة من الصويرة إلى الويدان

رجال يتشابهون بقلوبهم، يصدحون بمعاني الحياة...

الصويرة وجهة أخرى لمن يبغي فداحة البحر، حيث الأرياح تأكل بالقضمات الكبيرات عيون البصاصين والصعاليك والمتطهرين من سقوف الإسمنت تلال شامخة على المدخل الشرقي، تحبس أنفاس المارين وتثير لديهم حاسة العودة، سريعا إلى حيث تفسح الأشجار كمائنها. هدوء حذر لأمواج تتواتر عالقة بالهواء، متنطعة، كأنها تصارع وحشا هلاميا يختلس همسها من تحت مياه باردة. ذلك أن الصيد في الأعالي يتدنى مجافيا صحوة الجو المنيع، درءا للعوائق القاصمة. صيادون يتفرقون على حواشي الميناء، يقاومون صدأ الموت، يتوقون إلى مشاهدة تنين البحر وكلبه وحشراته الضخمة، يداهمونها ليل نهار، لحشو مرقها وصقل عودها ...

مندوب الصيد البحري،ذي العينين الزرقاوين يثير الحديث عن سؤال الحياة في البحر، وعن بحر الأسئلة التي تقوض الصيادين بالموكادور. السيد اللبار يعرف جيدا كيف يصمت البحر، وينتهي إلى صخرة جاليليو، محمولة على أكتاف لصيقة بلحاف الأرض التراب، حيث الانتظار لا ينتهي أبدا. قال اللبار للوفد الإعلامي الذي مثل نادي الصحافة بمراكش تانسيفت الحوز، في إطار الزيارة الإعلامية التي ينظمها هذا الأخير بتنسيق مع السلطات المحلية والممثلين لوزارات هامة وفعاليات مدنية ومحلية، قال إن الصيد البحري في الصويرة يرتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكانها. وهي خصيصة جوهرية تفصح عن أهمية البحر بالنسبة للصويريين. بيد أن الطقس في كل أحواله لا ينذر بغير قليل من القلق والمخاض العسير طيلة العام. ما يجعل أغلب الصيادين ينذرون وقتهم في متاهة انتظار هدوء أمواجه العاتيات.

على طول الخط، وفي ثخوم دقيقة للحواس، حيث تنتصب المئات من سفن الصيد والمراقبة بميناء الصويرة، يفتش اللبار عن نافذة محاذية لهواء البحر، يطل من على سورها الممتد عبر شاطئ نزق ومثير ، تاريخ الصويرة البحري كما يجب، مواكبا لأحدث تطلعات ساكنة فقيرة، تحت خط بحر المحيط. سألنا المندوب الإقليمي لقطاع الصيد البحري: لماذا لا يأكل المغاربة أسماكهم؟ ولماذا تستقوي أيادي الظلام حيوانات بحورنا الطازجة، من غير إحساس ولا عطف. ومن دون وازع طوبوغرافي ولا جيوبحري؟ ولماذا البوارج البحرية العظمى لا تنقطع عن الرسو في أعالي البحار المغربية، دون حسيب ولا رقيب؟ وببساطة كبيرة، ما الذي يريده مسؤولو البحر من البحار الشاهقة، ومن البحارين اليتامى؟

أسئلة لا تحتمل التأجيل، وهي تذكرنا جميعا بموقف المغرب من نهب ثرواته البحرية بالأبيض المتوسط. بيد أنها تثير جوهر انزعاجنا من سوء ترشيد هذه الثروة القومية العميقة. والأقسى، تلك الفوضى المتشرنقة التي لا تتوقف الأوركسترالية العسكرية من تكريسها، حيث الإقطاعيات القروسطية لا تزال تنهب حوتنا ؟
كانت فطنة اللبار في البوح بمكنون المياه المالحة لصيقة بألوان الجدرانات البيضاء، تمتح ردة سمتها من مطابع وجهه المنشرح، وروح شاعرية تليق بمهندس بحري يقاوم انجرافات السقوف وصفارات إندارات البوارج التي تغطي مسافات جغرافية لا بأس بها، تقطع حوافر الأزمان والأمكنة والفضاءات..تتعلق بقوة خارقة ونفس مليء بالطموح وجه البحر المقهور، حيث الصويرة والصويرية تقعان في وحدة التيه؟

عبد الرحمان أيت العجول: مدد مدد ياسادتنا الشبابية

القراءة الأولية لمشاريع العجول مناضلا شبابيا ومغامرا في الثنايا المتألبة ضدا على الطبيعة الصويرية ورياحها القاسية، تثير أكثر من رأي، حول إمكانية التفضيل في العمل بين مدينة مزاجها في السنة ينحضر بدرجات متفاوتة بين الصمت والكلام. حيث يتوافد في محج مهرجان كناوة مثل آلاف عشاق "الهيب هاب" و"الدنبير" مع أن أوقاتا أخرى تتوقف عجلات السياحة الداخلية بشكل يدعو إلى القلق.
قطاع الشبيبة في هذه المدينة البحرية الصغيرة يدخل في نطاق الدعوة المستمرة إلى مناورة الجهود، من أجل خلق مستويات عدة من العمل الجماعي، يقول عبد الرحمان العجول. وهي بنية استيهامية تنطبع في العمق بمستويات تلقي الجمهور الصويري، خصوصا منه الشباب العاطل، الذي من الواجب التفكير له ومن أجله، لإدماجه في التنمية المحلية والجهوية المطلوبة. الأنشطة الشبيبية بالصويرة، يضيف العجول، هي في الأغلب ترتبط بالشواطئفي غياب حقل أوسع على مستوى البر، ولهذا، تتطلع كتابة الدولة في المجال إياه، إلى الحرص الكبير على شحن قنوات التعاون مع شركاء متميزين، من أجل إرساء دعائم العمل الرياضي الجماعي، وتأتيث حصيلة المردودية في مساحة تبدو ضيقة للغاية.

الصويرة في نظر العجول مكان جميل للتباهي الرياضي، يتوافد للإقامة فيه أجانب من كل أنحاء العالم، حيث البحر يتيه بالاحتفاءات الرامزة إلى الحضور القوي للطبيعة الطقسية. ومن ثمة يجب التفكير جديا في الانضمام إلى كوكبة التجارب العالمية التي تفد للصويرة عبر هذا المنفذ. وحيث إن البنية الأساسية للملاعب غير متوفرة بالشكل المطلوب، يمكن الانفتاح على هذا المكسب البحري الأسطوري، في الكثير من الأوقات سنويا. فالرياضات فيه متعددة، والمجالات مفتوحة للتلقي.
شيء واحد لا ينتهي في حصيلة لقاءاتنا مع السي عبد الرحمان. ذلك الدفع القوي لذاكرته التي لاتنام إلا على فنارات أضواء متأرحجة بين الدنو واليقظة. السي عبد الرحمان يمثل لي رمزا لجيل عصامي متنور، يدخل من شقق الحلم مدججا بنيران الثورة والتصميم الحذر، يداهم الأزمنة من حيث لا تدري، حيث يرسو على نظامية تعول على الحسم في المواقف والإصغاء للمستقبل بعين متأملة وحاذقة..

نسيج الاختيار أو التربية على التوافقات

يجب أن أعترف بالقطع أن وزارة التربية الوطنية بالمغرب غالبا ما تختار نوابها على الأقاليم بشكل لا يشك في مصداقيته. فهذه هي المرة العشرون التي أكتشف فيها مسؤولا على إدارة خطيرة في دواليب الحياة العامة للدولة المغربية، من أكفئ ما صادفته خلال عملي كصحفي أو إعلامي.

شخصية كالدكتور أحمد أميني لا يمكن أن تسقط هكذا من فوق السماء دون المرور من تحت إط الموت، كما سمى الشاعر أحمد بلحاج أيت وارهم ديوانه. أقول ذلك لأن الحديث في منطوق أميني لا يصل إلى درجة التوارد مادام محصورا في عتمة الكلام فحسب. ولكي يرتفع إلى المقام العلي والدرجات السنية، يجب أن يتقلب على جوانب عدة من المقارعة والارتهان. والجوهر من كل هذا وذاك انطلاقه في عين الحقيقة، حيث الواقع هو المصداقية الحقيقية.

الدكتور أميني ذو طبيعة علمية محضة، يضع الحافر على الحافر، والرقم على الرقم، ولا يتوصل إلى نتيجة بدون اختيار الاحتمالات وضبط الموازنات. وهو بذلك يقف عند صخرة القلب، حيث يصعب على النبض أن يتيه في غياب الإيقاع المتواتر والسيروري.
لقد كان عرضه في نادي الصحافة بمراكش، خلال اللقاء الذي نظم بقاعة الشباب بالصويرة متألقا وقاصما لحجم موقعه، أولا كمفكر استثنائي، وثانيا كمخطط استراتيجي، في تخصص هش ومترامي المشاكل.

بعد وضعه للمقدمات، البنى الدالة على الموروث والماضي، وبعد التمحيص والبحث المستمر، والتأمل في ما سيكون عليه الحال ، يضع أميني الأيادي على الجروح، وبمعية فريقه الذي سهر على تكوينه وتطعيمه بمميزات النجاح والتفوق، سارع عالم الطبيعة إلى ترتيب البيت الداخلي وتقويض الكلاسية التي نهشت لحم الموات. وحرص على نقش التصاميم الكفيلة بسبر الأغوار وتمتين وإشراك المحفزين على العمل بروح نضالية مركزة ومواكبة للمعطيات والحقائق وما توفرت عليه الأيادي. وسرعان ما تنامت المبادرات وتشعبت حقول التجريب فيها. وكان الاحتفاء كبيرا عندما تم تحقيق الطفرة النوعية في مسائل تحتاج للجهد والعبقرية مثل الهدر المدرسي ومحو الأمية. وقد كانت للزيارات الميدانية التي قام بها الوفد الصحفي الصدى الطيب والقابلية الحميدة، حيث تم الوقوف مباشرة وفي عين الأمكنة على مجموعة إنجازات أفرحت عموم المستفيدين وأنارت دروب حدائقهم..

عمدة بلدية الموكادور سيدة ديبلوماسية

الشؤون البلدية تجمع كل ما يطوف ببال وخاطر القراء. إنها عصارة الرحلة كلها، ونصلها الذي يصل الأشياء بملحقاتها. حيث الصحة والمواصلات والبيئة والعمل المشحون بوقود التشابك ونظام الإدارة وتقنينات هنا وهناك.كل ذلك لم يكن خفيا على المحرك الدينامو السيدة الأولى في البيت البلدي المغربي أسماء الشعبي، إحدى سليلات الميلياردير ميلود الشعبي الذي يمتلك أكبر المقاولات في المملكة الشريفة. بل في مجموعة من بلدان العالم.

أسماء الشعبي المراة العصامية التي درست عن شيخها الأب الشعبي، ارتبط اسمها دوما بهذه المدينة الشاطئية الصغيرة. حيث ألهمتها سترة تقيها حر الرمال والرياح الشركية التي تحل أوقات الصيف والخريف. قدرتها العجيبة على الإقناع تجعلك للوهلة الأولى ترتبط بالواقع المعيش بالصويرة. آخر حكاياتها المليئة بالجسارة وحب الإيتيكيت، قصة المرأة الفرنسية الزائرة لمدينتها، وقعت بحفرة سها الأعوان في مصلحة التبليط عن سدها، ما استدعى نقلها بالسرعة العاجلة للمستشفى. قامت السيدة الأولى في البلدية بالعمل على توصيل سلة ورد مبهج للفرنسية إياها، مع خطاب يحمل في طياته الاعتذار الجميل والأسف على الحادث...
كتبت الصحافة عن الأمر واعتبرته شذرة من نفائس التواصل بين الزوار وممثلي الساكنة الصويرية.

وقريبا من هذا التأويل المبطن، كانت الجلسة مع البلدية مفيدة وهامة للغاية، إذ وفرت الشيء الكثير عن أسئلة ضلت عالقة إلى حين. حيث ارتقى عرض الدكتور عبد الصادق بنلفقيه النائب الثالث للسيدة الأولى لدرجة الإفصاح عن معاني سامية للإصلاح والتوافق والامتداد. فرغم المعيقات والمشاكل البنيوية الكبرى التي خلفتها المدد الكلاسية السابقة للشأن البلدي بالصويرة، فقد عمل الفريق الرئاسي طيلة مدة التسيير الأخيرة على الدفع بعجلة إنماء ونهضة مدينة كناوة بامتياز. فالسياحة مزدهرة والتشييد والبناء متواصل وتشجيع الاستثمارات لا يتوقف والثقافة مرتبطة عبر هذه السيرورة المتحركة، بشكل يدعو إلى الاطمئنان...
تطارح الدكتور بلفقيه بمعية الوفد الصحفي المراكشي مجموعة نقط ترتبط بالشأن المحلي. كاستراتيجية التصميم المديني، والعقار والسياسة العقارية للبلدية والبيئة وما يدور في مدارها. والثقافة وأهدافها البنيوية الهادفة إلى دعم الخط التنموي للمدينة. والمشاريع المرتبطة بالسكنى والساكنة. وقد كانت الأرقام والمعطيات التي توصلنا بها كافية لإشباع الرغبة في الحديث عن النموذج المديني بالدولة، وآليات التحضر والحضارة، ومستوى التواصل بين المدن العريقة في المغرب، منها الصويرة التي أحرزت مؤخرا على وسام دولي، يعترف بمرجعيتها الإنسانية وإرثها البشري العالمي...

رجوعا إلى جماعة الويدان: رشيد الدريوش يفك الألغاز

لابد من مجدد يعيد ترتيب البيت الداخلي لكل أمة. فالرجال يصنعون التاريخ ويعيدون الروح لأجساد نخرتها سيوف الحياة، حيث الصراع على أشده، من أجل البقاء. والمهندس رشيد الدريوش واحد من أولئك الذين أعادوا الحياة لجماعة قروية بكاملها، بعد أن تركت نهبا مدة سنوات عديدة.

دخلها فاتحا، بعد أن تجسمت في شكل هيكل عظمي أزاح عن مقامها الصفة التي كانت عليها، واستعادها لأقوامها الذين أنهكتهم رياح الصمت وبلاء الصدود. الويدان التي تقع في القلب النابض لولاية مراكش الحمراء، ذات الثمار الحلوة، من زيتون ورمان وحوامض وحبوب، تستقطب الآن مئات المستثمرين، لتفعيل المخطط الإرشاد الإداري الذي استوعبته بفعالية لا نظير لها ماكينة مهندس الأفكار، بعد اخذ ورد نتج عنه صحوة لإعادة تعميق التفكير في ما سيؤول إليه أمر الجماعة بالويدان، التي تركت تحت طائلة حق الاستبدال، بعد أن سدت من كل نواحيها آفاق استعادة صحتها. فهناك القروض التي تجاوزت المليوني درهم ونيف، جراء سوء التسيير والعبث بالمال العام. سياسة أفضت إلى إعادة التقويم والإصلاح، بنهج عمليات ديناميكية ، منها الاعتماد على الإمكانيات المتوفرة، وتوفير أقصى ما يمكن من المدخرات الذاتية للجماعة، من أجل تحقيق التوازن والسيرورة في الأداءوهو ما سيعمل على تفكيك البنى المتشعبة للإفلاس ، ويدفع بعجلات الويدان إلى فتح مستقبل أفضل للساكنة هذا المثال الوطني الفذ يستحق كل التنويه والافتخار، وهو عنقود حديثنا في الرحلة من الصويرة إلى الويدان،حيث تتمظهر كل أشكال التعميم الإداري وخلق الرؤية الواقعية للعمل المجدي. المهم أن ثمة ما يؤهل الناس الشرفاء إلى لعب أدوار عظيمة في حياة العامة من أبناء الشعب. وهو مرمى يسجه التاريخ من أبواب تكتب بمياه الذهب.

رجال يتشابهون بقلوبهم، يصدحون بمعاني الحياة...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى