الخميس ٥ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم جميلة شحادة

ورود أمير

من منا لا يحب الورود؟!

معظمنا يعشقها؛ يعشق أريجها، ويعشق شكلها، ومنظر تفتحها، بل وينسى همومه، ويبتهج عندما يراها بمختلف ألوانها وأنواعها؛ فكيف إذا كانت هذه الورود، ورود أمير؟!

ها هي الشمس تلملم خيوطها الذهبية لترحل الى مخبئها، الى ما وراء البحار، أو الى ما وراء التلال القابعة غرب شرفة بيتي. لا أعرف مخبأها بالضبط! بل أشكُّ بوجود مخبأ لها ترحل اليه، بانقضاء كل نهار؛ قد نكون نحن، مَن يرحل عنها، ويغادر موقعها؛ لكن رواياتنا الأدبية لا تعترف بذلك؛ فهي تحب رحيل الشمس، لتفيض القلوب بمشاعر الشجن، وتهلل لعودتها، لتغمر النفوس بالأمل. على أي حال، لا يهمني الى أين ترحل الشمس؛ وإنما ما يعنيني ويثير في نفسي الشجن، هو رحيلها.

وأعود لذاتي وأسألها: لماذا أفكر الآن في رحيل الشمس؟ لماذا يحزنني هذا الرحيل؟ ألأن عاما قد انقضى من عمري في هذا اليوم؟ فليكن؛ فأنا لا اكترثُ لحسابات الكلدانيين او السومريين؛ لذا، لا يهمُني كم مرة سرتُ حول الشمس، او سار حوليَ القمر؛ ما يهمني، هو ذاك اليوم العاصف، القارس البرودة وحالك اللون، حيث بكت فيه السماء فسالت دموعها مدرارا، وعصفت الريح مزمجرة فاقتلعت الأمنيات من مخادعها؛ واما دموع السماء، فما كانت تأثرا بصرختي يوم ميلادي؛ بل تعاطفا مع سوء الطالعِ؛ واما زمجرة الريح؛ فما كانت قرعا لطبول الفرح استقبالا لصرختي؛ وانما غضبا، اذ خبِرتْ ما سيكون لاحقا من مدى قدرة التحدي لها عندي.

ويرن هاتفي؛ أتجاهل صراخه، وأتابع رحيل الشمس، وأتأمل غروبها عبر زجاج نافذتي؛ لكن الرنين يأبى التوقف؛ فيرغمني على أن ألبي نداءه.

 ألو، مرحبا.

 مرحبا؛ مُرسَل لكِ باقة ورد؛ هل أنتِ في البيت؟

 عفوا، مع مَن أتحدث؟

 أنا من شركة حيتس*؛ ما هو عنوان بيتكِ بالضبط لو سمحتِ؟

 عفوا؛ من المُرسِل؟

 لا أعرف! لكن هناك بطاقة، مرفقة بباقة الورد باسم المُرسِل.

وما أن تمضي ربع ساعة من الزمن؛ حتى أتسلم الإرسالية من الموظفٍ الذي يعمل في شركةٍ حيتس لخدمات التوصيل في الناصرة.

ما أجملها من إرسالية! طاقة من الزهر، تفنّن منسقها في تنسيقها، واهتم بأن تبدو أكثر جمالا بتنوع الألوان والأصناف؛ وقد أرفق معها بطاقة، كُتب عليها النص التالي: "أهديكِ أجمل باقة ورد، وأقول لكِ: أنتِ تحتلين مساحة من فكري". المُرسل، أمير، الناصرة.

 من يكون أمير هذا؟ قلتُ لنفسي.

- متى عرفني؟

 وكيف؟ وأين؟ و...

تزاحمتْ الإسئلة في رأسي، واحتلت الظنون مساحة من فكري، وشغلتني لأكثر من يوم؛ لكن دون جدوى؛ فلم أتوصل الى من هو مرسل الورد.

تكرر الحدث بعد سنة، بذات التاريخ، وذات الساعة؛ لكني هذه المرة رفضتُ أن أتسلم الورد من الأمير المجهول، وأصرّيتُ على رفض تسلمه، ما لم أعرف من هو المُرسِل؟

 لا بد أن بحوزتك رقم هاتف المرسل. قلت لموظف شركة التوصيل، وتابعت قائلة له:

 أخبره أني أرفض تسلم الورد.

وأمام إصراري هذا، استجاب الموظف لطلبي، وهاتف أمير، مرسل الورود؛ فتسلل عبر الهاتف صوت أنثوي ناعم يفيض رقة، استطعت بعد سماعي للجملة الأولى، بأن أتعرف على صاحبته؛ إنها مها، صديقتي التي فرّق بيني وبينها، قبل ثلاثة أعوام، خلاف أقل ما يقال عنه، تافه؛ ولا شأن للشيطان به، كما ادعى الأصدقاء، واتهموه زورا وبهتانا؛ أما أمير؛ فهو من جعل صديقتي مها، تفيض بمشاعر الأمومة، وهو مَن لوّن حياتها وحياة زوجها بكل ألوان الفرح منذ ثلاث سنين.

* حيتس، كلمة عبرية، تعني السهم بالعربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى