الأحد ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٨

السرطان مش حكم إعدام

سجى عواد‎

الساعة الثالثة عصرا حسب توقيت مدينتي، كنت أسير في الطرقات وحيدة تائهة، بعد مغادرتي المستشفى،كان حزني ينخر جسدي نخرا، كان اليأس قد سيطر على شتى أفكاري، وقلبي!قلبي تجرع حسرة ووجع والخوف داخل قلبي قد استوطن،من بعد مجرد تحليل قمت بإجرائه،غيرَ مجرى حياتي خلال خمس ثوان، تحليل يتضمن داخل سطوره ان بداخل أحشاء جسدي ورم،يختلف عن جميع الأورام،ورم بداخل جهازي التناسلي،سوف يحكم عليه بالحرمان من أن أسمع كلمة أمي طوال سنين حياتي،الكلمة التي تحلم بها كل فتاة،
الآن حرمت منها.

التقطت هاتفي وكان رقمه هو أول رقم على قائمة السجلات،لم ألبث ثوان الا و قد أجاب على اتصالي،لم استطع ان انطق ببنت شفه،لم يكن يسمع مني سوى البكاء فقط

 نجمة؟

نجمة:انا احتاج اليك

يامن:اين انتِ؟

نجمة:جالسة عند تلك الشجرة التي جمعتنا أول مرة

يامن:انا قادم

لم أستطع ان اتكلم و الصمت كان سيد المكان،سلمته ورقة التحليل،وقرأها،نظر الى عيوني بضع ثوانٍ يامن: سوف يكون كل شيء على ما يرام،امسك بيدي واوصلني حيث أقطن مع والداي حتى آخذ قسطا من الراحة.

الأمر الأشد إيلاما برودة أعصابه،التي حطمت لهفة أن احتضنه وأبكي على كتفه لعل وعسى أن أشعر بقليل من الأمان وسط ذلك الخوف المستعمر قلبي.

في إحدى الليالي حيث كنت جالسة على شرفة منزلنا،وصلني إشعار رسالة هاتفية،رسالة راهنت الجميع أنها لن تصل الى هاتفي،لكن في هذه الليلة امام هذا الرهان الكبير انا خسرت،هذه الرسالة كسرت قلبا وهدت أملا كان ينمو بداخلي.

نص الرسالة:(غدا يوم زفافي،انا اعتذرة انتي لا تصلحي ان تكونين زوجة ).

لم أصدق ما قرات،تفحصت اسم المرسل مئة مرة،لكن عبث،التقطت الهاتف مرة اخرى لأرسل له لكن قبل ذلك،خبأت وجعي كسري صعفي ودموعى تحت وسادتي وكتبت:(سأكون اول الحاضرين).

استيقظت في الصباح التالي على أمل ان يكون هذا كابوسا مضى وانتهى،قرأت الرسالة مرة أخرى،لكنها حقيقة مرة كالعلقم سوف اتذوقها.

قلت في نفسي ما هو ذنبي؟
ما هو ذنبي اذا داهم المرض جسدي!
ربما له الحق في ذلك،ومن يتزوج بإمرأة لن تنجب له طفلا يحمل إسمه،لكن كيف؟
كيف استطاع ان يتركني ويتزوج بأخرى؟ اين الوعود التي قطعها؟أين ذلك الحب الذي جعله يسهر ليال متواصلة ليكسب قلبي؟

ارتديت ثوبي الأسود،وقلادة أهداني إياها في يوم ميلادي،وضعت القليل من الكحل وأحمر الشفاه،ذهبت إلى الزفاف بكامل زينتي،
زينة لم يعتاد على أن يراني بها من قبل،اقتربت منه،دموعي خبأتها،كلمات الحب والعتب أخفيتها،كادت رجفة يدي أن تفضح ضعفي،لكن بالرغم من ذلك كانت أكثر لحظة أظهر بها قوية أمامه،إقتربت منه أكثر فأكثر،وقلت له:مغفل أنت كثيرا،مغفل أنت لو ظننت أنني سوف أبكي لفراقك،منذ أول مرة التقيتك بها وأنت الرابح،ولكن اليوم وفي تلك اللحظة بالتحديد،أتى دورك لتخسر،هنيئا لك ما اخترت.

سرت فور إنهاء جملتي الأخير دون السماح له بالكلام،مضيت دون أن التفت له مرة أخرى،تخلصت من ضعفي وحزني،والقلادة عند حافة قدمه على الأرض رميتها.

الطبيب:علينا أن ننهي العلاج بالأدوية ومن ثم نبدأ بالعلاج الكيماوي والأشعة،يجب أن نمنع إنتشاره في الخلايا الأخرى.

ربما كان خوفي أكثر من الألم الذي أشعر به،خوفي من كلام الناس عن هذا المرض،خوفي من أخذ جرعة كيماوي،من كل حقنة سوف تدخل إلى جسدي،شعري الذي سيسقط شعرة تلو الأخرى،بعد معانتي ليصبح شعرا كثيفا طويلا،وملامح وجهي التي ستتغير.

خلال لحظة شعرت أن أبواب الدنيا أغلقت أمامي.

بعد إنهاء العلاج بالادوية حان موعد البدء بالكيماوي،كان قلبي يدق في الثانية مئة مرة،كان داخلي يعتصر عصرا.

ذهبت إلى المستشفى برفقة صديقتي التي لطالما بقيت بجانبي دائما في السراء والضراء،هناك التقيت بطفل صغير،شعرت أن جسدي انتفض بالكامل حين رأيته بلا شعر رأس،ظننت أنه سوف يبكي بعد الكيماوي،لكن الصدمة كانت حين رأيته يضحك،سرت خطوتين باتجاه الطفل سرعان ما تراجعت، وعدت إلى مكاني،لكن امه قد لاحظت ذلك،اقتربت نحوي
أم الطفل: ألف سلامة
(قلت لها والدمعة بعيني ): شكرا
الطفل:هل أنتي خائفة من العلاج؟ او من السرطان؟
نجمة: لا،ولكن
الطفل:السرطان أشبه بحشرة صغيرة،نأخذ العلاج المناسب لنقضى عليها،تماما كالحشرة التي تدخل المنزل،نستخدم لها مبيدا حشريا وينتهي الأمر،اما السرطان نستخدم له مبيدا ألا وهو الكيماوي،كاد السرطان ان يمزق كامل جسدي لكن الان وبفضل الطبيب أصبحت في أفضل حال.

لا أعلم كيف حضنته،طفل بعمر العشر سنوات يسمعني هذا الكلام،انا التي أبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً.

هذا الطفل أهداني جرعة أمل كبيرة،وحين دخلت إلى الطبيب قال نفس الكلام،حينها علمت من أين لهذا الطفل مثل هذا الكلام الجميل.

بعد أخذ اول جرعة كيماوي،حين عدت إلى المنزل،كنت اشبه بإنسان ميت،كل شيء بداخلي ميت،الكيماوي مادة حارقة،فما بالكم عندما يسير بعروق ودم إنسان، حتى لم أستطع أن انظر إلى المصل حين وضعه الطبيب.

حين كنت بالسيارة العمومية وانا عائدة إلى المنزل سمعت آية قرآن (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)،شعرت أن هذه الآية عبارة عن رسالة من الله،رسالة حتى أصبر على ما أنا فيه.

حضنت أمي بقوة،كطفلة صغيرة تنتظر بصيص أمل لتفرح.

في كل يوم كنت أذهب إلى المستشفى،كل يوم مواعيد طبيب وفحوصات متواصلة،كل يوم أجلس مع المرضى في ممر المستشفى، والجميع يسرد قصته.

نجمة (لإحدى المريضات إسمها مريم):كيف تستطيعين أن تكوني بتلك القوة؟
مريم: إذا أردتي أن تكوني ضحية السرطان حينها سوف تسلمي نفسك كاملا للمرض،وتدخلين بحالات إكتئاب نفسي وحزن ويزداد المرض،السرطان ليس حكم إعدام،ليس حكم مؤبد واستسلام للموت،السرطان تحدي،إن تحديته ووضعت يقينك بالله سوف تشفى بإذن الله الواحد الأحد.

(إحدى المريضات ):انا كان السرطان قد وصل عندي إلى الفقرة الحادية عشر،وعند عنقي أيضا،في البداية إستسلمت وشعرت أن موعد موتي قد شارف،حزنت على زوجي وأطفالي،كانت تزداد حالتي سوءاً لأن عقلي كان متيقن أن لا محال سوى الموت،لكن الأن انا ضد كل شخص يستسلم لهذا المرض،لا أحد يتوفى إلا عندما يريد الله له ذلك،سوى من السرطان أو أي سبب آخر،لا تيأسي،فوضي أمرك لله فقط.

من بعد هذا الكلام،بعد ما رأيت أن هناك حالات يتعافى بها الناس،أصبحت أذهب كل يوم إلى المستشفى بنشاط جديد، ومع كل جرعة كيماوي أشعر أنني سوف أتحسن في الأيام القادمة.

الممرض:هل أنتِ جاهزة؟
نجمة: نعم

خرجت من غرفة العلاج،وإذ بشابٍ ممسك بيد خطيبته،محاولا رسم الضحكة على وجنتيها بالرغم من ملامح وجهها المتعبة بالرغم من المرض الذي يأكل جسدها،تذكرت يامن كيف تركني مجرد ما علم بأمر المرض.

لم أستطع أن اتوازن،
الممرض:من فضلك ارتاحي هنا يبدو أنك متعبة للغاية.
نجمة:انا بخير
الممرض:لا تكابري،سوف أخبر الطبيب في الحال
نجمة:قلت لك لا،أنا قوية ولا أحتاج المساعدة من أحد
الممرض حدق بها وبالطريقة التي تتكلم بها وبتلك القوة
الممرض:نعم اعلم انك قوية ولكن انتي الأن أخذتي جرعة كيماوي وأنتي بحاجة لمن يساعدك
نجمة:صديقتي في الطريق

عدت إلى المنزل ومشهد الشاب والصبية مازال في مخيلتي،لا أعلم كيف سأسيطر على المشاعر الموجودة بداخلي،كيف سأخفي حنيني إليه،تذكرت كل شيء جمع بيني وبينه،كلامه الجميل،اهتمامه بي،كان بداخلي قلب بحاجة إلى نصفه الاخر،كانت هناك مدة ليست بقصيرة على فراقنا،وكرامتي كانت منتصرة على اشتياقي،لكن بلحظة ضعف،كسرت كل مبادئي،وكل حواجز كبريائي،التقطت هاتفي وهاتفته،كانت بداخلي لهفة كبيرة لأسمع صوته
يامن:من المتصل؟

توقعت كل شيء منه إلا أن يحذف رقمي أو أن ينسى صوتي.

نجمة:أنا أكثر إنسانة أحببتك،وأكثر إنسانة غدرت بها،أنا أكثر إنسانة ضحت وعانت من أجلك،وأكثر إنسانة ضحيت بها،لا أعلم إذا تذكتني أم لا؟
يامن:كيف هي أمورك؟
نجمة:كيف سأكون وقلبي بعيدا عني
يامن:انتبهي على نفسك و لا تتذكري الماضي
صمت قليلا
يامن:اين ذهبتي؟
نجمة:أعتذر أظن الرقم خطأ،نعم نعم الرقم خطأ.

في منتصف الليل شعرت بحرارة داخل جسدي كادت أن تخنق أنفاسي،لهيب بداخل أحشائي دفع النوم بعيدا عني،صرت ألهث حتى أعيد نفسي الضائع.

ارتديت أسدال الصلاة وخرجت إلى الشرفة،شربت القليل من الحليب البارد حتى يطفئ الشعلة الملتهبة بصدري،لم أكن أعلم أنه سوف يهيج الحرقة أكثر.

وفجأة وضعت يدا على كتفي
نجمة:ابي؟
السيد سعيد:هل أنتِ بخير؟

خبأت دموعي وشكرت الله على ضعف الإضائة ولم يرى دموعي.

نجمة:أنا بخير،أردت أن اشرب كاسا من الحليب،لا تخف انا بخير يا أبي الحنون
السيد سعيد:حسنا أنهي الكأس واخلدي للنوم حتى تأخذي قسطا من الراحة.

كنت اسير وسط ساحة المستشفى إذ بشاب يسقط أرضا فجأة،ركضت نحوه على الفور،
نجمة:اخبرو الممرضين بسرعة

كان نفسه غير منتظم ودقات قلبه شبه معدومة،
قمت بإجراء CPR بسرعة،خوفا من أن يدخل بسكتة قلبية،كان الممرص يعقوب يجري نحونا،وفجأة لمحني وأنا أجري CPR.

يعقوب في نفسه:المصل معلق في يدها وهي مريضة وتساعد غيرها!

يعقوب:ماذا تفعلين؟ابتعدي هيا أنت مريضة.
نجمة:يعقوب ساعدني رجاء هيا الشاب في خطر
يعقوب:حسنا قومي بالعمل على مضخة الهواء وانا أجري له مساجا لعضلة القلب،هيا هيا
نجمة:ارفعوه على السرير هيا
يعقوب:هيا اذهبي انتي والا سوف ينغك المصل من يدك

وما هي إلا بضع ثوان وبعدها لا أذكر شيئا.

استيقظت وإذ بيعقوب فوق راسي
يعقوب:هل انت بخير؟
نجمة:نعم
يعقوب:مئة مرة أخبرك الطبيب أنه يجب ان تحافظي على راحتك لماذا لا تسمعين الكلام!
نجمة:وهل اتركه يموت امامي
يعقوب:وأنت؟
نجمة:هو ليس مريض سرطان سوف يشغى أما انا لا
يعقوب:لا اريد هذا الهراء،سوف تعودين نجمة القوية ولن يتبقى للمرض أي اثر
نجمة:ان شاء الله
يعقوب:كيف استطعتي أن تفتحي مجرى تنفس للشاب؟
نجمة:أنا ممرضة
يعقوب:انت فتاة قوية للغاية بإذن الله سوف تصبحين في افضل حال ونعمل معا
نجمة:إن شاء الله
يعقوب:استمعي لي قليلا ومن ثم كأن شيئا لم يكن هكذا دائما

ضحكت قليلا وقلت له:حسنا حسنا

يعقوب (لأحد الممرضين ): هل ترى هذه الفتاة،منذ ان رايتها أول مرة،قد ارتاح قلبي لها
الممرض:ماذا يعني هل تحبها؟
يعقوب:ربما
اردف قائلا:بداخلها شيء جميل،تارة تراها طفلة بريئة،وتارة أخرى تكون فتاة قوية،أفرح حين اراها واشتاق لرؤياها
الممرض:اذا انت تحبها بالتأكيد
الطبيب:ممرضين هيا إلى الطوارئ بسرعة بسرعة هيا

نجمة:أمي ماذا تفعلين؟
السيدة نسرين:نجمة لقد طهوت لك أكلتك المفضلة هيا تعالي
نجمة:أمي شكرا شكرا،كم احبك واحب هذه الأكلة (ورق عنب)
السيدة نسرين:هيا تناولي طعامك يا طفلتي المدللة

تناولت قليلا ثم لم أستطع أن أتناول أكثر،لم أستطع أن استذوق طعمه،شعرت وكأن حاسة التذوق معدومة بسبب الكيماوي.

خلال هذا الاسبوع لمن يكن لدي اي جلسات علاج او فحوصات،كنت جالسة اشاهد التلفاز وفجاة طرق الباب،وضعت اسدال الصلاة وفتحت الباب.

نجمة:يعقوب؟
يعقوب:هل نستطيع ان نتكلم قليلا؟
نجمة:اعتذر لا احد في المنزل
يعقوب:نجلس هنا اذا اردتي؟
نجمة:حسنا
يعقوب:اردت أن اطمئن عليكي
نجمة:هذا الاسبوع لا يوجد جلسات لي
يعقوب:اعلم،وأردت أن اعطي لك هذا الظرف
نجمة:ما هذا؟
يعقوب:خلطة أعشاب،تقومين كل يوم بغليها و شربها على معدة خاوية
نجمة:إن شاء الله،ولكن أريد ان اسال سؤال؟!
يعقوب:تفضلي
نجمة:هل تهتم هكذا بجميع المرضى
يعقوب:لا
نجمة:لماذا تهتم لأمري إذا؟
يعقوب:لا اعلم
نجمة:وضح لي؟
يعقوب:اشربي الخلطة واستمعي الى الكلام يا مشاغبة،هيا ادخلي البيت بسرعة بسرعة،سوف أذهب أنا
نجمة:انتظر قليلا
يعقوب وهو يضحك:سلام
نجمة:سلام

هذا الممرض كان يخفف عني آلاما كثيرة ويساندني،كان يرسم البسمة دائما على وجهي،ويقلع كل شوكة حزن بداخلي،ويزرع بداخل قلبي السعادة والقوة،معه كنت أنسى كل شيء.

بعد عدة اشهر أصبحت علاقي مع يعقوب قوية للغاية،هي صداقة أم حب لا أعلم؟
لكن الشيء الوحيد الذي كنت اعلمه أن وجوده في حياتي شيء إلزامي.

وفي أحد الايام حيث كنت جالسة في غرفتي
السيدة نسرين:نجمة،ارتدي ملابس جيدة وانزلي الى غرفة الاستقبال
نجمة:لماذا؟
السيدة نسرين:هيا بسرعة

ارتديت ملابسي وتوجهت نحو غرفة الاستقبال،كانت مفاجاة لي حين رأيت يعقوب وامه وأبيه يجلسان مقابل أمي وأبي،طرحت السلام عليهم وقامت امه بتقبيلي
طلب يعقوب أن نجلس قليلا معا،على إعتبار أننا لا نعرف بعضنا البعض من قبل.

نجمة:لماذا تعذب بي؟لماذا؟
يعقوب:أنا لا أعذبك،انا احبك واردت أن تكوني زوجة لي؟
نجمة:انت لا تحبني،انت مشفق عليه لا أكثر
يعقةب:أشفق على من؟ على فتاة أنحني أمام قوتها؟
نجنة:هل تريد فتاة سوف يتم استئصال رحمها بعد شهر؟فتاة سلب السرطان منها شعرها؟فتاة لا تستذوق طعم الأكل؟فتاة لن تنجب لك أطفال؟
يعقوب:نعم انا متيم بتلك الفتاة ولا أريد فتاة غيرها
نجمة:سوف تتألم كثيرا بسببي
يعقوب:يشرفني أن اتالم بسببك
نجمة:لن اسمح لك بهذا
يعقوب:من قال أنني اريد الإذن منك،انا هنا حتى اخبرك انك سوف تصبحين زوحتي قربيا لا أكثر وأمامك خيارين
نجمة:ما هما؟
يعقوب:أن تقبلي بهذا الزواج،أو ان تصبحي زوجتي؟
اردف قائلا:الخيار لك أنا لا اجبر أحدا على شيء
ضحكت قليلا:هكذا إذا
يعقوب:نعم هكذا

بعد أسبوعين قمنا بتجهيز اوراق عقد القران ولكن لن نقوم بالإحتفال ودعوة الكثير من الناس حتى أقوم بإجراء العملية.

نجمة:انا خائفة جدا امي لا أربد أن اموت لا اريد
السيدة نسرين:لا تخافي يا قرة عيني سوف تكونين بخير
الممرضة:الآن سوف نذهب لتتجهزي لإجراء العملية
نجمة (وأنا ابكي ):لا أريد الموت لا لا

رقم غريب يتصل إلى هاتفي
يعقوب:من المتصل؟
يامن:أريد أن اتكم مع نجمة
يعقوب:نحمة الان في العملية،من انت؟
يامن:عملية؟ نجمة؟كيف؟ليش؟ما اسم المستشفى؟
يعقوب:من انت؟ما علاقتك بها؟

انقطع الاتصال.

استعدت وعيي،فوجدت أمامي شخصين،الأول انسان أحببته وخذلني،والآخر احبني واسعدني،قلبي كاد ان يقف.

يامن:نجمة،يا حبيبتي سوف تكونين بخير
كنت انظر الى ردة فعل يعقوب،كان يقف في زاوية الغرفة دون ان ينطق ببنت شفه.

يامن:ارجوكي سامحيني انا احبك لم استطتع بدونك

استجمعت قواي وكنت سوف اخرج من تلك الغرفة،لكنه مسك يدي وركع امامي.

نجمة:على ماذا اسامحك؟على الليالي التي سهرت فيها وجعا وألما لغيابك؟هل أسامحك لأنك تركتني وانا في امس الحاجة لك؟هل ترى هذا الشاب؟هذا من ضمد جروحي التي زرعتها بداخلي،الحب الموجود بقلبي سوف يسكن بداخلك بعد وفاتي،أقسم لك بدموعي التي سقطت بسببك،و قلبي الذي حرقته،سوف أجعلك تذوق نفس الالم،اقسم لك بحبي وقلبي الذي روحه تخرج منه،لأجعل روحه تعشش فيك وتسكن خلايا جسدك،ما ذنبي؟ ذنبي أنني احببتك عشقتك وضحيت من اجلك؟

قام يعقوب بإخراجه من الغرفة،وساعدني لأستلقي على السرير.

جلست في المستشفى أسبوعا من أجل المراقبة.

كنت اقف أمام المرآة،خلعت الشال عن راسي،لأجد إنسانة لا اعلم من هي،إنسانة بلا شعر رأس بلا حواجب بلا رموش،صابتني هستيريا ضحك.
وفجأة دخل يعقوب،رآني في هذا المنظر،حدق بي لبرهة،ثم ركض نحوي يحتضنني.

يعقوب:إهدأي يا عمري إهدأي
نجمة(وانا ابكي):أبدو كعجوز،ملامحي باهتة
يعقوب:بعد انهاء العلاج سوف يعود كل شيء كم كان وأفضل،وسنقيم أجمل حفلة زفاف
نجمة:لا اريد اتركني يا يعقوب،انت تستحق فتاة افضل مني
يعقوب:لا اريد هذا الكلام مرة اخرى،انت نجمتي التي تضيء حياتي وحبيبتي وكل شيء جميل.

خرجت من المستشفى وعدت إلى المنزل،جميع أقربائي جاؤوا من أجل زيارتي،ثم بعد يومين حيث كنت اقرأ كتابا،أتت صديقتي الى نحوي قائلة:هيا اصعدي الى غرفتك وارتدي ملابس جميلة
نجمة:لماذا؟
صديقتي:من أجل شراء حوائج العرس المتبقية
نجمة:لا أريد
صديقتي:يعقوب
نجمة:هل يعقوب هنا؟
يعقوب:ما بها نجمتي الجميلة
نجمة:لا اريد شراء شيء ولا اريد الزواج ولا شيء
يعقوب:لا اريد ان اغضب ابدا،خلال عشر دقائق سوف تكونين جاهزة،انا انتظر في السيارة في الخارج،انظري لقد حلقت شعر رأسي تماما مثلك،لكن المشكلة ان شعرك سوف ينمو ويطول أما شعري سوف يبقى قصيرا،هيا انتظركم
نجمة(مستسلمة):حسنا

ذهبنا إلى المول
يعقوب:هل تركضي؟
نجمة:وهل تراني أستطيع
يعقوب:رياضة
نجمة:حسنا

كنا نركض وانا اضحك ونسيت ألمي وكل شيء حتى وضعت في موقف لا أحسد عليه،سقط الشال عن رأسي لأن الشعر المستعار لم يكن ثابتا جيدا،جميع الموجودين أخذوا ينظرون نحوي،منهم من استهزأ بي وضحك ومنهم من أشفق علي،لم أعلم ماذا أفعل
وضعت الشعر المستعار بيدي وقلت موجهة كلامي لهم:لماذا تستهزؤون بي؟ما ذنبي إن سلب السرطان شعري؟ما ذنبي انا ما ذنبي؟

هذا الموقف بقدر ما اوجعني بقدر ما جعلني أشعر بالقوة.

اليوم هو يوم زفافي،الجميع كانوا يرقصون ويضحكون،كانت السعادة تغمرني،ارتديت بدلة بيضاء ووضعت تاجا بسيطا مع طرحة على رأسي بلا شعر مستعار،لم اخجل أبدا،بل أردت أن اكون قوية ولا استسلم،نظرت الى يعقوب،كانت السعادة تبدو عليه،قلت في نفسي:هذا نعمة من الله لي

يعقوب:الحمدلله أصبحتي زوجتي في النهاية
وأخذ يزلغط ويضحك
ضحكت كثيرا ثم قلت له:أحبك يا نعمة من ربي
يعقوب:وأنا أيضا
نجمة:ماذا أيضا؟
حملني بين يديه وأخذ يدور وهو يقول لي:وانا احبك احبك كثيرا

بعد زواجنا بأسبوعين كان يجب أن أعود واكمل العلاج حتى نضمن عدم انشتار المرض في مناطق أخرى،مع كل جرعة علاج أكسب جرعة أمل وتفاؤل،وأن كل شيء سوف يعود كما كان وأن شعري سوف ينبت من جديد،وملامحي سوف تعود جميلة.

في أحد الليالي،بعد جلسة كيماوي قد أخذتها قبل ساعتين،رفعت الغطاء عن جسدي،لم اعد أستطيع تحمله،شعرت أن جسدي ينبض حرارة،استحممت قليلا بالماء البارد ليطفئ اللهيب،لكنه لم يجدي نفعا،شعرت بلهبا يخرج من فمي،كنت اتخيل لو فتحت فمي سيخرج نارا تماما كالتنين،شربت كأسا من النعناع المغلي حتى أشعر قليلا بالراحة.

جلست على الكرسي في المطبخ،تذكرت حينها كلام الطبيب،ان هذه الأعراض جميعها نتيجة الكيماوي،لم اكن اتخيل انها بهذه البشاعة وأن الأدوية والمسكنات لا تجدي نفعا.

عدت الي الغرفة اذ بيعقوب يبحث عني في الطابق العلوي
يعقوب:نجمة حبيبتي هل انتي بخير،هل نذهب الى المستشفى حالا؟
نجمة:لا لا أنا بخير
يعقوب:هل احضر لك دواء
نجمة:قلت انا بخير لا داعي للقلق،هيا للنوم

قاومت كثيرا،للحظة شعرت أن الحياة سوف تقف هنا ولن استطيع ان أكمل حياتي،لكن واخيرا قد جاء اليوم المنتظر.

ذهبت انا ويعقوب الى المستشفى سويا لنستلم نتيجة الصورة التي قمت بإجرائها التي توضح جميع خلايا جسدي،

كان جسدي ينبض خوفا،ويعقوب ممسك بيدي،دخلنا عند الطبيب،بدأ الطبيب بالكلام لم استطع تمالك نفسي،ركضت خارج الغرفة وسقطت ارضا،خفت أن ابقى سجينة في هذه المستشفى خفت أن أواجه الحقيقة لم أستطيع أن اكابر،جاء الطبيب ويعقوب ورائي خارج الغرفة،لا أذكر ما قال الطبيب الا جملة واحد(المرض قد زال اطمئني )،لم اتمالك نفسي دموع الفرحة سقطت على وجنتي،عدت الى منزل أمي وأبوي مباشر احتضنت أمي وبكيت على كتفها،بعد ذلك توضأت وأخذت أصلي أحمد الله وأشكره.

الامر الذي كان صدمة كبير بالنسبة لي،وفاة يامن،علمت بالخبر حين كنت أتصفح الإنترنت،علمت في حينها انه قد توفى إثر حادث سيارة.

قلت في نفسي:وهل يعقل هذا؟ انا التي أتعالج سنتين متواصلات في المستشفى لقد تعافيت،اما هو بلا أي مرض هكذا بهذه السهولة قد توفى،حينها زاد يقيني بالله اكثر وتيقنت أن السرطان ليش هو حكم الموت ليس حكم الإعدام،بل الموت بيد الله وحده.

بعد فترة وجيزة استعدت قوتي بالكامل،وذهب الى المستشفى حيث يعمل يعقوب،وقدمت طلب وظيفة،وبدأت بالعمل بعد قبولي في المقابلة،أكملت حياتي من حيث توقفت.

سجى عواد‎

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى