الأربعاء ٨ آب (أغسطس) ٢٠١٨
بقلم جورج سلوم

المعالجة بطريقة (نادو )!!

هذه القصة حقيقية وليست من نسج الخيال.. وفيها بعض التصرّف بطلتها ناديا وهذا اسمها..ولقبها (نادو) لكلّ من يناديها

أبدأ قصتي بالإعتراف بتصرّفٍ قد يكون لا أخلاقياً.. لكنه حدث بمحض الصدفة.. فمنذ عشر سنوات تقريباً حدثت موجة لتركيب كاميرات المراقبة في كل مكان.. على بابكَ وفي فندقك ومطعمك.. وبدأتَ تسجّل كل شيء... حتى أن البعض ركّب كاميراتٍ خفية في بيته وسيارته.. وأجهزة تنصّت على هاتف المنزل

وكنت ممّن ركِبوا تلك الموجة.. فوضعت آلة تصوير خفية للمراقبة في غرفة الانتظار في عيادتي الخاصة.. تعطيني فكرة عما يجري خارجاً.. من عدد المرضى المنتظرين وحتى نوعهم عمراً وشكلاً.. وكان جميلاً أن تأخذ فكرة مسبقة عن المريض الداخل إليك قبل دخوله

وبعد فترة ليست بالوجيزة اكتشفت بالصدفة أنّ التسجيلات المصورة.. تسجّل الصوت أيضاً..
وما زلت أعترف بأنني بدأت أستمتع بمراقبة المرضى المنتظرين.. وحتى الاستماع لاحقاً إلى أحاديثهم المسجّلة.. وكلٌّ يحكي للآخرين عن تجربته مع المرض بكثير من المبالغة.. وكان البعض ينعتني نعوتاً أفقية وأخرى عمودية.. والبعض يصف زملاءَ لي من الأطباء أوصافاً غريبة
ولا زلت أعترف بأنني كنت أعطي مواعيداً متناقضة للمرضى.. كأن تعطي موعداً في السادسة مساء لثلاثة مرضى معاً.. فيجتمعون بوقت واحد تقريباً ويختلفون.. ويقول كل منهم إن السادسة هي دوره ويحلفون بالله.. ويعلو الهرج والمرج في غرفة الانتظار بين ثلاثة مرضى فقط ومرافقيهم ومواطنونا يحبّون الجدال.. حتى لتظن أنّ مظاهرة ستحدث.. وتتفرج أنت على شاشة مراقبتك وتستمع لما يجري من غرفة معاينتك.. وتستغرب أن أحدهم قد يمسك بالباب مانعاً حتى ذبابة من الدخول.. إنه دوره.. وعدد المرضى ثلاثة فقط!!

وطبعاً هذا لا يجري مع مرضى مُتعَبين أو حالتهم مستعجلة.. فأولئك يراجعون المشفى مباشرة وشيئاً فشيئاً وبوجود آلة المراقبة استغنيت عن خدمات ممرضة العيادة.. لأنها استهجنت تلك الطريقة في المواعيد واستنكرت طريقة المراقبة واعتبرتها موجّهة ضدّها شخصياً.. وأصبحت العيادة تعمل فقط بالمواعيد المُسبَقة على الهاتف.. والاتصال يتم معي مباشرة

أما المريض الإسعافي فلا موعد له ويراجع المشفى رأساً..ودوام العيادة تقلّص إلى ساعتين فقط من السادسة إلى الثامنة مساء بعدها صرت أعطي المواعيد حسب شكوى المريض.. فمرضى الدوالي لهم يوم وغالبيتهم نساء وكان لذلك التصرف ردود فعل إيجابية لديهن.. ومرضى نقص التروية لهم يوم.. وهكذا.. ومرضى الضعف الجنسي لهم يوم الخميس.. ولاحظت أنهم يفضلون ذلك إذ أن الطيور على أشكالها تقع.. لن أطيل ولنرجع إلى (نادو ).. اسمها يتكرر على ألسنة مرضى يوم الخميس عندما يشكون لبعضهم..كما تتكرر عندهم لفظة (فياغرا)
ومرضى الخميس رجالٌ فقط أعمارهم متقاربة ستينية.. ولهم أشكال متشابهة كعجائز مصبوغي الشعر أو بقايا الشعر.. ومصبوغي الشوارب..ويكون شاربهم كبيراً عادة ومُعتنى به بشكل واضح

إن بدأتَ بمعاينة أحدهم.. والمعاينة هنا طويلة وتستدعي الاستماع بالتفاصيل لشكوى المريض.. تكون آلة المراقبة تسجّل بالصوت والصورة أحاديث مريضين أو ثلاثة ينتظرون خارجاً.. يفتحون قلوبهم لبعضهم فهم واقعون بنفس الحفرة.. ويتعلمون من بعضهم (وصفات) الشيوخ وبعض المشعوذين عن فنون الباه وعودة الشيخ إلى صباه..ونواضر الأيك في علوم النيك.. والعجيب في علم القضيب!

وبدأت أداوم في العيادة صباح الجمعة للاستماع والاستمتاع والتحليل لقصص مسجّلة قد يُذكر اسمي فيها كثيراً..

وأسماء الكثير من الأطباء الزملاء قذفاً أومدحاً أو قدحاً أو ذماً.. فإن كان المريض مازال مراجعاً للأطباء فهذا يعني أنه لم يتحسن.. وبالتالي لا يزال يشكو طبيبه ودواءه وزوجته أو خليلته وحتى الماء الذي يشربه.. وأولئك المرضى لا يبخلون بالمال والوقت لمعالجة ضعفهم الجنسي.. ويزورون ويلفون ويدورون حول محور حياتهم المتراخي وهو الجنس.. ليس للإشباع وإنما للإغراق.. أولئك المرضى (وهم ليسوا بمرضى) لن يشفون أبداً.. لأنهم يريدونه قوّاماً لا يحتاج إلى استقامة (أي لا يحتاج لمن يقيمه )!

هل شاهدت شهيداً من شهداء الفياغرا؟

تعرفه من سحنته قبل أن يلفظ أنفاسه.. من وجهه المحتقن وعيونه الحمراء وشفاهه الميالة للأزرق وأذنيه المصبوغتين بالأرجوان..

قلت لهم:

 لماذا تتعذبون في سعيكم وراء استقامته؟.. استقيموا في دينكم ودنياكم تربحون الجنة..وهناك تمنحون قوة ألف رجل!

لكنهم لا يستأخرون.. إذ أنّ (نادو) كانت لهم بالمرصاد
تكرّر اسمها كثيراًعلى ألسنتهم.. وكنت أظنّها دواء جديداً لا أعرفه.. ومن سياق الأحاديث عرفت أنها امرأة

وكان الجميع يراجعونها ولو مرة في سياق رحلتهم العلاجية.. وقيل أنها عالجت الكثيرين وشفيوا.. وقيل وقيل الكثير عن عجائب (نادو) العلاجية.. وسألت أحدهم ممن أعجزوني.. وعجزت عن الإعجاز في عجزه..وكان عجوزاً ويبحث عن معجزة:

 وماذا قالت لك (نادو)؟

لم يخجل..وكأنها معهدٌ أوروبي يتفاخرون بمراجعته.. بل ضرب عكازه في الأرض بثقة.. وقال:
 (ناديا ).. أفضل وأصدق منكم جميعاً معشر الأطباء.. بل وأكرم
تناديها فتأتيك.. ولذا لقّبناها (نادو) كإسمٍ حركي لأنها تلبّي النداء.. تحاول علاجك بإمكانياتها وفنونها السحرية.. وإن عجِزَت وأعجزْتَها تمسح عرقك المتصبّب وتطيّب خاطرك.. تحافظ على ماء وجهك كامرأة مثالية نادرة.. ولا تقبض مالاً محدداً ولا تعريفة نقابية.. أنت تكرمها إكراماً وترى نفسك تجود عليها..

يكفي أن تقول لك..لا داعي الآن للعذاب بمعنى ارحم نفسك.. تقول ذلك وأنت في حضنها كالطفل الباكي الذي انكسرت لعبته.. وتعدك بإصلاح اللعبة لاحقاً في جلسة علاجية أخرى
أما أنت وزملاؤك (الأطباء ) فمازلتم تجرّبون بنا تجاربكم.. حقنكم مؤلمة وأجهزتكم كهربائية.. وعيونكم قاسية بل وساخرة.. وتعِدون بالآمال الكاذبة.. حتى كلماتكم تقبضون ثمنها ولا فائدة
(نادو).. لا تسأل مريضها عن عمره..ولا تسخر من رجلٍ تسعينيّ إن ناداها.. لا تمنعنا عن التدخين والكحول بل تشرب معنا.. لا تخيفنا من أمراض القلب ولا تسحب دماءنا للتحاليل.. قد تأكل العسل معنا.. ولا تخيفنا من عقابيل السكري إن فتحَتْ حقيبتها الجلدية الحمراء انبعثت منها رائحة العطر المثير.. وتهديك منها قطع الحلوى اللذيذة.. أما أنت فحقيبتك سوداء وهداياك حقنٌ واخزة ووصفات ورقية أغلى من أوراق النقود ذاتها (نادو).. نحن نعطيها مواعيداً وتزورنا في ليالي السمر..وأنتم تضربون لنا مواعيداً على أهوائكم (نادو ).. تتعرّى لتعالجنا.. وأنتم تعرّوننا
لا ترتدي قفازات مطاطية لتفحص أعضاءنا..تفحصها بنَهم..لا تقرف من أجسادنا ورائحتنا كما تفعلون

وهكذا تركته يصف محاسنها وهو على سرير المعاينة.. وكأنه استرخى أمام طبيب نفسي وبدأ باعترافاتٍ وتخيلات مجنّحة.. وكنت أكتب له وصفة طبية وأدوية أجنبية متنوعة
قبل أن يلقي تحية الخروج.. قال ساخراً:

 لن أشتري الدواء هذه المرة.. سأنقع ورقتك بالماء.. وأغليها وأشرب ماءها.. كما طلب مني أحد الشيوخ

عرفت أن هذا المريض لن يعود.. إما لأن جرعات الفياغرا الفوضوية قد قتلته سراً.. أو لأنني سألته عن (نادو)!!..

بقي لي في النهاية فضولٌ وفضولْ.. أن أتعرّف بها..

قد أطلبها إسعافياً في يومٍ ما.. لتعالجني

وبعدها سأعود..وأعود إليكم لأحدّثكم طويلاً.. وطويلاً جداً عن (نادو) وفنونها في العلاج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى