الثلاثاء ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
صدر حديثا رواية المدنس

أحدث أعمال الروائى والإعلامى المصرى رضا سليمان

المدنس إصدار أدبى جديد من لون أدب التشويق والرعب للكاتب والإعلامى رضا سليمان يلحق بأعماله الروائية "ماريونت. مطلب كفر الغلابة، وحى العشق، ظلال الموتى، شبه عارية، ما قبل اليوم الأخير"، وفى هذه الرواية الجديدة ينتقل بنا الكاتب إلى عالم نفسى غريب وتداخلات بين رغبات السيطرة اللانهائية حتى وإن تعامل راغبها مع الجان فتحل لعنة قاسية تحصد بلا رحمة من يلقى بنفسه إلى هذه الأرض المدنسة.

تحل اللعنة على أسرة الجندى شرموخ ويُقتل عدد غير قليل بطريقة مثيرة وغامضة حتى الجيل الثالث جيل الشباب لتتزعم "كرمة" ومعها شباب العائلة التصدى لهذه اللعنة.. تقابلهم عقبات مثيرة ومرعبة فى جو روائى من الإثارة والتشويق والغموض.

و من بدايات الرواية:

لهذه الرواية، و هى رواية ملعونة كما أُطلق عليها بشكل شخصى، بداية رهيبة، فى أول الأمر كان مجرد حديث مع طبيب صديق حول الباراسيكولوجى جعلنى أبحث عن أحد أهم فروعه و هو "التخاطر". فهل التخاطر أمر بشرى صرف مرتبط بالنفس و ما تحويه من بحور لم يسبر غورها العلماء حتى اليوم، أم أن ثمة تدخل من قوى خفية.. الجان مثلا؟!

مثل أى شخص كتبتُ كلمة "التخاطر" على مؤشر بحث جوجل كى أقرأ عنه و أستقى المزيد.. و .. قرأتُ.. يمر اليوم الأول بسلام.

فى اليوم التالى تتزايد أحلامى بشكل غريب و تأخذ اتجاه غير ما اعتدتُ عليه، كانت أحلامى غالباً مشتتة بين أحداث إجتماعية و أحداث أسرية، أصحو من نومى لا أتذكر معظمها، لكنها تحولت .. منذ هذا اليوم يغلب عليها طابع العنف و الدماء.

أشاهدُ فى أحلامى (التى أشعر بها وكأنها واقع ملموس يحتوى على الكثير من التفاصيل الدقيقة)خلالها شخوص و كأنى أعرفهم من زمن، حتى إنى أتألم بعنف عندما يُصاب أحدهم بأذى، الغريب فى الأمر أن معظمهم كان له نفس صفات أصدقاء أو زملاء أو جيران أعرفهم بشكل مباشر، تمر عدة أيام ولم أهتم بهذا التغيير كثيراً، لكن حينما استيقظتُ فى أحد الأيام مفزوعاً بعد كابوس رهيب يتم فيه تمزيق شخص ما إلى أشلاء بيد مجموعة تحمل أسلحة بيضاء و كأنهم مساعدو جزار يعملون بآلية فى عجل ذُبح منذ لحظات. صفات هذا الشخص الغريب كانت تنطبق تماماً على جارى الأستاذ "وجدى" .. فى هذا اليوم بالتحديد بحثتُ عن الأستاذ وجدى، مررتُ من أمامه وأنا أدقق النظر فى تفاصيل جسده و أتخيله تحت أيدى صبية الجزار و هم يُعملون فيه أدواتهم. حاولتُ أن أتناسى هذا الكابوس و انا أشاهد ابتسامة الرجل الذى لم يُخفى دهشته من نظراتى نحوه، ألقيت التحية عليه و رحلتُ.

لكن ساعات قليلة وكانت المصيبة الكبرى حينما أتى خبر مقتل الأستاذ "وجدى"، حادث مروع أصاب سكان المنطقة كلهم بحالة من الحزن الشديد، تتزايد حالة السخط العام مع انتشار مقطع مصور للحظات ذبحه أمام محله على مواقع التواصل، فقد كان يجلس فى هدوء و دعة و لم يشعر بالقاتل يقترب حتى يقف خلفه و يمسك بشعر رأسه ليجذبه بقوة إلى الخلف بينما يده الأخرى التى تحمل سكين حاد تقطع رقبته لتفصل رأسه عن جسده، تفارق الروح الجسد بينما تُرسم على الوجه علامات الدهشة والفزع، لم تفارقنى نظرته الصباحية نحوى و لا نظرته الفزعة التى سجلتها كاميرات المراقبة المثبتة على واجهة المحل، كنتُ أشعر بأنه ما يزال ينظر نحوى و يود لو يعلم لِمَ قُتِل؟!

هنا بدأتُ أشعر بأن هناك أمر غريب يحدث لى، لم أتحدث مع أحد عن أحلامى، إنما أصبحتُ أنتظر و أراقب، أنتظر ما أشاهده ليلاً و أراقب ما سيحدث نهاراً، بنسبة كبيرة كان ثمة تطابق بين كوابيسى الليلية و أحداثهم النهارية .. أناس أعرفهم و آخرون أجهلهم.. و حينما أشاهد صورهم أتذكر كوابيسى. قررتُ أن أبحث عن آخرين يحدث معهم مثل ما يحدث معى، فهل هى حالة فردية أم ذاك يحدث مع غيرى ..؟!

كتبتُ على صفحتى على فيسبوك عن التخاطر.. أو تطابق الأحلام مع الواقع .. أو رؤية بعض أحداث المستقبل.. و هل تعرض أحد الأصدقاء إلى تجربة ما .. لأن الأمر لم يعد مجرد حدث يمر كما غيره من تفاصيل الحياة، لقد تغلغل بداخلى بشكل جعلنى أقرر الخوض فى كتابة عمل أدبى يكون هذا محوره.

كنتُ أعلم أن ما أمر به ليس تخاطر بشكل حقيقى و إنما هو جزء منه، فلستُ ممن يتحدثون إلى آخرين عبر الأحلام و لكنى لم أكن أمتلك الجرأة على التصريح بتفاصيل حالتى، ففى مجتمعنا يتم نبذ شخص مثلى فى لحظات تحت مسميات عدة.

كانت هناك عدة تعليقات على ما كتبته من الأصدقاء و لكنها لا تزيد عن مجرد كلمات هلامية و ساخرة. لكن بعد مرور عدة أيام وصلتنى رسالة على الخاص، صاحب الصفحة أو صاحبتها أطلق على نفسه، أو أطلقت على نفسها "قلب غراب أبيض" .. اسم غريب يلفت الأنظار، لكنه لم يستوقفنى كثيراً، لأتأمل مغزى اختياره، لأننى أسرعتُ أقرأ الكلمات و قد تملكتنى حيرة و فزع شديدين.

يعرفنى الكثير من خلال أعمالى الأدبية، و مَن يفتح صفحتى على فيسبوك سوف يشاهد على هامش الصفحة كل التفاصيل الخاصة بى و بأعمالى، لذا كانت رسالة "قلب غراب أبيض" تدور حول هذه الجزئية. الرسالة الأولى كانت رسالة مقتضبة، نعم الأولى لأن هناك عشرات من الرسائل و المقابلات الشخصية مع صاحبة " قلب غراب أبيض".. نعم.. كانت فتاة.. فتاة رائعة الحسن سوف أُطلق عليها اسم من اختيارى "كرمة".. فكل الشخصيات خلال الصفحات القادمة تم تغيير أسمائها، و كانت رسالتها الأولى كما يلى:

"إن كنتَ تبحث فى كتابة عمل أدبى عما يطلقون عليه التخاطر فلن تجد أكثر رعباً وإثارة مما مرت به عائلتى، لكنى فى البداية يجب أن أخبرك بأن ما سأرويه لك يحمل فى طياته لعنات لا نهاية لها .. أخبرنى إن رغبتَ"

ما سوف ترويه يحمل اللعنات..!!.. و ليكن..

سيطرت الرواية المنتظرة على تفكيرى و لم أهتم على الإطلاق بتلك اللعنات التى حُذِرت منها .. لكنى مستقبلاً و عندما أشرع فى كتابة الرواية سوف أصاب بكم هائل من هذه اللعنات .. ذلك ما سيجعلنى كما ذكرتُ فى البداية أُطلق عليها اسم الرواية الملعونة.

من تلك اللعنات التى حلت علىَّ بمجرد الانطلاق فى الكتابة حالات وفاة مفاجئة فى عائلتى.. مرض أقرب الأشخاص إلىَّ بأمراض خطيرة، و أمراض أصابتنى أنا بشكل مباشر، تدهور فى الكثير من صفقات العمل و العلاقات الاجتماعية..

ما سبق يمكن أن يأتى بشكل طبيعى و لا علاقة له بتلك الرواية، لكن الغريب أن كل موقف من تلك المواقف كان يحدث مباشرة عند إمساكى بقلمى و أوراقى و كتابة أحد فصول الرواية.

كنت ألتقى كرمة لتحكى لى ما يعادل فصل من فصول الرواية، تحكى بقلب دامٍ و عيون مشتعلة تنزف. أترك الأحداث بداخلى يوم أو أكثر كى تجد لها المخرج الأدبى المناسب للرواية، و عندما أشعر برغبة فى الكتابة أجلس لأبدأ .. فتحدث مصيبة ما.

كنتُ قد وصلت تقريباً إلى منتصف الرواية حينما أدركتُ ارتباط تلك الأحداث الرهيبة التى أمر بها بكتابتى فصل جديد فى الرواية، ففى البداية لم يذهب عقلى إلى هذا الربط.. لكن مع التكرار.. مع الترابط المباشر.. أدركتُ ذلك.

طالت مدة كتابة الرواية حتى تخطت الحد المعقول بسنوات، أخبرتُ كرمة بما يحدث و كانت إجابتها أنها تعلم و أنها أخبرتنى من البداية و أنا مَن صممتُ على خوض التجرب
من ضمن ما أخبرتنى به فى اللقاءات الأولى أن لعنة ما.. تركها "المدنس".. لعنة تصيب كل مَن له علاقة أو على اطلاع بهذه الأحداث، ما بالنا و أنا أصوغها فى رواية ..!! لكن ذلك العناد المتولد بداخلى مع رغبة فى التحدى جعلونى أواصل العمل عليها حتى نهايتها.

قبل أن أبدأ فى سرد تفاصيل الرواية الملعونة.. رواية المدنس.. ثمة أمر أخير يتحتم علىَّ تنفيذه.. فقد أُمرتُ به.. و هو أن أخبرك صديقى القارئ بأنك ستكون ممن تصيبهم لعنة المدنس هذا.. فإن كنتَ تبتغى السلامة .. فنصيحتى لك ألا تقرأها.. أما إن كنت تحمل قلب مغامر حقيقى.. فلتقرأ.. و لتتحمل النتائج .. لكن لا تُلقى علىَّ بأية لائمة.. لأننى ببساطة حذرتك ألا تقرأ تلك الرواية الملعونة..

رواية المدنس.

ومن أجواء الرواية:

كانت هناك.. بين المقابر.. فى طرقاتها الموحشة والظلام كتلة صماء، يجرها من شعرها، زوجها مصطفى الجندى، بيد واحدة، رغم ألمها الرهيب تندهش، إنه بكامل قوته وعنفوانه وكأنه يجر دمية خلفه، بيده الأخرى سكين حاد يبرق فى الظلام مثل عينى ذئبٍ، تستعطفه وهى تحاول اللحاق به، قدماها لم تكونا قادرتين على الانتصاب وحملها، ثم أن قوته الرهيبة فى جرها بهذا الشكل قد ذهبت بأى قوة لديها فاستسلمت لما يحدث، لسانها فقط يلهج ببعض الحروف لتجتمع بين الفينة والأخرى بكلمات مثل "أرجوك.. أحبك.. لا تفعل.. إنها شائعات يا مصطفى"، لكن الرجل صاحب الوجه الصارم والعينين اللتين مثل قصعتى جمر ملتهب لم يكن يمتلك أذنا ليسمع بها، وأنه يتحرك مدفوعًا بقوى خفية، تمر الدقائق ثقيلة وهو ينتقل بها بين المقابر من شارع إلى شارع حتى يصل إلى مقبرة لها جدران مبطنة بالجرانيت الأسود، تتزايد سرعة الرياح لتضرب جدران المقابر فتصدر أصوات شبيهة بصرخاتٍ فزعة، يعوى ذئب، ينعق غراب، بوم ينعب.. يسقط شهب نارى من السماء بسرعة جنونية.

يقذف بها إلى تلك المساحة الضيقة أمام باب المقبرة، تتكور مكانها وعلامات الرعب الحقيقية قد طُبعت على وجهها، تلملم جسدها، تمزقت ثيابها إثر جرها على أرض صخرية، سالت الدماء من أماكن متفرقة، تشوَّهت تفاصيل جمالها بدماء مختلطة برمال الطريق ودموع تفيض مثل نهر، صدر نافر يعلو ويهبط بعنف ليفقد روعته ويلقى ذعرًا رهيبًا على صاحبته التى تختنق أنفاسها.

يتأمل مصطفى المكان لحظات، ينظر فى اتجاه باب المقبرة وشفتاه تتحركان ببطء، فجأة يرفع رأسه إلى السماء ثم يطلق عواء طويل مثل عواء ذئب مجنون قبل أن يرفع يديه إلى أعلى بذلك السكين الحاد ليهوى به فوق رقبتها ليفصل الرأس عن الجسد. مفزوعة تطلق صرختها التى تفر من قوتها خفافيش الليل وجنادب المقابر وزواحفها.

جدير بالذكر أن رضا سُليمان كاتب مصري، ولد عام 1972حصل على ليسانس الآداب قسم الإعلام جامعة الزقازيق، يعمل حاليًا مخرجًا بالإذاعة المصرية شبكة البرنامج العام، له العديد من المسلسلات والبرامج الدرامية الإذاعية تأليفًا وإخراجًا أشهرها أوراق البردي، قطوف الأدب من كلام العرب، همسة عتاب. محاضر مادة فن الكتابة و الإخراج الإذاعى بكليات و أقسام الإعلام. حصل على العديد من الجوائز الأدبية والفنية منها جائزة كتاب اليوم الأدبي، جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، جائزة زايد الذهبية للإبداع، جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان تونس للإعلام العربي، جائزة الإذاعيون يبدعون.

صدر له: المسرحية الكوميدية: آدم تو. روايات: عمدة عزبة المغفلين. مطلب كفر الغلابة. ماريونت. وحى العشق.ظلال الموتى.شبه عارية.ماقبل اليوم الأخير.وأخيرا رواية المدنس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى